استثمارات مليارية في الطاقة و«التحويلية».. رئيس «أرامكو»: تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الصين
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
بكين – واس
حدّد رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين الناصر، الخطوط العريضة لإمكانية تعزيز التعاون مع الشركاء الصينيين.
جاء ذلك في كلمته بمنتدى التنمية الصيني في بكين، والتي سلّط الضوء على إمكانات دعم العولمة الاقتصادية الشاملة من خلال علاقة أوثق بين أرامكو السعودية وشركائنا في الصين، مستعرضاً بشكل خاص، المجالات التي من شأنها تعزيز التعاون بين أرامكو السعودية وشركائها الصينيين الإستراتيجيين، من خلال تقنيات الحد من الانبعاثات، وتطوير المواد، وقطاع المواد الكيميائية.
وقال الناصر: “تمكّنت الصين في العقود الأخيرة من تحقيق إنجازات مذهلة هي موضع إعجاب كبير بالنسبة لنا، وخاصة نموها الاقتصادي الملحوظ وقدرتها على مواجهة العديد من التحديات، وفي الواقع، هذه هي اللحظات التي يتم فيها الكشف عن قيمة الشركاء الموثوق بهم، ونحن في أرامكو السعودية نفخر بكوننا أحد موردي الطاقة الأكثر موثوقية في الصين، ولا تزال أرامكو السعودية على هدفها الراسخ بأمن الطاقة في الصين على المدى البعيد، ما سيدفع بالمزيد من النمو والتنمية في هذا البلد الكبير”.
وأفاد المهندس الناصر بالنسبة لأنشطة أرامكو السعودية المستقبلية في الصين، فإن من الواضح لنا أنه مع تركيز الصين على تحقيق تنمية ذات جودة عالية، بدأت تظهر فرص أكبر للاستثمار والتعاون، ولهذا السبب تحتل الصين مكانة بالغة الأهمية في إستراتيجيتنا الاستثمارية العالمية، وفي الواقع، كانت أرامكو السعودية من بين المستثمرين المباشرين الروّاد في الصين خلال العام الماضي. ولكننا لسنا مجرد مستثمرين، والصين ليست مجرد سوق بالنسبة لنا. نريد أن نكون الشريك الأول في رحلة التنمية الاقتصادية بالصين، حيث يتم التركيز بوضوح على الفرص الجديدة.
أهداف وشراكة
وبين أن الصين تُعد بالفعل قوة تمثّل 40 % من حجم المبيعات العالمية في مجال الكيميائيات، فيما حازت أرامكو السعودية مكانة كبيرة أيضًا في هذا المجال، مع حصة الأغلبية في شركة سابك، وهي شركة عالمية رائدة، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى خططنا لرفع الإنتاج من أعمال تحويل السوائل إلى مواد كيميائية إلى أربعة ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن الأهداف الإستراتيجية للصين ولأرامكو السعودية في مجال المواد الكيميائية متوافقة تماماً.
وأضاف أنه قد شهدنا إجراءات مبكرة لأرامكو السعودية على أرض الواقع خلال العام الماضي حيث كانت هناك اتفاقيتين لاستثمارات بمليارات الدولارات في مجال تحويل السوائل إلى كيميائيات في الصين، ونحن نطور حاليًا فرصًا استثمارية إضافية مع شركائنا الصينيين للمساعدة في بناء قطاع كيميائي رائد عالميًا.
وفيما يتعلق بآفاق التعاون بين أرامكو السعودية والصين للحدّ من الانبعاثات، قال الناصر: “من الواضح أن الطاقة المنخفضة الكربون تُعد مجالًا يحظى بأهمية عالمية، ويشمل ذلك الطموحات المناخية لبلدينا، وتتمتع الصين بنقاط قوة متميّزة في مصادر الطاقة المتجددة والمواد الحيوية، في حين أن المملكة وأرامكو السعودية لديهما هدف واضح فيما يتعلق بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين والوقود الكهربائي، وتتمتع هذه المجالات بإمكانات كبيرة على المدى البعيد، ولذلك فإن الجمع بين نقاط قوتنا يمكن أن يتناسب مع طموحاتنا”.
وفيما يتعلق بإمكانيات التعاون الوثيق بين أرامكو السعودية والصين في مجال التقنيات، قال الناصر: “هناك مجال إستراتيجي للتعاون وهو رأس المال الجريء حيث ضاعفنا، مؤخرًا، تمويل ذراع رأس المال الجريء لدينا ليصل إلى 7.5 مليارات دولار أمريكي، مع التركيز على الابتكار الصناعي، والتقنيات الثورية، والاستدامة، كما أن هناك فرصاً جذابة للصين وأرامكو السعودية للتعاون في كل هذه المجالات”.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: بین أرامکو السعودیة فی الصین فی مجال مجال ا
إقرأ أيضاً:
الشراكة العُمانية - السعودية بوابة لنهضة خليجية مُستدامة
لم تكن قاعات قصر «البستان» في مسقط -زمن انعقاد منتدى حوار المعرفة العُماني-السعودي الأسبوع المنصرم- منصات للخطابة والاستهلاك المعرفي غير الناضج، وإنما نشبّهها بمختبرٍ لصناعة المستقبل؛ إذ اجتمعت نحو 70 جامعة سعودية بجانب مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عُمان، وبصحبة مراكز أبحاث وشركات ابتكار؛ ليسطّروا على صفحات الخليج العربي رؤيةً مشتركةً تبدأ من حجر الأساس: التعليم والبحث العلمي. لا غرو أن هذه الشراكة تستند إلى وشائج الدين واللغة والعادات التي وحّدت البلدين منذ قرون، وتمتد جسور هذه الشراكة في عصرنا الحديث وتتوسع بوجود عوامل جيوسياسية جديدة؛ فعُمان بوابةُ المحيط وبحر العرب، والمملكة العربية السعودية صاحبة الممرّات البرية والاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، ومع تدشين منفذ الربع الخالي -قبل عدّة سنوات- وما رافقه من تسهيل لوجستي؛ تقلّص زمن نقل البضائع بين الدَّقم والرياض من أيام إلى ساعات، مُعلنًا ميلاد شريان تجاري يرفد الرؤيتين الوطنيتين معا.
بدا مشهد هذا اللقاء كأنه ورشةٌ كبرى لإعادة هندسة المستقبل؛ فالتحمت الإرادة السياسيّة بالشغف الأكاديمي، والتقت رؤيتا «عُمان 2040» و«السعودية 2030» على أرض تؤمن أن التقدّم ينطلق من مصاب التعليم وشرارات البحث والابتكار، وأنّ الأمم لا تُقاس بما تحوزه من حقول تحت الأرض، وإنما بما تُنمِّيه من حقولٍ في العقول، وأن كل استثمار في الإنسان يُنبت بعد سنين ما يعجز الذهب الأسود عن توريده ساعةَ الأزمات، ولعلّ أبرز ما يميّز هذه الشراكة أنّها تستمدّ قوتها من ثلاثة مجارٍ تصبّ في حوضٍ واحد: المجرى الأوّل ثقافيٌّ صرف يتمثّل في الدين، واللسان العربي الذي يسبح في بحورٍ متقاربة من البلاغة، وفي عادات تقرّ بأعراف العرب وتقاليدها الأصيلة، والمجرى الثاني جيوسياسي؛ فتملك عُمان نافذةً رحبةً على بحر العرب والمحيط الهندي، وتتربّع المملكة على عقدة الطرق البرّيّة الكبرى التي تصل شرق الجزيرة العربية بغربها وشمالها بجنوبها، ويتمثّل المجرى الثالث في طموح اقتصادي جديد يدرك أن مستقبل الطاقة يتلوّن ما بين الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي والصناعات التحويليّة المتقدّمة؛ فنراه طموحا ينعكس واقعا في وثيقة «الرؤية» لدى البلدين؛ حيث تُرفع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية إلى نصف الناتج المحلي -في السعودية- وإلى أكثر من تسعين في المائة -في عُمان- مع إطلالة منتصف القرن الحالي.
يعطف هذا الطموح بداهةً على التعليم والبحث العلمي؛ فلم يكتفِ المنتدى الأخير نيّات عامة، ولكنه أسفر عن خريطة طريق تقضي بإنشاء برامج تبادلٍ طلابي وأكاديمي واسعة، وإطلاق مشروعات بحثية مشتركة في قطاعات الطاقة المتجدّدة والتقنية الحيويّة والذكاء الاصطناعي، وبالإضافة إلى تأسيس حاضنات ابتكارٍ صناعية في الدُّقم العُمانية ونيوم السعودية. مع ذلك؛ فإن رغبة البلدين بالمضي قدما نحو اقتصاد المعرفة يتطلب بنيةً تحتيّةً للبيانات والتشريعات، وإلا؛ فلا قيمة للطموحات والخطط إن بقيت حبيسة الأدراج وذاكرات الحواسيب، وهنا يتطلب من البلدين أن يُسرّعا اعتماد معيارٍ أكاديمي موحَّد يمكّن خريجي الجامعات من الانتقال بين أسواق العمل بلا حواجز، وأن يشيّدا منصةً رقمية تربط مراكز الأبحاث بالصناعة وصاحب العمل بالمبتكر؛ فلا تغادر براءة اختراعٍ إلى الخارج إلا بعد أن يُعرض الاستثمار فيها محليا.
عودة إلى أهمية التعاون المعرفي المنطلق من قاعدة التعليم الذي يمثّل حجر الزاوية في تحقيق أهداف البلدين المشتركة؛ فإن سلطنة عُمان خصصت وفقَ رؤيتها برامجَ وطنية للإصلاح التعليمي منها: رفع معدل المشاركة في التعليم الجامعي، وتطوير المناهج لتحفيز الإبداع والبحث العلمي؛ لأجل رفع جودة الابتكار استنادا إلى مؤشرات الابتكار العالمي؛ فتسعى إلى أن تكون ضمن أفضل 20 دولة بحلول 2040، وكذلك نلحظ الطموح السعودي؛ حيثُ عملت السعودية حسب رؤية 2030 على رفد البنية التحتية للبحث والتطوير، وزيادة أعداد المؤسسات البحثية والجامعات داخل المملكة، وتخفيض نسبة الباحثين عن العمل بين خريجي الجامعات بحلول 2030.
لم تأتِ دعوات التعاون الأكاديمي في هذا المنتدى من فراغ، ولكن نتيجةَ حاجة ماسّة يطمح إليها البلدان؛ إذ شهد المنتدى -كما أشرنا آنفا- مشاركةَ عدد كبير من جامعات سعودية وعُمانية، وهذا ما أتاح فتح شراكاتٍ أكاديمية؛ لتعميق البحث المشترك، وتبادل الكفاءات الطلابية والأكاديمية، وتأسيس مراكز مخصصة للابتكار. تشير كثيرٌ من الاستطلاعات والتجارب إلى أن توأمة المؤسسات كفيلة بأن ترفع من معدلات الإنتاج البحثي والعلمي بمقدار الضعف في غضون سنوات قليلة؛ فتترجم إلى واقع صناعي واقتصادي متين؛ لنعوّل على عدم حصر الشراكة العمانية-السعودية في البعد الأكاديمي؛ فنأمل أن نرى امتدادها واقعا عبر مشروعات مثل إنشاء مجمعات صناعية تقنية مشتركة عبر خط مباشر سريع بين محافظة ظفار العُمانية ومنطقة جيزان السعودية؛ فتستوعب مصانع للمنتجات الدوائية والأغذية والتقنيات النظيفة.
تثبت لنا التجارب ضرورة أن تُدعم هذه الخطوات بآلية تطبيق تبدأ بورشة تنسيق عليا تضم الجهات الحكومية المعنية، ويُعقبها إنشاء وحدة متابعة مشتركة تتولى إصدار تقارير نصف سنوية عن سير العمل بجانب تفعيل المساءلة والشفافية عبر نشر هذه التقارير على المنصات الرسمية، وينبغي أن يرافق ذلك تخصيص صندوق تمويل بمساهمة نسبية معينة لكل من البلدين؛ لتمويل المشروعات المشتركة في أول خمس سنوات. لا تنتهي المهمة عند حدود تحقيق الأهداف الرقمية والاقتصادية، وإنما ينبغي أن يمتد التحدي إلى صقل العنصر البشري؛ فلا يلبي إطلاق برامج للتبادل الطلابي حاجة دراسية فحسب، ولكنه يبني شبكة علاقاتٍ مستدامة بين رواد المستقبل، وتكون الجامعة فيها مدخلا للمنافسة المعرفية والابتكار التنظيمي.
كما نطمح لمشروع الشراكة العُمانية-السعودية أن يتسع؛ فإن طموحنا -على الأقل في قطاع التعليم- لمثل هذا التعاون التعليمي أن يتسع ليشمل دولا عربية أخرى، وهذا ما سبق أن تطرقنا إليه في مقال الأسبوع المنصرم؛ ونجدد إبراز رغبتنا بأهمية تأسيس مجلسٍ علمي عربي يجمع وزراء التعليم والبحث من الدول العربية؛ فيُحدد أولويات إستراتيجية للشراكة، ولنا من التجارب الناجحة بين دول العالم -رغم ما يعتريها من اختلاف في اللغة وبعض المفاصل الثقافية-؛ فنأخذ مثلا ما أظهرته التجربة الأوروبية من نجاح عن طريق وجود آلية مركزية للتنسيق في قطاع المعرفة وتحولاته الاقتصادية.
لا يمكن للشراكة العُمانية-السعودية أن تكون بمثابة المحطة العابرة في سجل العلاقات الثنائية وحسب، ولكننا نراها بذرةَ مستقبل تتغذّى على إرثٍ ثقافي عميق، وتُسقى برؤى إستراتيجية واعية، وتنمو بأدوات العصر الرقمي والمعرفي، ومن المهم ألا يتوقف ما استُعرِضَ في منتدى حوار المعرفة عند حدود اللقاء وطرح الرؤى؛ فنطمح أن يُتبعَ بخطط تنفيذية فاعلة، وشبكات بحثية مشتركة، وتبادل أكاديمي متين، وتمويل ابتكاري يُثمّن العقل ويحتضن الفكرة. في هذا العصر المعقّد، لن يُكتب لمَن يقف في هامش المعرفة سوى أن يكون تابعا، ولكن من يتقدّم إلى قلب الحراك العلمي العالمي؛ فهو مَن يصوغ التاريخ لا مَن يكتبه وحسب، وفي هذه المحطة، سنعتبر الشراكة ليست مجرد خيار، وإنما مصير مشترك يليق بالأمم الحيّة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني