كيف أضرّت الحرب على غزة بسُمعة الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا؟.. تقرير يجيب
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا، للصحفي إيشان ثارور، قال فيه "إن مسؤولا أمريكيا رفيع المستوى حذر نظرائه الإسرائيليين، خلال حوار حاد في وقت سابق من هذا الشهر، من الضّرر الذي قد يلحق بسمعتهم نتيجة للحرب المستمرة في غزة".
وأشار المقال إلى "المذكرة الداخلية للحوار التي شارك فيها مساعد وزير الخارجية، بيل روسو، والتي حصل عليها مراسل الإذاعة الوطنية العامة (NPR)، دانييل إسترين، قدّمت مثالا آخر على الخلاف بين إدارة بايدن وإسرائيل، والذي كان مدفوعا إلى حد كبير بالقلق الأمريكي المتزايد من الخسائر الإنسانية الناجمة عن الصراع ودور إسرائيل في جعل الأمور أسوأ، حتى في الوقت الذي تحمي فيه الولايات المتحدة إسرائيل في المنتديات الدولية وتساعد في تجديد آلة الحرب لديها".
وتابع: "وفقا لـ NPR، قال روسو في مكالمته الهاتفية في 13 آذار/ مارس إن إسرائيل، والولايات المتحدة، باعتبارها الضامن الأمني لإسرائيل وحليفها الوثيق، يواجهان "مشكلة مصداقية كبيرة" بسبب الحرب، وعدد القتلى الفلسطينيين المذهل (الآن أكثر من 32 ألف شخص)، والمجاعة التي هي من صنع الإنسان والتي تجتاح المناطق المدمرة في قطاع غزة، والإحباط العالمي المتزايد إزاء إصرار إسرائيل على إطالة أمد الحرب للقضاء بشكل كامل على حركة حماس المسلحة".
وجاء في المذكرة: "يبدو أن الإسرائيليين غافلين عن حقيقة أنهم يواجهون ضررا كبيرا، ربما على مدى أجيال، لسمعتهم ليس فقط في المنطقة ولكن في أماكن أخرى من العالم. نحن قلقون من أن الإسرائيليين يفتقدون الرؤية الشاملة ويرتكبون خطأ استراتيجيا كبيرا في إهمال الضرر الذي لحق بسمعتهم".
"وسخّر محاور روسو الإسرائيلي من هذا الادعاء، مشيرا إلى أن الغضب تجاه إسرائيل أكثر انتشارا عبر الإنترنت وعلى منصات التواصل الاجتماعي مثل تيكتوك مقارنة بالعالم الحقيقي، وفقا للمذكرة" يضيف المقال، متابعا: "ويتوافق هذا الرأي مع الرفض الإسرائيلي الحالي للانتقادات الخارجية، بما في ذلك التأكيدات الأخيرة على أنها لا تتعارض مع القانون الدولي من خلال تقييد تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة".
وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، السبت، للصحفيين عند معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر. فيما قال في معرض حديثه عن محنة الفلسطينيين في غزة، الذين نزح الجزء الأكبر منهم من منازلهم ويعانون الآن من الجوع: "الناس في جميع أنحاء العالم غاضبون من الفظائع التي نشهدها جميعا في الوقت الحقيقي.. إنني أحمل أصوات الغالبية العظمى من العالم: لقد رأينا ما يكفي، لقد سمعنا ما يكفي".
ولا يزال المسؤولون الإسرائيليون غير متأثرين. وفي اليوم نفسه، وبينما كرّر نظرائه في الأمم المتحدة الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار وتحقيق هدف أعمق يتمثل في حل الدولتين، تحدث جلعاد إردان، سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، بدلا من ذلك على الحاجة إلى فرض برنامج غامض لـ"القضاء على التطرف" على كافة السكان الفلسطينيين. وقال إن غالبية الفلسطينيين لا يريدون السلام وشبههم بالألمان الخارجين من الرايخ الثالث.
وجاءت تصريحاته في الوقت الذي فشل فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرّة أخرى في الاتفاق على قرار يدعو إلى شكل من أشكال الهدنة في الصراع. هذه المرة، بعد سلسلة من استخدامات الفيتو الأمريكية، طرحت إدارة بايدن مشروع قرار خاص بها لم يصل إلى حد المطالبة بوقف إطلاق النار فعليا، لكنه استشهد بـ"حتمية" تحقيق ذلك. واستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد المحاولة التي أيدتها 11 دولة في الهيئة المكونة من 15 دولة.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة من الجزائر، التي صوتت أيضا ضد القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة، أن "هذا القرار يسمح ضمنيا باستمرار وقوع خسائر في صفوف المدنيين ويفتقر إلى ضمانات لمنع المزيد من التصعيد. إن الاستمرار في قتل المدنيين الفلسطينيين هو جواز مرور".
يجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم في مأزق غير مريح. إنهم يخدمون على المسرح العالمي حكومة الاحتلال الإسرائيلي المعزولة بشكل متزايد ولا تحظى بشعبية، بينما يحاولون بشكل متقطع وراء الكواليس إقناع رئيس الوزراء اليميني، بنيامين نتنياهو، بالسير في طريق مختلف، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وأوضح المقال نفسه: "قد تمسّك نتنياهو بموقفه ورفض مؤخرا طلبات من وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، لإعادة النظر في الهجوم العسكري الذي يلوح في الأفق على رفح".
وفي الوقت نفسه، يقوم زعماء العالم في أماكن أخرى، وحتى الحلفاء، بتوبيخ الولايات المتحدة لتواطئها في الأزمة المستمرة. وقال رئيس الوزراء الأيرلندي، ليو فارادكار، في ظهور مشترك في البيت الأبيض، مع الرئيس، بايدن، في يوم القديس باتريك: "عندما أسافر حول العالم، يسألني القادة في كثير من الأحيان عن سبب تعاطف الأيرلنديين الكبير مع الشعب الفلسطيني. الجواب بسيط: نحن نرى تاريخنا في عيونهم. قصة تهجير وسلب، وهوية وطنية موضع شك وإنكار، وهجرة قسرية، وتمييز، والآن الجوع".
ذكر زملائي في تقاريرهم، الأسبوع الماضي، أن "الإدارة سعت إلى الضغط على إسرائيل للعمل من أجل وقف إطلاق النار لمدة أسابيع، مما يتيح زيادة كبيرة في المساعدات، دون الذهاب إلى حد وقف تسليم الأسلحة لمواصلة حربها ضد حماس"، فيما أصبح التناقض غير مقبول ويؤدي إلى انقسامات أكثر وضوحا داخل إدارة بايدن.
وقال أحد مستشاري البيت الأبيض، لزملائي: "إن الوضع الإنساني لا يطاق بالمعنى الحرفي للكلمة، إنه آفة على وعي الإنسانية. هذا النوع من الأشياء لا يمكن أن يحدث في العصر الحديث. إن الوضع الإنساني هو الذي دفعنا إلى تجاوز الخط إلى مواجهة مفتوحة مع الإسرائيليين".
وفي واشنطن، حاولت مجموعة من 17 عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ تكثيف الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ودعوا إدارة بايدن إلى رفض المزاعم الإسرائيلية بأنها لا تنتهك القانون الدولي من خلال تقييد المساعدات الإنسانية. وجاء تدخلهم في وقت يتزايد فيه الجدل داخل بعض الدوائر في واشنطن حول تعليق عمليات نقل الأسلحة إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلية.
إلى ذلك، قال السيناتور، كريس فان هولين (ديمقراطي عن ماريلاند) لزملائي: "لا أرى كيف يمكن لأي شخص أن يحدد الوضع داخل غزة في الوقت الحالي، مما يشير إلى وجود نظام مقبول لتوصيل المساعدات الإنسانية، ومن الواضح تماما أن القيود التي فرضتها حكومة نتنياهو هي السبب الرئيسي في الأزمة الإنسانية هناك".
وبشكل منفصل، أصدرت منظمتا حقوق الإنسان أوكسفام، وهيومن رايتس ووتش، تقريرا مشتركا، الأسبوع الماضي، يوثق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المزعومة في إعاقة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. ودعوا إدارة بايدن إلى الالتزام بالقانون الأمريكي وتعليق عمليات نقل الأسلحة على أساس أن تأكيدات الاحتلال الإسرائيلي بأنها لا تتعارض مع القانون الدولي لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد.
وقالت سارة ياجر، وهي مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن، في بيان: "هناك أسباب وجيهة وراء حظر القانون الأمريكي دعم الأسلحة للحكومات التي تمنع المساعدات المنقذة للحياة أو تنتهك القانون الدولي بالأسلحة الأمريكية.. نظرا للأعمال العدائية المستمرة في غزة، فإن تأكيدات الحكومة الإسرائيلية لإدارة بايدن بأنها تفي بالمتطلبات القانونية الأمريكية ليست ذات مصداقية".
وختم المقال بالقول إنه "في الوقت الراهن، فإن مشكلة مصداقية دولة الاحتلال الإسرائيلي هي أيضا مشكلة الولايات المتحدة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الولايات المتحدة قطاع غزة الولايات المتحدة غزة قطاع غزة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الإنسانیة الاحتلال الإسرائیلی الولایات المتحدة القانون الدولی إدارة بایدن فی الوقت
إقرأ أيضاً:
إيران وإسرائيل وأمريكا بعد الحرب: لا رابح.. ولكن معادلات جديدة
بعد أسبوعين من التصعيد العسكري الخطير بين إيران وإسرائيل، بدعم أمريكي غير مباشر، ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تبرز حقيقة واضحة: لا أحد خرج منتصرًا من هذه الحرب، لكن الجميع خرج بدروس عميقة. فقد كشفت المعركة أن القوة وحدها لا تكفي، وأن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من إعادة التوازنات، وربما التفاهمات غير المعلنة.
إيران: باقية وقادرة على الرد
رغم الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدتها إيران، خصوصًا في منشآت حساسة وقيادات عسكرية، إلا أنها أثبتت أنها لا تزال قادرة على الرد بقوة، وتمتلك شبكة إقليمية معقدة من الحلفاء قادرة على فتح عدة جبهات في وقت واحد. حزب الله، الحشد الشعبي، والحوثيون جميعهم باتوا عناصر ضغط في يد طهران.
الرسالة الأهم التي بعثت بها إيران عبر هجماتها الصاروخية والمسيّرات: “لسنا لقمة سائغة”. ورغم التفاوت الكبير في الإمكانيات، فإن مبدأ الردع تحقق بشكل غير مسبوق.
إيران: بين الخسائر التقنية والانتصار الرمزي
رغم أن الحرب كشفت عن اختراقات استخباراتية وأمنية مؤلمة داخل إيران، خصوصًا استهداف قيادات عسكرية حساسة ومواقع استراتيجية، إلا أن النتيجة الاستراتيجية تميل لصالحها.
لقد أثبتت إيران أنها تملك صواريخ دقيقة، وتكنولوجيا طائرات مسيّرة متقدمة، وقادرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية المتطورة.
وهذا ما أعاد صياغة الصورة الذهنية لقدراتها العسكرية، ليس فقط في المنطقة، بل حتى على مستوى المجتمع الاستخباراتي والعسكري الغربي.
إيران الآن، وبعد هذه المواجهة، مرشحة لأن تصبح قوة ردع إقليمية فاعلة، بل وربما سوقًا مفتوحًا لإنتاج وبيع السلاح لحلفائها وشركائها من الدول والتنظيمات. ومن المتوقع أن تستثمر هذه التجربة في تسريع تطوير صناعاتها العسكرية، وفرض معادلة جديدة: “لسنا فقط مقاومة… بل نملك منظومة ردع كاملة وقابلة للتصدير”.
إسرائيل: القوة لا تكفي
لأول مرة منذ عقود، تواجه إسرائيل تهديدًا مباشرًا من إيران على أراضيها، في وقت تعاني فيه من أزمة سياسية داخلية وانقسام شعبي متزايد. ورغم تفوقها العسكري، أدركت تل أبيب أن الحرب ضد إيران لا يمكن حسمها بضربات خاطفة.
فشل حكومة نتنياهو في تحقيق نصر حاسم، وتزايد الضغوط الداخلية، جميعها عوامل دفعت نحو قبول وقف إطلاق النار، وإن بدا مشروطًا وغير مستقر. لقد فهمت إسرائيل أن حسم المعركة مع إيران يتجاوز قدراتها المنفردة.
الولايات المتحدة: بين الردع وعدم التورط
رغم دعمها الثابت لإسرائيل، فإن الولايات المتحدة لم تكن راغبة في الانخراط المباشر في حرب شاملة، خصوصًا مع انشغالها بملفات الصين وروسيا. لذلك اكتفت واشنطن بتقديم الدعم اللوجستي والدبلوماسي، ودفعت باتجاه وقف التصعيد.
تدرك واشنطن اليوم أن القوة وحدها لا تصنع الاستقرار، وأن التفاهم مع إيران، رغم صعوبته، قد يكون أكثر واقعية من خوض حروب لا يمكن ضمان مآلاتها، ولا تتحمل تكاليفها في هذا التوقيت الجيوسياسي الحرج.
التكاليف الباهظة… وصدع شعار “أمريكا أولًا”
منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”، سارعت الولايات المتحدة إلى دعم إسرائيل بشكل مباشر، وبلغ حجم المساعدات العسكرية والمالية حتى الآن أكثر من 22 مليار دولار، شملت منظومات دفاع جوي، ذخائر دقيقة، ودعم استخباراتي ولوجستي.
كما أن واشنطن لا تزال تتحمل الجزء الأكبر من ميزانية حلف الناتو، والتي بلغت خلال السنوات الأخيرة ما يزيد عن 35 تريليون دولار كمجموع التزامات أمنية وعسكرية في أوروبا وحول العالم.
هذا الانخراط المكثف خارج الحدود، يُضعف من صدقية شعار “أمريكا أولًا”، خاصة في نظر الرأي العام الأمريكي، الذي يُطالب منذ سنوات بتقليص الإنفاق الخارجي، والتركيز على التحديات الداخلية مثل التضخم، الحدود، التعليم، والبنية التحتية.
وتواجه الإدارة الأمريكية سؤالًا صعبًا: كيف يمكنها الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل والناتو، والانخراط في صراعات بعيدة، بينما تعاني الداخل الأمريكي من انقسامات اقتصادية وسياسية عميقة؟
سؤال حرج: لماذا لم تشترط إيران وقف العدوان على غزة؟
من أكثر التساؤلات حساسية بعد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل هو:
لماذا لم تُصرّ إيران على وقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين كشرط أساسي في تفاهمات التهدئة؟
رغم أن إيران ترفع شعار “دعم المقاومة” منذ عقود، إلا أن غياب اشتراط وقف الحرب على غزة في أي تفاهم أو مساعٍ للتهدئة أثار شكوكًا حول أولويات طهران الحقيقية.
هذا الموقف أو غيابه، فتح الباب أمام أصوات تقول إن إيران – في لحظات معينة – قد تُقدّم مصالحها الاستراتيجية على حساب القضية الفلسطينية، وإنها مستعدة لتفاهمات تُحصّن أمنها دون شرط حماية حلفائها.
لكن بالمقابل، لا يمكن تجاهل أن إيران ما تزال تعتبر ورقة فلسطين رصيدًا دائمًا في خطابها الإقليمي، وربما تسعى في المرحلة المقبلة إلى العودة للعب هذا الدور بشكل أوضح، من خلال الضغط السياسي والدعم العسكري غير المباشر، خصوصًا إن تعثرت تفاهماتها مع واشنطن.
وإذا أرادت إيران الحفاظ على شرعيتها كـ”راعية للمقاومة”، فعليها أن تربط أي تهدئة مستقبلية بملف فلسطين، وإلا ستخسر هذا الرصيد الرمزي أمام حلفائها وشعوب المنطقة.
ما بعد الحرب: توازنات جديدة وتحالفات قيد التشكل
ما يمكن قوله بثقة بعد هذه الحرب، هو أن الأوضاع في المنطقة والعالم لن تعود كما كانت. فهذه المواجهة لم تكن مجرد اشتباك محدود، بل لحظة كاشفة لحدود القوة الأمريكية، ولعجز إسرائيل عن فرض معادلة ردع من طرف واحد، ولقدرة إيران على الصمود والرد.
الدول التي لا تتفق مع إسرائيل والولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط أو خارجه، ستأخذ هذه النتائج بعين الاعتبار، وستعمل على بناء قدراتها الذاتية، وتطوير تحالفات جديدة، لا تقوم فقط على الردع العسكري، بل على توازنات تشمل الاقتصاد، الطاقة، والتحالفات السياسية.
العالم يبدو متجهًا نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث لم تعد واشنطن قادرة على رسم المسارات وحدها، ولم تعد إسرائيل محصّنة من الرد، وهو ما يدفع قوى دولية صاعدة مثل إيران، وروسيا، والصين، إلى إعادة تعريف موازين القوى انطلاقًا من هذه المعطيات الجديدة.
تركيا بين المحورين: البحث عن مكان في التوازن الجديد
في خضم هذه التحولات، تبرز تركيا كقوة إقليمية طموحة تسعى لإعادة ضبط موقعها بين القوى الكبرى. فبينما هي عضو فعّال في حلف الناتو، إلا أن علاقاتها المتوترة مع إسرائيل، وتفاهماتها السياسية والاقتصادية المتزايدة مع إيران، تجعلها في موقع حساس.
تركيا لا ترغب في القطيعة مع الغرب، لكنها أيضًا لا تثق بالكامل في واشنطن أو تل أبيب. ومن هذا المنطلق، من المرجّح أن تسعى أنقرة إلى تعزيز مكانتها عبر مقاربة براغماتية، تُوازن بين شراكتها مع الغرب ومصالحها في الشرق، خاصة في ظل المتغيرات الجديدة.
ستسعى تركيا للعب دور الوسيط حينًا، والشريك حينًا آخر، وربما تتحوّل إلى فاعل مستقل في معادلة الشرق الأوسط الجديد، مستفيدة من موقعها الجغرافي، وقوتها الاقتصادية والعسكرية، وطموحاتها السياسية.
الخلاصة:
لقد خاضت إيران وإسرائيل وأمريكا اختبار القوة، وخرجت بنتيجة واحدة: لا مجال للحسم العسكري الكامل، بل إعادة تموضع، وبحث عن صيغ تعايش غير مباشر.
المرحلة القادمة ستكون مرحلة الضغط السياسي، وتفاهمات غير مباشرة، وردع متبادل هش. فالحرب أثبتت أن الشرق الأوسط لا يحتمل مغامرات كبرى جديدة، بل يحتاج إلى عقلانية نادرة في زمن الغليان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.