مرتضى الغالي

أشعار الحردلو "الرومانسية" كما يسميها مترجمها "عادل بابكر" دارت واستدارت عبر سهل البطانة والسودان بمجمله منذ تأليفها في بواكير القرن العشرين، وانتقلت شفاهة من جيل إلى جيل..! بعضها دخل في نسيج الأغاني الشعبية..ووجد انتشاراً واسعاً على لهاة وأوتار عبد الكريم الكابلي (وأيضاً بعض المغنيات والمطربين الآخرين).

..ومن نماذجها التصوير القوي والحيوي الذي يجسّد امرأة في حلبة الرقص بلغت بها النعومة والليونة بحيث لا تحتمل (مسكة إصبعها الصغير)..وهي جميلة مشرقة وضيئة بحيث تعير بعض وميضها للنجوم..!
وبعيداً عن جمال وروعة الاستعارات والتشبيهات الآسرة تقدّم مربعاته الشعرية صورة امرأة حرّك جمالها قارع الطبل..فهو يسارع من إيقاع ضرباته لمسايرة عنفوان الرقص..هذه هي مقاطع (قلبي المِن نشوهو للبنات هوّاي) وقد مرّت بنا آنفاً.!.
هناك مقطوعة أخرى أخضعها الكابلي لموسيقاه وهي تصور ظبية فتيّة تتجوّل وتتثنى بشعرها الأثيث الذي يزاحم خصرها، وبجمالها اللاهب الذي لا يغادر أحداً من غير أن يسلب لبّه..هنا أيضاً تتجلى الرمزية التي لا تخطئها عين..
راهوِيتاً علي قوز ود حرير مسدارك
تاتي المشيه قودي الحزمّك لا قصارك
حَسس الغادي منك وا أذى الفي جوارك
والله يكافي محنك يا المتلعبه نارك..!
المتلعبة بمعنى الموقدة المضطرمة نارها..!
..والتي لا يسلم منها القريب أو البعيد:
A close range or far beyond,
from her flames no one is spared..!
أما الفنان (محمد الأمين) فقد أمتع معجبيه أيما إمتاع بهذه المقطوعة للحردلو:
يا خالق الوجود أنا قلبي كاتم سرّو
ما لقيت من يدرك المعنى بيهو أبرّو
بهمة منصح الوادي المخدّر دِرّو
قعدت قلبي تطوي..وكل ساعه تفرّو
The young oryx at the heart of the green valley,
has been playing havoc with my heart,
folding and spreading
**
المعنى الكبير يُضن به على مَنْ لا يرتقي إلى فهمه وينال استحقاق اطلاعه عليه..وإلا فالأفضل أن يظل قيد الكتمان..!!
**
الصور والتمثيلات العجيبة والغنائية الخصبة المتدفقة جعلت مقاطع الحردلو تغزو قلوب محبي الشعر على مختلف الأجيال..! كما إن توظيفه الماهر للاستعارات يُكسب صوره الشعرية حيوية وقوة آسرة:
البارع أنا وقصبة مدالق السيل
في ونسه وبَسط.. لامن قسمنا الليل
وكتين النعام اشقلبنبو الخيل
لا جادت ولا بِخلت عليّ بلحيل...!!
هذا إبداع متناهٍ وتصوير بديع بليغ لخبير بالحب وشؤون النساء..! ولكن الأعجب أن يتم تصوير وتجسيد درجة التلاقي العاطفي والحسّي بين الرجل والمرأة بهذه البراعة...! وصف عجيب لحالات الشد والجذب الأزلية في عالم الحب وفوران الرغائب بين المرأة والرجل..! "ديالكتيك" التواصل والتمنع وفوران الرغائب وأحابيل الصدود الحقيقي والمتصنّع..ومقدار النوال..!
في أي محطة كانت (حدود التماس) وإلى أي مرحلة ودرجة وصلت؟ وعلى أي مدى توقّفت..!! إنها منزلة دقيقة تحتاج إلى موازين ذهب؛ بين الجود والبخل وبين التمنّع والمنح..!!
she was not responsive enough,
but was not entirely tough
**
لكن ينبغي أن نعلم انه عندما يذكر الحردلو (النعام والخيل) إنما يتحدث عن منازل النجوم في تحديد الوقت والساعة التي يعنيها من ساعات الليل والسحر..وهي أمور يعلمها أهل البادية ويصوّرونها في أوضاع متحركة ومتخيلة وذات صراع عندما يحتل نجم مكان نجم..وعندما يظهر احدهما أو يختفي الآخر..ويضيفون إليها استعارات من حيوانات البيئة المحيطة.. ففي الساعات المتأخرة من الليل تشكل النجوم كما يبدو وكأنها نعامة تسقط من ظهر حصان..! وهذه التشكيلة النجمية من الأبراج (constellations) تظهر لهم كعلامة لقرب انبلاج الفجر..!!
**
هذه اللمحة من لوامع الحردلو تعيد إلى الذاكرة الشاعر الفخم في الفترة السابقة للإسلام (أمرؤ القيس)..وهو أيضاً عاش فترة من حياته خليّاً لاهياً..وكانت له مغامراته الصاخبة مع النساء..وهو يصوّر في بعض مقاطع معلقته لحظات المتعة مع محظيته (عنيزة):
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الويلات انك مُرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرت بعيري يا أمرأ القيس فانزلِ
فقلت لها سيري وأرخي زمامه
ولا تبعديني من جناك المُعللِ
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍاً
فألهيتها عن ذي تمائم مُحوِلِ
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له..
بشقٍ وتحتي شِقها لم يحوّلِ
لا حول ولا قوة..!!

murtadamore@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

اليسا تهنئ نادر عبد الله بعد تصدره قائمة المكرمين من ساسيم: مبروك من نص قلبي

هنأت النجمة اللبنانية إليسا الشاعر نادر عبد الله بعد تصدره مؤخرا قائمة المُكرّمين من جمعية المؤلفين والملحنين الفرنسية بإعتباره الأكثر نصيبا في مشوارها الغنائي الملئ بالنجاحات.

وعلقت قائلة على تويتر: "تصدرك قائمة المكرمين من ساسيم باريس ومنحك أعلى تميز فني هو تكريم بفتخر فيه متلك وأكتر لأني شريكة بجزء كبير وحلو منه، هيدا مكافأة على إبداعك بالكلمة والمشاعر والأحاسيس، نادر كلمتك وصلت بصوتنا ونحنا أسعدنا الملايين بكلمتك مبروك من نص قلبي".

وتعد ثنائية "إليسا ونادر عبد الله" هي الأكثر نجاحًا وتأثيرًا على الساحة الغنائية العربية كمطربة وشاعر،  منذ ٢٠ سنة وإلى الآن، نتج عنها الكثير من الأعمال التى أثرت المكتبة الموسيقية بدايةً من أغنية "لو تعرفوه 2006" إلى أغنية "أنا سكتين 2024" وهى إحدى أنجح أغنيات ألبومها الأخير، ولحن لها أغنية واحدة بعنوان "رحتله". 

كما حصدت مشاركات نادر مع إليسا على عدة جوائز عالمية مثل "وورلد ميوزيك أوررد"، و"بيج أبل ميوزيك أوورد" عن ألبوم "بستناك"، حيث شارك نادر بنصف أغنيات الألبوم، وكذلك عن ألبوم "تصدق بمين" بنفس النصيب من المشاركة.

المميز في تجربة إليسا ونادر عبد الله، هو وجود كيمياء فنية وإنسانية بينهما، وهو ما يتضح جليا من نمط وأشكال ما قدماه معا، ومن هذه الأغانى: لو تعرفوه/ ما تخافش مني/ حكايتي معاك/ بعيش على حسك/ لو بصيت قدامك/يا عالم/ أيامي بيك/خُد بالك عليا/أواخر الشتا/تصدق بمين/ما تعرفش ليه/من غير مناسبة/ما عـاش ولا كان/ عـيشة والسلام/مصدومة/رُحتله/متفائلة/هيلف يلف ويرجعلي/حــالة حـب/بـرغم الظـروف/قـد الأيام/ هخاف من إيه/ولا بعد سنين/مــكتوبة ليك"، "لسه فيها كلام/من عينيا دى/ نفسي أقوله/ أنا سكتين، وغيرهم.

وفى تكريم جديد يُضاف إلى مسيرته الإبداعية الحافلة، تصدّر مؤخرا اسم الشاعر المصرى نادر عبد الله قائمة المُكرّمين من جمعية المؤلفين والملحنين وناشرى الموسيقى الفرنسية "سَاسِم – SACEM"، وذلك خلال احتفالية كبرى أُقيمت فى العاصمة باريس مؤخرا، بحضور نخبة من روّاد صناعة الموسيقى حول العالم.

وبهذه المناسبة أصدرت جمعية المؤلفين والملحنين كتابًا توثيقيًا يتضمن أسماء المُكرّمين فى مختلف الفئات، حيث جاء نادر عبد الله فى مقدّمة الشخصيات المُحتفى بها، وقد مُنِح "العضوية الدائمة"، وهى أرفع وسام تمنحه "ساسِم"، إلى جانب "العضوية الكاملة" بصفته شاعرًا وملحنًا، تكريمًا لإسهاماته الثرية فى تطوير الأغنية العربية.

ويُعد نادر عبد الله من أكثر الشعراء تأثيرًا وإنتاجًا في الساحة الغنائية العربية، إذ كتب أكثر من 500 أغنية، تعاون فيها مع قرابة 170 فنانًا من مصر ومختلف أنحاء العالم العربى.

أما على صعيد التلحين، فقد وضع ألحانًا ناجحة شارك بها أبرز نجوم الطرب، من بينها أغنية  "رُحتله" لإليسا، وأغنية "ملهمته الوحيدة" لأصالة و"أولى ابتدائى" لتامر عاشور، و"بطلت أخاف" لشيماء سعيد، و"إحنا وبختنا" للطيفة و"احتمال وارد" لسميرة سعيد.

مقالات مشابهة

  • أحمد رزق يهنئ نجله بالنجاح: فرحت قلبي يا ميزو
  • فرحت قلبي يا ميزو.. أحمد رزق يحتفل بتخرج نجله
  • الدفاع الروسية تعلن تدمير 39 مسيرة أوكرانية خلال الليل
  • أحمد الجمال: ثورة يونيو لحظة تاريخية وضعت قدم المصريين على طريق الإصلاح الحقيقي
  • كاتب صحفي: ثورة 30 يونيو نفحة كبيرة نتمنى استمرارها أمام التحديات الحالية
  • أحمد الجمال: السيسي يحظى بثقل علم وخبرة ولديه بعد إنساني متوارث من المنطقة الشعبية
  • أحمد الجمال: حكمة الرئيس السيسي أنقذت البلاد من دمار وخراب
  • اليسا تهنئ نادر عبد الله بعد تصدره قائمة المكرمين من ساسيم: مبروك من نص قلبي
  • إسرائيل: نفقات الحرب تطوي الاستثمارات… و ميزانية الاستنزاف تتهاوى
  • أسواق الطيور بجازان.. تجربة سياحية لعشاق الجمال