الكتاب: البشير اليونسي شيخ رسالة ورجل مبدأ
الكاتب: ذ مصطفى الجباري
الطبعة الأولى
سنة النشر: 2024
مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
عدد  الصفحات:538

إعلان الاستقالة من التعليم ورحلة الحرية


لم يجد الشيخ البشير ضالته في التعليم، مع أنه قام بدور رسالي متميز، ونقل مادة التربية الإسلامية إلى مادة دعوية رسالية تخرج منها عدد من التلاميذ النجباء، ويكفي أن من هؤلاء الدكتور أحمد الريسوني الذي درس عند الشيخ، وأقر بأسلوبه الرسالي في التدريس، وذكر طريقته في استنهاض الهمم الإيمانية وحفزه الشباب على التدين والانخراط في الدعوة إلى الله.



فضلت سيرة الرجل ألا تذكر الوقائع العينية التي جعلته يتذمر من التعليم، وحاولت أن تكتب ذلك بأسلوب ناعم يظهر قدرا من الضيق بالقيم  الغربية التي كان يراد فرضها على المتعلمين، وإن كان الحدث الأساسي الذي أفاض الكأس هي حجم المضايقة التي كان يلقاها البشير في التدريس، ودرجة الاعتراض على النموذج القيمي الذي كان يقدمه، لاسيما ما يتعلق بتقديم قيم الإسلام، فكان بعض  الأساتذة، خاصة  أساتذة اللغة الفرنسية، يشتكون للإدارة، ويحذرونها من خطورة نموذج التدريس الذي يقدمه البشير، والذي يستهدف ما يسمونه بقيم الانفتاح والعصرنة، فلم يتحمل البشير وقوف الإدارة  إلى جانب هؤلاء فقدم استقالته، وفضل أن يشتغل في مهن جد متواضعة من أجل أن يحصل لقمة العيش، ويتفرغ إلى الدعوة والخطابة بالمسجد.

فكانت البداية بالعمل بمصنع الزليج بالعرائش، وقد تلقى الناس بمدينة القصر الكبير الخبر بذهول شديد، ويحكى أن رب المصنع، لما جاء وقت أداء أجر العمال، أضاف زيادة لأجر البشير، تعاطفا معه بسبب مغادرته للتعليم، فرفض البشير ذلك، واشترط عليه أن يأخذ مثل ما يأخذ جميع العمال. وقد تدرج به العمل من مجرد مساعد إلى صانع بارع، ولم يكتف بهذه المهنة، بل أضاف إليها مهنة صناعة الطرابيش الصوفية، وتقلب في مه متواضعة كثيرة، فأتقن مهنة الخياطة وصناعة المحافظ الجلدية، وتسفير المجدات بالجلد إلى أن استقر به الأمر على إعداد الحلويات بعد أن طلب منه صديقه الشيخ وديع العمل معه في مخبزته، فاشتغل معه شهرين ليتعلم الصنعة في مدينة مكناس، ثم عاد إلى مدينته القصر الكبير، فقرر افتتاح مخبزته قبالة المعهد الأصيل، فاشتد الإقبال على حلوياته، فكان البشير اليونسي هو مؤسس هذه التجارة بالمدينة.

ولم يكن يشغله كل ذلك عن مهمته الأصلية والكبرى، أي الدعوة إلى الله تعالى، ولم يكن فقط مسؤولا عن زوجته وأبنائه، بل حتى على أخته وأبنائها السبعة، فقد كانوا جميعا تحت ذمته، يعولهم ويتولى شؤونهم، وكان شرطه الوحيد الذي اشترطه على رب العمل في معمل الزليج، هو أن يعفيه من العمل كلما توفرت له نفقة الخروج في سبيل الله.

خرج الشيخ البشير إلى الهند وباكستان، وكانت مدد خروجه تتراوح بين سبعة أشهر أو ثمانية، أو أربعة أشهر أو ستة، ولكن ظروف العيش بهذين البلدين شاقة لا يقدر عليها إلا الصابرون، ناهيك عن قسوة المناخ وتقلباته مع تفشي العدوى بالحمى والملاريا، وكان رحمه الله عند رجوعه من السفر يعود إلى عمله في مصنع الزليج، ويحرص على أداء التزاماته الدعوية بشكل منتظم.

مراجعات المدرسة التبليغية المغربية

يقدم هذا الكتاب معطيات مهمة عن النسخة المغربية لجماعة التبليغ، تلك النسخة التي صنعها البشير بنفسه، محاولا أن يخلق التواؤم بين ما تلقاه عن مدرسة التبليغ بأصليها البارزين بالهند وباكستان، وخصوصية الواقع المغربي، والتشكيلة الذهنية والعلمية والفكرية التي نشأ عليها الشيخ البشير.

يتضمن هذا الشق معطيات مهمة عن المراجعات الأولى التي حصلت في مسار الرجل، من توديع خطاب المواجهة والصدام مع السلطة إلى خطاب الحكمة والصمت أو الحكمة ولغة الإشارة الدالة، ويقر الشيخ رحمه الله بوقوعه في بداية مساره في أخطاء أضرت بالدعوة، لكنه في المقابل، تحدث عن الرؤية التي تشكلت له زمن النضج الدعوي، والتصنيف الذي كان يتبناه إزاء رجال الدعوة، فرجال الدعوة حسب رؤية الشيخ النقدية على ثلاثة أصناف، صنف يركبه الحماس العاطفي، وهو لا يمتلك قوة التأصيل العلمي والزاد الشرعي فضلا عن الجهل بالسنن الكونية، وصنف فضل المصالحة مع الواقع المريض، فهرب من الابتلاء إلى الاحتواء، وتملص من مسؤولية الإصلاح، وتحول بعدها إلى الانحراف بسلوكه نهج التبرير، وصنف يريد الإصلاح لكنه انحرف عن طريقه الصحيح، مع توفر النية والمقصد السليم. ولذلك، وضع شروطا أساسية لترشيد فقه الدعوة، ملخصا غياها في العلم بالسنن الربانية، وتدبر القرآن ومدارسة السيرة، والإيمان بالغيب وصدق التوكل على الله، والثبات على المبدأ ورفض المساومة على الحق، والصبر على المحن والابتلاءات، والتربية على الأخلاق والمحبة، ومزج القيادة بالحكمة، وتحريك سننية الأسباب وتفويض النتائج لرب الأسباب، والاشتغال بالقضايا الكبرى والإعذار في الجزئيات إلى أن يأتي وقتها أو تختفي من تلقاء نفسها.

لم يجد الشيخ البشير ضالته في التعليم، مع أنه قام بدور رسالي متميز، ونقل مادة التربية الإسلامية إلى مادة دعوية رسالية تخرج منها عدد من التلاميذ النجباء، ويكفي أن من هؤلاء الدكتور أحمد الريسوني الذي درس عند الشيخ، وأقر بأسلوبه الرسالي في التدريس، وذكر طريقته في استنهاض الهمم الإيمانية وحفزه الشباب على التدين والانخراط في الدعوة إلى الله.ويحكي الكتاب جوانب مهمة من مراجعات المدرسة التبليغية زمن الشيخ البشير اليونسي، من ذلك حسمها في قضية الزي الإسلامي، وأنه مجرد لباس قومي، وأنه لا يجمل بتنظيم دعوي أن يلزم الناس بلباس أقوام آخرين في بيئات أخرى مغايرة للبيئة المغربية، فأصر الشيخ رحمه الله أن يضفي على الزي المغربي طابعا خاصا، وأن يحمل رجال التبليغ في المغرب على الالتزام بلباس بلدهم وذلك من خلال الحكمة والدعوة الرفيقة الرحيمة، فلم يلبس رحمه الله إلا لباسا مغربيا أصيلا كما تبين ذلك الصور التي التقطت له قديما وحديثا.

ومن مراجعاته رحمة الله عليه، إصراره على مزج الدعوة بالتعليم، فحرص إلى جانب بناء مقرات الجماعة في عدد من مدن المملكة على بناء مدارس قرآنية تضطلع بمهمة تدريس الأطفال القرآن وما يدور حوله من علوم شرعية، وكان رحمه الله يصر أن تكون البنات مشمولات بالتدريس في هذه المدارس بشكل يؤمن فيه من اختلاط الجنسين.

ومن مراجعاته رحمه الله، تحوله من نبذ فكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي بدعوى البدعة، إلى تشجيع الاحتفال بهذه الذكرى، وذلك من خلال إحياء دروس السيرة، وذلك منذ بداية شهر ربيع الأول إلى اليوم الثاني عشر منه، وقد تدرج في تغيير فكرته حتى لا يصدم جمهوره الذين أنسوا منه رفض الاحتفال بذكرى المولد النبوي في دروسه وخطبه السابقة، واعتبر في مراجعاته أن هذه المناسبة تقدم فرصة للتعرف على سيرة رسول الله وتعليمها للناس وتحبيبهم شخص الرسول وسيرته وهديه عليه السلام.

على أن المراجعة الكبرى التي سجلت في فكر الرجل ورؤيته، أنه كان لا يتعامل مع جماعة التبليغ في أصلها النموذج المقتدي في كل التفاصيل، بل كان يصر على أن القضية المركزية التي تجمعه بجماعة التبليغ هي الدعوة إلى الله، وأن ما سواها يعتبر تفاصيل يمكن الاجتهاد فيها، والتأقلم فيها مع خصوصيات الواقع المغربي، ولذلك فقد شارك رحمه الله في فعاليات الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية التي دعت إليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بداية التسعينيات وجمعت رموز الحركة الإسلامية بالمغرب والخارج، وهو ما  يعتبر في أدبيات جماعة التبليغ سياسيات وخلافيات ينصح بتركها مطلقا.

جهود الرجل في الدعوة واستقطاب المواهب والكفاءات

تضمن الكتاب معطيات أخرى مهمة، تخص علاقة الرجل ببقية الطيف الديني، ومحنته مع السلطة، واعتقاله السري من قبل جهاز أمن الدولة، بقصد التحقيق معه ومع أنصاره لتكوين رؤية عن مكونات الطيف الحركي بالمغرب، كما ذكر جوانب من علاقاته مع العلماء ودخوله في مناظرة معهم بشأن نهج رجال الدعوة والتبليغ لاسيما فكرة الخروج في سبيل الله، وكيف توترت الأجواء وحصل اجتماع العلماء في المسجد الأعظم ضد الجماعة، فقام الشيخ البشير اليونسي باحتواء المعارضة، وقدم الكتاب أيضا جوانب مهمة من جهوده في بناء المساجد وإعمارها، ورحلاته لزيارة العلماء، وتلامذته وخصائص الجيل الذي تربى على يديه،  وكيف استطاع رحمه  الله أن يستقطب الدعاة والعلماء والفنانين فضلا عن  مواقف متعددة في خروجه في مدن المغرب وقراه، وصبره على أمراضه وعلله إلى أن أخذه الله إليه.

إقرأ أيضا: تحولات ومراجعات المدرسة التبليغية المغربية.. قصة مرشد الجماعة في كتاب (1من2)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب المغربية جماعة التبليغ المغرب كتاب اسلاميون عرض جماعة التبليغ كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدعوة إلى الله رحمه الله

إقرأ أيضاً:

الشيخ كمال الخطيب .. لا تحزنوا، إن الله معنا فالإسلام قادم والمسلمون قادمون وقريبًا سيبدو القمر

#سواليف

لا تحزنوا، إن الله معنا فالإسلام قادم و #المسلمون_قادمون وقريبًا سيبدو القمر

#الشيخ_كمال_الخطيب

قبل ثلاثة أسابيع احتفت #أمة_الإسلام بحلول #عيد_الأضحى المبارك، وشاء الله أن يكون يوم عيد الأضحى هو يوم الجمعة فكان نورًا على نور. وفي هذا اليوم الجمعة، فإن أمة الإسلام تحتفي ببداية العام الهجري الجديد 1447. إنها ذكرى هجرة حبيبنا محمد ﷺ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، حيث التحوّل الكبير من فترة الدعوة حيث الألم والعذاب والمعاناة والقهر كان في مكة إلى مرحلة الدولة حيث الإعداد والتمكين ومقارعة #الظالمين كان في طيبة الطيبة. فمع إطلالة هلال شهر المحرم وإطلالة نهار الجمعة فإنه نور على نور، فاللهم أهلّ علينا هلال المحرم باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، اللهم اجعله هلال رشد وخير، واجعل هذا العام عام فرج وتمكين وفتح مبين للإسلام و #المسلمين يا رب العالمين.

مقالات ذات صلة جنود الاحتلال يعترفون بتلقي أوامر لإطلاق النار على طالبي المساعدات بغزة 2025/06/27

وكيف وكيف وكيف؟!

يومها واليوم في كل يوم، كان شعار وعنوان #الهجرة_الشريفة “لا تحزن إن الله معنا”. إنها حالة #التطمين و #السكينة والثقة أودعها الله في قلب رسوله ﷺ بعد إذ كشّرت قريش عن أنيابها وأخرجت خبايا قلوب كبرائها، فبعثت أقوى فرسانها ليدخلوا على رسول الله ﷺ فيقتلوه في بيته {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [30- سورة الأنفال].

فلما أفشل الله مكيدتهم وأخرج رسول الله ﷺ من بينهم دون أن يروه، فجُنّ جنونهم ودعوا إِلى مطاردة واسعة وأعلنوا عن جائزة يسيل لها اللعاب، إنها مائة ناقة حمراء لمن يأتي برسول الله ﷺ حيًا أو ميتًا، وكذلك أفشل الله سعيهم وردّ كيدهم إِلى نحورهم. فعند باب الغار كانت معية الله لرسوله ﷺ ولأبي بكر رضي الله عنه فوقف فرسان قريش على باب الغار ولم يروا من فيه. وعند مطاردة سراقة بن مالك لرسول الله ﷺ وكاد أن يمسك به لولا أن فرسه تعثّرت المرة تلو المرة ولم يستطع الوصول إلى رسول الله ﷺ. فكيف يقتلونه في بيته والله عزّ وجلّ معه؟ وكيف يمسكونه في الغار وعين الله ترعاه؟ وكيف يلحقون به في الصحراء وكانوا على بعد خطوات منه، وربه سبحانه يحرسه برعايته {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [30- سورة الانفال].

شباب المهاجرين والأنصار حماة الديار

خرج النبي ﷺ مهاجرًا ومعه الوعد من الله تعالى بأنه سيعود إلى مكة منتصرًا عزيزًا وأن أعداءه الذين أخرجوه سيكونون هم الأذلة الصاغرين، فقال ربنا جلّ جلاله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} [85 -سورة القصص]، وقال ربنا سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [13- سورة محمد]، وقال ربنا سبحانه: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} وختم تلك الآية بقوله: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [40- سورة التوبة].

ومثلما حقق الله تعالى وعده لرسوله ﷺ بأن نجّاه من كفار قريش وخيّب آمال من تمنّوا أن يمسكوا برسول الله ﷺ لينالوا تلك الجائزة المغرية، ومثلما أن الله تعالى قد حقّق وعده لرسول الله ﷺ بأن يعود إلى مكة، فإن الله سبحانه سيفشل كيد ومكر أعداء الإسلام في هذا الزمان الذين يحلمون بالقضاء على هذا الدين ولو جمعوا لهذه الغاية أقوى وأعتى الجيوش، ولو جنّدوا كل المليارات بل التريليونات وأعتى أجهزة المخابرات، فإن كيدهم سيبور. إنهم أعدّوا كل هذا ليأتوا برأس الإسلام، واستخدموا لأجل ذلك أذنابهم وعملاءهم وعكاكيزهم من أبناء الإسلام ومعهم كنوز بلاد العرب والمسلمين للقضاء على مشروع الصحوة الإسلامية المباركة لكن أنّى لهم ذلك.

وكيف لهم أن ينجحوا في القضاء على الإسلام وإطفاء نوره {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 8-سورة الصف. نعم كيف لهم أن ينجحوا وفي الأمة اليوم شباب مباركون كشباب المهاجرين والأنصار أخذوا العهد على أنفسهم أن يعيدوا مجد الإسلام وأن يرفعوا رايته، ولسان حالهم يقول:

مجد الجدود عزيز أن نضيّعه مستعبدين وقد شادوه أحرارا

هيا بنا بني الإسلام نرجعه مهاجرين كما كانوا وأنصارا

قريبًا سيبدو القمر

صحيح أننا نعيش في حقبة تاريخية فاصلة، وأن الأمة فيها قد جثم على صدرها حكام طواغيت وليس أنهم فقط طواغيت وجبابرة، وإنما هم سياط بيد أعداء الإسلام يلهبون بها ظهور شعوبهم وهم الذين جعلوا مقدّرات بلاد المسلمين الكثيرة وأرضهم وسماءهم في خدمة الأعداء. وما موقف هؤلاء فيما يجري لأهل غزة عنا ببعيد وهم الذين شاركوا في حصارهم وهم الذين خذلوهم وهم الذين صمّوا آذانهم عنهم قريبًا من سنتين لم تتحرك فيهم نخوة العرب ولا عاطفة المسلمين. وما موقفهم الآن فيما يجري في حرب أمريكا وإسرائيل على إيران كأنهم الشراشيح والخُشب المسنّدة صمٌّ بكمٌ عميٌّ فهم لا يبصرون، مع العلم أن شعوبهم وبلادهم هي أكثر من سيدفع ثمن ما يجري في هذه الحرب وتداعياتها.

الغريب واللافت أن إسرائيل تنطلق في دوافع هذه الحرب من منطلقات دينية توراتية، وأن أمريكا بقيادتها تنطلق في دوافع هذه الحرب من منطلقات دينية إنجيلية، بينما هؤلاء الطواغيت من حكام العرب والمسلمين يعلنون الحرب على هوية الأمة الدينية الإسلامية.

لكننا على يقين أن هذا حال لا يدوم وأن هذه الذلّة ستكون بعدها عزّة، وهذا الشتات والفرقة سيكون بعده وحدة، وأن عهد الأمراء والملوك والرؤساء والعملاء سينقضي، وستعيش الأمة إطلالة بدر وعهد الإسلام وخلافته الراشدة القريبة القادمة. وما أجملها وأصدقها تلك الأبيات قالها الأديب الشاعر والسياسي اليمني محمد الصادق الميراني:

كأنَ الليالي وترحالها حنين إلى القادم المنتظر

أيا بدر هذا أوان الظهور فما بالك يا بدر هل من خبر

وفيما استتارك والعالمون يخوضون في الظلمات الخطر

أيا أرض هل تذكرين الهلال هلال الهداية لما ظهر

وحين استدار وتمّ الكمال وعمّ الضياء به وانتشر

وأيام كنا جعلنا الحياة نعيمًا ومنهاجها في السّور

فدونك يا أرض حان القدوم وعمّا قريب سيبدو القمر

وكما وقف الأنصار على أبواب المدينة يرحبون بطلعة رسول الله ﷺ البهية يشبّهونه بالبدر لما وصل إليهم بعد رحلة الهجرة قائلين:

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرّفت المدينة مرحبًا يا خير داع

فمثلما أنشد الأنصار فرحين بمقدم البدر المنير محمد ﷺ، فإن الأمة كلها ستفرح وتنشد بعودة ظهور هلال بل وبدر الإسلام وإعادة مجده بإذن الله.

الوعد الحق

بعد فشل خطة طواغيت قريش بقتل رسول الله ﷺ في بيته، وكان إعلانهم عن الجائزة المغرية وهي مائة ناقة حمراء لمن يأتي برسول الله ﷺ حيًا أو ميتًا، ومع كل الجهود والمحاولات التي بذلوها إلا أنهم لم ينجحوا في تحقيق آمالهم وأفشل الله كيدهم ولم يفوا بوعدهم {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [25-سورة الأحزاب].

وكانت واحدة من محاولات اللحاق والإمساك برسول الله ﷺ تلك التي قام بها الفارس المشهور سراقة بن مالك والذي نجح باللحاق برسول الله ﷺ، لكنه كان كلما اقترب منه كانت حوافر فرسه تغور في الرمل فيتعثّر، وهكذا كان الأمر ثلاث مرات فأدرك سراقة أن رسول الله ﷺ محفوظ وممنوع من ربه سبحانه من أن يصل إليه أحد أو أن ينال منه بشر.

وخلال ذلك وإذا برسول الله ﷺ يخاطب سراقة بن مالك بل ويعده بجائزة ثمينة إن هو رجع إلى مكة ولم يفش لزعمائها عن لحاقه برسول الله ﷺ، ومقابل ذلك فإن رسول الله ﷺ وعده بسواري كسرى ملك الفرس. وكيف لرسول الله ﷺ أن يعد سراقة بجائزة هي سوارا كسرى الذي كان يتربع على عرش إمبراطورية القوة والجبروت في ذلك الزمان، إنه ملك فارس العظيم.

لقد وعدت قريش بجائزة هي مائة ناقة حمراء تعطى لمن يمسك بالمطلوب رقم واحد يومها هو رسول الله ﷺ لكن الله أفشل كيدها ونجّى رسوله ولم تف قريش بوعدها.

وإن المطلوب رقم واحد يومها وهو رسول الله ﷺ قد وعد سراقة الذي كان يسيل لعابه على جائزة قريش إن هو رجع ولم يفش له سرًا أن تكون له جائزة هي سوارا كسرى وحقّق الله تعالى لرسوله ﷺ ما وعد، وقد فتحت بلاد الفرس ودخل المسلمون عاصمتها المدائن وعثر المسلمون على كنوز كسرى ومنها إسواريه، فأرسلوا بها إلى عمر بن الخطاب في المدينة التي دعا إليه سراقة وألبسه سواري كسرى تنفيذًا لوعد رسول الله ﷺ.

وها نحن وفي هذا اليوم وفي ذكرى هجرة رسول الله ﷺ، فإننا على يقين أن الله الذي أنفذ وعد رسوله لسراقة، فإنه سبحانه سينفذ وعده لرسوله ﷺ بأن يتمّ هذا الدين ويمكّن له أن يظهره على الدين كله. إنه الله سبحانه الذي قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} [28- سورة الفتح]، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [8- سورة الصف].

لا عزاء لليائسين والجبناء

وإذا كنا في كل عيد نردّد ما قاله الشاعر المتنبي قبيل عيد الأضحى معبرًا عن حزنه ومؤملًا أن يحمل له العيد إخبارًا تفرحه:

عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد

وإذا كنا في كل عام ومع إطلالة هلال شهر المحرم نردّد ما كان يقوله الشاعر الحزين على حال الأمة مخاطبًا الهلال إن كان يبشّر بجديد:

ماذا سيروي في غد أحفادنا عنا أجبنا يا هلال محرم

أنت الذي شهد الجدود ومجدهم وشهدتنا والمجد جدّ محطم

سيقال لو أن المؤرخ منصف هذه الشعوب لأحمد لا تنتمي

رضيت من الإسلام ظاهر لفظه ومن العروبة لهجة المتكلم

لا، لن نظلّ نخاطب العيد وهلال المحرم بلهجة اليائسين المحبطين، وإنما سنخاطبهما بلهجة شباب الإسلام الذين عاهدوا رسول الله وهم يقولون:

نحن الذين بايعوا محمدًا على الإسلام ما حيينا أبدًا

وسيكتب المؤرخ المنصف أن هذه الشعوب تفاخر بمحمد وترفع رايته وتحيي سنته، وتقول للذين قالوا “محمد مات خلّف بنات”، وتقول لهم ولكل الدنيا:

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي أنّا بغير محمد لا نقتدي

إننا في ذكرى هجرة رسول الله ﷺ، ومع إطلالة هلال شهر المحرم، ومع فجر الجمعة ليغمرنا اليقين وحسن الظنّ بالله تعالى أننا على أبواب فجر جديد لأمتنا، وبدر يتلألأ هو عودة مجدها وخلافتها الراشدة القادمة، ولا عزاء للجبناء ولا للعملاء، ولا عزاء لليائسين والمحبطين فأبشروا ولا تحزنوا فإن الله معنا، فالإسلام قادم والمسلمون قادمون، وقريبًا سيبدو القمر.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات مشابهة

  • الشيخ كمال الخطيب .. لا تحزنوا، إن الله معنا فالإسلام قادم والمسلمون قادمون وقريبًا سيبدو القمر
  • الشيخ قاسم: خيارنا تحرير الأرض وبناء البلد وعدم الخضوع للإملاءات
  • حنكش عن كلام الشيخ نعيم: منفصل عن الواقع!
  • يعلن عماد حسن مرشد عن فقدان كرت وكالة
  • فضل صلاة الجماعة.. اعرف أقل عدد تنعقد به في البيت أو المسجد
  • الشيخ خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة
  • الفنانة المغربية أمينة بركات في ذمة الله
  • بيان صادر عن تكتل قبائل بكيل بشأن القصف الذي استهدف قاعدة العديد في دولة قطر الشقيقة
  • بيان ملتقى مشايخ ووجهاء اليمن بشأن القصف الإيراني الذي طال دولة قطر
  • سامر فراج: صناع القرار منصة جادة لرسم مستقبل الاستثمار وسط تحولات الاقتصاد العالمي