لجريدة عمان:
2025-05-11@23:22:34 GMT

كيف نعيد التفكير الواعي في الديمقراطية ؟

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

لا يزال الحديث عن قضية الديمقراطية في الكثير من دول العالم تشوبه الكثير من الارتباكات الفكرية والسياسية، بحسب التوجهات الفكرية والأيديولوجية لكل نظام سياسي قائم، فأصحاب التوجهات الشمولية اليسارية والماركسية، التي كانت تتبع النظام الاشتراكي آنذاك، كانت ترى الديمقراطي في تقدم للشعوب من الكفاية من العيش الكريم بحسب رأيهم، دون النظر لمسألة الحرية السياسية والحياة الحزبية، أو إتاحة الفرص لحرية التعبير أو إعطاء المجال للصحف الفردية بالعمل الحر، كما هو قائم في الغرب الليبرالي الرأسمالي، من حرية التعبير والصحافة الحرة، وغيرها من الحريات الممنوحة بحسب الدساتير القائمة.

لكن التحولات السياسية في المعسكر الاشتراكي، بعد سقوط هذا المعسكر عام 1991، بدأت أغلب دول هذا المعسكر في الدخول في النظام الليبرالي من قيام الأحزاب، والصحافة الحرة، وفي المقابل فإن النظام الليبرالي بدأ يتأزم، وبدأت حركات مناهضة للرأسمالية ونقد النظام الحزبي الذي يقوم على المال وشراء الأصوات، ومن هذه الحركات ما يسمى بـ(الحركة الشعبوية)، وهي أقرب للحركات اليسارية التي كانت في القرن الماضي.

وفي البلدان العربية، فإن التفكير في الديمقراطية، بدأ متأخرًا، بالمقارنة في العالم الغربي، لاختلاف الثقافة التي يراها البعض تجانب قضية الديمقراطية في بعض رؤيتها الفكرية، لكن البعض من الدول تمسكت بالمصطلح الإسلامي المقابل للديمقراطية الغربية، وهو الشورى، والبعض الآخر تماشى مع مصطلح الديمقراطية دون أن يلتزم بما كانت عليه هذه الديمقراطية في الغرب، مع الالتزام بالانتخابات من خلال التصويت، دون أن تكون هذه الممارسة بتلك الرؤية الديمقراطية فيما سار عليه الغرب الليبرالي، وينظر لها نظرة أخرى من حيث إن الفكرة تخضع لكل ثقافة ورؤية ذاتية دون أن نكون نسخة من الغرب في ممارساته لفكرة الديمقراطية.

ولذلك يرى البعض أن القبول بالديمقراطية ونتائجها عبر طريق صناديق الاقتراع، تحتاج إلى تدرج محسوب، وإلى وعي بالممارسة الديمقراطية، والغرب نفسه وهو الذي سبق العديد من الأمم والثقافات من أكثر من قرن ونصف القرن، في إرساء هذه الوسيلة وتفاعلاتها السياسية والفكرية، لم تأت دفعة واحدة في كل الدول، بل إن الديمقراطيات في الغرب، مرت بمراحل وخطوات، وتطبيقات متدرجة، حتى استطاعت المجتمعات أن تتقبل نتائجها بالصيغة التي نعرفها الآن. لذلك فإن فرص تطبيق الديمقراطية في المشهد العربي تواجه صعوبات عدة، علمًا أن هذا الأمر ليس سمة مقتصرة على المنطقة العربية وحدها؛ فللديمقراطية صعوباتها وإخفاقاتها في دول كثيرة كما نجاحاتها.

قد يقول البعض الاهتمام بتطبيق الديمقراطية في الوطن العربي مسألة مهمة للإصلاح السياسي، وإيجاد المناخ السلمي للتعبير، وإبعاد الاحتقان السياسي المتمثل في العنف والإرهاب والتوتر وعدم الاستقرار الذي تعانيه الكثير من المجتمعات العربية بسبب هذه الأزمة وتوابعها العديدة، لكننا نعتقد أن مشروعية تعميم الديمقراطية -مع أهميته- قد لا نجد له تلك الأرضية الحاضنة بسبب رواسب كثيرة، وتمددات عديدة جعلت الديمقراطية تتراجع كثيرا عما شهدته الدولة العربية التقليدية قبل الاستقلال من انفتاح سياسي وتعددية حزبية.

فالممارسة التراكمية للديمقراطية السليمة، هي الضمان من أي تعثرات جانبية، وهي التي ستكسب المجتمع الخبرات والتراكم المعرفي للأسس الصحيحة للحراك الديمقراطي السلمي في الوطن العربي، ومن هذه المنطلقات فإن المشاركة بأي وسيلة من وسائل التعبير تعتبر مجالًا حيويًا للتفاعل -كما يقول د. هادي نعمان- في التأثير: «حيث إن السلوك الفردي يتبادل التأثير مع السلوك الجماعي، وقد يوجه أحدهما الآخر تبعًا لعوامل وظروف متعددة. وفي الأحوال كلها يراد للمشاركة أن تكون فعّالة، والتي يمكن أن تجد لها تحقيقًا في عملية اتخاذ القرارات الاجتماعية عبر فرص متكافئة في التعبير عن الاختيارات.

وهكذا فإن المشاركة، مع أنها تتضمن إشراكا للمواطن إلا أنها تتسع لتشكل منظورًا أو منهجًا في تهيئة الأفراد للتعامل مع الحاضر ومواجهة احتمالات المستقبل بكفاءة، وهذا المنظور يؤلف ما يطلق عليه منهاج العملية الذي يقوم على تمكين المواطن من فهم المشكلات وأسبابها، وإشراكهم في التعامل مع تلك المشكلات التي يحسون بها».

ولا شك أن الحديث عن الديمقراطية وضروراتها الملحة للاستقرار السياسي، يعد من الأحاديث الذي يهتم له الكثير من الباحثين والمهتمين بالفكر السياسي الحديث بمتغيراته الكثيرة، ذلك أن فكرة الديمقراطية، كما طبّقت في الغرب، ومن خلال ما أسهمت فيه من توافقات من الفرقاء، سواء من الدول العربية أو النخب السياسية ورغبة الشعوب في ذلك، كان لها الأثر الإيجابي في جعلها تسهم في الاستقرار، وفي التداول السلمي للسلطة في الغرب، مما قلل من الصراعات والتوترات السياسية التي حصلت في القارة الأوروبية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، وهذا ما جعل فكرة الديمقراطية تلقى رواجًا كبيرًا لدى العديد من الشعوب الأخرى، التي عانت من التوترات والصراعات الداخلية من خارج القارة الغربية، من جراء الحكم الشمولي، وفي غياب التعددية والرؤية التي تفتح المجال لاختلاف الآراء وتنوعها.

والبعض من الشعوب الأخرى يرى أن فكرة الديمقراطية، فكرة بعيدة عن الواقع الفكري لدى الثقافات الأخرى، فلماذا يتم استيراد هذه الوسيلة من خارج نطاق الجغرافيا؟ لكن هذا القول تبريره ليس واقعًا بصورة عامة، ذلك أن حركة الحياة فيها الأخذ والعطاء، من كل الثقافات والحضارات واقعًا في سنن الحياة البشرية، ففي العصر الإسلامي الأول، أخذ الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الكثير من النظم الإدارية من الحضارات الأخرى التي سبقت حضارة الإسلام في نظمها الإدارية والعسكرية، ذلك أن هذه طرق ووسائل، لا تقترب من الدين أو قيمه وإرثه الفكري، وهذا يتوافق مع الحديث الذي نسب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء فيه: (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها).

من هنا فإن الاستفادة من حكم وأفكار خارج من نطاق الدين، لا شيء يمنع من ذلك، وهذا مصداق لهذا الحديث الشريف، وحتى الشيخ الجليل، محمد الغزالي، قال في بعض كتاباته: «إن الديمقراطية وسيلة وطرق لإدارة الاجتماع البشري، وليست دينا يتم مقارنتها به». ولا شك أن الأمة تملك الكثير ما يقابل الديمقراطية في قيمها أو يتفوق عليها، وعبر تاريخها القويم، هناك محطات تستحق الوقوف عليها، لكن الإشكالية أن فكرة الشورى لم تتطور في فترة التراجع والانحطاط من قرون مضت، حيث إن نصوص الشورى عامة، ويمكن تطويرها بما يناسب كل عصر من العصور، وكان بإمكان أهل العقول النيرة من المجتهدين، أن يقوموا باستخراج هذه القيمة العظيمة (الشورى) من مجالها المحدود، إلى آفاق نظم وقوانين، ترتفع بهذه الرؤى الشوروية إلى مستويات ووسائل راقية للتطبيق، بما يحقق للأمة قيمة عظيمة مثل الديمقراطية ووفق قياس هذا المصطلح وأفضل منه، إلى قوانين ولوائح، لكيفية تأسيس شورى تبعد الفردية والاستبداد التي عانت منه الأمة كثيرا، ولا تزال تعاني منه حتى الآن.

والحقيقة أن الكثير من الباحثين العرب والمسلمين، تحدثوا عن هذه القضية وأهمية الديمقراطية لوقف الاحتقان السياسي، بما تتيحه وسيلة الديمقراطية من الاختيار الحر النزيه، لمن يتقدم للعمل العام، وهذه من المسائل التي لاقت قبولا كبيرا من النخب الفكرية والسياسية العربية منذ القرن التاسع عشر؛ لأن ما هو متبع لا يعطي مجالًا رحبًا للانفتاح السياسي، والقبول بالتعددية وفق المناخ الديمقراطي الذي يعكس التوجه المؤسسي للحريات العامة في اختيار من يرشح نفسه -كما أشرنا آنفًا- للعمل العام، والجمهور يختار من هو الأقدر ومن يتم التوسم فيه من القدرات التي تؤهله لهذا الواجب الوطني. فالديمقراطية في كثير من دول العالم لا شك أنها نجحت في أن تتيح المجال للنظم السياسية كما هو في الغرب أن تحقق القبول الكبير من الشعوب؛ لأنها تمس جوهر أحاسيس الناس ورغباتهم واختياراته المتعددة، ولذلك حققت ما كانت تفقده الكثير من الدول في عالم اليوم. صحيح أن الديمقراطية لا تخلو من عيوب ومن سلبيات؛ لأنها منطلقة من نظام سياسي رأسمالي جشع، في بدايات تطبيقها في الغرب، وله خلفية قاسية تجاه حقوق الطبقة الوسطى من حيث الاستئثار بالكثير من الحقوق دون التوازن في التوزيع العادل.

إن بلادنا عُمان بحمد الله سلكت منهج الشورى كنموذج إسلامي، واستفادت من تطورات العصر من حيث الإجراءات التي تتفاعل مع كل التطورات الجديدة، دون أن تخرج عن مواريثها الفكرية، فجمعت من فاعلية التاريخ وقيمه الذاتية، وتفاعلت مع العصر ومستجداته وتحولاته الفكرية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدیمقراطیة فی الکثیر من فی الغرب دون أن

إقرأ أيضاً:

في ذكرى 22 مايو: ماذا عن الاستقلال، الجمهورية، الوحدة، الديمقراطية؟

كتب / أزال عمر الجاوي

 

في عام 1989، وبينما كانت اتفاقية الوحدة بين سلطتي الشمال والجنوب توشك على التوقيع، كانت النقاشات محتدمة حول شكل نظام الدولة الجديدة:

هل يتم دمج الحزبين الحاكمين؟

أم يتم إلغاء الحزبية كليًّا عند دمج السلطتين؟

 

في خضم هذا الجدل، كان لوالدي – رحمه الله – رأيٌ ثالث، جريء ومبكر. رأى أن الحل لا يكمن في الهيمنة أو الإلغاء، بل إن تلك الأطروحات ستغتال الوحدة في مهدها، ورأى أن المسار الصحيح يكمن في الديمقراطية من خلال التعددية الحزبية وحرية العمل السياسي.

فبادر إلى جمع كل الأحزاب السياسية التي كانت تعمل في السر، وأخرجها إلى العلن، مؤمنًا بأن التعددية الحزبية هي الضامن الوحيد لسلامة الوحدة.

وكان ذلك وفقًا لدستور دولة الوحدة، الذي حاولت السلطتان القفز عليه – قبل إعلان الوحدة وبعدها.

 

في تلك اللحظة الحاسمة، أطلق والدي عبارته الشهيرة:

“الوحدة والديمقراطية صنوان… لا وحدة دون ديمقراطية، ولا ديمقراطية دون وحدة.”

 

لكن العبارة لم تُؤخذ على محمل الجد من السلطتين، فكانت النتيجة حرب صيف 1994، ثم إقصاء الجنوب سياسيًّا، ووأد التجربة الديمقراطية في مهدها.

تراكمت الخيبات وتآكل الأمل، حتى بدأت الأصوات الجنوبية تنادي بفك الارتباط، وصولًا إلى انهيار الدولة واندلاع حرب 2015، التي مزّقت جسد اليمن الواحد، وأدخلته في مرحلة الكنتونات والمليشيات والسلطات المتنازعة.

 

وهكذا أثبتت الأيام صدق تلك المقولة، وخطأ من ظنوا أن بإمكانهم بناء وحدة بالقوة، أو احتكار وتقاسم وتوريث وطن باسم الشرعية أو بقوة السلاح.

 

لم تكن تلك الرؤية معزولة، بل كانت تعبيرًا عن وعيٍ جمعي لجيل كامل من الثوار في شطري الوطن.

وقد قال والدي – رحمه الله – ضمن رؤيته الوطنية:

 

“الجمهورية هي الطريق الوحيد الضامن لاستقلال وازدهار الوطن،

والوحدة صمّام أمان الجمهورية،

والديمقراطية صمّام أمان الوحدة.”

 

أتذكر أنني سألته يومًا:

– هل هناك خوف على استقلال بلادنا؟

فقال: “نعم.”

– من الاستعمار البريطاني؟

قال: “لا، بل من أشقائنا.”

– وهل هناك خوف على الجمهورية؟

أجاب: “بالتأكيد… الخطر عليها من أصحابها أنفسهم، من المناطقية، من احتكار المشائخ لمقدراتها ومفاصلها، ومن مشاريع التوريث.”

 

واليوم، يثبت الواقع صحة تلك المخاوف:

•الاستقلال سقط على هامش صراع السلطة، واستدعاء الأشقاء لدعم أطراف على حساب السيادة الوطنية.

•الجمهورية غابت في ظل التوريث، وصراع النفوذ، وتغوّل العصبيات الطبقية والمناطقية، حتى فُقدت معها السيادة والاستقلال.

•الوحدة تمزقت بفعل حروب الإقصاء، ورفض الشراكة، وحرمان الشعب من حقه في التعبير والاختيار.

•الديمقراطية أُغتيلت في المهد، وكانت الحلقة الأولى في سلسلة الانهيار.

 

لقد حمل الرعيل الأول من الثوار مشروعًا متكاملًا للمستقبل، يقوم على أربع ثوابت لا غنى عنها:

الاستقلال، الجمهورية، الوحدة، الديمقراطية.

 

واليوم، ومع كل هذا التشظي، ندرك أنه لا بديل عن ذلك المشروع، ولا أفق لأي حل سياسي أو وطني من دونه.

 

وبمناسبة ذكرى 22 مايو المجيدة، أدعو بإخلاص إلى العودة إلى المشروع الوطني الأصيل والوحيد، والتمسك بالثوابت الأربعة الكبرى، التي من خلالها وحدها يمكن أن تنقذ اليمن من أزماته المتناسلة:

 

الاستقلال، الجمهورية، الوحدة، الديمقراطية.

 

فلا بقاء لوطن، ولا أمل في مستقبل، دونها جميعًا… مجتمعة.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى 22 مايو: ماذا عن الاستقلال، الجمهورية، الوحدة، الديمقراطية؟
  • أكثر من 100 قتيل إثر فيضانات بشرق الكونغو الديمقراطية
  • الاستشراق والمثلث الحضاري
  • مصر تعرب عن خالص تعازيها للكونجو الديمقراطية في ضحايا الفيضانات
  • مصر تعرب عن خالص تعازيها للكونغو الديمقراطية في ضحايا الفيضانات
  • مصرع 104 أشخاص في فيضانات شرق الكونغو الديمقراطية
  • سوريا الجديدة تقرع أبواب الغرب.. هل تنجح استراتيجية الشرع؟
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • متعجرف ومتحيز مثل البشر!.. اكتشاف تشابه مدهش بين أنماط التفكير البشري والذكاء الاصطناعي
  • رئيس بنما: لن نعيد التفاوض بشأن اتفاق أمني مع أمريكا