الحرب العبثية بين الأدلجة وسياسة كسر العظام
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
تمر علينا هذه الأيام الذكرى الأولى لاندلاع الحرب السودانية العبثية التي الكل فيها مهزوم والخاسر الأكبر السودان.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان هل هي حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع؟ أم بين الكيزان والشعب السوداني، الهدف منها تصفية ثورة ديسمبر المجيدة وفكرة الدولة المدنية؟
عام من المعاناة والتشرد والتشرذم والموت والدمار ووئد الأحلام بسودان جميل مدني ديمقراطي دون مليشيات أو ثيوقراطية .
أنا هنا لا أقدح في وطنية وإخلاص تحالف الحرية والتغيير، والأحزاب الوطنية، أو في شخصية الدكتور الإنسان عبد الله حمدوك، الذي تصدى للمسئولية دون حاضنة سياسية يعتمد عليها بعد أن تكالب عليه أصدقاء الأمس وأعداء اليوم، ولو أنه كان أتجه بثقله نحو الشباب ولجان المقاومة، واستغل الزخم الثوري، والتأييد الشعبي، الذي لم ولن يحظى به رئيس أو زعيم سياسي سوداني قبله منذ الثورة المهدية، وكذلك التأييد والدعم والاحترام العالمي الذي حظي به، وعمل بالشرعية الثورية في تصفية وتفكيك نظام الإنقاذ، ومحاكمة المفسدين واسترداد الأموال المنهوبة، لكان السودان الآن في مصاف الدول الديمقراطية التي يشار إليها بالبنان وليس مجرد دولة فاشلة.
قال الدكتور عبد الله حمدوك في كلمته في ذكرى العام الأول لاندلاع هذه الحرب أن الحرب بدأت قبل ذلك التاريخ والحقيقة أن الحرب ظلت مشتعلة منذ 30 يونيو 1989 حينما قفزت بليل الثيوقراطية الإسلاموية إلى سدة السلطة ولم يكن هدفهم هو تأسيس الدولة الدينية والحكم الكهنوتي، حسب مفهوم المصطلح (Theocracy)، بل هدفهم كان أقصاء كل مخالف لهم في الرأي وتصفية خصومهم السياسيين والتمكين لإقامة أكبر مهزلة في شكل دولة في التاريخ الحديث، حين تقاسمت مجموعة من الفاسدين والمستبدين خيرات السودان وتأسيس دولة الفساد والاستبداد. وإقصاء بقية الشعب وقواه السياسية. وقد ذكر أحد قادتهم من قبل أنه على استعداد ليضحي بـ 95% من الشعب السوداني لإقامة الحكم الإسلامي، كما أفتى أحد فقهاءهم للسلطان الغاشم، إبان أيام الثورة، بأنه يصح له بقتل ثلثي الشعب، ليحظى الثلث المتبقي بالعيش في خوف ورعب ووئام.
وعلى الرغم من انتصار الثورة، التي أدهشت العالم ببسالتها وسلميتها، حتى إسقاط النظام، إلا أن كثير من الشواهد كانت تقف على محدودية ذلك الانتصار، منها وجود اللجنة الأمنية على رأس النظام الجديد، والسلاح بيد جيش موالي للنظام البائد، ومليشيات تتبعه، على رأسها الدعم السريع، وكتائب الظل، وكذلك بيد حركات الكفاح المسلح التي كانت خارج اللعبة، والتي أتضح لاحقا أن معظمها مجرد خوازيق في خاصرة الوطن، ونمور من ورق. وأن من المعروف أن من بيده السلاح يستحيل أن يعير الأعزل أدني اهتمام أو احترام
رغم القوى السلمية المجردة من السلاح إلا أن السنابل الواعدة أنجزت ما فوق وسعها، وما هو أكبر من طاقتها، في إسقاط حكم الإنقاذ الفاشي الفاشل، وسلمت الأمانة للساسة في تحالف الحرية والتغيير لتشكيل الدولة المدنية. تراكمت الأخطاء خاصة في اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وكذلك إقصاء كافة الإسلاميين من المشاركة في الفترة الانتقالية، ما وسع من ماعون أعداء الثورة، لأن من بينهم من كان يعلي صوت العقل، وكان معارضاً لدولة الفساد والاستبداد.
بدأ داء التفكك والوهن يصيب تحالف الحرية والتغيير، الذي كان أكبر تحالف للحركة الوطنية طوال تاريخها، ورغم صمود أحزابه طوال حقبة حكم الإنقاذ، إلا أنها خرجت منه مسخنة الجراح، والاختراقات، لذا لم يكن تحالف الحرية والتغيير قادرا على الحفاظ على وحدته وتماسكه، فبدأت الأحزاب تتراجع وتنسحب وتعارض، وخرج الفلول من مخابئهم وبدلوا تكتيكاتهم وتحولوا من الدفاع إلى الهجوم، ولم يفتح الله على حركات الكفاح المسلح (الحقيقية) بأي بادرة لدعم الدولة المدنية أو الانخراط في المسار الديمقراطي، والأدهى وأمر كان موقف قيادة الحزب الشيوعي صاحب القدح المعلى في منافحة النظام البائد ومقارعته وتشكيل التحالفات لتوسيع رقعة المعارضة، والذي لم يكن يجد حرجاً في التحالف مع ألد خصومه التاريخيين عراب الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي من أجل إسقاط النظام، لكن بعد الثورة أتخذ موقفاً مغايراً مع معظم الأحزاب الوطنية، التي تصدت لتشكيل الدولة المدنية، خاصة اليسارية منها، وكان موقف قيادة الحزب ومعارضته لحكومة حمدوك (الشيوعي السابق)، أحد أسباب إجهاض الثورة، وإضعافها والتمهيد للانقلاب عليها. ولا نجد غرابة أن مؤتمر الإسلامويين الأخير في تركيا أن طرح فكرة التحالف مع الحزب الشيوعي كخيار لاختراق العزلة الدولية حال عودتهم للسلطة على طريقة طالبان في أفغانستان.
يصنف انقلاب البرهان بأنه الخازوق الأكبر في تاريخ السودان الحديث بعد حملة الدفتردار الانتقامية، وبعد أن أختلف الجنرلان، وكانت الفلول بالمرصاد، دقوا طبول الحرب و(حدس ما حدس). وشهدنا ما هو أسوء من حملة الدفتردار حيث تشرد الملايين ومات الآلاف، هدم كل ما هو قائم من منشئات وبنية تحتية، وعدنا قرون للوراء، الحرب تحولت يا للأسف إلى الخيار الصفري، لكافة الإسلاميين ومن والاهم، حيث لن يقبلوا التفكيك، والمحاسبة، والعزلة، وهذا ما طرحه الاتفاق السياسي الإطاري لتشكيل حكومة مدنية لإدارة البلاد، وإطلاق مرحلة انتقالية جديدة، والذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في إشعال نار الحرب واطلاق الطلقة الأولى من قبل فلول الإسلاميين بالقوات المسلحة في صبيحة 15 إبريل 2023، لا شك أن هناك أسباب أخرى لإشعال فتيل الحرب مثل الخلافات العسكرية الخاصة بإجراءات الإصلاح الأمني والعسكري ودمج قوات الدعم السريع في الجيش لكنها تعتبر أسباب ثانوية إذا استثنينا شرط الدعم السريع بتصفية الوجود الإسلاموي في الجيش، لذا نجد أن الحرب حقيقة موجهة ضد القوى المدنية، التي أسقطت النظام الإسلاموي البئيس، وهدفهم المعلن والثابت طوال العام المنصرم هو شيطنة تحالف قوى الحرية والتغيير، وتلبيس الاتهامات لقادتها، وتجريم الرجل الصالح الدكتور عبد الله حمدوك، وتخوين كل من ينادي ويطالب بوقف الحرب قبل أن تنجز مهامها في تصفية القوى الوطنية المدنية وعلى رأسها حمدوك.
إن هذه الحرب ليست بين الجيش المؤدلج وقوات الدعم السريع كما هي في الظاهر، فكلاهما يدرك أن هزيمة ماحقة، أو انتصار ساحق، لأي منهما هو المستحيل بعينه، خاصة بعد التدخلات الخارجية والدعم الذي يجده الطرفان من حلفائهم في الخارج، والتدخل المباشر في الحرب من قبل بعض تلك الأطراف، لكن من المؤكد إن هي ليست إلا مسألة وقت، وبفضل الضغوطات الخارجية، سيجلس الجنرالان ويعيدا تقسيم الكيكة بينهما، لكن من المهم لكليهما هو هزيمة الشعب السوداني وقياداته الميدانية من لجان مقاومة ونشطاء حزبيين، حتى يفرغ لهما الجو لكن هيهات، الثورة صاحية، وشعاراتها، حرية، سلام، وعدالة، والجيش للسكنات وحل كافة المليشيات المسلحة، وتكوين جيش بعقيدة وطنية غير مؤدلج، ستظل شعارات ورايات خفاقة مهما مكر الماكرون، وتكالب الخبثاء.
عاطف عبدالله
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدولة المدنیة الدعم السریع بعد أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
دور ثورة 21 سبتمبر في تعزيز الوحدة اليمنية ورفض مشاريع التشطير والأقاليم
يمانيون | تقرير
مثّلت ثورة 21 سبتمبر 2014، نقطة تحوّل سياسي حاسم في مسار اليمن المعاصر، حيث تبنّت خطابًا واضحًا يرفض مشاريع التقسيم التي طُرحت خلال المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها مشروع الأقاليم الستة المنبثق عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل في عام 2014.
في هذا التقرير، نستعرض كيف أسهمت الثورة في تعزيز وحدة اليمن، ورفض مشاريع التشطير، وذلك من خلال رؤية السيد القائد عبد الملك الحوثي والخطاب السياسي لأنصار الله.
الثورة وتصحيح مسار الدولة اليمنية
أعلن السيد عبد الملك الحوثي في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة أن “مشروع الأقاليم ليس سوى بوابة لتفتيت اليمن والسيطرة عليه عبر أدوات داخلية وأجندات خارجية” (قناة المسيرة، 2017). وأكد أن الثورة جاءت لتصحيح مسار الدولة اليمنية، لا للاستحواذ على السلطة، مشددًا على أن الوحدة الحقيقية لا تكون بالشعارات، بل ببناء دولة عادلة لجميع اليمنيين.
برنامج الرؤية الوطنية وموقف أنصار الله
انطلاقًا من مبادئ الثورة، تضمن “البرنامج التنفيذي للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة”، الصادر عن المكتب السياسي لأنصار الله، بنودًا تؤكد على الالتزام بالسيادة الوطنية والوحدة، ورفض أي صيغة حكم قد تؤدي إلى التمزيق أو التبعية.
وأشارت دراسة لمركز صنعاء للدراسات إلى أن أنصار الله تبنوا، منذ عام 2015، خطابًا سياسيًا يركز على مركزية الدولة ووحدة القرار السياسي، لا سيما في ظل تدخلات إقليمية دعمت توجهات انفصالية، خاصة في الجنوب.
مشروع الأقاليم والتشطير
خرج مؤتمر الحوار الوطني في عام 2014 بمقترح تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم كحل فيدرالي. إلا أن أنصار الله رفضوا المشروع، واعتبروه تفكيكًا مقنّعًا للدولة اليمنية، حيث يؤدي إلى حرمان بعض الأقاليم من الثروات والمنافذ البحرية.
وفي تأكيد لموقف أنصار الله، قال الناطق الرسمي محمد عبد السلام في مقابلة مع قناة الجزيرة:
“موقفنا من الوحدة ثابت ومبدئي ولا يمكن أن يتغير. نحن مع الوحدة ورفضنا مشروع الأقاليم ونرفض الشرذمة.”
وأضاف أن الشعب اليمني بكل مكوناته يرفض أي مسعى للتقسيم، وأن الوحدة اليمنية تمثل “خطًا أحمر لا يمكن المساس به”.
الثورة كمنطلق لبناء دولة موحدة
جاءت ثورة 21 سبتمبر لوضع حد لتدهور الدولة والانقسام السياسي، وسعت – بحسب بيانها الأول – إلى بناء دولة مدنية عادلة تقوم على الشراكة الوطنية، وترفض التبعية والإقصاء.
ونصّت وثيقة “الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة” على:
“إرساء دعائم دولة موحدة، قوية، مستقلة، ترفض مشاريع التشطير أو الإضعاف الداخلي بأي شكل من الأشكال.”
موقف الثورة من القضية الجنوبية
على الرغم من التوترات مع بعض القوى الجنوبية، لم تتخذ أنصار الله موقفًا عدائيًا من الجنوب. بل شدد السيد عبد الملك الحوثي، في خطاب له عام 2020، على أن:
“الحل العادل للقضية الجنوبية لا يكون بالانفصال، بل ببناء دولة عادلة تحتضن الجميع.”
ووصفت قناة الميادين هذا التوجه بأنه:
“نقلة في التعامل مع الجنوب من ملف أمني إلى أفق سياسي عادل ضمن يمن موحد.”
الثورة ومواجهة مشاريع الخارج
منذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015، قدم أنصار الله هذا العدوان كمشروع خارجي يهدف إلى تقسيم اليمن والسيطرة على موارده. وبيّن تقرير لمركز صنعاء للدراسات عام 2020 أن خطاب أنصار الله أصبح أكثر تمسكًا بوحدة الدولة في مواجهة مشاريع انفصالية برعاية خارجية.
خاتمة:
رغم الجدل الواسع الذي رافق ثورة 21 سبتمبر، فإنها تمثل حركة تصحيحية هدفت إلى إنقاذ اليمن من التمزق والانهيار، وتعزيز وحدته الداخلية عبر بناء دولة تقوم على الشراكة لا الإقصاء. إن رفض مشروع الأقاليم والدعوة إلى وحدة عادلة هما دليل واضح على أن هذه الثورة ترى في التشطير خطرًا وجوديًا يهدد كيان الدولة اليمنية.