أنقرة – لم يعرف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من نصف عام على قطاع غزة حدا للزمان أو المكان، فبعد أن هجّر مئات آلاف الفلسطينيين إلى جنوب القطاع، وقتل وأصاب أكثر من 110 آلاف شخص، وخلق حالة من الدمار الشامل لكل من البشر والحجر دون أي رقابة دولية، امتدت آثاره لتشمل بشكل مباشر الفلسطينيين في الخارج، وبالأخص الطلاب الذين غادروا قطاع غزة للدراسة تاركين عائلاتهم ومنازلهم وذكرياتهم فيها.

وأثر الوضع الاقتصادي المتدهور للفلسطينيين في قطاع غزة على الحالة المادية لأبنائهم الطلاب في الخارج، كما أثر انقطاع الكهرباء والإنترنت وضعف شبكات الاتصال على تواصل الطلاب مع عائلاتهم للاطمئنان عليهم، وهذا جزء مما رصدته الجزيرة نت من قصص الطلاب الغزيين في تركيا وأبرز التحديات التي يواجهونها منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.

الطالب محمد شعبان فقد 27 فردا من عائلته بمن فيهم ابنة أخيه (الجزيرة) المكالمة الأخيرة

يدرس محمد شعبان هندسة الحاسوب في جامعة غازي في العاصمة أنقرة، وتحدث للجزيرة نت عن التحديات الاقتصادية التي بات يعاني منها منذ بدء الحرب، قائلا "قبل اندلاع الحرب، كانت الأوضاع المعيشية في تركيا تمثل تحديا كبيرا بالنسبة لي، خاصة مع ارتفاع الأسعار، فكنت أعتمد بشكل كبير على ما يرسله لي أخي الشهيد إبراهيم لتأمين احتياجاتي الدراسية والشخصية، ولكن مع بداية الحرب، استشهد إبراهيم ولم تعد عائلتي قادرة على تلبية احتياجاتها".

ويصف شعبان أصعب لحظاته التي جرت يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويقول "شعرت بفرحة غامرة بعد أن استطعت التحدث مع عائلتي للمرة الأولى منذ بدء الحرب، حيث بدوا سعداء لسبب لم أفهمه حينها، وهو ما ألهمني وأعطاني دفعة من الأمل والفرح".

ويستدرك "لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا، فبعد أقل من 15 دقيقة، قرأت خبر قصف المنزل الذي نزحت إليه عائلتي، اتصلت بابن عمتي ياسر الذي أجاب وهو يبكي ويبحث بين الجثث المتفحمة، ليخبرني أن أختي سمية وأخي إبراهيم قد استشهدا، وأن البحث لا يزال جاريا عن باقي من كان في البيت، فقدت 27 فردا من عائلتي في تلك اللحظة بمن فيهم أخي وزوجته وابنتاه، وأختي وزوجها وابنهما الأصغر".

ويتحدث شعبان عن مشاعره حاليا بقوله "الصدمة لا تزال تعتصر قلبي، وأعاني من تأثيرها حتى الآن، ولا أظن أنني سأشفى منها قريبا، ولذلك اضطررت لتجميد دراستي وقررت عدم الاستمرار في الفصل الدراسي".

الطالبة آية الشوبكي فقدت ما لا يقل عن مئة شخص من عائلتها ومعارفها (الجزيرة) انقلاب الحال

تخرجت آية الشوبكي من قسم التجارة الدولية في جامعة غازي بمدينة أنقرة قبل 3 أشهر فقط من بدء العدوان على قطاع غزة، وتنقل تجربتها للجزيرة نت قائلة "كنت احتفل بتخرجي وكلي أمل وتفاؤل بحياة أفضل كجميع الخريجين، ولكن حين بدأت الأخبار تتوارد في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي شعرت بقلق يتسلل إلى روحي، وظل يتعاظم حتى قبل أن يبدأ العدوان على قطاع غزة".

حاولت الشوبكي تجنب الأخبار حتى تحمي نفسها من الألم، على حد وصفها، لكن رحلتها معه بدأت بعدما علمت باستشهاد أحد أفراد عائلتها، وتقول "كنت قد بدأت التدريب العملي لما بعد التخرج، لكن لم أتمكن من الاستمرار به كالمعتاد، فاضطررت لأخذ إجازة، أملا في أن تنتهي الحرب، لكنها كانت مختلفة وغير مسبوقة في شدتها، فعائلتي التي تسكن وسط مدينة غزة، كانت في السابق ملجأ للنازحين من مناطق أخرى، والآن أصبح أهلي هم النازحون".

صعوبة التواصل وفقدان الاتصال كانا أصعب ما عاشته الشوبكي منذ بدء الحرب، وتقول "زاد حجم قلقي ومعاناتي عندما فقدت الاتصال بعائلتي لأكثر من 45 يومًا، لم أستطع التواصل معهم أو الاطمئنان عليهم، كل ما كنت أفكر فيه هو أنني يجب أن أكون بجانب عائلتي، فأنا أعرف جيدًا ما هي الحرب ومأساتها".

وتضيف "كان الخبر الأصعب والصدمة الأقسى عليّ في غربتي هو استهداف الاحتلال للمنزل الذي نزحت له أختي نور، مما أسفر عن استشهادها وزوجها إبراهيم وأطفالهما حلا وحامد ومراد، رفقة أكثر من 40 شخصا كانوا نازحين في المنزل نفسه".

وتختتم حديثها قائلة "منذ بدء الحرب، استقبلت أخبار استشهاد ما لا يقل عن 100 شخص من أهلي وأقاربي ومعارفي وأصدقائي، بات هذا الواقع الذي أعيشه حالة عامة للأسف".

ضغوط متراكمة

يتحدث سائد لبد، طالب العلاقات الدولية في جامعة كارادينيز في طرابزون، عن همومه اليومية ويصفها بأنها "تتكدس يوما بعد يوم، وأنا أواجه صعوبات جمّة في التواصل مع عائلتي المهجّرة في منطقة المواصي، حيث لا يملكون حرية التنقل للوصول إلى مناطق بها تغطية شبكات جيدة، مما يحول دون التواصل المستمر معهم للاطمئنان عليهم في ظل هذا الواقع المؤلم".

وعلى صعيد التحديات المادية، يقول لبد "الضغط يتزايد كل يوم، أفكر دوما في كيفية إرسال المساعدات المالية لعائلتي بعد أن انقطعت كل سبل الدخل عنهم، وحتى إن فكرت في إجلائهم إلى دولة أخرى لينجوا من الموت فسيتطلب الأمر على الأقل 5 آلاف دولار لإجلاء كل فرد منهم، بينما نحن الطلاب بحاجة ماسة لمصدر دخل ثابت بعد انقطاع الدعم المالي من عائلاتنا".

ويضيف "أجد نفسي مضطرا للدراسة والعمل في آن واحد، مما يضاعف الضغوط النفسية والعقلية عليّ، أتابع الأخبار باستمرار وأفحص أسماء الشهداء والعائلات التي تُستهدف يوميًا، وهو ما يؤثر سلبا على تحصيلي الأكاديمي وأدائي المهني".

تسعى جمعية طلبة فلسطين لتنظيم فعاليات وأنشطة تعزز الترابط بين الطلاب وتحول دون شعورهم بالعزلة (الجزيرة) دعم مادي ومعنوي

يذكر الطالبان شعبان ولبد في حديثهما الدعم الحكومي والمؤسساتي الذي تلقياه منذ بدء الحرب، إذ أصدرت الرئاسة التركية قرارا بإعفاء الطلبة الغزيين من الرسوم الدراسية في الجامعات الحكومية للعام 2023-2024، كما تنظم بعض الجامعات أنشطة تضامنية مع الطلبة، مما يرفع معنوياتهم النفسية.

كما شرعت المؤسسات المدنية ولاسيما الفلسطينية الموجودة بتركيا في تقديم الدعم اللازم للطلاب وتتبع احتياجاتهم، إذ يذكر مدير جمعية طلبة فلسطين في تركيا عبد الرحمن الفرا للجزيرة نت أن عدد الطلاب الغزيين الموجودين في عموم تركيا يتجاوز 3 آلاف طالب، موضحا أن "الجمعية قامت برصد أوضاع هؤلاء الطلاب، وتحرص على التواصل المستمر معهم، كما تقدم لهم منحا مالية لدعمهم أكاديميا ومعيشيا، خاصة في ظل الاحتياجات الملحة المتعلقة بالدراسة".

وتطرق الفرا إلى الصعوبات التي يواجهها الطلاب الدارسون في الجامعات الخاصة، والذين لا تشملهم إعفاءات الرسوم الدراسية، حيث يبلغ عددهم ألفي طالب، مشيرا إلى أن العديد منهم عجز عن التسجيل للفصل الدراسي الحالي نتيجة للتحديات المالية، وذكر الفرا أن الجمعية تسعى لتنظيم فعاليات وأنشطة تعزز الترابط بين الطلاب وتحول دون شعورهم بالعزلة، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمرون بها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات منذ بدء الحرب للجزیرة نت فی ترکیا قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي يؤكد توجيه 4 تحذيرات قبل طوفان الأقصى ونتنياهو يكذّبه

تبادل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتهامات مع قيادة الجيش بشأن فحوى تقييمات المخاطر الأمنية قبل طوفان الأقصى، في حين أكد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي عدم تحقيق أي من الأهداف الإستراتيجية للحرب على غزة بعد.

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الخميس أن نتنياهو تلقى تحذيرات عدة من الاستخبارات العسكرية خلال عام 2023 بشأن المخاطر الأمنية التي تواجهها إسرائيل، وذلك إبان الاضطرابات الداخلية التي وقعت جراء خطة الحكومة لتعديل النظام القضائي.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه بين مارس/آذار ويوليو/تموز 2023 أرسلت شعبة الاستخبارات 4 رسائل تحذيرية توضح كيف ينظر من وصفهم بأعداء إسرائيل في مختلف الساحات إلى الضرر الذي يلحق بتماسك الدولة، وبالجيش خصوصا.

وجاءت هذه التفاصيل في رسالة من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى منظمة غير حكومية كانت قد قدمت طلبا قبل 7 أشهر للحصول على معلومات بشأن تلك التحذيرات.

نتنياهو ينفي

من جهته، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بيانا بعد ظهر اليوم الخميس قال فيه إن "ادعاء المؤسسة العسكرية أنه تم تحذيري قبل 7 أكتوبر من هجوم محتمل من غزة مناف للحقيقة".

وأضاف نتنياهو أن "تقييمات المؤسسات الأمنية لا تشير إلى أي تحذير من نية حماس مهاجمة إسرائيل، بل تقدم تقييما معاكسا".

وشدد على أن "الأجهزة الأمنية ادعت دائما أن حماس تم ردعها".

وقال مكتب نتنياهو إن تقديرا استخباراتيا عسكريا في مارس/آذار 2023 أشار إلى أن حماس لا تريد مهاجمة إسرائيل وتتجه نحو التسوية.

كما أوصى تقدير آخر للاستخبارات العسكرية في مايو/أيار من العام نفسه بالتوصل إلى تسوية مع حماس، وفقا لمكتب نتنياهو.

وتصاعدت في الآونة الأخيرة الانتقادات الموجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع يوآف غالانت، بسبب عدم تحقيق ما أعلناه من أهداف للحرب، وفي مقدمتها تفكيك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واستعادة الأسرى الإسرائيليين في غزة.

إخفاق في الحرب

وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست أمس الأربعاء إن إسرائيل لم تحقق أيا من الأهداف الإستراتيجية للحرب.

وأوضح هنغبي أن إسرائيل لم توفر شروطا لصفقة تبادل الأسرى، ولم تقض على حماس، ولم تهيئ الظروف لإعادة سكان غلاف غزة إلى منازلهم بأمان، وفق تعبيره.

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يقول إن تحقيق أهداف الحرب بحاجة إلى سنوات عدة وليس إلى سنة واحدة.

وقال إن مجلس الحرب لم يحدد أي هدف واضح بالنسبة لشمال إسرائيل، ولم يضع تاريخا ولا أهدافا إستراتيجية.

وأطلقت المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عملية طوفان الأقصى ردا على اعتداءات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وتصاعد الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك، واستمرار الحصار على غزة.

ويشن الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين ما يصفها خبراء دوليون بأنها حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة، حيث استشهد وأصيب عشرات الآلاف -أغلبهم أطفال ونساء- ودمرت قرابة 70% من البنية التحتية المدنية من منازل ومدارس ومستشفيات.

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ231 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • مسير ومناورة لخريجي دورات طوفان الأقصى في بني مطر بصنعاء
  • الجيش الإسرائيلي يؤكد توجيه 4 تحذيرات قبل طوفان الأقصى ونتنياهو يكذّبه
  • مناورة ومسير لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية بني مطر بصنعاء
  • في عزّ مصابها وآلمها.. إيران بلسان عربي مبين “لن نتخلى عن فلسطين”
  • تطورات اليوم الـ230 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • ملخص عمليات القسام في اليوم 229 من طوفان الأقصى
  • مناورة عسكرية لخريجي دورات التعبئة العامة “طوفان الأقصى” في مديرية نهم بمحافظة صنعاء
  • يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات
  • تطورات اليوم الـ229 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة