سودانايل:
2025-05-03@19:10:46 GMT

حرب السودان وتأثيراتها الاقليمية

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

دخلت الحرب السودانية عامها الثاني مع استمرار القتال بين الفرقاء السودانيين دون بارقة أمل على قرب انتهائها للأسف. تلك الحرب اللعينة التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان 2023 بعد فترة من النزاعات السياسية بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، وكانت الخلافات على خطة سياسية مدعومة دوليا للانتقال بالسودان إلى حكم مدني بين مؤيد لها ومعارض يرى تدخل الخارج في العملية السياسية قد يعقد المشهد في البلاد.

ومهما يكن الامر فان واقع الحال يؤكد ان القوى السياسية السودانية وعلى الرغم من تراكم الخبرات عند بعضها الا انها لم تقدر مآلات الامور وغلب على ادائها التنافس الحزبي الضيق دون النظر الى الصورة الكلية لما افرزه التغيير والجهات الفاعلة التي كانت تعمل على حدوثه ، وهو مايفسر ترفع الكفاءات السودانية عن المنافسة لاستلام زمام امور البلاد وترك الفراغ لقيادات متواضعة في قدراتها وخبراتها. هذا فضلا على ان النظام الذي تم تغييره والذي تربع على حكم البلاد لثلاثين عاما هو الاخر متجذر في مؤسسات الدولة ، وان من ساهم في احداث التغيير مع الشارع جزء من نفس النظام (اللجنة الامنية). تجربة الحكم المدني في السودان عبر التاريخ شابها الكثير من العيوب وهو ما فتح الباب للمؤسسة العسكرية للاستيلاء على الحكم بمساعدة الاحزاب نفسها في اطار صراعها المحموم على الكراسي. كانت الصراعات بين الفرقاء في السودان في السابق لم تخلو من العنف بعض الشيئ ولكن هذه المرة كانت هى الاعنف حيث أدت هذه الاشتباكات التي باتت تغطي مساحات واسعة من البلاد، إلى مقتل آلاف الأشخاص المدنين وإصابة آلاف آخرين وفق تقارير الأمم المتحدة. اذا كان الامر كذلك هل يمكننا اعتبار التدخل الأجنبي في حرب السودان التي مازالت تأكل الاخضر واليابس العقبة الأولى أمام الحل ؟ وهل ما عرف بالاتفاق الاطاري هو سبب المشكلة والقشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون؟ لماذا يتجاهل المجتمع الدولي إيجاد حل للصراع ويكتفي بتقديم مساعدات رمزية في احسن الاحوال؟ نعتقد وان كان التدخل الدولي في الصراع السوداني حاضرا الا ان الارادة الوطنية هى العامل الحاسم فبغيابها تظل الامور تراوح مكانها وتفتح الابواب لكل الاحتمالات بما في ذلك التقسيم الذي يذهب في الاشارة اليه بعض المتابعين ، وهى رغبات البعض الذين يرغبون ان يروا السودان تتقاذفه اطماع الاخرين بمن فيهم الجوار. ومشروع التقسيم الذي بدأ يلوح في الافق ظهرت ملامحه منذ وقت بعيد ابان حكم الإسلاميين الذي خلق عداوات مع العديد من دول المنطقة والعالم، وقد انحنى النظام وقتها للعاصفة بقبوله خيار تقرير المصير للجنوب ونتائجه معروفة للجميع، وقد نصل الى نتيجة مماثلة في حالة الحرب القائمة الان اذا لم يتدخل العقلاء من ابناء السودان لايقاف الحرب والجلوس في مائدة مفاوضات شفافة لا تستثني احدا لتحديد مستقبل البلاد بالتوصل الى اتفاق كيف يحكم السودان وليس من يحكمه.
ففي ظل هذا المشهد الذي يزداد تعقيدا كل يوم كيف يمكننا قراءة المشهد في السودان وتأثيراته المباشرة على منطقة القرن الافريقي ؟ ان منطقة القرن الأفريقي التي تضم ( السودان وأثيوبيا وإرتريا والصومال وجيبوتي) ويمكن أن يزيد عددها وفق التداخل والمصالح المشتركة (قرن افريقي سياسي وليس جغرافي). تعتبر منطقة إستراتيجية حساسة للغاية بالنسبة للعالم، وان الدول الكبرى التي تسعى للهيمنة وتنظر لأمنها القومي على أساس أنه يمتد ليشمل كل العالم، ويزيد من أهمية منطقة القرن الأفريقي أنها تسيطر على باب المندب الذي يعتبر أهم ممر مائي عالمي في منطقة يهيمن على الحصة الأكبر من احتياطي وإنتاج النفط وتصديره للعالم. واصبح اى الممر في الاونة الاخيرة موقع نفوذ الدول لايجاد موطئ قدم هناك ، وامامنا شواهد حدة الصراع والاهتمام بإقامة القواعد العسكرية للعديد من الدول المتنافسة في المنطقة. وجدير أن نذكر هنا تشكل جديد لمنطقة القرن الافريقي يعلمه كل متابع والسودان في الاولوية يجري الاعداد له على قدم وساق ،ولهذا يقوم المخطط على ضرب النسيج الاجتماعي للمشروع الوطني المتمثل في الدولة القطرية، لتفتيت السودان الذي يعتبر بوابة لدخول المنطقة في دوامة صراعات تفوت فرصة التنمية والتعاضد بين سكان القرن الأفريقي ، ان التركيز والاهتمام بأوضاع السودان يأتي من ما يشكله السودان من بعد استراتيجي وسياسي لدول القرن الافريقي من عمق جيوسياسي واجتماعي بحكم المساكنة حيث أن الشعب الإرتري والشعب السوداني تربطهما علاقات التداخل القبلي بين الدولتين ، بالاضافة الى علاقات المصير المشترك. والامر نفسه ينطبق على اثيوبيا والصلات الثقافية والعلاقات الاقتصادية مع بقية دول القرن، فالذين يستهدفون القرن الأفريقي بالتفجير بالضرورة يستهدفون السودان لأهميته ومكانته في الاقليم. تأثير الحالة السودانية على دول القرن الافريقي التي اشرنا اليها انفا تأثير مباشر حيث ترتبط معظمها بحدود جغرافية وامتدادات اجتماعية مع السودان وان استمرار الصراع سوف ينعكس بشكل مباشر على امنها الوطني ولهذا نلاحظ تدخل بعضها في الصراع بانحيازها الى هذا الطرف او ذاك ، كما ان مصالح اقليمية ودولية متداخلة تجعل من تأجيج الحرب ودعم اطرافها امرا غير مستغرب كما نشاهد الان. ونشير هنا الى مسألة مياه النيل والخلاف الذي نشب بانشاء سد النهضة الاثيوبي على مقربة من الحدود السودانية الاثيوبية على ارض بني شنقول وكيف ان كل من اثيوبيا ومصر عمل جاهدا لكسب الموقف السوداني الى جانبه وكذلك مشكلة الفشقة في ولاية القضارف على الحدود مع اثيوبيا على الرغم من وجود اتفاقات بين الدولتين والاعتراف المتبادل بتبعيتها للسودان تشير اصابع الاتهام الى دور اقليمي واطماع مازالت تأخذ حيزا كبيرا في صراع الموارد .

ادريس همد
26/04/2024

idrisy35@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القرن الافریقی القرن الأفریقی منطقة القرن

إقرأ أيضاً:

كيزانيات ٨: الحركة الإسلامية السودانية: كيف تحوّلت من مشروع أمة إلى صانع نعرة قبلية

المقدمة
هذا المقال هو الحلقة الثامنة في سلسلة مقالاتي "كيزانيات"، التي تناولتُ فيها بالتحليل النقدي بنية وسلوك التيار الكيزاني في السودان. سبقه: "كيزانيات-٦: الخطر القادم (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)"، و"كيزانيات-٧: المنبوذون – الأصل والفصل والابتلاء"، الذي تناولت فيه كيف استحق الكيزان لقب المنبوذين نتيجة جرائمهم بحق الشعب السوداني والدين، وكيف دفعوا البلاد نحو الانهيار. اليوم أواصل الغوص، لا لتكرار التشخيص، بل لتفكيك كيف تحوّل المشروع الإسلامي نفسه إلى صانع رئيسي للنعرة القبلية.

صباح أليوم كتب أحد المتعصبين تغريدة يقول فيها: «البلد دي تاج راسها المحس والشوايقة والدناقلة والجعليين… شمالية تونجلي شمالية إسمِنقا تاما أي تاجرين.» فأجبته:
**يا للهول! يا من تعيش على وثيقة مزوّرة تدفع ثمنها وتنسب بها نفسك إلى فاطمة الزهراء والبيت الهاشمي! من يعتز بدمه وحمضه النووي لا ينسب نفسه لآخر. لكنه، بعد السقوط، يغرق في مواخيره النفسية والاجتماعية، ينخفض كلما ادّعى نسبًا ليس نسبه، وكلما أنكر عرقه النيلي الحامي الفوّاح.
**لا تخلط الأوراق: النوبيون (حلفاويون، محس، دناقلة، كنوز، فادجة) أهل حضارة، لا يمكن أن يكونوا عنصريين مستجدّي نعمة فاقدي أصل أو مستعيري مراتب دنيوية. القاع خرج منه البشير، ونافع علي نافع، وعلي عثمان (جنينة الحيوان)، وبقية الرمم التي لا تزال رائحتها تزكم الأنوف رغم ادعاءات سلطوية متقيحة.
١. من الفكرة إلى السلطة: صعود الحركة الإسلامية
الحركة الإسلامية لم تنشأ من فراغ، بل من جذور الإخوان المسلمين وسلوكياتهم السرية والعلنية، ممزوجة بطموح السلطة. جاء انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ تتويجًا لعقود من التسلل في الجيش والنقابات، ليضع البشير واجهة للترابي وعلي عثمان، مشروع بدأ يتحدث باسم الأمة لكنه تحوّل منذ لحظاته الأولى إلى مشروع تمكين للطبقة السلطوية.
٢. المفاصلة الكبرى: عندما ابتلع الحكم الفكرة
في ١٩٩٩، تفجّرت المفاصلة الكبرى داخل الحركة. لم يكن الخلاف فكريًا بل صراعًا على من يمسك بمفاتيح المال والأمن والجيش. انهار الغطاء الإسلامي، وظهرت اللعبة الحقيقية: تحالف سلطوي يُدير البلاد بلا مشروع أخلاقي.
٣. تحالفات القاع واستغلال المهمّشين
الطبقة السلطوية لم تكتفِ بتهميش الغرب والجنوب والشرق، بل حتى الشمال النوبي: أغرقت أراضيهم، هجّرتهم، حرقت نخيلهم، وهددتهم بخزانات كجبار ودال، وقتلت شبابهم عند الاحتجاج. أبناء الأطراف المهمشين استُخدموا جنودًا ووقودًا للحرب، دون اشراك حقيقي أو مكانة.
٤. الحروب الأهلية وتفكيك وحدة المشروع
الحروب لم تكن قدرًا، بل نتيجة مقصودة لإبقاء المركز ممسكًا بالسلطة. في الجنوب، في دارفور، في الشرق، وحتى في الشمال النوبي، كانت السياسات قهرية لا تنموية، تقسّم لتسود.
٥. لحظة السقوط: الثورة واهتزاز الطبقة السلطوية
انتفاضة ٢٠١٨–٢٠١٩ لم تُسقط حكومة بل شبكة سلطوية كاملة. الهتافات الشعبية لم تكن ضد شعارات، بل ضد طبقة اغتصبت السلطة باسم الإسلام لعقود.
٦. تناقضات الكيزان: الأخلاق والجنس وطقوس التحلل
أخطر ما أضعف الكيزان هو فجوتهم الأخلاقية: يظهرون كوعاظ، بينما يمارسون في الخفاء الفساد الأخلاقي والجنسي، ثم يغسلون أنفسهم عبر طقوس يسمّونها التحلل. بهذه العقلية، انهارت الشرعية الأخلاقية، وصار السقوط السياسي مسألة وقت.
٧. الخلاصة والرسالة النهائية
الحركة الإسلامية لم تفشل لأنها أخطأت في الإدارة فقط؛ بل لأنها خانت الفكرة. من الأمة إلى الطبقة، من الدين إلى العصبية، من الوطن إلى الشبكة.
٨. البديل
كل الدلايل والأحداث الجسيمة التي مرت بها السودان منذ عام ١٩٥٦، مرورًا بانقلابات عسكرية سببها فشل الطبقة السلطوية وفشل النخبة المثقفة، كانت تشير إلى حتمية حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ التي قضت على الأخضر واليابس وأدت إلى نزوح وتهجير ما يفوق ١٢ مليون مواطن، ودفعت ما لا يقل عن ٢٤ مليونًا إلى مجاعة طاحنة لم يسبق أن رأى العالم مثلها.
تدارك أمر هذا الفشل التحالف التأسيسي لإنقاذ السودان الذي جمع كل ألوان الطيف السوداني من هيئات وتنظيمات مدنية وأحزاب، بجانب الحركات المسلحة بما في ذلك قوات الدعم السريع، والحركة الشعبية لتحرير السودان، وعناصر الجبهة الوطنية الموقعة على اتفاق سلام جوبا، وآخرين. وانتهى التحالف بعد مشاورات موسعة وحضور مكثف من داخل وخارج الوطن الجريح، إلى وضع ميثاق ودستور مدني علماني لا مركزي توافقي، يرمي إلى إعلان الحكومة الشرعية التي كان قد انقلب عليها جيش الحركة الإسلامية، تحت مسمى حكومة السلام والوحدة. ولتنجح، عليها تكسير بنية هذه الطبقة السلطوية وبناء دولة مواطنة وعدالة حقيقية.
الملاحظات والهوامش
١. مصطلح "كيزان" يُستخدم شعبياً للإشارة إلى المنتمين للحركة الإسلامية السودانية.
٢. التحليل الوارد هنا يعتمد على مزيج من المصادر الأكاديمية والشهادات الميدانية.
٣. المقال جزء من مشروع بحثي أوسع حول الإسلام السياسي والتحولات الاجتماعية في السودان.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٢ مايو ٢٠٢٥ روما – نيروبي

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الحرب السودانية تحوّل الصحافة إلى مهنة الموت: قتل واعتقال وتحديات متزايدة
  • بيان إدانة من المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات للمجزرة البشرية والانتهاكات التي ارتكبتها عناصر الدعم السريع في الهجوم على مدينة النهود
  • الشهادة السودانية ،، وشهادات أربع
  • كيزانيات ٨: الحركة الإسلامية السودانية: كيف تحوّلت من مشروع أمة إلى صانع نعرة قبلية
  • نَحْنَا عَلَّمْناكُم كده؟ !!
  • مصدر أمني بالسويداء لـ سانا: إننا نحذر كل الأطراف التي تحاول المساس بالاتفاق الذي أكد على ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، ومدينة السويداء على وجه الخصوص
  • مفوض حقوق الإنسان: الرعب الذي يتكشف في السودان لا حدود له
  • شريط الأشباح رقم 10 الذي خاضت به أميركا الحرب النفسية مع فيتنام
  • الدُّب … الذي بكته السماء !
  • أبناء الجالية السودانية: الإمارات الداعم الأكبر لبلادنا.. وأمنها خط أحمر