كولومبيا وغزة.. الانتفاضات الطلابية مجددا
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
بعد (56) عاما عادت جامعة كولومبيا العريقة فى مدينة نيويورك إلى مركز اهتمامات الرأى العام بإلهام الاحتجاج السياسى وتأثيره على مجريات الحوادث. فى عام (1968) ولد جيل أمريكى جديد يعترض ويحتج على جرائم الحرب فى فيتنام، ويرفض التجنيد فى الجيش الذى يرتكبها على بعد آلاف الأميال.
كان ذلك داعيا إلى وقف تلك الحرب بعدما افتقدت ظهيرها الشعبى داخل الولايات المتحدة.
نفس الأجواء الغاضبة بنفس المكان تتكرر الآن تحت عناوين جديدة تستنكر التورط فى حرب الإبادة الجماعية والتجويع المنهجى بغزة المحاصرة، تطلب وقفا مستداما لإطلاق النار ووقفا آخر لأى استثمارات فى شركات تدعم إسرائيل بالتكنولوجيا العسكرية.
كان ذلك المطلب الأخير تطورا غير مسبوق فى السياسة الداخلية الأمريكية يضع مستقبل العلاقات مع إسرائيل بين قوسين كبيرين.
«ليس من السهل تجاهل جثة طفل بين ذراعى أمه، ليس من السهل تجاهل الجياع وهم يتدافعون بحثا عن رغيف خبز والرصاص يطلق عليهم، وليس من السهل إزالة الحطام بعد تعرض شاحنات المساعدات لإطلاق النار ومقتل عمال إغاثة إنسانية».
كان ذلك تلخيصا إنسانيا أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» لدواعى الغضب السياسى، الذى اجتاح الأجيال الجديدة.
فى المرتين على اختلاف الأزمان والعناوين، نصبت خيام فى الحرم الجامعى، جرت صدامات واقتحامات واعتقالات دون أن توقف زخم الغضب. وفى المرتين امتدت التظاهرات والاحتجاجات من كولومبيا إلى كافة جامعات النخبة الأمريكية.
نحن أمام جيل جديد يصطدم مدفوعا بمثله العليا مع مؤسسات الحكم، البيت الأبيض ومجلسى الكونجرس والمدعين العامين وحكام الولايات مستندين إلى رؤساء الجامعات، الذين أخذوا يلوحون بالقبضة الأمنية. حسب قراءة «تشارلز بلو» فى الـ«نيويورك تايمز» فإن الجيل الغاضب على حرب فيتنام أنضجته حركة الحقوق المدنية.. والجيل الغاضب على حرب غزة اكتسب وعيه من الحركات الاحتجاجية كـ«احتلوا وول ستريت» و«حياة السود مهمة». بأثر ذلك الصدام تبدو أمريكا عند مفترق طرق فى إدارة صراعاتها بالشرق الأوسط.
سوف يأخذ الصدام مداه قمعا واعتقالا وإغلاقا إداريا وعقابا للأساتذة الذين يدافعون عن حق الطلاب فى التعبير عن آرائهم بحرية.
أى صدام مع المستقبل خاسر مقدما. هذه حقيقة مؤكدة. لا يوجد غضب خارج سياق مجتمعه. وهذه حقيقة أخرى. وفق استطلاع أخير فى صفوف الحزب الديمقراطى فإن (53%) يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل. التطور لافت بذاته رغم ما أبدته المؤسسة التشريعية بجناحيها الجمهورى والديمقراطى من استعداد للمضى بعيدا فى دعم إسرائيل وغض البصر عما يحيق بأهالى غزة من عذاب فوق طاقة بشر على التحمل.
كان دخول رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» على خط المساجلات الأمريكية الداخلية باتهام الطلاب بـ«معاداة السامية» صبا للزيت على النيران المشتعلة فى الصدور، فهو بشخصه وتصرفاته وجرائمه يلخص كل ما يكرهه الجيل الجديد، خاصة بأوساط اليهود الأمريكيين. بالتزامن نشأت حركة احتجاج فى جامعة السوربون الفرنسية ضد تورط الرئيس «مانويل ماكرون» فى الحرب على غزة وتعرضت للقمع.
القمع هو المحرك الأول للتصعيد. كلما أمعنت السلطات فى القمع تزايدت مشاعر الغضب. الذين لا يقرأون التاريخ يرتكبون الخطأ نفسه مرة بعد أخرى. تلوح فى الأفق مقدمات موجة جديدة من الحركات الطلابية بأنحاء مختلفة من العالم تكاد تقارب مستويات غضب شباب أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضى. فى عام (1968) نشأت حركات وانتفاضات طلابية، أهمها وأكثرها دويا الفرنسية والأمريكية والمصرية. اكتسبت انتفاضة مايو فى فرنسا تأثيرها الواسع من الأفكار التى صاحبتها والرموز الثقافية والفكرية التى شاركت فيها، ومن الأثار الاجتماعية التى ترتبت عليها.
لكل حركة طبيعة وأسباب تختلف عن الأخرى، لكن يجمع بينها الغضب على ما هو حولها وأمامها وخلفها. انتشرت فى تلك الأيام مسرحية الكاتب البريطانى «جون أوسبورن»:«انظر وراءك فى غضب» رغم أنها كتبت فى الخمسينيات – كأنها بدلالات عنوانها ثورة جامحة على الماضى بكل إرثه. شاعت كتابات الفيلسوف الألمانى «هربرت ماركوز» عن دور الطلاب فى صناعة التاريخ، واحتلت صور الثائر الأممى «أرنستو تشى جيفارا» جدران المدن الجامعية رمزا للتمرد على سطوة النظم. بدأت تظهر مجلات الحائط على جدران الكليات الجامعية بأقلام «فلوماستر» وروح متمردة. وقد استوحيت من الثورة الثقافية فى الصين.
كانت مجلات الحائط فى وقتها وظروفها ثورة فى حرية التعبير عما تختلج به النفوس دون رقابة، أو مصادرة. ثورة أتاحت أوسع فرص ممكنة للحوارات المفتوحة. فى فبراير من ذلك العام الغاضب تبدت فى مصر صدمة واسعة على خلفية أحكام مخففة بحق المتسببين فى هزيمة يونيو (1967) من سلاح الطيران. خرجت تظاهرات فى جامعة الإسكندرية تحتج على الأحكام. تطورت مطالبها إلى تعبئة موارد البلاد لخوض حرب تحرير سيناء المحتلة وتوسيع المشاركة السياسية فى صناعة القرار. وكانت التظاهرات الطلابية عام (١٩٧٢)، التى انطلقت من جامعة القاهرة، بحجمها وأثرها، إعلانا مدويا عن ميلاد جيل جديد.
ارتبطت لحظة الميلاد مع نداء استعادة الأراضى المحتلة بقوة السلاح ورفض المماطلة فى اتخاذ قرار الحرب. كما ارتبطت بصورة «الفدائى الفلسطينى»، الذى وجد هويته فى بندقيته ـ على ما أنشدت «أم كلثوم» من كلمات «نزار قبانى». بدت الانتفاضة قوية ومباغتة كأن غضبا مكتوما قد انفجر.
بدأت الشرارة فى كلية الهندسة وانتقلت بشرعية غضبها إلى كليات أخرى ومن جامعة القاهرة إلى جامعة الأزهر، ثم إلى جامعات ثالثة ورابعة وخامسة. السيناريو نفسه يكاد يتكرر الآن بحذافيره فى جامعة كولومبيا، إنها الروح الجامعية الشابة فى كل مكان.
فى العام التالى (١٩٧٣) تحركت فى جامعة القاهرة انتفاضة طلابية جديدة، كما لو أنها استئناف لانتفاضة (١٩٧٢). انتقلت الانتفاضة الجديدة بأجوائها إلى الجامعات المصرية الأخرى تحت نفس المطالب: تهيئة الجبهة الداخلية للحرب وتوسيع المشاركة فى صنع القرار. جرت تظاهرات واعتصامات وتكرر سيناريو اقتحام قاعة الاحتفالات الكبرى بقوة الأمن المركزى واعتقال أعداد كبيرة من القيادات الطلابية، سرعان ما كان يجرى الإفراج عنهم- كما جرت العادة فى تلك الأيام.
أطلقت اتهامات عشوائية تصف جماعات الشباب بـ«القلة المندسة» كتلك التى تتهم الاحتجاجات الأمريكية الجديدة بأنها معادية للسامية، أو أن «حماس» تقف وراءها!! كان ذلك ادعاء لا دليل عليه، إذ تشارك جماعات يهودية عديدة فى الاحتجاجات.
بأثر التضامن الجيلى وقوة الضمير الإنسانى تمددت التظاهرات واتسع نطاقها واضطر البيت الأبيض إلى استبعاد اقتراح رئيس مجلس النواب باستدعاء الحرس الوطنى لقمعها. لا يمكن مصادرة المستقبل ولا الحجر على الغضب ولا الاستمرار فى حرب إبادة غزة دون ردات فعل غاضبة وعواقب وخيمة.
*نشر أولاً في جريدة الشروق المصرية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفWhat’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...
الله يصلح الاحوال...
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فى جامعة فی الیمن کان ذلک
إقرأ أيضاً:
السيسي يهنئ ميرتز.. وغزة في صلب الاتصال بين القاهرة وبرلين
كتب- محمد سامي:
أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم الخميس، اتصالاً هاتفياً بالمستشار الألماني "فريدريش ميرتز".
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن السيد الرئيس وجه التهنئة للمستشار الألماني على الفوز المستحق في الانتخابات الألمانية، والذي يعكس ثقة الشعب الألماني، معرباً عن التمنيات للحكومة الجديدة بالنجاح في خططها الطموحة لتعزيز الدور المحوري لألمانيا على الساحتين الأوروبية والدولية، ومشيراً إلى أن اللحظة الراهنة تكتسب أهمية بالغة في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، والحاجة الماسة لاحترام القواعد والمبادئ الدولية المستقرة والقانون الدولي، وهو ما يتماشى مع الجهود والخبرات الألمانية خلال العقود الأخيرة.
وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن المستشار الألماني ثمن من جانبه اللفتة الكريمة، مؤكداً حرص بلاده على علاقاتها الوثيقة مع مصر، وقد أكد الجانبان على التزامهما بتعزيز وتعميق العلاقات الثنائية في كافة المجالات، خاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، إلى جانب تعزيز التعاون التنموي، بما يوثق الروابط بين الشعبين الصديقين.
وأوضح المتحدث الرسمي أن الاتصال تناول أيضاً الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، حيث استعرض السيد الرئيس جهود وقف إطلاق النار في غزة، مؤكداً على أهمية قيام المجتمع الدولي بالضغط تجاه الوقف الفوري للعمليات العسكرية بالقطاع وإنفاذ المساعدات الإنسانية، فضلاً عن الرفض التام لمخططات تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، مشيراً إلى أهمية توسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية بما يتفق مع حل الدولتين.
وذكر المتحدث الرسمي أن الاتصال تناول أيضاً التطورات في سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال، وسبل استعادة الاستقرار بالشرق الأوسط، حيث أكد المستشار الألماني على حرص بلاده على استمرار التنسيق والتشاور مع مصر بهدف استعادة الهدوء والسلم الإقليميين.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الرئيس عبدالفتاح السيسي عبدالفتاح السيسي عبد الفتاح السيسي السيسي الرئيس السيسي فوز فريدريش ميرتز بالانتخابات الألمانية المستشار الألماني فريدريش ميرتز الرئيس السيسي يهنئ المستشار ميرتز على الفوزتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الخبر التالى: "القومي لذوي الإعاقة" يتقدم ببلاغ للنائب العام بشأن "عريس متلازمة داون" الأخبار المتعلقةإعلان
الثانوية العامة
المزيدإعلان
السيسي يهنئ ميرتز.. وغزة في صلب الاتصال بين القاهرة وبرلين
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك