عبد الله علي إبراهيم

"لم يُشكل على السودانيين استرداد الديمقراطية متى صادرها ديكتاتور، ولكنهم لم يجربوا من قبل استرداد الدولة بعد تهافتها. وكما قال لقائد ال "سنتعلم الحرب في الظلام" حين نقلوا له أن سهام الفرس غطت السماء فأظلمت الأرض".

بدا من شهادة مندوب أميركا الخاص للسودان توم بيرييلو أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأربعاء الماضي أن الرتق بين المجلس والإدارة الأميركية حول سياسة الولايات المتحدة حيال السودان اتسع على الراتق.

فلقد قالها صراحة عضو اللجنة الجمهوري عن ولاية أيداهو جيم ريتش إن صبرهم نفد مع إدارة تبدي وتعيد في سياسات عقيمة. ودعاها إلى وضع سياسة بديلة واقعية تحيط بالمسألة من جوانبها تنهي الحرب ونكف بها من بيانات نعي السودان لهم.
وبدا لي أنه ربما يحول دون أميركا وبلوغ الخطة المبتكرة التي دعا إليها السيناتور ريتش، أنها لا تزال تراوح عند نسخة التحول الديمقراطي في السودان كما توقفت عند الـ15 من أبريل 2023، يوم الحرب. فالحرب، في قول بيرييلو الذي جاء للإدلاء بشهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، هي بين جنرالين، عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، ضد الشعب السوداني وأمانيه في الديمقراطية. والديمقراطية هي مطلب أميركا، فهي لا تريد وقف الحرب لأجل وقف الحرب فحسب، على جلال المطلب، بل تريد للسودانيين مواصلة مسيرتهم الديمقراطية. ومفهوم بيرييلو للحرب مطابق تقريباً لمفهوم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حتى في التحذير من أنها حرب أراد منها طاقم نظام الإنقاذ الإسلامي والمتطرفون (الفلول) باباً خلفياً للعودة إلى الحكم. وكاد يسميها، لقوله إنها حرب لجنرالين ضد الشعب، "عبثية" كما هي عند "تقدم". بل وتطابق بيرييلو مع "تقدم" في اتهام الطرفين معاً بارتكاب جرائم حرب وبالقدر نفسه. فلا يذكر بيرييلو جريمة لطرف إلا ذكر أخرى للطرف الثاني بغض النظر عن مقدار السوءة في كليهما طلباً لما يعرف بـ"المعادلة الأخلاقية" (moral equivalence). فجريمة "الجنوسايد" التي قال تشرتشل عن شذوذها إنه لم يكن لها اسم حين وقعت في ألمانيا ضد اليهود والتي نسبها بيرييلو إلى "الدعم السريع" في دارفور تقصر في المقارنة مع قصف الجيش لمقار قال إنها لتخزين العتاد الحربي، على بشاعة الأخيرة حين تخطئ الهدف.
ولبيرييلو رأي حسن في المجتمع المدني السوداني ومتانته في تعلقه بالديمقراطية. لكن مفهومه للحرب صادف أن طابق رأي "تقدم" وهي جماعة كبيرة مهمة. لكن نشأت لأطراف منها ولآخرين لا يقلون عدداً وتأثيراً من "تقدم" آراء ترى العدالة في الحرب إلى جانب الجيش، لا ولعاً به ولا غفراناً لضلاله الفادح في الحكم، بل لأن قوام الدولة الحديثة، ديمقراطية أو لا ديمقراطية، لا يكون إلا به. فمتى انفرط احتكار الجيش للسلاح انفتحت أبواب جهنم على البلد. وخلافاً للرأي الأميركي، فإذا كان ما جاء عند بيرييلو هو هذا الرأي، فيعتقد سودانيون كثيرون بأن الديمقراطية هي آخر ما يشغل البال. فالدول السودانية نفسها، في قولهم، على المحك. ويرون أن انتهاكات الجيش في هذه الحرب مما يقال عنها إنها "مؤسفة" لأنه على الجانب الصواب فيها. أما خروق "الدعم السريع" في الحرب، فـ"إرهابية" صغرت أو عظمت لأنه على الضفة الخطأ فيها.
إذا كان من درس من جلسة شهادة بيرييلو أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، فهو أن تخرج أميركا بمفهوم للحرب غير ما بيدها الآن والذي أثقل كساده على ريتش وانتظر من الإدارة أفضل منه. وربما أتاه هذا الفضل متى اعتبرت أميركا إشفاق كثير من السودانيين لا على الديمقراطية في وطنهم، بل على تلاشي الدولة منه كما عرفوها دائماً. فلم يُشكل على السودانيين استرداد الديمقراطية متى صادرها ديكتاتور، ولكنهم لم يجربوا من قبل استرداد الدولة بعد تهافتها. ولن يتأخروا عن خوض هذا الاسترداد لو لم يكُن منه بد وسيتعلمون آلياته.
قيل لقائد روماني إن سهام الفرس غطت السماء فأظلمت الأرض. فقال "سنتعلم الحرب في الظلام".

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

حركة “حماس” تفند مزاعم الإدارة الأمريكية

الجديد برس:

أصدرت حركة المقاومة الإسلامية  “حماس” بياناً فندت فيه مزاعم الإدارة الأمريكية التي عبّر عنها وزير الخارجية أنطوني بلينكن في مؤتمر صحفي يوم أمس في العاصمة القطرية الدوحة، مؤكدةً أن المشكلة تكمن في التعامل الإسرائيلي مع الطرح الذي قدمته واشنطن، على عكس ما ادعى بلينكن.

وأكد الحركة أنها “أبدت في جميع مراحل مفاوضات وقف العدوان الإيجابية المطلوبة للوصول إلى اتفاق شاملٍ ومُرضٍ، يقوم على مطالب شعبنا العادلة، بوقف نهائي للعدوان، وانسحاب كامل من القطاع، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار وإبرام صفقة جدية لتبادل الأسرى”.

وأوضحت الحركة في بيانها المفصل أنها “تعاملت بكل إيجابية ومسؤولية وطنية مع المقترح الأخير وكل المقترحات للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، والإفراج عن المعتقلين”.

كما بينت أن “المقترح الذي تسلمته حماس من الوسطاء يوم الخامس من مايو، أعلنت موافقتها عليه في اليوم التالي مباشرة”، وأن ممثليها سلموا الرد يوم السادس من مايو، وهو ما اعتُبر من قبل الوسطاء وجميع الأطراف أنه إيجابي ومشجع، بينما كان رد نتنياهو على موافقة حماس بالهجوم على رفح، وتصعيد عدوانه على شعبنا في كل قطاع غزة”.

وأضافت أنها “عبّرت بوضوح عن موقفها الإيجابي مما تضمنه خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 31/05/2024 من دعوته لوقف إطلاق النار الدائم، وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار وتبادل للأسرى”، لافتةً إلى أنها “لم تسمع من حكومة الاحتلال وعلى رأسهم الإرهابي نتنياهو سوى التأكيد على الاستمرار في حرب الإبادة، والهجوم على المقترح الذي جاء على لسان الرئيس بايدن، وذلك على خلاف الادعاء بأن الاحتلال قد وافق عليه”.

ورحبت الحركة  بما تضمنه قرار مجلس الأمن وأكد عليه حول وقف إطلاق النار الدائم في قطاع غزة، والانسحاب التام منه، وتبادل الأسرى، والإعمار، وعودة النازحين إلى مناطق سكناهم، ورفض أي تغير ديموغرافي أو تقليص لمساحة قطاع غزة، وإدخال المساعدات اللازمة لأهلنا في القطاع، وأكدت “استعدادها للتعاون مع الإخوة الوسطاء للدخول في مفاوضات غير مباشرة حول تطبيق هذه المبادئ التي تتماشى مع مطالب شعبنا ومقاومتنا”.

وفي مقابل ذلك، شدد بيان الحركة على أن “العالم لم يسمع  أي ترحيب أو موافقة من قبل نتنياهو وحكومته النازية على قرار مجلس الأمن، وإنما واصلوا  التأكيد على رفض أي وقف دائم لإطلاق النار، في تناقض واضح مع قرار مجلس الأمن، ومبادرة الرئيس بايدن”.

وأشار بيان حماس إلى أنه “بينما واصل بلينكن الحديث عن موافقة (إسرائيل) على المقترح الأخير، فإننا لم نسمع أي مسؤول إسرائيلي يتحدث بهذه الموافقة”، معتبرةً أن “المواقف الصادرة عن وزير الخارجية الأمريكي التي حاول من خلالها تبرئة ساحة الاحتلال الصهيوني، وغسل يديه الملطخة بدماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، وتحميل الحركة مسؤولية تعطيل التوصل لاتفاق”، تعدّها الحركة “استمراراً للسياسة الأمريكية المتواطئة مع حرب الإبادة الوحشية ضد شعبنا الفلسطيني، والتي تتيح المجال للاحتلال لاستكمال جريمته بغطاء سياسي وعسكري أمريكي كامل”.

ودعت الحركة ختاماً “بلينكن، وإدارة الرئيس بايدن، إلى توجيه الضغط إلى حكومة الاحتلال الفاشية، المصرة على استكمال مهمة القتل والإبادة، في انتهاك صارخ لكافة القوانين والمعاهدات الدولية”.

مقالات مشابهة

  • لماذا لا نستطيع تمييز الألوان جيدا في الظلام؟
  • حركة “حماس” تفند مزاعم الإدارة الأمريكية
  • البرهان يتهم أطرافا خارجية بمساعدة حميدتي.. ما علاقته شقيقه؟
  • الإدارةُ الأمريكية.. مستنقعُ الجريمة الدولية
  • نائب رئيس «تقدم»، رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس لـ«التغيير»: طرفي الحرب لن يكونا جزءاً من السلطة المدنية
  • حماس: الإدارة الأمريكية أمام اختبار حقيقي للوفاء بتعهداتها عبر إلزام العدو بوقف الحرب
  • دخلوا السجن صبية.. أبناء مقاتلي تنظيم الدولة في المعتقلات بسبب آبائهم
  • دبلوماسي أمريكي يوضّح المانع الأساسي أمام إعلان المجاعة في السودان
  • عن القرار 2735 وهذه الإدارة الأمريكية التي تتسلّى بالعالم!
  • الموقف من المائدة المستديرة في مصر اول امتحان امام تقدم!