الفراغ السياسي .. قضية لم تحظَ بدرس عربي كافٍ
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
يبينُ استعراض ووصف وتحليل قضية "الفراغ السياسي" كمْ هي مهمة وضرورية في تشخيص جانب من أمراض العرب السياسية في زماننا، وهم ليسوا في هذا استثناء، فالفراغ يصيب أقاليم أخرى في عالم، يعاني من تفاوت في القوّة بين أجزائه، وفي دول لم تستطع إتمام الناقص في قدرتها، بسبب الاستبداد والفساد، وكل العوامل الأخرى، التي تؤدّي إلى صناعة "الخلل الهيكلي" الذي يمتد من السياسة إلى الاقتصاد، وأحوال المجتمع، وثقافته، بل وأحوال أفراده النفسية، وعقله الجمعي، وذائقته.
ولعلّ الذين يُشار إليهم في أي مكان وزمان بأن لديهم فراغًا سياسيًا، يجب عليهم أن يسارعوا إلى سدّه، بدلًا من المكابرة حياله، فأي فراغ يطرأ أو يستمر ويصير مزمنًا يجب عدم إغفاله وتجاهله، سواء كان في الخطاب المعني به إبلاغ الناس أو إفهامهم وكسب ودّهم، أو حتى التلاعب بعقولهم ومشاعرهم، أو كان في الممارسات والتصرّفات والسلوكيات، المرتبطة بهندسة المسرح السياسي على المستوى: المحلي، والإقليمي، والدولي، وكذلك أساليب توزيع وانتشار القوّة في المجتمع.
ويرى كثيرون أن تحديد المستوى الممتلئ أو المكتمل في السياسة هو الذي يجب أن تنشغل به النخبة السياسية وعموم الناس، وليس تضييع مزيد من الوقت في تقدير حجم الفراغ ومداه. وهؤلاء قد لا يعنيهم النظر إلى الفراغ أصلًا، إما لجهل أو تعجل أو غفلة أو تواطؤ من أصحاب المصالح الذاتية والحالية، لأن تقدير الفراغ يكشف، أو يفضح، أنظمةَ حكمٍ، وحقبًا تاريخية، ويعرّي كثيرًا من الممارسات.
ولهذا فإن أصحاب هذا الاتجاه يتحدثون دومًا عما يسمّونه: "الجزء المملوء من الكوب"؛ لإثبات الشرعية السياسية أو تعزيزها، عبر تسويقها بين الناس، ويبقى من مصلحتهم هنا أن يغطوا أو يغمّوا على أي حديث عن الفراغ، لأن في هذا فضحًا لمزاعم الاكتمال أو "الإنجاز الفائق" أو "الولاء الكامل للمصلحة العليا".
لكن التعمية على أي فراغ في القوة السياسية تؤدي إلى تفاقمه، من دون شك، فالثغرات المتروكة في التفكير والأداء السياسي، طالما قادت إلى كوارثَ، يستيقظ الناس عليها، ويبدون بعدها ندمًا شديدًا. فمن بيدهم القرار كلما تأخروا في سد الفراغ أو تلافيه، كان الثمن أفدح، والقدرة على التعويض والخروج من المأزق أضعف.
تشريح وتوضيحفي المقابل يظنّ متعجلون وغائبون عن الوعي غير الزائف أن بيدهم تحديد إدراك الناس للملء والتفريغ، والنور والظلام، والنفع والضر، والإغفاء والصحو، والتعمية والإبانة، وأنهم يقدرون على أن يضعوا طوال الوقت كل ما يريدون، ومن يريدون، في دائرة الضوء، وأن يستبعدوا أهل الخبرة والمعرفة، أو يسوقوا كل تقصير أو نقص في السلوك السياسي، على أنه أفضل ما يكون. لكن كل هذا قبض الريح، فالناس تعرف، وتدرك، وتضحك، وتتجاهل، وتذهب إلى الامتلاء، أو بمعنى أدقّ، تسعى إليه، حتى وإن طال مسعاهم، أو تأخر، أو تعثر.
إن المثل السابق يدل على أن مسألة "الفراغ السياسي" لا تقف عند حدود القضايا الكبرى، التي تهم الدول، بل إنها تنسحب إلى الأفراد أنفسهم، في إطار الصراع السياسي، أو التنافس على المكانة والنفوذ، وهذا الوضع لا يقلل من قيمة الموضوع، رغم أن أغلب الأبحاث والدراسات، ركّزت على الموضوع في صيغته أو شكله الأكبر، المتعلّق بحال الدول والنظم الإقليمية والدولية، مع أن الإحساس بالفراغ يبدأ بالفرد، وينتهي بالجماعة، ثم الكتلة السياسية، ليس بوصفها وحدة جغرافية صماء، إنما تتخللها المشاعر والأحاسيس والتخيلات والآمال والأوهام، التي تنتاب الفرد، بصرف النظر عن الأحوال أو الظروف أو السياقات الاجتماعية والسياسية القائمة.
ولعل تشريح وتوضيح "الفراغ السياسي" يفتح بابًا في الدراسات السياسية العربية، لفهم الكثير من المسارب التي ترتبط بقضايا الديمقراطية وما يعتورها أو يشوبها من نقائص، وورطة الأمن التي تشكل تحديًا شديدًا للنظام الإقليمي العربي؛ لأسباب عديدة وبأشكال وصيغ مختلفة، تتوزع، متناثرة ثم تنتظم، من المحيط إلى الخليج، وكذلك المسائل المرتبطة بالشرعية السياسية، التي تثار حولها في كثير من البلدان أسئلة لا يمكن تجاهلها، والخطاب الإعلامي المطروح، والذي يسعى أصحابه أو منتجوه إلى تسويقه، وإدراك الجمهور أو الرأي العام أو عموم الناس، موقف السلطة وانحيازاتها وتوجهاتها وتصرفها وتصورها، عن الحال والمآل.
فكر وممارسةمن أجل هذا فإن دراسة الفراغ السياسي يجب ألا تقف عند حدّ التصوّرات المألوفة التي تم رصدها وتوصيفها وتحليلها في التاريخ السياسي، والعلاقات الدولية، والسياسة الخارجية، وفق ما هو معتاد، إنما تصلح في حد ذاتها مدخلًا معتبرًا لتحليل الكثير من التصورات والقرارات السياسية، أو هي تمثل، في حد ذاتها، اقترابًا مهمًا في فهم كل ما يعتمل في أذهان المنشغلين بالفعل السياسي، بدءًا من المواطن العادي وانتهاء بمتخذ القرار الأخير في أعلى هرم نظام الحكم.
إن التعامل مع السياسة على أنها بالضرورة "امتلاء" أو هي الجزء المرئي الملموس المحسوس المتعارف عليه بين أيدينا، هو أمر ينقصه الكثير من الحصافة، والفاعلية. فالسياسة، فكر وممارسة، لديها جوانب واسعة وعميقة مرتبطة بالمجازي والمتخيل، وما يدخل في باب الأمنيات والإيهام، وكثير مما لا يمكن تعيينه، على النقيض مما يذهب بعض أساتذة هذا العلم، حين يسعون إلى إلقائه في بحر من المعادلات الرياضية، والأشكال الإحصائية، بدءًا من المنوال البسيط، وانتهاء بمعاملات الارتباط، وما بينهما من أرقام وحسابات، ضمن كل المحاولات التي ترى أنها معنية بضبط العلوم السياسية، كعلم إنساني، وتقريبه، وفق الدراسات الميدانية أو التجريبية، من العلوم البحتة.
فدراسة الفراغ ليست خصمًا من الحقيقة الموجودة، بل إضافة إليها. فنحن حين نقول إن وعي الناس ينقص بنسبة ما، فهذا معناه، بكل بساطة، أننا نريد أن نحدد نسبة الوعي أو مقداره. فبضدّها تتميز الأشياء، والناقص إن حددناه نعرف البقية، أو نصل إلى المكتمل أو تفهمه على الأقل، فما بالنا لو كان الفارغ ليس بفارغ، إنما نحن ندركه هكذا، كما تخبرنا الفيزياء، التي هي الشاهد الأكبر على هذا، أكثر من الفلسفة، ومن العلوم السياسية التي تتحدث عن هذا الأمر من باب المجاز.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الفراغ السیاسی على أن
إقرأ أيضاً:
عربي أم فارسي؟.. مغردون: الجدل حول اسم الخليج لن يغير الجغرافيا
وذكرت وكالة أسوشيتد برس، نقلا عن مسؤولين أميركيين، أن ترامب يعتزم خلال زيارته المرتقبة للمنطقة استخدام اسم "الخليج العربي" بدلًا من "الخليج الفارسي"، استجابة لطلب من دول الخليج العربية.
وعندما سُئل ترامب في فعالية بالبيت الأبيض عما إذا كان سيعلن رسميا عن تغيير اسم الخليج من الفارسي إلى العربي، لم يقدم إجابة حاسمة، مما عزز التكهنات حول نياته.
سارع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للرد على التقارير عبر تغريدة قال فيها: "ترامب يدرك أن اسم الخليج الفارسي يعود إلى قرون مضت، ومعترف به من قبل جميع رسامي الخرائط والهيئات الدولية، بل واستخدمه جميع قادة المنطقة في اتصالاتهم الرسمية حتى ستينيات القرن الماضي".
وأضاف عراقجي "هناك دوافع سياسية لتغيير الاسم التاريخي للخليج الفارسي"، مرفقا تغريدته بصورة لخريطة قال إنها من الكونغرس الأميركي ومكتوب عليها "الخليج الفارسي"، في محاولة للتأكيد على الصفة التاريخية للتسمية.
تسميات تاريخية
وأبرزت حلقة 2025/5/8 من برنامج "شبكات" إجماع مغردين على أن الجدل حول اسم الخليج – سواء كان عربيا أم فارسيا- لا يغير من طبيعته الجغرافية أو حقوقه البحرية، وأن هذا النقاش لا يؤدي إلى نتائج عملية ملموسة. كما أشاروا إلى تعدد التسميات التاريخية للخليج عبر العصور المختلفة.
إعلانوبحسب المغرد رائد عبد الباري فإن التسميات لن تغير شيئا، لأن "هناك وثائق وخرائط تشير إلى اسمه خليج البصرة، ولكن مهما كانت تسميته فهو يبقى على شاكلته لا يتغير وكل دولة تطل عليه لها مياه إقليمية وهناك مياه دولية".
وأكد الناشط محمد على رأي عبد الباري موضحا وجود تعددية تاريخية للتسميات وكتب يقول "اسمه خليج البصرة بالخرائط العثمانية والخليج العربي بالخرائط البريطانية وخليج فارس بالخرائط الإيرانية".
وفي نفس السياق، تساءل المغرد عدي بحر حميد عن الجدوى العملية للنقاش "وإذا أطلق عليه اسم الخليج العربي أو الفارسي هل يتغير شيء؟ الملاحة وحدود المياه الإقليمية ثابتة حسب قانون البحار العالمي، والعرب والفرس جيران يجمعهم دين واحد وهذه الحيثيات إن تعمقنا بالنقاش فيها لن نصل إلى نتيجة".
بينما ذهب صاحب الحساب محمد في تغريدة أخرى إلى الحديث عن تطورات حديثة مدعيا: "خلاص تم اعتماد الاسم الخليج العربي على خرائط جوجل، ادخل على الخرائط وستجد الاسم الجديد للخليج العربي"، وأكمَل موضحا أن "إيران قدمت العديد من التنازلات من أجل تجنب الضربة العسكرية ولا يعتبر ذلك ضعفاً من إيران وإنما هو اختيار أخف الأضرار".
والدول العربية المطلة على ضفتي الخليج هي: قطر، وسلطنة عُمان، والكويت، والإمارات، والبحرين، والسعودية، والعراق، من الجهة الغربية، بينما تطل إيران من ناحيتها الجنوبية على الخليج.
الصادق البديري8/5/2025