الجزيرة:
2024-06-01@07:05:13 GMT

الفراغ السياسي .. قضية لم تحظَ بدرس عربي كافٍ

تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT

الفراغ السياسي .. قضية لم تحظَ بدرس عربي كافٍ

يبينُ استعراض ووصف وتحليل قضية "الفراغ السياسي" كمْ هي مهمة وضرورية في تشخيص جانب من أمراض العرب السياسية في زماننا، وهم ليسوا في هذا استثناء، فالفراغ يصيب أقاليم أخرى في عالم، يعاني من تفاوت في القوّة بين أجزائه، وفي دول لم تستطع إتمام الناقص في قدرتها، بسبب الاستبداد والفساد، وكل العوامل الأخرى، التي تؤدّي إلى صناعة "الخلل الهيكلي" الذي يمتد من السياسة إلى الاقتصاد، وأحوال المجتمع، وثقافته، بل وأحوال أفراده النفسية، وعقله الجمعي، وذائقته.

أثمان فادحة

ولعلّ الذين يُشار إليهم في أي مكان وزمان بأن لديهم فراغًا سياسيًا، يجب عليهم أن يسارعوا إلى سدّه، بدلًا من المكابرة حياله، فأي فراغ يطرأ أو يستمر ويصير مزمنًا يجب عدم إغفاله وتجاهله، سواء كان في الخطاب المعني به إبلاغ الناس أو إفهامهم وكسب ودّهم، أو حتى التلاعب بعقولهم ومشاعرهم، أو كان في الممارسات والتصرّفات والسلوكيات، المرتبطة بهندسة المسرح السياسي على المستوى: المحلي، والإقليمي، والدولي، وكذلك أساليب توزيع وانتشار القوّة في المجتمع.

ويرى كثيرون أن تحديد المستوى الممتلئ أو المكتمل في السياسة هو الذي يجب أن تنشغل به النخبة السياسية وعموم الناس، وليس تضييع مزيد من الوقت في تقدير حجم الفراغ ومداه. وهؤلاء قد لا يعنيهم النظر إلى الفراغ أصلًا، إما لجهل أو تعجل أو غفلة أو تواطؤ من أصحاب المصالح الذاتية والحالية، لأن تقدير الفراغ يكشف، أو يفضح، أنظمةَ حكمٍ، وحقبًا تاريخية، ويعرّي كثيرًا من الممارسات.

ولهذا فإن أصحاب هذا الاتجاه يتحدثون دومًا عما يسمّونه: "الجزء المملوء من الكوب"؛ لإثبات الشرعية السياسية أو تعزيزها، عبر تسويقها بين الناس، ويبقى من مصلحتهم هنا أن يغطوا أو يغمّوا على أي حديث عن الفراغ، لأن في هذا فضحًا لمزاعم الاكتمال أو "الإنجاز الفائق" أو "الولاء الكامل للمصلحة العليا".

لكن التعمية على أي فراغ في القوة السياسية تؤدي إلى تفاقمه، من دون شك، فالثغرات المتروكة في التفكير والأداء السياسي، طالما قادت إلى كوارثَ، يستيقظ الناس عليها، ويبدون بعدها ندمًا شديدًا. فمن بيدهم القرار كلما تأخروا في سد الفراغ أو تلافيه، كان الثمن أفدح، والقدرة على التعويض والخروج من المأزق أضعف.

تشريح وتوضيح

في المقابل يظنّ متعجلون وغائبون عن الوعي غير الزائف أن بيدهم تحديد إدراك الناس للملء والتفريغ، والنور والظلام، والنفع والضر، والإغفاء والصحو، والتعمية والإبانة، وأنهم يقدرون على أن يضعوا طوال الوقت كل ما يريدون، ومن يريدون، في دائرة الضوء، وأن يستبعدوا أهل الخبرة والمعرفة، أو يسوقوا كل تقصير أو نقص في السلوك السياسي، على أنه أفضل ما يكون. لكن كل هذا قبض الريح، فالناس تعرف، وتدرك، وتضحك، وتتجاهل، وتذهب إلى الامتلاء، أو بمعنى أدقّ، تسعى إليه، حتى وإن طال مسعاهم، أو تأخر، أو تعثر.

إن المثل السابق يدل على أن مسألة "الفراغ السياسي" لا تقف عند حدود القضايا الكبرى، التي تهم الدول، بل إنها تنسحب إلى الأفراد أنفسهم، في إطار الصراع السياسي، أو التنافس على المكانة والنفوذ، وهذا الوضع لا يقلل من قيمة الموضوع، رغم أن أغلب الأبحاث والدراسات، ركّزت على الموضوع في صيغته أو شكله الأكبر، المتعلّق بحال الدول والنظم الإقليمية والدولية، مع أن الإحساس بالفراغ يبدأ بالفرد، وينتهي بالجماعة، ثم الكتلة السياسية، ليس بوصفها وحدة جغرافية صماء، إنما تتخللها المشاعر والأحاسيس والتخيلات والآمال والأوهام، التي تنتاب الفرد، بصرف النظر عن الأحوال أو الظروف أو السياقات الاجتماعية والسياسية القائمة.

ولعل تشريح وتوضيح "الفراغ السياسي" يفتح بابًا في الدراسات السياسية العربية، لفهم الكثير من المسارب التي ترتبط بقضايا الديمقراطية وما يعتورها أو يشوبها من نقائص، وورطة الأمن التي تشكل تحديًا شديدًا للنظام الإقليمي العربي؛ لأسباب عديدة وبأشكال وصيغ مختلفة، تتوزع، متناثرة ثم تنتظم، من المحيط إلى الخليج، وكذلك المسائل المرتبطة بالشرعية السياسية، التي تثار حولها في كثير من البلدان أسئلة لا يمكن تجاهلها، والخطاب الإعلامي المطروح، والذي يسعى أصحابه أو منتجوه إلى تسويقه، وإدراك الجمهور أو الرأي العام أو عموم الناس، موقف السلطة وانحيازاتها وتوجهاتها وتصرفها وتصورها، عن الحال والمآل.

فكر وممارسة

من أجل هذا فإن دراسة الفراغ السياسي يجب ألا تقف عند حدّ التصوّرات المألوفة التي تم رصدها وتوصيفها وتحليلها في التاريخ السياسي، والعلاقات الدولية، والسياسة الخارجية، وفق ما هو معتاد، إنما تصلح في حد ذاتها مدخلًا معتبرًا لتحليل الكثير من التصورات والقرارات السياسية، أو هي تمثل، في حد ذاتها، اقترابًا مهمًا في فهم كل ما يعتمل في أذهان المنشغلين بالفعل السياسي، بدءًا من المواطن العادي وانتهاء بمتخذ القرار الأخير في أعلى هرم نظام الحكم.

إن التعامل مع السياسة على أنها بالضرورة "امتلاء" أو هي الجزء المرئي الملموس المحسوس المتعارف عليه بين أيدينا، هو أمر ينقصه الكثير من الحصافة، والفاعلية. فالسياسة، فكر وممارسة، لديها جوانب واسعة وعميقة مرتبطة بالمجازي والمتخيل، وما يدخل في باب الأمنيات والإيهام، وكثير مما لا يمكن تعيينه، على النقيض مما يذهب بعض أساتذة هذا العلم، حين يسعون إلى إلقائه في بحر من المعادلات الرياضية، والأشكال الإحصائية، بدءًا من المنوال البسيط، وانتهاء بمعاملات الارتباط، وما بينهما من أرقام وحسابات، ضمن كل المحاولات التي ترى أنها معنية بضبط العلوم السياسية، كعلم إنساني، وتقريبه، وفق الدراسات الميدانية أو التجريبية، من العلوم البحتة.

فدراسة الفراغ ليست خصمًا من الحقيقة الموجودة، بل إضافة إليها. فنحن حين نقول إن وعي الناس ينقص بنسبة ما، فهذا معناه، بكل بساطة، أننا نريد أن نحدد نسبة الوعي أو مقداره. فبضدّها تتميز الأشياء، والناقص إن حددناه نعرف البقية، أو نصل إلى المكتمل أو تفهمه على الأقل، فما بالنا لو كان الفارغ ليس بفارغ، إنما نحن ندركه هكذا، كما تخبرنا الفيزياء، التي هي الشاهد الأكبر على هذا، أكثر من الفلسفة، ومن العلوم السياسية التي تتحدث عن هذا الأمر من باب المجاز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الفراغ السیاسی على أن

إقرأ أيضاً:

التوازن والتوتر بين الفكر السياسي الإسلامي المعاصر والرؤية الشرعية

زهير عثمان حمد

تراث فقه السياسة الشرعية يحمل في طياته قيمة عظيمة في بلورة رؤية نظرية تجاه الدولة المعاصرة والاجتماع السياسي الإسلامي الراهن، كما يلعب دوراً محورياً في مواجهة تحديات الاستبداد والتسلطية وأزمة الشرعية المستمرة التي تعصف بالدولة. من خلال التعمق في هذا التراث، يمكننا تبديد العديد من مظاهر الخلط التي تسود الوعي السياسي للمثقفين بين المفاهيم الفقهية السياسية ومفاهيم النظام السياسي الحديث. ومع تصاعد ظاهرة الإسلام السياسي وتبوؤها مواقع مؤثرة في الساحة السياسية الوطنية، باتت هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في هذا التراث والفكر الإسلامي بشأن ما يسمى بدولة المدنية المنورة، لما قد يقدمه من توجيه نقدي.
من وجهة نظري، يعد خطاب السياسة الشرعية مجالاً مثيراً للتفكير والبحث، حيث يتناول قضايا جوهرية تتعلق بالدين والسياسة والمجتمع. أود أن ألقي نظرة على بعض النقاط الهامة التي تبدأ من مفاهيم الحق والعدالة والحرية والدولة: يعد تحديد مفاهيم هذه القيم الأساسية جزءاً محورياً من خطاب السياسة الشرعية. كيف يُعرف الحق والعدالة في سياق الدين؟ وما هو دور الحرية في السياسة الشرعية؟ , يمكن أن يكون لهذه المفاهيم تأثير كبير على تصور الفقهاء للدولة والحكم.
جدلية الديني والسياسي: يشكل التوازن بين الجانب الديني والجانب السياسي تحدياً. كيف يمكن توجيه السياسة الشرعية لتحقيق التوازن بين هذين الجانبين؟
السلطة السياسية والتطور التاريخي للمجتمع: يجب أن نفهم كيف تتفاعل السلطة السياسية مع التطور التاريخي للمجتمع. هل تتغير مفاهيم الحكم والدولة مع مرور الزمن؟
الإصلاح السياسي: يمكن أن يكون خطاب السياسة الشرعية محفزاً للتفكير في كيفية تحقيق الإصلاح السياسي. ما هي الخطوات التي يمكن أن تساهم في تحقيق العدالة والتطور الإيجابي في المجتمع؟
تحليل تصور الفقهاء للسياسة والدولة يمثل جزءاً مهماً من البحث في هذا المجال. يمكن أن يساهم هذا النوع من الدراسات في فهم تراثنا السياسي وتطوره على مستوى التصورات والمفاهيم في العصر الحديث.
تصور الفقهاء للدولة كان موضوعاً هاماً في الفكر السياسي الإسلامي الكلاسيكي. دعوني ألقي نظرة على هذا الموضوع: دولة الفقهاء: يُعرف تصور الفقهاء للدولة باسم "دولة الفقهاء"، وهي دولة تستند إلى الشريعة الإسلامية.
ليس المقصود هنا بالدين دولة تحكمها الإمام أو الخليفة فقط، بل دولة تستجيب لمتطلبات الدين باعتباره النموذج الأمثل في التشريع.
التشريع والوظائف السلطانية: يُعتبر الفقهاء مصادر رئيسية للتشريع في الإسلام. تصورهم للدولة يتضمن اشتقاق الأحكام الشرعية التي تحكم المجال السياسي.
يُعتبر من الواجب على الدولة أن تضطلع بالوظائف السلطانية بشكل قانوني، مثل تطبيق العدالة وإدارة الشؤون العامة.
التحديات والواقع السياسي: كانت دولة الفقهاء تصوراً مثالياً، لكن الواقع السياسي كان معقداً. الفقهاء أدركوا أنهم لا يستطيعون تحقيق تراتبية مؤسسات الدولة إلى حدود العقلنة المجردة.
اضطروا لصياغة تصور للدولة يتكيف مع الواقع القبلي والاقتصادي والاجتماعي.
في النهاية، كان تصور الفقهاء للدولة محاولة لتحقيق التوازن بين القيم الدينية والواقع السياسي، وله تأثير كبير على تطور الفكر السياسي في العالم الإسلامي.
الاهتمام بفقه السياسة الشرعية يحمل أهمية كبيرة في فهم وتحليل الظواهر السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي. دعوني ألقي نظرة على فائدة الاهتمام بهذا المجال:
فهم الواقع السياسي: مفاهيم الفقه السياسي الشرعي تساعد في تفسير وتحليل الأحداث والتطورات السياسية في المجتمعات الإسلامية.
يمكن للفقهاء أن يقدموا تصوراً شاملاً للمفاهيم السياسية وكيفية تطبيقها في الواقع.
التوجيه الشرعي: يُعد الفقه السياسي الشرعي مصدراً للتوجيه والإرشاد في قضايا الحكم والقرارات السياسية.
يمكن للفقهاء أن يحددوا ما هو مشروع وما هو محرم وفقاً للشريعة الإسلامية.
التوازن بين الدين والسياسة: يساعد الفقه السياسي الشرعي في تحقيق التوازن بين القيم الدينية والمتطلبات السياسية.
يمكن للفقهاء أن يوجهوا الحكام والمسؤولين نحو تطبيق الشريعة بشكل ملائم ومتوازن.
التأثير على السياسة العامة: يمكن للفقهاء أن يساهموا في صياغة السياسات العامة التي تخدم مصالح الأمة وتحقق العدالة والمساواة.
يمكن أن يكون للفقهاء دور في توجيه الحكومات نحو السياسات التي تحقق الخير والرفاهية للمجتمع.
الاهتمام بفقه السياسة الشرعية يساهم في تطوير الفكر الإسلامي وفهم أبعاد الحكم والقرارات السياسية من منطلق شرعي.
في العالم الإسلامي، يُعد فقه السياسة مجالًا مثيرًا للتفكير والبحث. دعوني ألقي نظرة على بعض النقاط التي تمثل فارقًا بين الفكر السياسي المعاصر ورؤية العلماء للسياسة اليوم:
التفاعل مع السلطة:الفكر السياسي المعاصر يتناول التفاعل مع السلطة والحكام من منظور متعدد الأبعاد.
رؤية العلماء ترتكز على مفهوم العدالة والمصلحة العامة، حيث يُعتبر تحقيق العدالة ومحاربة الظلم أمرًا أساسيًا في السياسة الشرعية.
المشاركة في المناصب السياسية:الفكر السياسي المعاصر يناقش مدى مشاركة العلماء في المناصب السياسية.
رؤية العلماء تتناول هذا الموضوع بين المحرمين والمجيزين، حيث يُعتبر دور المثقف في نصرة الإسلام وعزة المسلمين محورًا مهمًا.
التوازن بين الدين والسياسة:الفكر السياسي المعاصر يسعى إلى تحقيق التوازن بين القيم الدينية والمتطلبات السياسية.
رؤية العلماء تركز على تطبيق الشريعة والعدالة في السياسة، مع الحفاظ على الحياد والمصلحة العامة.
وهنا يُظهر هذا الفارق كيف يمكن للفكر السياسي المعاصر أن يستفيد من رؤية العلماء لتحقيق توازن مثمر بين الدين والسياسة في العالم الإسلامي.
طبيعة الصراع بين الرؤية الشرعية والفكر السياسي الجديد
الصراع بين الرؤية الشرعية والفكر السياسي الجديد يمثل توترًا معقدًا يتجاوز الحدود الزمانية والمكانية. أنه من المهم استعراض طبيعة هذا الصراع:المصادر والأسس:الرؤية الشرعية تستند إلى النصوص الدينية والتراث القديم، مثل القرآن والسنة وآراء العلماء.
الفكر السياسي الجديد يعتمد على المنهج العلمي والتحليل النقدي للظروف الراهنة.
الهوية والمصلحة:الرؤية الشرعية تركز على الهوية الدينية والمبادئ الأخلاقية، حيث يُعتبر الالتزام بالشريعة هو الهدف الأساسي.
الفكر السياسي الجديد يركز على تحقيق المصلحة العامة والتطور الاجتماعي والاقتصادي.
السلطة والتحكم:الرؤية الشرعية تروج لفكرة أن السلطة تأتي من الله، وأن الحكام يجب أن يطبقوا الشريعة.
الفكر السياسي الجديد يركز على مبدأ الشرعية القانونية والمشاركة الشعبية في صنع القرارات.
التحديات والتوافق:الصراع يظهر في قضايا مثل حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحريات الفردية، والتطور التكنولوجي.
يمكن أن يكون هناك توافق بين الرؤية الشرعية والفكر السياسي الجديد في بعض المجالات، مثل العدالة الاجتماعية والمساواة.
ويُظهر هذا الصراع التوتر بين القيم الدينية والتطلعات الحديثة، ويمكن أن يكون محفزًا للتفكير والحوار حول مستقبل المجتمعات.
المشروعية في الفكر السياسي الإسلامي
المشروعية في الفكر السياسي الإسلامي تمثل موضوعًا محوريًا، حيث يتعلق بتأسيس السلطة وتحديد حدودها ومصادرها. دعونا نلقي نظرة على بعض النقاط المهمة في هذا السياق: مفهوم المشروعية: المشروعية تعني القانونية والشرعية للسلطة وأفعالها. , في الفقه الإسلامي، يعتبر مبدأ المشروعية أساسًا لتحديد مشروعية الأفعال الحكومية. , ويجب أن تكون أفعال السلطة متوافقة مع مصادر المشروعية المعترف بها.
مصادر المشروعية: تشمل المصادر النصوص الدينية (القرآن والسنة) والاجتهاد الفقهي.
الفقهاء يحددون مشروعية الأفعال بناءً على هذه المصادر.
ويجب أن تكون الأفعال موافقة للشريعة وتحقق المصلحة العامة.وهنا تبرز التحديات والتنازعات: ويوجد توتر بين المشروعية الدينية والمشروعية السياسية.,الفقهاء يسعون للمصالحة بين القيم الدينية والمتطلبات السياسية.
وتحديد مصادر المشروعية يظل موضوعًا للجدل والبحث.
التقنين والتحديث: يجب تقنين مصادر المشروعية لتواكب التطورات الحديثة. , والدعوة إلى تقنين الفقه الإسلامي تهدف إلى تجاوز الهامشية وتحقيق التوافق مع النظم الوضعية.
يبقى البحث في المشروعية مهمًا لفهم كيف يمكن تحقيق العدالة والحق في السياسة الإسلامية.
لقد حاولت كتب النصيحة بناء العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس العدل والحق والواجب، لكن لم يكن ذلك كافيًا للانفصال عن المشروعية الدينية واستبدالها بمشروعية سياسية خالصة. فالفقهاء لم يوجهوا الحق نحو الرعية نفسها، ولم يجعلوها مصدره الرئيس، لأن ذلك كان خارج نطاق تفكيرهم. العدالة اختزلت في بعدها الأخلاقي، حيث عبرت عبارة "أهل العدل" التي جعلوها مقابلاً "لأهل البغي" عن هذا الفهم الأخلاقي للعدالة.
هذا لا يعني أن مفهوم العدل لم يلعب أي دور في خلخلة التصور المطلق للحكم، فقد حاولت من جهتي أن أبين تأثيره من خلال مقارنة سياقات تشكل فكرة العدل في المتون الفقهية السياسية. ولكن يجب ألا يحجب عنا الأثر السلبي للتصور الأخلاقي للعدالة في تمثل الوعي الفقهي للسياسة ومجالها. فمجرد معارضة السلطة القائمة كان كافيًا للزج بالمعارض في خانة "أهل البغي" وإسقاط صفة العدالة عنه. العدالة اختزلت في تطبيق مقولات الشرع على الواقع السياسي، فهي فعل يقوم به الحاكم بمراعاة الشرع في تدبير مصالح الرعية، في حين تكاد حقوقهم النابعة من وجودهم السياسي تكون غائبة عن التصور الفقهي للعدالة.
أدرك الفقهاء أن أزمة المشروعية التي تصدوا لها لم تكن وليدة اللحظة التي عاينوها، بل هي نتاج التكوين التاريخي للمجال السياسي الإسلامي، مجال العصبية والقبلية واقتصاد العطاء والريع. لم يكن بمقدورهم أن يبلوروا فهمًا للدولة يصل بتراتبية مؤسساتها إلى حدود العقلنة المجردة، بل أدركوا أن الممكن المتاح أمامهم هو صياغة تصور للدولة يتكيف مع مقتضيات ذلك الواقع ويحول دون العودة إلى مشهد الفتنة.أنه بحق صراع الفكر المعاصر والشريعة: بين التناقض والتكامل.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • السوداني والانتخابات البرلمانية القادمة… اتجاهات وميول
  • هل يمكن اعادة المسيحيين الى ما قبل العام 2005؟
  • نِقوش على جِدار الحرب السودانية (5): حكومة بورتسودان
  • التوازن والتوتر بين الفكر السياسي الإسلامي المعاصر والرؤية الشرعية
  • عضوات مجلس الدولة يناقشن الوضع السياسي مع السفارة البريطانية
  • العراق. . دكتاتورية الأغلبية
  • حراك وتحركات!!
  • حراك وتحركات !!
  • التعجيل بترشيح رئيس للوزراء ماذا تعني؟
  • له الأولوية في الطريق.. الحمار سيد الشوارع بمدينة لامو الكينية