أثار الأداء الاقتصادي الضعيف في أوروبا قلق صناع السياسات لفترة طويلة، وصار الأمر على قمة جدول أعمالهم الآن بعد أن أضحت فجوة النمو مع الولايات المتحدة أكثر اتساعا في أعقاب الصدمة الاقتصادية المزدوجة جرّاء جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، وفق ما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

تهديد مميت

وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الماضي من أن أوروبا تواجه تهديدا "مميتا" من التدهور الاقتصادي وتزايد النزعة المعادية لليبرالية والحرب على حدودها الشرقية.

في المقابل، أثبت الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أنه أكثر مرونة في مواجهة هذه الصدمات وانتعش منها بشكل أسرع، إذ ارتفع 8.7% فوق مستويات ما قبل الوباء بحلول الربع الأول من هذا العام، وقد كان ذلك أكثر من ضعف الزيادة البالغة 3.4% في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، بل ويفوق الزيادة المكافئة البالغة 1.7% في اقتصاد بريطانيا في الفترة نفسها، وفق الصحيفة.

وحسب فايننشال تايمز، أصبح هذا التباعد بين ضفتي الأطلسي حادا إلى الحد الذي أدى إلى خلق صدع بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن السياسة النقدية، ومع توقع بقاء النمو والتضخم أقوى في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا، يتوقع المستثمرون أن يخفض مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي الفائدة هذا العام عدة مرات أقل مقارنة بالبنك المركزي الأوروبي أو بنك إنجلترا.

وتؤدي تكاليف الطاقة الأوروبية المرتفعة -التي أصبحت الآن أعلى كثيرا من مثيلاتها في الولايات المتحدة- والإعانات الجذابة التي تقدمها واشنطن لمشاريع الطاقة الخضراء وأشباه الموصلات التي يتم بناؤها، إلى إغراء أعداد كبيرة من الشركات الأوروبية لتحويل أنشطتها إلى هناك.

رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول قد يعلن عددا من التخفيضات في الفائدة أقل من المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا هذه السنة (رويترز) تحذير

طلب الاتحاد الأوروبي من رئيس الوزراء الإيطالي السابق والرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي التوصل إلى سبل لتعزيز القدرة التنافسية للكتلة، ومن المتوقع أن يوصي بتكامل أعمق لأسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي وزيادة التمويل المركزي للدفاع وغيره من المجالات من بروكسل.

وحذر دراغي مؤخرا قائلا: "من دون إجراءات سياسية مصممة ومنسقة بشكل إستراتيجي، فمن المنطقي أن بعض صناعاتنا سوف تغلق القدرة أو الانتقال خارج الاتحاد الأوروبي".

من جهته، يقول رئيس صندوق النفط النرويجي نيكولاي تانجين -هو أحد أكبر المستثمرين في العالم- إنه من "المثير للقلق" مدى جدية الشركات والعمال الأميركيين في العمل والطموح والخفة في التنظيم مقارنة بنظرائهم في أوروبا.

وفي مواجهة الشيخوخة السكانية وندرة الشركات الرائدة في مجالات التكنولوجيا الأسرع نموا، يبحث صناع السياسات الأوروبيون عن سبل لضخ الديناميكية في اقتصاداتهم.

وفي السياق، يقول المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي باولو جينتيلوني إن السؤال الآن هو كيفية معالجة الحاجة إلى استثمارات مهمة في مجالات مثل التحول الأخضر والدفاع.

ويضيف: "الأمر المخزي بالنسبة لأوروبا ليس انخفاض النمو، لأننا للأسف معتادون هذا.. بل هو كيفية الحفاظ على مستوى كافٍ من الاستثمار، وجذب رأس المال الخاص، ودعم احتياجات هذه التحديات الجديدة بالاستثمار العام".

إيزابيل شنابل: منطقة اليورو فقدت نحو 20% من إنتاجيتها مقارنة بالولايات المتحدة منذ منتصف التسعينيات

وكان الاقتصاد الأوروبي في ارتفاع في أوائل التسعينيات، متمتعا بدعم من تعميق السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي قبل توسيعها شرقا في أعقاب نهاية الحرب الباردة.

لكن منذ ذلك الحين، فقدت اقتصادات البلدان الـ27 -التي يتألف منها الاتحاد الأوروبي اليوم- بشكل مطرد الأرض لصالح الولايات المتحدة، إذ تعرضت لسلسلة من النكسات، خاصة أزمة الديون في منطقة اليورو قبل عقد من الزمن.

وفي الآونة الأخيرة، ألحقت جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية في أوكرانيا أضرارا اقتصادية بأوروبا أكبر من تلك التي ألحقتها بالولايات المتحدة.

وانخفضت متوسطات دخول الأفراد من حيث تعادل القوة الشرائية في أوروبا إلى نحو الثلث أقل من نظيره في الولايات المتحدة، وفقا لصندوق النقد الدولي، وقد تجاوز نصيب الفرد من الدخل في الولايات المتحدة جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تتسع هذه الفجوة بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من هذا العقد.

عديد من دول الاتحاد الأوروبي تسعى إلى إبقاء العمال الأكبر سنا في القوى العاملة لفترة أطول (غيتي) العمال الأكبر سنا

تسعى عديد من دول الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء العمال الأكبر سنا في القوى العاملة لفترة أطول، أو تعزيز مشاركة الإناث في القوى العاملة. لكن المجتمعات التي تعاني الشيخوخة السكانية تعني أن الاتجاهات الديموغرافية من غير المرجح أن تسهم إلا قليلا في النمو في الأمد المتوسط، الأمر الذي يجعل أوروبا أكثر اعتمادا على تحسين الإنتاجية.

في المقابل، يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها بيئة أكثر ديناميكية وصديقة للأعمال التجارية، وقد أثبتت على نحو مستمر أنها أكثر مهارة في توجيه الاستثمار إلى القطاعات ذات النمو المرتفع، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات.

وفي هذا الشأن، تقول المسؤولة التنفيذية في البنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل إن منطقة اليورو فقدت نحو 20% من إنتاجيتها مقارنة بالولايات المتحدة منذ منتصف التسعينيات، نتيجة "فشل القارة في جني فوائد تطورات التكنولوجيا الرقمية" مثل الحوسبة السحابية والبرمجيات.

نصيب الفرد من الدخل في الولايات المتحدة تجاوز جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ويتوقع صندوق النقد أن تتسع هذه الفجوة بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من هذا العقد.

وتضيف: "لا يعني ذلك أن هذه المعرفة التكنولوجية غير موزعة عبر البلدان، ولكن نسبة صغيرة جدا من الشركات داخل البلدان هي التي تستخدمها بكفاءة".

وتوضح شنابل أن عديدا من الشركات الأوروبية صغيرة جدا ومقيدة باللوائح التنظيمية، بحيث لا يمكنها استغلال التكنولوجيا الجديدة بشكل كامل. وتمثل الشركات التي لديها أكثر من 250 موظفا ما يقرب من 60% من وظائف القطاع الخاص في الولايات المتحدة، لكن في الاتحاد الأوروبي تنخفض هذه النسبة إلى ما بين 12% في اليونان و37% في ألمانيا، وتقول المتحدثة إن "الشركات الكبرى تستثمر أكثر وتكون أكثر إنتاجية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات فی الولایات المتحدة فی الاتحاد الأوروبی المرکزی الأوروبی

إقرأ أيضاً:

ما هي دول الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين؟

22 مايو، 2024

بغداد/المسلة الحدث: مع إعلان كل من النرويج وإيرلندا وإسبانيا، الاعتراف بدولة فلسطين يرتفع عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المعترفة بفلسطين إلى 12 من أصل 27 دولة.

وبعد إقامة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1975 كجزء من الحوار العربي الأوروبي، أصبحت السويد في عام 2014 أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في أوروبا الغربية تعترف بدولة فلسطينية، علما بأن الدول الأخرى – هي مالطا وقبرص وكذلك دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءا من “المعسكر السوفيتي” وقتها (بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وبولندا ورومانيا) اعترفت بفلسطين عام 1988 قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

يذكر أن رئيس الوزراء الإسباني أدولفو سواريز كان أول زعيم في أوروبا الغربية استضاف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في سبتمبر 1979.

وفي 1986 منحت السلطات الإسبانية وضعا رسميا لممثلية منظمة التحرير الفلسطينية، التي افتتحت في مدريد عام 1972.

وفي فبراير 1980، أصبحت إيرلندا أول عضو غربي دعت إلى إنشاء دولة فلسطينية، كما كانت أيضا آخر دولة سمحت لإسرائيل بفتح “سفارة مقيمة” في أراضيها في ديسمبر 1993.

ومن بين أعضاء “مجموعة العشرين”، تعترف عشر دول – هي الأرجنتين والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا – بفلسطين كدولة.

والآن تتمتع دولة فلسطين كدولة ذات سيادة باعتراف 146 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وأصبحت فلسطين “دولة مراقبة غير عضو” في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نوفمبر 2012.

وفي 18 أبريل الماضي اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبة 143 صوتا قرارا بأحقية دولة فلسطين في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

مقالات مشابهة

  • بوتين يصدر مرسوما ردا على احتمال مصادرة أميركا لأصول روسية
  • فايننشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يخطط لحظر تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى بيلاروسيا
  • العقبة الرئيسية في طريق انضمام أوكرانيا ومولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي
  • بعد منافسة شرسة معه.. هايلي ستدعم ترامب لرئاسة أميركا
  • ما هي دول الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين؟
  • كاتب أميركي: ترامب طفل متهور وخطر حقيقي إذا أعيد انتخابه
  • واشنطن: إيران طلبت مساعدة أميركا عقب حادث مروحية رئيسي
  • روسيا تتهم أميركا بأنها تريد نشر أسلحة في الفضاء
  • الاتحاد الأوروبي بصدد الموافقة على قواعد أكثر صرامة تحكم الذكاء الاصطناعي
  • أميركا: لم نتمكن من تلبية طلب إيران المساعدة حول طائرة رئيسي