أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة في الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزارء الخارجية التحضيري للقمة العربية (33) المنعقد في المنامة اليوم أن ما يحدث في فلسطين إبادة جماعية.

وقال أبو الغيط في مستهل كلمته إنه لا تكفي أي كلمات للتعبير عن مشاعر الغضب الممزوج بالحزن لدينا جميعًا.. لقد تحكمت مشاعر الانتقام الأسود من قادة الاحتلال الاسرائيلي حتى فقدوا أساسيات الحس البشري السليم.

. وارتكبوا جرائم لها مسمى معلوم في القانون الإنساني الدولي.. مسمى صار العالم، وبعد شهور من تراكم الفظاعات، مستعدًا لنطقه بوضوح: التطهير العرقي.

وأكد أبو الغيط أن العالم أمام جريمة مكتملة الأركان مشيرًا إلى أنها ليست جريمة قتل فحسب.. ولكنها اغتيال كامل لمجتمع.. بتمزيق نسيجه وتدمير مقدارته ومؤسساته بشكل كامل.. بحيث لا تصير هذه الأرض قابلة للحياة.. ويدفع الناس دفعًا للفرار، من ملاذ إلى آخر، بلا أي جدوى.. لأنه، وكما صار واضحًا، لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة.

وأضاف أبو الغيط: اليوم ينتهي الحال بالمكدسين في رفح.. أكثر من مليون فلسطيني.. للنزوح إلى مناطق أخرى داخل القطاع بناء على أوامر إخلاء يصدرها الاحتلال.. بعضهم ينزح للمرة الرابعة أو الخامسة.. إلى العراء بلا مأوى أو أٍي من مقومات الحياة البشرية.. .بل وتطاردهم في الطرقات رصاصات الاحتلال وقنابله.. بين الأنقاض والخيام.. بل وفي أماكن توزيع المساعدات.. وكأن المطلوب هو أن يفنى أهل غزة عن آخرهم حتى ُيحقق الاحتلال نصره المزعوم.. ما أشنعه من مطلب وما أخسها من وسائل.

وأكد أبو الغيط أن هذا العدوان هو وصمة عار.. ليس على جبين الاحتلال.. لأن الاحتلال تجرد حتى من الشعور بالعار.. ووقف مندوبه بوجه مكشوف قبل أيام ُيمزق ميثاق المنظومة الأممية بلا خجل.. .هو وصمة عار في جبين العالم الذي يقبل بأن تجري هذه الجرائم في هذا الزمان.. وأن تمتد شهورا طويلة قبل أن ُتطالب بعض الدول بوقف فوري لإطلاق النار.. .رغم أن ما تمارسه إسرئيل من انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.. أي قانون الحرب.. لا يمس الفلسطينيين وحدهم، بل المنظومة العالمية وقواعدها الحاكمة والمبادئ التي تتأسس عليها. إن كل تحرك سواء كان عربيًا أو دوليًا لوضع حد لتلك الجريمة يظل ضرورة قصوى..

وأوضح أبو الغيط أن المساعي العربية في هذا الصدد جادة وصادقة ومتواصلة منذ القمة العربية الإسلامية المشتركة التي استضافتها الرياض في نوفمبر 2023 لتكوين قاعدة صلبة من المواقف الدولية المؤيدة للشعب الفلسطيني وحقوقه، وكشف الاحتلال وممارساته، بعد أن حاولت إسرئيل عبثًا استغلال أحداث السابع من أكتوبر والتعاطف الدولي معها لتبرير مخططاتها لإنزال عقاب جماعي بالفلسطينيين.. .مشيرا إلى أن التصويت الدولي الكاسح قبل أيام في الجمعية العامة لانضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفتها عضوا كاملا يعد مؤشرًا واضحا علي الموقف الدولي عموما من كل ما يحدث في فلسطين منذ أشهر.

واضاف أبو الغيط قائلًا: عرف العالم أن الاستقرار الإقليمي يظل هشًا وقابلًا للانفجار طالما ظلت المشكلة الفلسطينية قائمة من دون حل.. وأن إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة هما السبيل الحقيقي الوحيد لتحقيق استقرار إقليمي طال انتظاره.. وبرغم الألم الذي يعتصرنا جميعًا لمرأى الجرائم المشينة للاحتلال، فإننا أيضًا نشعر بالرضا لهذا المشهد العالمي غير المسبوق، من الوعي والإدارك لدى جيل جديد على اتساع العالم من السويد إلى الولايات المتحدة.. يرى الأمور على حقيقتها.. ويدرك بحسه السليم أن ما يجري في فلسطين جريمة.. وأن ُ الجريمة ليست مرتبطة بالسابع من أكتوبر.. وإلا كيف ُنفسر جرائم المستوطنين وعنفهم الدموي وبلطجتهم في الضفة الغربية؟ وكيف ُنفسر جرائم إسرائيل في السجون التي ُكشف عنها حديثًا؟ وكيف نفسر جرائم الاحتلال السابقة على 7 أكتوبر، والتالية عليه من المقابر الجماعية والتعذيب في السجون؟ الاحتلال هو الجريمة الحقيقية.. هذا ما أدركه الشباب في العالم ويسعون اليوم إلى كشفه والتنبيه إليه.. .ومطلبهم بسيط وواضح: أوقفوا هذه الحرب الظالمة فوًار.. وأنقذوا الناس من المجاعة.. .ولا ُتقدموا الغطاء للإجرام لكي يباشر خطته المجنونة في غزة.. فلا ُيعقل أن ُيهدد سعي شخص واحد للحفاظ على مستقبله السياسي مصير الملايين في المنطقة.

وأوضح أبو الغيط أن الجهد العربي، عبر الشهور الماضية، سواء في إطار اللجنة الوازرية المعنية بالقضية الفلسطينية أو غيرها من الأُطر.. تحرك على مستويين.. الأول وقف الحرب فورًا وإغاثة أهل غزة ودعم صمودهم على أرضهم بالتصدي لمخطط التهجير المرفوض عربيًا ودوليًا.. .والثاني هو العمل من دون تأخير من أجل تحقيق رؤية الدولتين وخلق مسار لا رجعة عنه لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.

قائلا: إننا نسعى لحشد التأييد للاعتراف بفلسطين.. ليس كإجراء رمزي مهم، ولكن كجزء من مسار له معالم واضحة.. ُيفضي إلى مؤتمر دولي ُتشارك فيه كافة الأطراف المقتنعة بحل الدولتين والراغبة في تعزيز فرص تحققه.. .فالطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، غير قادرين بمفردهما على التوصل إلى حل.. و ويحتاجان لتدخل دولي مكثف ومتواصل.. والطرف الأضعف في هذه المعادلة هو الشعب الذي ُيمارس عليه الاحتلال.. والذي، من دون حماية دولية، ُيمكن أن يتعرض لمذابح تفوق بشاعتها كل وصف.. لذلك فإن التدخل الدولي، بكل صورة، صار ضرورة.. والعودة لمسار المفاوضات الثنائية لم يعد خيارًا ممكنًا.. فكيف يجري هذا التفاوض بينما هناك طرٌف يرفضه ابتداًء.. بل ويرفض الإطار الذي يجري على أساسه، أي إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية؟

وقال أبو الغيط: مع أن مأساة غزة تسيطر على الأذهان وتدمي القلوب.. الا أن جدول أعمال هذا المجلس مزدحم بقضايا عربية أخر، فرضت نفسها بواقع الحاحها وأهميتها للأمن القومي العربي.. أو بسبب التدهور الشديد الذي تشهده بعض الأوضاع.. وفي هذا الصدد، فإن الوضع الصعب في السودان بالذات يستحق كل الانتباه.. فالحرب المستعرة هناك منذ أكثر من عام، توشك أن تعصف بوحدة هذا البلد العربي المهم.. .والكلفة الإنسانية للحرب تجاوزت كل الحدود.. هناك أكثر من عشرة ملايين نازح.. منهم أكثر من مليون غادروا البلاد.. وهناك 25 مليوناً يعيشون في حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي.. وشبح المجاعة ُيطل بوجهه القبيح.

وهناك مخاوف حقيقية من سقوط المزيد من الضحايا في دارفور، وغيرها من جبهات القتال

المشتعلة. هذه الحرب يجب أن تتوقف.. لقد ُبذلت جهود عربية على أكثر من مستوى.. في إطار محادثات جدة وغيرها.. من أجل وقف الحرب، والتوصل إلى تسوية تحفظ وحدة البلاد و مؤسساتها.. ولكن من دون جدوى.. إننا ُنناشد الجميع إدارك المخاطر الشديدة التي ينطوي عليها استمرار الحرب.. أناشدهم بالشروع في مسار جاد لوقف إطلاق النار.. فالحلول مازالت ممكنة إذا صدقت النوايا.. وشعب السودان يستحق الاستماع إلى آلامه ومعاناته.

وأضاف أبو الغيط: إن الوضع في ليبيا واليمن وسوريا-والمطروح بشأنها قرارات على القمة- يعد مجمداً الي حد كبير.. والتجميد هنا ليس حلًا مع الأسف لأنه يخلق أوضاعاً قابلة للانتكاس.. ولا يرفع المعاناة عن كاهل الشعوب ولا يوفر الاستقرار الإقليمي المنشود.. .إن هذه الأزمات العربية تحتاج من المنظومة العربية جهداً متواصلاً لأننا لا نقبل أبداً أن تتحول الي ازمات منسية ولو إلى حين. الا ُتشعرنا جسامة التحديات سوى بحتمية العمل الجماعي.. فالاستقطاب المستحكم على الصعيد الدولي يدفعنا دفعًا لعمل متضافر ولتنسيق عربي أكبر.. فصوتنا الجماعي له وزن وقيمة، ويسمع له وينتبه الآخرون إليه.

واختتم أبو الغيطقائلًا: أثق في ُأن هذه القمة ستكون عند مستوى تطلعات المواطن العربي في رسالتها ومخرجاتها.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الدولة الفلسطینیة أبو الغیط أن أکثر من من دون

إقرأ أيضاً:

إبادة جماعية تم التنبّؤ بوقوعها

الإبادة الجماعية في غزة هي المرحلة النهائية من عملية بدأتها إسرائيل قبل عقود. أي شخص لم يتوقع أن هذا قادمٌ فقد أعمى بصرَه عن طبيعة دولة الفصل العنصري وأهدافها النهائية.

لكن من الأسهل التظاهر: التظاهر بأن إسرائيل ستسمح بدخول المساعدات الإنسانية، وأنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار، وأن الفلسطينيين سيعودون إلى منازلهم المدمرة في غزة، والتظاهر بإعادة بناء غزة، وأن السلطة الفلسطينية ستدير غزة، وأنه سيكون هناك حلُّ الدولتين، والتظاهر بعدم وجود إبادة جماعية.

لا توجد مفاجآت في غزة. لقد تم التنبّؤ بكل عمل مروع من أعمال الإبادة الجماعية الإسرائيلية مقدمًا منذ عقود. إن تجريد الفلسطينيين من أراضيهم هو القلب النابض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. كان لهذا التجريد لحظات تاريخية دراماتيكية – 1948 و1967 – عندما تم الاستيلاء على أجزاء واسعة من فلسطين التاريخية، وتم ممارسة التطهير ضد مئات الآلاف من الفلسطينيين عرقيًا. كما حدث نزع الملكية وسرقة الأراضي ببطء، وكذلك التطهير العرقي المستمر في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

أعطى التوغل في 7 أكتوبر/تشرين الأول في إسرائيل من قبل حماس، وجماعات المقاومة الأخرى – والذي أسفر عن مقتل 1154 شخصًا في إسرائيل، وشهد أسْر حوالي 240 شخصًا كرهائن – إسرائيلَ ذريعة لما كانت تتوق إليه منذ فترة طويلة: المحو الكامل للفلسطينيين.

دمرت إسرائيل 77 في المائة من مرافق الرعاية الصحية في غزة، و68 في المائة من البنية التحتية للاتصالات، وجميع المباني البلدية والحكومية تقريبًا، والمراكز التجارية والصناعية والزراعية، وما يقرب من نصف جميع الطرق، وأكثر من 60 في المائة من 439000 منزل في غزة، و68 في المائة من المباني السكنية، وتم قصف برج التاج في مدينة غزة في 25 أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل 101 شخص، من بينهم 44 طفلًا، و37 امرأة، وإصابة المئات، كما جرى تدمير مخيمات اللاجئين.

أسفر الهجوم على مخيم جباليا للاجئين في 25 أكتوبر/تشرين الأول عن مقتل ما لا يقل عن 126 مدنيًا، من بينهم 69 طفلًا، وإصابة 280. كما ألحقت إسرائيل أضرارًا أو دمرت جامعات غزة، وكلها مغلقة الآن، و60 في المائة من المرافق التعليمية الأخرى، بما في ذلك 13 مكتبة. كما دمرت ما لا يقل عن 195 موقعًا تراثيًا، بما في ذلك 208 مساجد وكنائس ومحفوظات غزة المركزية، التي تحتوي على 150 عامًا من السجلات والوثائق التاريخية.

الطائرات الحربية الإسرائيلية والصواريخ والطائرات بدون طيار والدبابات وقذائف المدفعية والمدافع البحرية الإسرائيلية تسحق غزة يوميًا – التي يبلغ طولها 20 ميلًا فقط وعرضها خمسة أميال – في حملة الأرض المحروقة التي لا مثيل لها منذ الحرب في فيتنام. لقد أسقطت 25000 طن من المتفجرات – أي ما يعادل قنبلتين نوويتين – على غزة، والعديد من الأهداف التي اختارها الذكاء الاصطناعي.

يسقط الجيش الإسرائيلي ذخائر غير موجهة "قنابل غبية" وقنابل مضادة للتحصينات بوزن 2000 رطل على مخيمات اللاجئين والمراكز الحضرية المكتظة، وكذلك ما يسمى "المناطق الآمنة"، 42 في المائة من الفلسطينيين الذين قتلوا كانوا في هذه "المناطق الآمنة"، حيث أمرتهم إسرائيل بالفرار. نزح أكثر من 1.7 مليون فلسطيني من منازلهم، وأجبروا على إيجاد مأوى في ملاجئ الأونروا المكتظة وممرات المستشفيات والساحات والمدارس والخيام، أو الهواء الطلق في جنوب غزة، وغالبًا ما يعيشون بجوار برك نتنة من مياه الصرف الصحي.

قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 35 ألف فلسطيني في غزة، بما في ذلك 13000 طفل، و9000 امرأة. هذا يعني أن إسرائيل تذبح ما يصل إلى 187  شخصًا يوميًا، بمن في ذلك 75 طفلًا. لقد قُتل 140 صحفيًا، استُهدف العديد منهم، إن لم يكن معظمهم، عمدًا. قتل 340  طبيبًا وممرضًا وغيرهم من العاملين الصحيين – أربعة في المائة من موظفي الرعاية الصحية في غزة. لا تعكس هذه الأرقام عدد الوفيات الفعلي، حيث يتم احتساب القتلى المسجلين في المشارح والمستشفيات فقط، التي لم يعد معظمها يعمل. يبلغ عدد القتلى، عندما يتم حصر المفقودين، أكثر من 40000.

يضطر الأطباء إلى بتر الأطراف دون مخدر. أولئك الذين يعانون من حالات طبية شديدة – السرطان والسكري وأمراض القلب وأمراض الكلى – ماتوا بسبب نقص العلاج أو سيموتون قريبًا. تلد أكثر من مائة امرأة كل يوم، مع القليل من الرعاية الطبية أو بدونها. ارتفعت حالات الإجهاض بنسبة 300 في المائة. يعاني أكثر من 90 في المائة من الفلسطينيين في غزة من انعدام الأمن الغذائي الشديد، حيث يأكل الناس علف الحيوانات والعشب. الأطفال يموتون من الجوع. تم تعقّبُ الكتّاب والأكاديميين والعلماء وأفراد أسرهم واغتيالهم. أصيب أكثر من 75000 فلسطيني، وسيصاب الكثير منهم بالشلل مدى الحياة.

كتبت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، في تقريرها الصادر في 25 مارس/ آذار:  "كان سبعون في المائة من الوفيات المسجلة من النساء والأطفال". "فشلت إسرائيل في إثبات أن الـ 30 في المائة المتبقين، أي الذكور البالغين، كانوا مقاتلين نشطين في حماس – وهو شرط ضروري لاستهدافهم بشكل قانوني".  بحلول أوائل ديسمبر/كانون الأول، ادعى مستشارو الأمن الإسرائيليون مقتل "7000 مقاوم"  في مرحلة من الحملة، عندما تم تحديد أقل من 5000 ذكر بالغ في المجموع من بين الضحايا، مما يعني أن جميع الذكور البالغين الذين قتلوا كانوا "مقاومين".

تستخدم إسرائيل الحيل اللغوية لحرمان أي شخص في غزة من وضع المدنيين وأي مبنى – بما في ذلك المساجد والمستشفيات والمدارس – موضعَ الحماية. يتم وصف جميع الفلسطينيين بأنهم مسؤولون عن الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أو بأنهم دروع بشرية لحماس. تعتبر جميع المباني أهدافًا مشروعة من قبل إسرائيل؛ لأنها تزعم أنها مراكز قيادة حماس، أو يقال إنها تُؤوي مقاتلي حماس.

هذه الاتهامات – تقول ألبانيز – هي "ذريعة"  تستخدم لتبرير "قتل المدنيين تحت عباءة من الشرعية المزعومة، التي يدل التذرع بها على نية الإبادة الجماعية".

من حيث الحجم، لم نشهد هجومًا على الفلسطينيين بهذا القدر، ولكن كل هذه التدابير – قتل المدنيين، ونزع ملكية الأراضي، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والإخفاء، والإغلاق المفروض على المدن والقرى الفلسطينية، وهدم المنازل، وإلغاء تصاريح الإقامة، والترحيل، وتدمير البنية التحتية التي تحافظ على المجتمع المدني، والاحتلال العسكري، واللغة اللاإنسانية، وسرقة الموارد الطبيعية، وخاصة طبقات المياه الجوفية – حددت منذ فترة طويلة حملة إسرائيل للقضاء على الفلسطينيين.

لن يكون الاحتلال والإبادة الجماعية ممكنَين بدون الولايات المتحدة التي تمنح إسرائيل 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية السنوية، وترسل الآن 2.5 مليار دولار أخرى في شكل قنابل، بما في ذلك 1800 قنبلة MK84 2000  رطل، و500 قنبلة MK82 500 رطل، وطائرات مقاتلة إلى إسرائيل. هذه أيضًا إبادة جماعية نحن – الأميركيين – ضالعون فيها.

الإبادة الجماعية في غزة هي تتويج لعملية، فهي ليست فعلًا منفصلًا. الإبادة الجماعية هي الخاتمة التي يمكن التنبؤ بها للمشروع الاستعماري للمستوطنين الإسرائيليين. يتم سبره داخل الحمض النووي لهوية دولة الفصل العنصري الإسرائيلية. هذا هو المكان الذي كان على إسرائيل أن تنتهي فيه.

القادة الصهاينة منفتحون بشأن أهدافهم

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أن غزة لن تتلقى " كهرباء أو طعامًا أو ماء أو وقودًا". قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس: "المساعدات الإنسانية لغزة؟.. لن يتم تشغيل أي مولد كهربائي، ولن يتم فتح أي صنبور للمياه".

أشار آفي ديختر، وزير الزراعة، إلى الهجوم العسكري الإسرائيلي باسم "نكبة غزة"، في إشارة إلى النكبة، أو "الكارثة"، التي طردت بين عامي 1947 و1949، 750000 فلسطيني من أرضهم، وشهدت ذبح الآلاف على يد العصابات الصهيونية. نشرت عضوة الليكود في الكنيست الإسرائيلي تالي غوتليب على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي: "أسقط المباني!! دمر بلا تمييز!! .. تسطيح غزة. بدون رحمة! هذه المرة، لا يوجد مكان للرحمة!". أيد وزير التراث عميحاي إلياهو استخدام الأسلحة النووية في غزة باعتبارها "أحد الخيارات".

الرسالة من القيادة الإسرائيلية لا لبس فيها: إبادة الفلسطينيين.

لا يمكننا التذرع بالجهل. نحن نعرف ما حدث للفلسطينيين، ونعرف ما يحدث لهم حاليًا، وما سيحدث لهم مستقبلًا.

تقول الإبادة الجماعية، التي تمولها الولايات المتحدة وتدعمها بشحنات الأسلحة، شيئًا ليس فقط عن إسرائيل، ولكن عنا، وعن الحضارة الغربية، وعمن نحن كشعب، ومن أين جئنا وما الذي يحددنا. تقول إن كل قيمنا التي نتغنى بها واحترامنا لحقوق الإنسان كذبة. تقول إن الأشخاص الملونين، خاصة عندما يكونون فقراء وضعفاء، لا يحسبون. تقول إن آمالهم وأحلامهم وكرامتهم وتطلعاتهم إلى الحرية لا قيمة لها. تقول إننا سنضمن الهيمنة العالمية من خلال العنف العنصري.

هذه الكذبة – أن الحضارة الغربية تستند إلى "قيم" مثل احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون – انكشفت مع الفلسطينيين ولم يعد أحد يصدقها في الجنوب العالمي، وكذلك مع الأميركيين الأصليين والأميركيين السود والبنيين الذين عرفوها منذ قرون. ولكن، مع بثّ الإبادة الجماعية في غزة مباشرة، من المستحيل الحفاظ على هذه الكذبة.

نحن لا نوقف الإبادة الجماعية، لأننا مصابون بداء التفوق الأبيض، ومخمورون بسبب هيمنتنا على ثروة العالم، والقدرة على سحق الآخرين بأسلحتنا الصناعية.

يدركُ العالم خارج الحصون الصناعية في الشمال العالمي تمامًا أن مصير الفلسطينيين هو مصيرهم. نظرًا لأن تغيّر المناخ يعرض البقاء على قيد الحياة للخطر، ومع شحّ الموارد، تصبح الهجرة ضرورة حتمية للملايين، ومع انخفاض الغلة الزراعيّة، ومع غمر المناطق الساحلية، ومع انتشار الجفاف والحرائق البرية، ومع فشل الدول، ومع صعود حركات المقاومة المسلحة لمحاربة مضطهديها إلى جانب وكلائهم، فإن الإبادة الجماعية لن تكون حالة شاذة. سيكون هذا هو القاعدة. ضعفاء الأرض وفقراؤها، أولئك الذين أطلق عليهم فرانتز فانون "بائسو الأرض"، سيكونون الفلسطينيين القادمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي: استعرضنا جهود إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية
  • «العاملين بالصحافة والإعلام» تعلن دعمها الكامل لقصواء الخلالي
  • أستاذ علوم سياسية: ما يحدث بغزة محرقة جماعية لشعب أعزل (فيديو)
  • إبادة جماعية تم التنبّؤ بوقوعها
  • أبو الغيط: اعتراف سلوفينيا بفلسطين يعكس اقتناعاً بحل الدولتين
  • مهران: انضمام إسبانيا لدعوى إبادة الفلسطينيين بلاهاي نقطة تحول.. وعلى الدول حذو مثالها لدعم العدالة
  • حركة فتح: توقيع 17 دولة على البيان الدولي يثبت عدم الثقة في الحكومة الإسرائيلية
  • خبير سياسات دولية: العالم أدرك روايات إسرائيل الكاذبة حول ما يحدث في عزة
  • بوتين: "إسرائيل" تنفذ إبادة شاملة ضد المدنيين في غزة
  • البرلمان العربي يدعو إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة