الإنفاق العسكرى الأمريكي يغذي الحروب والصراعات حول العالم ويتراجع فى مكافحة الإرهاب
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تتزايد الأعباء المالية والعسكرية على الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدء الحرب الأوكرانية، كما أنها دخلت مرحلة جديدة من الأعباء مع انطلاق العدوان الإسرائيلى على غزة، ما يضع واشنطن أمام احتمالية تقليل نفقاتها الحربية فى ملفات أخرى أقل أهمية بالنسبة لها من أوكرانيا وإسرائيل، مثل ملف مكافحة الإرهاب.
خاصة وأن البعض يرى تعزيز هذه الاحتمالية بعد فقدان الثقة فى الوجود الأوروبى والأمريكى فى القارة الأفريقية واتجاه عدد من الدول لتعزيز علاقتها مع الدب الروسي، فى ظل تنامى التنظيمات المسلحة فى أفريقيا، إلى جانب الانخراط الكبير فى دعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، سبقها الانسحاب من أفغانستان وترك الشعب والسلطة فريسة فى يد حركة طالبان.
وكان وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، أعلن عن تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة ٢ مليار دولار، لمساعدة البلاد فى صد الهجوم الروسي، وذلك فى آخر زيارة لوزير الخارجية لكييف، الأربعاء الماضي، وهى خطوة أمريكية جاءت بعد أسابيع من إقرار حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة ٦١ مليار دولار تأخر اعتمادها من جانب الكونجرس لأشهر، فيما تقدر المساعدات الأمريكية لأوكرانيا منذ اندلاع الهجوم الروسى بنحو ١٠٧ مليارات دولار.
أما على الجانب الإسرائيلى فقد وافق مجلس الشيوخ الأمريكى على حزمة مساعدات خارجية بقيمة ٩٥ مليار دولار، تشمل تقديم دعم عسكرى لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان، يصل لإسرائيل منها نحو ٢٦.٤ مليار دولار.
ويرى مراقبون أن الحرب الأوكرانية ووقوف أمريكا بجانبها داعما ماليا وبمعدات وآليات عسكرية، وأيضا العدوان الإسرائيلى على غزة المدعوم من واشنطن، قد يعزز من تراجع جهود الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب دوليا، خاصة وأن التزام أمريكا بهذه المجابهة يضيف عليها أعباء إضافية، فهل فعلا تتأثر الجهود الأمريكية بما يمكن أن يسمى استنزافا من قبل أوكرانيا وإسرائيل؟
وانسحبت واشنطن من أفغانستان فى أغسطس عام ٢٠٢١ فى إطار المحافظة على مصالحها ولكن بتكلفة أقل، حيث أضر بمصداقيتها فى التزامها بمحاربة الإرهاب، وأيضا يتناقض مع شعار الرئيس الأمريكى جو بايدن بأن أمريكا عادت إلى الساحة العالمية، وهو ما يدفع المراقبين إلى القول بإمكانية تنصل أو تقليل واشنطن من جهودها فى مجال الإرهاب لصالح شركاء آخرين أكثر أهمية مثل إسرائيل وأوكرانيا.
انشغال الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري والمالى إلى أوكرانيا وإلى إسرائيل يأخذ الكثير من الوقت والتدابيرتزايد الحروب والنزاعات
من جانبه؛ يرى الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، أن انشغال الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري والمالى إلى أوكرانيا وإلى إسرائيل يأخذ الكثير من الوقت والتدابير، لأن تقديم الأسلحة والتمويل كان يواجه الكثير من الصعوبات أمام الإدارة الأمريكية، وهذا يجعلها منشغلة دائما على حساب سياسات مكافحة الإرهاب دوليا.
وأضاف "جاسم"، فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن مثل هذا الانشغال يجعلنا نتذكر حقيقة أن الحروب والنزاعات الدولية تزيد من التطرف والإرهاب بسبب ما تفرز من نتائج منها النزوح والهجرة والخطاب المتطرف والعنصرية وغيرها من المشاكل وهذا ما تستغله الجماعات المتطرفة عندما يكون هناك فراغ سياسي، خاصة الفراغ الذى تتركه الولايات المتحدة حول العالم.
فبحسب رئيس المركز الأوروبى فإن انسحاب واشنطن من دعم مكافحة الإرهاب يخلق مساحة وفراغًا يمكن استغلالهما من قبل التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى المشاكل التى تجاور دائما هذه التحركات مثل الهجرة وتصاعد خطابات الكراهية وغيرها.
ازداد إنفاق واشنطن على مجالها العسكريزيادة الإنفاق العسكري
ذكر تقرير لموقع CNBC عربية، أن الميزانية العسكرية الأمريكية تغذى الحروب فى العالم، ونقل التقرير عن "هارفرد بزنيس سكول"، أن جزءا كبيرا من الأموال المخصصة للإنفاق العسكرى ستذهب لدعم صناعة الدفاع الأمريكية، كما تذهب أغلب الأسلحة فى السنوات الأخيرة إلى أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، بعد سنوات من الإنفاق العسكرى فى بغداد وباكستان وأفغانستان التى قاربت ٥ تريليون.
يشير التحول فى تغيير مسار الإنفاق العسكرى بوضوح إلى تحول آخر مصحوب فى السياسة الأمريكية التى انتقلت من ملف أيدته وأبدت اهتمامًا متزايدا به، فى فترة سابقة، وهو مجال مكافحة الإرهاب، ليتجه الاهتمام إلى ساحة صراعها مع روسيا والصين مجددا، ودعم حليفتها الأهم فى المنطقة إسرائيل.
برر بعض المراقبين من أن تخصيص مساعدات مالية ضخمة لأوكرانيا لا يعنى أنها ستذهب إليها أمولا بل معناه أن هذه الأموال سيجرى توجيهها لمجال الصناعات العسكرية والدفاعية الأمريكية، حيث ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بثقلها على سباق التسليح بين الدول، وخاصة واشنطن التى تتصدر قائمة الأكثر إنفاقا على صفقات السلاح.
أضر انسحاب أمريكا من أفغانستان بمصداقيتها فى التزامها بمحاربة الإرهابتنامى التنظيمات والتهديدات الإرهابية
يبدو أن الموقف الأمريكى بات واضحا خاصة مع انسحابها من أفغانستان وإفساح الساحة لحركة طالبان التى ظلت تقاتلها لنحو عشرين عاما، تركتها تنفرد بالسلطة، وتنفرد بالشعب أيضا، بالإضافة لتنامى التنظيمات المسلحة فى القارة الأفريقية، مع فقد الثقة فى الدور الأمريكى والأوروبى لدى كثير من الدول الأفريقية التى أعلنت عن عدم ترحيبها بهذا الدور الذى يدعى محاربته للإرهاب.
بينما اتجهت بعض الدول صوب روسيا بهدف التعاون معها اقتصاديا وعسكريا، وفى ظل هذه الظروف والتغيرات لا يمكن إغفال التهديدات المتزايدة لتنظيم داعش الإرهابى للدول الأوروبية وخاصة بعد هجومه على قاعة موسيقية فى موسكو.
أما فى العراق وسوريا، فإن الولايات المتحدة تحافظ على وجودها وقواعدها العسكرية التى تحمى بها حليفتها الأهم إسرائيل حيث استخدمت وجودها فى المنطقة لصد الطائرات المسيرة التى أطلقتها إيران باتجاه دولة الاحتلال، أيضا استخدمت قوتها لردع بعض التنظيمات الموالية لإيران فى العراق وسوريا، وشنت ضدها غارات على الأراضى العراقية.
وهو ما اعتبرته الحكومة العراقية خرقا لسيادتها، وجددت مطالبها بمغادرة قوات التحالف الدولى لأراضى العراق، وألحت على ذلك، ما جعل التحالف الدولى يعلن أنه ذاهب مع العراق لتطوير شكل العلاقة بعد الاشتراك فى هزيمة تنظيم داعش جغرافيا.
شكل العلاقة الذى تريده بغداد وكما عبرت عنه الحكومة العراقية هو الاتجاه لتكوين علاقات استراتيجية وثنائية مع دول التحالف الدولى مع إنهاء وجود دور التحالف الذى تقوده أمريكا، لذلك فإن التحالف لفت إلى أنه فى أغسطس٢٠٢٣ بدأت هذه العملية، وجرى تشكيل اللجنة العسكرية العليا للإشراف على عملية الانتقال إلى علاقات ثنائية واسعة النطاق مع الدول الأعضاء.
فى الوقت نفسه؛ تراعى الأطراف ٣ عوامل رئيسية، يجرى أخذها فى الاعتبار: التهديد من داعش، الواقع الإقليمى بشكل عام، قدرات قوات الأمن العراقية. مستكملا، أنه فى منتصف أبريل الماضى ناقش رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى والرئيس الأمريكى جو بايدن التطور الطبيعى للتحالف الدولى فى ضوء التقدم الكبير الذى جرى إحرازه، وأكد الزعيمان أن قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب ستتحول بطريقة منظمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحرب الأوكرانية العدوان الإسرائيلي غزة أوكرانيا وإسرائيل مكافحة الإرهاب أوکرانیا وإسرائیل الولایات المتحدة مکافحة الإرهاب من أفغانستان ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
خمنوا ماذا يكون الإرهاب في نظر الحكومة البريطانية؟
في العشرين من يونيو الجاري، وقع حدث أصبح الآن مألوفا لنا ألفة مريعة، إذ قامت القوات الإسرائيلية مرة أخرى بفتح النار على فلسطينيين في موقع لتوزيع المساعدات، مما أسفر في هذه المرة عن مصرع ثلاثة وعشرين شخصا. وفي اليوم نفسه، أميط اللثام عن قيام ناشطين تابعين لجماعة بريطانية اسمها «الفعل الفلسطيني» [Palestine Action] باقتحام قاعدة تابعة لسلاح الجو الملكي وتشويه طائرتين عسكريتين على سبيل الاحتجاج.
قام أحد الفعلين على استعمال عمدي للعنف القاتل ضد مدنيين، وأسفر عن مصرع ثلاثة وعشرين مدنيا. والآخر لم يقم على عنف ضد كائن حي ولم يسفر عن وفيات أو إصابات. ثم أعلنت الحكومة البريطانية عزمها معاملة أحد الفعلين دون الآخر بوصفه جريمة إرهابية. فخمنوا أنتم أي الفعلين هو هذا.
تجمع المنظمات الدولية إجماعا نادر المثال على تقديرها بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب شديدة الشناعة في غزة. ففي نوفمبر من العام الماضي، توصلت لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة إلى أن حملة إسرائيل في غزة تتفق مع خصائص الإبادة الجماعية. وفي ديسمبر، انتهى تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل «ارتكبت وتستمر في ارتكاب إبادة جماعية». والآن نجحت سلسلة هجمات طوعية غير قانونية من إسرائيل على إيران في استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران، في انتهاك للقانونين الأمريكي والدولي. وفي حين أن المجازر تستمر في غزة، ينذر العنف الإسرائيلي بإطلاق شرارة صراع إقليمي بل لعله يكون صراعا كوكبيا.
وبرغم ذلك تستمر المملكة المتحدة في إمداد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية العسكرية، وتستمر الشركات البريطانية في بيع الأسلحة الفتاكة للدولة الإسرائيلية. وفي استطلاع للرأي أجري العام الماضي، أيَّد 56% من الناخبين البريطانيين الحظر الكامل لمبيعات السلاح لإسرائيل. وفي شتى أرجاء المملكة المتحدة شارك آلاف الناس في مظاهرات أسى على ضحايا هذا الصراع مطالبين بإنهاء المذبحة.
لكن الحكومة البريطانية تصر في عناد على تأييدها لحملة إسرائيل العسكرية. ولم يسفر التظاهر الشعبي السلمي، برغم دعم غالبية الشعب له، عن أي نتائج. وفي مواجهة دعم الدولة للإبادة الجماعية، ما الذي يفترض أن يفعله أصحاب الضمائر اليقظة؟
لقد كان النشطاء الذين اقتحموا قاعدة سلاح الجو الملكي في برايز نورتن يعلمون بطبيعة الحال أن أفعالهم خارجة على القانون. فالحركات السياسية ابتداء من حركات المطالبة بحق الاقتراع للنساء، وحتى حركة حقوق المثليين والنضال ضد الفصل العنصري وغيرها من حركات المقاومة السياسية الأصيلة تتعلق دائما باختراق القانون. والأمر مثلما كتب مارتن لوثر كنج الابن من سجنه في بريمنجهام هو أن «على المرء مسؤولية أخلاقية بعصيان القوانين المجحفة». والإمداد بالأسلحة لتيسير إبادة جماعة أشد إجحافا، فهو هاوية هول أخلاقي. ومن يتحلون بقدر من الشجاعة يخول لهم انتهاك القانون احتجاجا ـ
وكثير منهم ينفذون بالفعل عقوبات حبس بسبب أفعالهم ـ يستحقون منا أقصى درجات الاحترام.
ولكن حظر منظمة بأكملها بموجب قانون الإرهاب لا يعني مقاضاة أفراد معينين بسبب تجاوزات معينة. وفي حال مضي الحكومة في ما تعتزمه من تصنيف جماعة «الفعل الفلسطيني» باعتبارها منظمة إرهابية، فإن محض الانضمام إلى الجماعة من شأنه أن يمثل جريمة. وواقع الحال هو أن محض مناصرة الجماعة بالكلمات ـ وهو ما أفعله إذ أكتب هذه السطور ـ قد يمثل هو الآخر جريمة قانونية جسيمة، عقابها في القانون قد يصل إلى الحبس لأربعة عشر عاما. والتعاملات المالية مع أعضاء في الجماعة أو أنصار لها قد يكون أيضا غير قانوني، حتى لو أن الأفراد المعنيين لم يخرجوا على القانون إلا بانتمائهم إلى حركة احتجاجية أو بتعبيرهم عن مناصرتها.
بموجب القانون في المملكة المتحدة، يحظى وزير الداخلية بحرية تصرف واسعة النطاق في حظر أي منظمة «متورطة في الإرهاب». وحتى الآن، لم يستعمل هذا الإجراء ضد الجماعات المسلحة المنخرطة إما مباشرة أو المناصرة فعليا لصراع عنيف مسلح. ولكن المهم هو أن القانون يعرف الإرهاب تعريفا غامضا بالقدر الذي يجعله ينطبق على محض إتلاف ممتلكات أو قطع أنظمة إلكترونية حتى في ظل الغياب التام لأي تهديد للحياة البشرية أو السلامة العامة.
وفي حال مضي الحكومة قدما على هذا المسار، فإن أي شخص عادي في المملكة المتحدة سيكون معرضا من الناحية النظرية للحبس لمحض تعبيره عن مناصرة لفظية لعمل غير عنيف. وبعيدا عن المبدأ الأوسع، فإن من شأن هذا أن يمثل تقييدا لحرية التعبير يبعث على القلق.
ليست جماعة الفعل الفلسطيني بجماعة مسلحة. ولم تحمل قط مسؤولية أي وفيات ولا تمثل أي تهديد للشعب. والمناهج التي تتبعها تتعلق بتخريب ممتلكات، وهذا بلا شك أمر خارج على القانون.
لكن لو أن قتل ثلاثة وعشرين مدنيا في موقع توزيع مساعدات ليس إرهابا، فكيف يكون من المتوقع أن نقبل أن يكون نثر الطلاء على طائرة إرهابا؟ لقد عجزت المظاهرات الملتزمة بالقانون حتى الآن عن إيقاف الإبادة الجماعية. ومات وأصيب أكثر من خمسين ألفا من الأطفال الأبرياء. ففي أي ظروف قد يكون العصيان المدني مبررا أكثر مما هو الآن؟
ليس بوسعي إلا أن أقول إنني معجبة بمنظمة الفعل الفلسطيني ومناصرة لها قلبا وقالبا، وسوف أبقى كذلك، سواء أصبح الأمر جريمة إرهابية أم لم يصبح كذلك.
سالي روني روائية أيرلندية أثارت اهتماما عالميا حينما رفضت ترجمة أعمالها إلى العبرية اعتراضا على سياسات إسرائيل.
عن الجارديان البريطانية