مع إصدار القضاء الفرنسي أول أمس الجمعة، حكما بالسجن مدى الحياة على 3 مسؤولين في النظام السوري، تتعزز الآمال بإمكانية تفعيل آليات مكافحة الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة في جميع الجرائم التي تعرض لها السوريون.

وجرت محاكمة المتهمين غيابيا، بعد إدانتهم، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وطلبت ممثلة النيابة العامة، الإبقاء على مفاعيل مذكرات التوقيف الدولية، الصادرة بحق كل من علي مملوك، وجميل حسن، وعبد السلام محمود، الذين شكلوا ركائز للنظام السوري.

وقامت المحاكمة الغيابية للمسؤولين الأمنيين بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وضلوعهم بمقتل مازن الدباغ وابنه باتريك وهما "فرنسيان من أصل سوري" داخل سجن مطار المزة العسكري، الذي تديره المخابرات الجوية جنوب غرب العاصمة دمشق.

واضطلع الثلاثة بأدوار مختلفة، في منظومة الأمن السورية، حيث تولى مملوك إدارة جهاز مخابرات أمن الدولة، ثم أصبح رئيسا لمكتب الأمن الوطني خلفا لهشام بختيار الذي قتل في عملية تفجير شهيرة جرت في دمشق، ثم مستشارا أمنيا للرئيس بشار الأسد.

وتولى جميل حسن إدارة جهاز المخابرات الجوية، في حين تولى عبد السلام محمود رئاسة فرع التحقيق بالإدارة نفسها.

شقيق مازن الدباغ عبيدة الدباغ وزوجته يحتفلان بعد صدور الحكم ضد 3 مسؤولين سوريين (الأوروبية) موت تحت التعذيب

وثبت لقضاة التحقيق في اللائحة الاتهامية معاناة الضحيتين "مازن وباتريك" خلال فترة توقيفهما، مثل آلاف المعتقلين لدى المخابرات الجوية، من تعذيب قاس لدرجة أنهما ماتا بسببه.

واستمع قضاة المحكمة، لـ23 شاهدا بالقضية، من بينهم فارّين من الجيش السوري ومعتقلين سابقين في مركز الاحتجاز المذكور، كشفت إفاداتهم عن أنماط متكررة من القمع الممنهج وواسع النطاق، لأساليب تعذيب مرعبة، يتعرض لها ضحايا المركز، تشكل جميعها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وفي هذا الإطار، سبق لمسؤولين آخرين، أقل مرتبة، أن خضعوا لمحاكمات في أماكن متفرقة من أوروبا، كألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا، بشأن انتهاكات مماثلة، أدت إلى مقتل الآلاف منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

أهمية المحاكمة

واكتسبت المحاكمة بحسب خبير القانون الدولي المعتصم كيلاني أهمية كبيرة، لأنها تشكل جزءا أساسيا من الجهود المبذولة، لتحقيق العدالة السورية المنتظرة بشكل عام، والعدالة للضحايا وذويهم بشكل خاص، بعد أن تعطل الطريق إلى محكمة الجنايات الدولية.

وفي حديثه للجزيرة نت أوضح كيلاني أن سوريا لم تصادق على نظام روما الأساسي، الذي أنشئت بموجبه محكمة الجنايات الدولية، كما فشلت محاولات استصدار قرار من مجلس الأمن لإحالة القضية السورية إليها، "ولذلك فإن مجرد محاكمتهم، هو أمر في غاية الأهمية من الناحية القانونية، على اعتبارهم رموزا أمنية، ولم يسبق قبلهم أن حوكمت شخصيات على هذا المستوى".

ولفت إلى أن ملاحقة مرتكبي الفظائع في سوريا أمام القضاء في بلد ثالث، من خلال ما يعرف بالولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية، هو أفضل الخيارات المتاحة في الوقت الراهن لضحايا نظام الأسد.

وتتمتع المحاكم الفرنسية بموجب الاختصاص الخارجي أو مبدأ الولاية القضائية العالمية، بالولاية القضائية على الجرائم المرتكبة ضد المواطنين الفرنسيين أو أولئك الذين يحملون جنسية مزدوجة.

وبناءً على ذلك، تم إجراء تحقيق جنائي في واقعة مقتل أفراد عائلة الدباغ داخل سجون نظام دمشق، ثم أحيل ملف القضية إلى المحكمة، وقد رحبت العائلة بقرار المحكمة.

المدير السابق للمخابرات الجوية السورية جميل حسن (يمين) والمدير السابق لمكتب الأمن الوطني علي مملوك (الجزيرة) وحدة متخصصة

وتولت وحدة جرائم الحرب الفرنسية التي أنشئت في عام 2012، التحقيق في قضية عائلة الدباغ، من ضمن 10 قضايا تتعلق بجرائم من هذا النوع ارتكبت في سوريا.

وهذه الوحدة متخصصة وتتكون من فريق مؤلف من 5 مدعين عامين، و3 قضاة تحقيق مستقلين، وفريق من المحققين المتخصصين، وهم يعملون حصريا في قضايا دولية تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وكان قضاة التحقيق المسؤولون عن القضية قد أصدروا عام 2018 أوامر توقيف دولية، ضد المدانين الثلاثة، بتهمة المشاركة في جرائم ضد الإنسانية، والتعذيب، والاختفاء القسري، وجرائم حرب.

وفي بداية عام 2023 طلب المدعي العام الفرنسي، توجيه لائحة اتهام ضد الثلاثة أمام محكمة باريس الجنائية، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.

زوار الفجر

وتعود فصول القضية إلى الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، حيث قبض قبل ساعات قليلة من موعد أذان الفجر على باتريك الدباغ (20 عاما) من منزله في حي المزة في العاصمة دمشق، على يد مجموعة أمنية زعموا أنهم ينتمون إلى المخابرات الجوية السورية، من دون أن يفصحوا عن مبررات اعتقاله.

وفي اليوم التالي، عادت المجموعة بالتوقيت نفسه، برفقة ما يقرب من 12 جنديا مسلحا، واتهموا والد باتريك مازن الدباغ بعدم تربية ابنه بشكل صحيح، وألقوا القبض عليه، زاعمين أنهم سيعلمونه كيف ينشئ ولده.

وتوجز حنان دباغ زوجة شقيق الضحية مازن، التي انضمت إلى القضية كطرف مدني، ما حصل في تلك الليلة بقولها: "لم يسلم أي شيء في المنزل من الأذى، فقد فتش عناصر المخابرات الجوية خلال المداهمتين جميع محتوياته، وصادروا موبايلات أفراد الأسرة، وأجهزة الكمبيوتر، وما وقع بين أيديهم من أموال تخص العائلة، كما صادروا السيارة التي كان يستقلها مازن".

وتضيف للجزيرة نت أن العناصر الأمنية اقتادت الوالد وابنه إلى مركز احتجاز في مطار المزة العسكري، ومنذ ذلك الحين، لم يعرف أي شيء عن مصيرهما.

وتابعت أن العائلة تلقت في يوليو/تموز 2018 إخطارا رسميا بوفاة مازن وباتريك، ووفقا للوثائق فقد توفي باتريك في 21 يناير/كانون الثاني 2014، بينما توفي مازن في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أي بعد 4 سنوات تقريبا على وفاة باتريك.

ويعتبر مركز احتجاز مطار المزة العسكري، الذي شهد مقتل عائلة الدباغ، أحد أسوأ مراكز التعذيب التابعة لنظام الأسد، وقد شهد بحسب اللجنة الدولية لتقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، معدل وفيات تجاوزت غيره من مراكز الاعتقال المنتشرة، بنسبة كبيرة.

آلاف المغيبين قسريا

وترى حنان الدباغ أن الوصول إلى محكمة الجنايات الفرنسية، هو بمثابة إنجاز عظيم، وإنجاز أولي على صعيد مكافحة الإفلات من العقاب، فالاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة والوفيات في السجون السورية؛ أمور ما تزال مستمرة، وتواصل السلطات عرقلة جهود العائلات، التي تبحث عن مصير ذويها وأقاربها المحتجزين.

وأشارت إلى أن السلطات الرسمية، ترسل إخطارات وفاة إدارية للمحتجزين، دون أية تفاصيل عن ظروف الوفاة، أو سببها، أو مكان دفنها، كما ترفض تسليم جثامين الضحايا.

وتشكو الأمم المتحدة من عجزها عن الوصول إلى مواقع الاحتجاز، والأشخاص الموقوفين داخل السجون السورية.

وترى مسؤولة الشؤون السياسية في الأمم المتحدة "روز ماري أ. ديكارلو" أن هذا الفشل جعل المنظمة الدولية تفتقر إلى إحصاءات رسمية حول عدد المعتقلين والمفقودين".

وقالت ديكارلو في إحاطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: في الوقت الذي تبدو فيه الأمم المتحدة غير قادرة على التحقق، تشير التقارير إلى أن أكثر من 100 ألف شخص قد تعرضوا للاعتقال أو الاختفاء على يد الحكومة السورية. وأن العديد من العائلات ليس لديها معلومات عن مصير أحبابها.

ونفت ديكارلو إمكانية وصول المراقبين الدوليين إلى مراكز الاحتجاز التي يستخدمها النظام، أو سجلات المشافي، ومواقع الدفن الخاصة بضحايا التعذيب، مشيرة إلى أن بعض العائلات دفعت مبالغ هائلة من أجل الحصول على معلومات عن أحبابها، ولكن من دون جدوى في كثير من الأحيان.

ورأت أن الأمور تتفاقم أكثر، في ضوء ارتفاع عدد الوفيات أثناء الاحتجاز، بسبب صعوبة الحصول على شهادات وفاة، أو تسليم الرفات، التي يخفي تغييبها الأسباب الحقيقية لموت الضحايا.

المحامية كليمنس بيكتارت، تتحدث للصحافة بعد صدور الحكم في باريس (الأوروبية) اعتقالات تعسفية

وتشير تقديرات غير رسمية، إلى أن ما بين 250 ألف ومليون مدني، تعرضوا للاعتقال والاحتجاز من قبل القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها، منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام.

ويحتجز المعتقلون بصورة تعسفية أو غير قانونية داخل شبكة من مراكز الاحتجاز السرية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.

ولم يتخذ بحق الغالبية العظمى منهم أي إجراء قانوني نظامي، كما لم يتم توفير تمثيل قانوني لهم أو لعائلاتهم.

واعتبر الكاتب الصحفي عمر البنية قرار المحكمة مسار عدالة لا بد منه، ووثيقة إدانة قانونية لنظام الأسد من جهة قضائية مستقلة، ودليل قاطع على تورط رموزه في الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري.

وتوقع في تصريح للجزيرة نت أن يحرج القرار الأحزاب اليمينية الداعمة للنظام في أوروبا، وكذلك الشخصيات البرلمانية التي تدعو لإعادة العلاقات معه، مضيفا أن عدم امتثال النظام السوري لمطالب شعبه، يكشف عن عقلية لا تقيم وزنا لأي اعتبارات، ما تزال تمعن في انتهاج أساليب مروعة داخل السجون.

موقف النظام

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2023 قد تبنت قرارا بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لمعرفة مصير المفقودين في سوريا، وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم، ووصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، القرار بالتاريخي.

وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو إن هذه الخطوة طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، وقد جاءت أخيرا لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسرا، وخطفوا وعذبوا، واحتجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن الخارجي، على مدى السنوات الماضية.

في المقابل، رفض النظام السوري على لسان مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ مشروع القرار، وأوضح أن "بلاده حريصة على التعامل مع هذه المسألة الإنسانية، إلا أنها ترفض نهج التسييس الذي تم السير به بشأنها".

مناشدات للمجتمع الدولي

وفي السياق ذاته، أصدرت 26 منظمة دولية وإقليمية، في وقت سابق، بيانا ناشدت فيه المجتمع الدولي، أن يدعم مطالبها بضمان العدالة والحقيقة، والإفراج الفوري عن جميع المحتجزين قسرا ضمن مراكز احتجاز سرية.

ورأت أن استمرار الحكومة السورية، بنهج الإخفاء القسري، الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، إنما تمارسه لإسكات معارضيها، وزرع الخوف في مجتمعاتها المحلية، منذ بدء الاحتجاجات المدنية السلمية عام 2011.

وطالب البيان الحكومة، بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين السلميين، لحقوقهم الشرعية بحرية التعبير والتجمع، والكشف فورا عن مصير المختفيين.

كما طالب بوقف اعتقال المدنيين تعسفيا، واختطافهم واحتجازهم بسبب أنشطتهم السلمية والصحفية والإنسانية، وذلك تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2139 الذي يدعو إلى "الإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي" في سوريا.

معركة من أجل الحقيقة

وفي هذا الصدد، أوضحت محامية الادعاء في القضية كليمانس بيكتارت أن مذكرات التوقيف الدولية، أظهرت كيف أن جدار الإفلات من العقاب الذي يحيط بكبار المسؤولين السوريين في أعلى المستويات، يمكن هدمه في خطوة غير مسبوقة نحو تحقيق العدالة لعائلة الدباغ ونحو الاعتراف بالفظائع المرتكبة بحق المحتجزين لدى النظام السوري.

وقالت في حوار مع مجلة "لوبس" الفرنسية إن "المحاكمة لا تتوقف عند جرائم الماضي، بل تتابع الانتهاكات التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، لأن الحكومة لا تزال في مكانها تعذب وتسجن وتقتل، كما أن اثنين من المتهمين لا يزالان جزءا من النظام السياسي السوري، وهو ما يعني أن قرار المحكمة يمكن أن يشمل رسميا نظاما يتكون من مجرمين ضد الإنسانية "على حد قولها".

ونبهت بيكتارت إلى أن إضافة وصف الجرائم ضد الإنسانية إلى المحاكمة أمر أساسي، يهدف إلى توصيف نظام القمع، وإظهار نظام الأسد كجزء من سياسة القمع المعمم ضد الشعب السوري، وأن المحاكمة معركة من أجل الحقيقة وضد القمع المنهجي المنظم من أعلى مستويات الدولة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات جرائم ضد الإنسانیة المخابرات الجویة النظام السوری الأمم المتحدة نظام الأسد فی سوریا عن مصیر إلى أن

إقرأ أيضاً:

مالك اليحمدي: الاستثمار العقاري أحد أبرز المسارات التي نراهن عليها لتحقيق الاستدامة

ترسيخ مبدأ التكامل لا التداخل في العمل الخيري -

في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى نماذج مبتكرة من العمل الخيري المستدام، وتتعالى فيه الأصوات المطالبة بإعادة إحياء الدور الحيوي للأوقاف في خدمة المجتمعات، برزت مؤسسة «بوشر الوقفية»، كمثال حديث لكنه طموح، يفتح آفاقًا جديدة لفهم الوقف بوصفه شريكًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا مجرد وعاء تقليدي للعمل الخيري. وبينما تمضي المؤسسة قدمًا نحو ترسيخ حضورها في المشهد الوقفي العُماني، فإن ما حققته خلال فترة وجيزة منذ تأسيسها لا يعكس فقط حُسن التأسيس، بل يُظهر كذلك وضوح الرؤية وجرأة التنفيذ.

ولدت «مؤسسة بوشر الوقفية العامة» من رحم الرؤية الوطنية التي تتطلع إلى تحويل الأوقاف من أصول ساكنة إلى محركات فاعلة تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام. وقد جاء تأسيسها بموجب القرار الوزاري رقم 801/2022 الصادر عن معالي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وإشهارها في الجريدة الرسمية، لتكون كيانًا وقفيًا عامًا يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، ويتولى مسؤولية إدارة وتنمية الأوقاف بما ينسجم مع متطلبات العصر واحتياجات المجتمع.

منذ انطلاقتها، اتخذت المؤسسة من الشراكة المجتمعية طريقًا، ومن الابتكار الاستثماري منهجًا، واضعة نصب عينيها تحقيق أثر تنموي مستدام يُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الناس. فقد وضعت لنفسها جملة من الأهداف الاستراتيجية، منها تعزيز التواصل مع مختلف أطياف المجتمع، وترسيخ ثقافة الوقف ودوره التنموي، وتجديد النظرة إلى الاستثمار الوقفي كأداة متقدمة تلبي الاحتياجات الخيرية والاجتماعية، وتحدث أثرًا ملموسًا في الواقع.

وفي سجل إنجازاتها، ما يستحق التوقف عنده بإعجاب. فقد نظمت المؤسسة «مؤتمر عُمان للوقف 2024»، الذي جمع تحت مظلته أكثر من 500 مشارك من المهتمين وصُنّاع القرار، بمشاركة 44 مؤسسة وقفية، وأكثر من 45 جهة حكومية وخاصة. كما أطلقت أول مشروعاتها الاستثمارية، وهو «مشروع مبنى نداء الوقفي»، بتكلفة بلغت 1.55 مليون ريال عماني، وبعائد سنوي متوقع يصل إلى 144 ألف ريال، بنسبة عائد تُقدّر بـ9.3%. وتواصل المؤسسة تنفيذ هذا المشروع، واضعة ثقتها في أن الاستثمار المحترف هو سبيل الاستدامة.

أكثر من ذلك، تمكنت المؤسسة من رفع قيمة أصولها بنسبة ملحوظة بلغت 23.6% خلال عام واحد، لتنتقل من 1.5 مليون إلى 1.87 مليون ريال عماني. كما وزعت 47 ألف ريال من ريع الأوقاف خلال حفلين سنويين على المؤسسات الخيرية في ولاية بوشر، في تأكيد واضح على التزامها بتحقيق التكافل الاجتماعي.

في هذا الحوار مع مالك بن هلال بن حمود اليحمدي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة بوشر الوقفية، نسلط الضوء على تجربة «مؤسسة بوشر الوقفية»، ونتعرف إلى رؤيتها المستقبلية، والتحديات التي تواجهها، والفرص التي تطمح لاستثمارها في سبيل تعزيز دور الوقف في التنمية الوطنية.

ما هو أقدم وقف تشرف عليه مؤسسة بوشر الوقفية؟ وفي ماذا تكمن أهميته؟

أقدم وقف تشرف عليه مؤسسة بوشر الوقفية هو وقف «المربّع»، والذي يعود تاريخه إلى منتصف القرن التاسع عشر، وقد أوقفته السيدة خولة بنت حمود بن أحمد البوسعيدية، حفيدة السيد سعيد بن سلطان، وتُعد من أوليات النساء الرائدات في العمل الخيري والوقفي في عُمان وزنجبار.

تكمن أهمية هذا الوقف في عدة جوانب، أبرزها أن السيدة خولة خصصت ريعه لأوجه البر، مثل إعالة الأيتام والفقراء وتمويل الأنشطة الدينية والتعليمية، ما يعكس وعيًا مبكرًا بدور الوقف في خدمة المجتمع. كما أنه يمثل نموذجًا رائدًا لمساهمة المرأة العمانية في تنمية الوقف، ليس فقط من حيث التبرع، بل من خلال إدارته الفعّالة عبر وكلاء في أكثر من موقع.

ومن الجدير بالذكر أن وكيل السيدة خولة في مسقط كان الشيخ الفقيه سعيد بن ناصر الكندي، الذي أوصته بشراء أراضٍ تُروى من الأفلاج «العدّ»، وهي التي لا تتأثر بالجفاف، لضمان استدامة الوقف وتحقيق أهدافه الخيرية على المدى الطويل.

كما أن هذا الوقف يتميز بقيمته الاقتصادية، حيث وصفته السجلات بأنه «مزارع عدٍّ وافرة المياه»، فضلًا عن امتداداته العقارية التي وصلت حتى الساحل الشرقي لزنجبار، مما يجعله شاهدًا على التاريخ المشترك بين عُمان وزنجبار، ودليلًا على بُعد نظر مؤسِسته واستراتيجيتها في إدارة الوقف لضمان ديمومته.

ما هي المبادرة أو المشروع الذي تعتبرونه علامة فارقة في مسيرة المؤسسة؟ ولماذا؟

أبرز المبادرات التي نعتبرها علامة فارقة في مسيرة «مؤسسة بوشر الوقفية» هي تنظيم مؤتمر عُمان الوقفي، الذي عُقد في ديسمبر 2024 تحت شعار «الابتكار والاستدامة». ما يميّز هذا المؤتمر أنه يحمل اسم «عُمان»، ليكون منصة وطنية تمثل سلطنة عمان في مجال الأوقاف، وتعكس تطلعاتها في الريادة والابتكار في هذا القطاع الحيوي. جاءت فكرة المؤتمر بعد أن كنا في المؤسسة نُفكّر بالسفر إلى الخارج للتعلّم من تجارب الدول الأخرى في إدارة الأوقاف وتفعيلها، لكن سرعان ما تطور الرأي نحو جلب تلك الخبرات إلى عُمان، لتستفيد منها ليس فقط مؤسستنا، بل جميع المؤسسات الوقفية والقطاع الوقفي بأكمله داخل سلطنة عُمان.

وقد نُظّم المؤتمر بالشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وشهد مشاركة أكثر من 24 إجمالي المتحدثين ومديري الجلسات، من داخل وخارج عُمان، من أبرزهم: صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد، ومعالي الدكتور محمد غورماز، والدكتور زياد بن عثمان الحقيل، والدكتور عبد المحسن عبد الله الخرافي.

شمل المؤتمر أربعة محاور رئيسية تمحورت حول الابتكار في الاستثمارات الوقفية، والابتكار في تقنيات الاستمطار الوقفي، والتجارب المحلية، الإقليمية، والدولية في الابتكار والاستدامة الوقفية، ورؤية مبتكرة ومستدامة للعلاقة بين الوقف والعمل الخيري. كما تضمن المؤتمر ورش عمل متخصصة في الحوكمة، مؤشرات الأداء، إدارة المخاطر، والامتثال، بالإضافة إلى ورش الاستثمار الوقفي المعاصر وقياس العائد الاجتماعي على الاستثمار (SROI).

ومن أبرز ما ميّز هذا المؤتمر أيضًا، عقد جلسة مغلقة استراتيجية على هامش الفعالية، جمعت نخبة من ممثلي الجهات الوقفية والمالية والرقابية في سلطنة عمان، بهدف مناقشة التحديات التشريعية والمالية والاستثمارية التي تواجه القطاع الوقفي. وقد ركزت الجلسة على ثلاثة محاور رئيسية: استعراض التحديات التي تواجه المؤسسات الوقفية، مناقشة الحلول والمقترحات الريادية والمستدامة، وصياغة مبادرات استراتيجية تعزز التكامل بين القطاع الوقفي والجهات المالية.

وشارك في هذه الجلسة ممثلون من: وزارة الأوقاف، المصارف الإسلامية، المؤسسات الوقفية، شركات التأمين التكافلي، بورصة مسقط، هيئة الخدمات المالية، البنك المركزي العُماني، وزارة المالية، وزارة الاقتصاد، غرفة تجارة وصناعة عُمان، ووحدة تنفيذ رؤية عُمان 2040.

ويُعد مؤتمر عُمان الوقفي الأول من نوعه في سلطنة عمان، وقد أسهم بشكل كبير في تعزيز التكامل والتعاون بين الجهات الوقفية، وطرح حلول مبتكرة ترتبط بـ «رؤية عُمان 2040»، وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوقفي المؤسسي المستدام.

الأوقاف والتنمية المستدامة

كيف تتعامل المؤسسة مع قياس الأثر الاجتماعي لمشروعاتها وبرامجها؟

تولي المؤسسة أهمية كبيرة لقياس الأثر الاجتماعي لمشروعاتها وبرامجها، باعتباره أداة أساسية لضمان تحقيق رسالتها التنموية وتعزيز كفاءة استخدام الأصول الوقفية. ومن هذا المنطلق، بدأت المؤسسة في تبنّي منهجيات حديثة تعتمد على مؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس، تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط العوائد المالية، بل أيضًا الأثر الاجتماعي الملموس على المستفيدين والمجتمع.

وقد تجلى هذا التوجه بوضوح من خلال تنظيم ورشة عمل متخصصة ضمن فعاليات مؤتمر عُمان الوقفي 2024، تناولت موضوع قياس العائد الاجتماعي على الاستثمار (SROI)، بهدف بناء قدرات العاملين في القطاع الوقفي وتزويدهم بالأدوات والمنهجيات اللازمة لتقييم أثر المشروعات بشكل منهجي وشفاف.

كما شرعت المؤسسة في التخطيط لتطبيق أدوات قياس مخصصة لكل مشروع أو مبادرة، تشمل على سبيل المثال عدد المستفيدين المباشرين وغير المباشرين، والتحولات النوعية في حياة الأفراد أو المؤسسات المستفيدة، ومدى تحقيق الأهداف المجتمعية المرجوة من الوقف.

وتسعى المؤسسة مستقبلًا إلى ربط مخرجات المشروعات الوقفية بموقعها الإلكتروني، بحيث تُعرض من خلاله جميع الأرقام والبيانات المتعلقة بكل مشروع أو مبادرة، مما يتيح قياس الأثر الاجتماعي بشفافية، ويُسهم في تعزيز الثقة والمساءلة. ويأتي هذا التوجه انسجامًا مع أهداف «رؤية عُمان 2040»، لضمان أن يكون كل مشروع وقفي أداة فاعلة في خدمة التنمية المستدامة في سلطنة عمان.

ما هي الآلية التي تعمل عليها المؤسسة لتجنب تداخل الأدوار بينها وبين لجنة الزكاة والفرق الخيرية في الولاية؟

منذ الانطلاقة، حرصنا في مؤسسة بوشر على ترسيخ مبدأ التكامل لا التداخل في العمل الخيري داخل ولاية بوشر، حيث اتخذت خطوات عملية لتجنب أي ازدواجية في الأدوار بينها وبين لجنة الزكاة وفريق نداء الخيري، وهما من أبرز الجهات الفاعلة في الولاية.

وقد تجسد هذا التوجه الاستراتيجي من خلال توقيع مذكرات تفاهم رسمية مع كل من لجنة الزكاة وفريق نداء الخيري، وذلك خلال حفل إشهار المؤسسة، الذي شهد حضورًا واسعًا من المؤسسات الرسمية والجهات المجتمعية. جاءت هذه الخطوة تأكيدًا على أن العمل الخيري أكثر فاعلية حين يُبنى على تنسيق الأدوار وتكامل الجهود.

وبموجب هذه الاتفاقيات، تتفرغ مؤسسة بوشر الوقفية للقيام بدورها المحوري في إدارة وتنمية واستثمار الأصول الوقفية بكفاءة واحترافية عالية، في حين تتولى لجنة الزكاة وفريق نداء الخيري مسؤولية توزيع ريع الأوقاف على المستحقين، مستندين في ذلك إلى خبرتهم الميدانية وشبكاتهم المجتمعية.

هذا النموذج التشاركي يعكس رؤية المؤسسة في أن الوقف لا يُدار بمعزل عن محيطه، بل يُفعل من خلال شراكات مسؤولة تضمن استدامة العطاء وتحقيق الأثر الاجتماعي المرجو. كما يتماشى هذا النهج مع التوجهات الوطنية لتحقيق تنمية مستدامة وفق مستهدفات «رؤية عُمان 2040»، ويؤكد التزام المؤسسة ببناء منظومة تكاملية تسهم في رفع كفاءة العمل الخيري في الولاية.

تحديات وحلول

ما أبرز التحديات التي تواجهونها في إدارة وتطوير العمل الوقفي؟ وكيف تسعون لتجاوزها؟

تواجه «مؤسسة بوشر الوقفية»، كغيرها من المؤسسات الوقفية في سلطنة عُمان عددًا من التحديات التي تؤثر على كفاءة إدارة الأوقاف وتطويرها بالشكل الأمثل. ومن أبرز هذه التحديات، تسجيل الأوقاف وإثبات الملكية؛ إذ تواجه المؤسسة صعوبات في تسجيل بعض الأوقاف باسمها، حيث لا تزال مسجّلة باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مما يحدّ من مرونة المؤسسة في إدارتها وتنميتها. كما تعاني المؤسسة من ضعف الدعم المجتمعي، سواء على مستوى المساهمات أو التفاعل مع مبادراتها، مما ينعكس على قدرتها في توسيع قاعدة الأصول الوقفية. إضافة إلى ذلك، هناك نقص في الكفاءات المتخصصة، حيث توجد حاجة إلى كوادر مؤهلة ومتخصصة في مجالات الاستثمار الوقفي والإدارة غير الربحية، وهو ما يشكل تحديًا في تحقيق أداء احترافي ومستدام.

ولمواجهة هذه التحديات، تبنت المؤسسة عددًا من الآليات الفاعلة. من أبرز هذه الآليات تأهيل وتطوير الكوادر البشرية من خلال التدريب المتخصص وبناء القدرات في مجالات إدارة الأوقاف والاستثمار الاجتماعي، كما تسعى لزرع الوعي في الأجيال القادمة من خلال برنامج «سفراء الوقف». كذلك تعمل المؤسسة على تعزيز الشراكة المجتمعية عبر تنظيم الفعاليات، وإطلاق برامج توعوية ومبادرات تفاعلية، تهدف إلى رفع الوعي بأهمية الوقف ودوره في التنمية المستدامة.

ومن جانب آخر، تسعى المؤسسة إلى التنسيق مع الجهات الرسمية لتسهيل الإجراءات القانونية، والعمل على تطوير أطر تنظيمية تضمن مرونة أكبر في تسجيل الأوقاف وإدارتها. كما تسعى إلى الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية في العمل الوقفي، عبر تبنّي أفضل الممارسات العالمية وتكييفها بما يتناسب مع البيئة العُمانية.

من خلال هذا النهج، تسعى مؤسسة بوشر الوقفية إلى تحويل التحديات إلى فرص، وتعزيز كفاءة القطاع الوقفي ليكون أكثر فاعلية واستدامة في خدمة المجتمع.

في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة، كيف تحافظ المؤسسة على استدامة تمويل مشروعاتها الوقفية؟

تدرك مؤسسة بوشر الوقفية أن الاستدامة المالية لمشروعاتها تُعد أحد الأعمدة الأساسية التي لا يمكن إغفالها في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة، والتي تفرض على المؤسسات الوقفية تحديات متجددة تستدعي حلولًا ذكية واستراتيجيات مرنة. ومن هذا المنطلق، تبنّت المؤسسة خطة استراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعظيم العائد من الأصول الوقفية، مع الحفاظ على رأس المال وتنميته لضمان ديمومة العطاء.

يُعد الاستثمار العقاري أحد أبرز المسارات التي تراهن عليها المؤسسة لتحقيق الاستدامة، حيث تم التركيز على تطوير محفظة عقارية مستدامة تحقق عوائد منتظمة، كما هو الحال في مشروع مبنى «نداء الوقفي»، الذي يمثل نموذجًا عمليًا للعائد طويل الأمد من الوقف. إلى جانب ذلك، سعت المؤسسة إلى إبرام شراكات استراتيجية مع مؤسسات مالية واستثمارية، مثل بنك نزوى وبنك صحار الإسلامي وبورصة مسقط، مما أتاح لها الوصول إلى أدوات تمويلية مرنة تدعم تنفيذ مشروعات جديدة. ولأن التمويل لا يقتصر فقط على العائدات الذاتية، فقد عملت المؤسسة على استقطاب رعاة من القطاع الخاص لدعم مبادراتها ومشروعاتها التوعوية، وهو ما خفّف من الأعباء المالية ووسّع نطاق الأثر المجتمعي. كما حرصت على إطلاق مشروعات وقفية مبتكرة تتواءم مع احتياجات السوق والمجتمع، من خلال اعتماد دراسات جدوى دقيقة تضمن العائد والاستدامة معًا.

وفي إطار ترشيد الموارد، أولت المؤسسة عناية كبيرة لتحسين كفاءة الإنفاق، وذلك بمراجعة العقود الحالية وتوجيه الموارد نحو مشروعات تتمتع بأعلى نسب من الأثر والعائد. ولم تغفل المؤسسة جانب القيمة الاجتماعية، حيث بدأت في تطبيق منهجية قياس العائد الاجتماعي على الاستثمار (SROI)، لضمان أن كل مشروع لا يحقق عوائد مالية فحسب، بل يقدم أيضًا قيمة مضافة للمجتمع العُماني، انسجامًا مع تطلعات «رؤية عُمان 2040».

قياس الأثر الاجتماعي

هل تعتقدون أن المجتمع المحلي بات أكثر وعيًا بأهمية الأوقاف ودورها التنموي؟ ولماذا؟

بدأ المجتمع المحلي يُبدي اهتمامًا متزايدًا بقضية الأوقاف ودورها في التنمية، وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن هناك تحوّلًا إيجابيًا في مستوى الوعي المجتمعي بهذا القطاع الحيوي. إلا أن هذا الوعي، على الرغم من تصاعده، لا يزال بحاجة إلى ترسيخ أعمق وتحول إلى سلوك فعلي وثقافة راسخة في الممارسة اليومية.

لقد لمسنا هذا التحول في عدد من المؤشرات البارزة، من بينها تزايد الإقبال على الفعاليات والبرامج التوعوية التي تنظمها المؤسسة، سواء تلك المرتبطة بمحاضرات رمضان، أو عبر برنامج سفراء الوقف، أو من خلال المشاركة الواسعة التي شهدها مؤتمر عُمان الوقفي، والتي شملت فئات عمرية متنوعة من المجتمع، في دلالة واضحة على اهتمام مجتمعي متنامٍ بالأوقاف.

كذلك، يشكّل التفاعل الإيجابي مع المبادرات الوقفية النوعية أحد أوجه هذا الوعي المتنامي، إضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه التغطية الإعلامية والتواصل الرقمي، حيث أسهمت الوسائل الحديثة في إيصال الرسائل الوقفية بأسلوب مبسّط وعصري، يقرّب المفهوم من الناس، ويجسّر الفجوة بين التصورات التقليدية عن الوقف وصورته المعاصرة كأداة للتنمية والاستدامة.

ويعزز هذا الاتجاه كذلك اندماج الأوقاف في الخطط الوطنية الكبرى، مثل «رؤية عُمان 2040»، إذ بات الوقف جزءًا من المنظومة التنموية العامة في سلطنة عمان، إلى جانب غيره من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ما عزّز من حضوره وفعاليته.

ومع كل هذه المؤشرات الإيجابية، فإن الوصول إلى حالة وعي مجتمعي شامل يتطلب مواصلة الجهد، سواء عبر توسيع دائرة التوعية المجتمعية، أو من خلال إشراك أفراد المجتمع ومؤسساته في تصميم المبادرات وتنفيذها، أو عن طريق تعزيز الشفافية في عرض أثر الوقف ونتائجه المجتمعية. وفي هذا الإطار، تعمل مؤسسة بوشر الوقفية على ترسيخ هذا التوجه عبر برامجها الإعلامية، ومبادراتها الميدانية، وعلاقاتها التشاركية مع مختلف مكونات المجتمع.

هل تعتمدون على شراكات استراتيجية مع مؤسسات أخرى لتعزيز أثر مشروعاتكم؟

تعتمد مؤسسة بوشر الوقفية على الشراكات الاستراتيجية كأحد الأسس الجوهرية في تحقيق رؤيتها وتعزيز أثر مشروعاتها، وذلك انطلاقًا من إيمانها العميق بأن العمل الوقفي الفاعل لا يمكن أن يحقق نتائجه المرجوة دون تعاون تكاملي مع مختلف مكونات المجتمع. فالشراكة بالنسبة للمؤسسة ليست مجرد وسيلة للدعم، بل هي استراتيجية تنموية تسعى من خلالها إلى توسيع دائرة التأثير، وتبادل الخبرات، وتكامل الجهود لتحقيق الأثر المجتمعي الأوسع.

وتتجلى ملامح هذه الشراكات في عدة مبادرات ملموسة؛ فقد وقّعت المؤسسة مذكرات تفاهم مع لجنة الزكاة وفريق نداء الخيري في ولاية بوشر، سعيًا إلى توزيع الأدوار وتنسيق الجهود الخيرية بما يضمن كفاءة وفاعلية في الأداء. كما عقدت شراكات مع عدد من المؤسسات البارزة في القطاعين المالي والإعلامي، من بينها بنك نزوى، وبنك صحار الإسلامي، وقناة الاستقامة الفضائية، مما أتاح لها دعمًا مؤسسيًا وفنيًا واسعًا لمبادراتها المختلفة.

وفي إطار توجهها نحو تنويع قنوات الاستثمار وتعزيز الشفافية، قامت المؤسسة بتوقيع مذكرة عمل مشترك مع بورصة مسقط، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تطوير آليات استثمار الأوقاف وربطها بأدوات السوق المالي، ما يعكس سعي المؤسسة الحثيث إلى التحديث والابتكار في إدارة الأصول الوقفية.

وتُعد الرعاية المباشرة والدعم الذي تلقته المؤسسة من شركات القطاع الخاص إحدى الركائز المهمة التي مكّنتها من تنفيذ عدد من المبادرات الرائدة، مثل «برنامج سفراء الوقف»، و«معرض سيرة ومسيرة»، و«مؤتمر عُمان الوقفي 2024». وقد أسهمت هذه الشراكات بشكل ملموس في توسيع نطاق الحضور المجتمعي للمؤسسة، وتعزيز رسالتها الإعلامية، وترسيخ مكانتها كمؤسسة وقفية رائدة تسعى إلى تكوين بيئة وقفية مستدامة متكاملة.

ما هي رؤيتكم لمستقبل «مؤسسة بوشر الوقفية» خلال السنوات الخمس المقبلة؟

تملك «مؤسسة بوشر الوقفية» خطة خمسية تعمل عليها ضمن إطارها الاستراتيجي للأعوام 2023 - 2027، وتهدف من خلالها إلى ترسيخ مكانتها كمؤسسة وقفية رائدة تسعى إلى تحقيق الاستدامة المالية وتعظيم الأثر المجتمعي. وتنطلق هذه الخطة من قناعة راسخة بأن الوقف، حين يُدار بكفاءة ويُستثمر برؤية واضحة، يمكن أن يشكل ركيزة تنموية فاعلة تُسهم في تلبية احتياجات المجتمع على المدى البعيد. وفي هذا السياق، تولي المؤسسة اهتمامًا خاصًا بمحفظة الوقف العقارية، التي تُعد من أبرز الموارد الوقفية القادرة على توليد عوائد مستدامة، وتسعى المؤسسة من خلالها إلى رفع إجمالي أصولها إلى 9 ملايين ريال عماني خلال الفترة القادمة. وقد بدأت فعليًا في تقييم الأصول العقارية الحالية، وتحسين آليات إدارتها من خلال تطوير عقود الإيجار غير المجدية، وإطلاق مشروعات وقفية نوعية، مثل مشروع مبنى نداء الوقفي، الذي يُعد من أبرز النماذج الاستثمارية الناجحة من حيث العائد المتوقع والأثر المجتمعي. وترتكز رؤية المؤسسة على ثلاثة محاور استراتيجية: التأسيس، والانطلاقة، والنمو والاستدامة، وتتضمن هذه المراحل غرس ثقافة الوقف في المجتمع، وتوسيع نطاق الشراكات المجتمعية والاستثمارية، وتنفيذ برامج تنموية نوعية ذات أثر ملموس. كما تسعى المؤسسة إلى أن تكون مشاركتها في العمل الخيري قائمة على أسس مهنية واستثمارية متوازنة، تضمن الحفاظ على أصل الوقف، وتحقيق أعلى منفعة ممكنة للمجتمع.

مقالات مشابهة

  • الداخلية السورية: 8 ملايين مواطن كانوا مطلوبين أمنيًا لنظام الأسد
  • الداخلية السورية: ثلث الشعب كان مطلوبًا لأجهزة الأمن قبل سقوط الأسد
  • سوريا: 8 ملايين مواطن كانوا مطلوبين من أجهزة نظام الأسد
  • الداخلية السورية : 8 ملايين شخص كانوا مطلوبين من نظام الأسد
  • ما الذي يعنيه رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟
  • الأمم المتحدة تكشف حصيلة السوريين العائدين لمنازلهم منذ سقوط نظام الأسد
  • انتشار ظاهرة البحث عن الكنوز والآثار في سوريا
  • فيديو قبل العودة إلى وطنه.. مشهد مؤثر لطفل سوري يودع مدرسته بتركيا
  • مخلفات الأسد.. مقتل 3 من عناصر الدفاع المدني السوري في ريف حماة
  • مالك اليحمدي: الاستثمار العقاري أحد أبرز المسارات التي نراهن عليها لتحقيق الاستدامة