د. عصام محمد عبد القادر يكتب: وجدان المصريين
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
مشرب الوجدان لدى الإنسان يكمن فيما ينهله من معرفة سليمة، تتأتى من تربية أسرية، تقوم على إدراك لمفردات الحضارة المتجذرة، وفيما يعيشه بين مجتمعه الصغير، والكبير، من ممارسات، وتعاملات في صورتيها الخاصة والعامة، وفيما ينغمس فيه من حب فطري، يكون صورة الاتجاهات لديه في مساقها الإيجابي، وهذا في مجمله يكون ملامح الشخصية، التي نستطيع أن نحدث فيها تغييرات حميدة، لا تتوقف عند حد تعديل السلوك في إطاره المحدود؛ لكن يشمل في طياته اكتساب خبرات جديدة، تسهم في تنمية مهارات التفكير المنتج لديه؛ لينعكس بشكل مباشر على تركيبة الطبيعة الإنسانية، التي تغرس بذور الخير في شتى الأرجاء.
التاريخ مصدر رئيس؛ لتكوين الوجدان بما يحمله، وما يسطره من أحداث متوالية، بعيدًا عن مقولة أن التاريخ يعيد نفسه؛ لكنه يصقل الخبرات لمن يمتلكون الفطنة، والحكمة، ومن لديهم قراءة متأنية لمجريات الأحداث، وهذا يعني أن الإنسان منا يعتمد على ماضية؛ كي يتعايش مع حاضره؛ ليحقق أهدافًا آنية، ويستشرف مستقبله؛ ليضع لبنات من شأنها أن تصل به لغايات طويلة الأمد في مهد من الزمن، ليس بالقريب؛ لذا إدراك العلاقة بين ماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا يجعل وجدانياتنا مستقرة مطمئنة، لا تعاني من ضبابية المشهد، أو أن تخشى على مقدراتها من تداعيات متواترة، سواءً أكان مخططًا لها، أم صناعة الأقدار.
الوجدان المصري له إرث حضاري، أدهش البشرية على مر التاريخ؛ فبلادنا تزخر بصنّاع المعرفة بمختلف دروبها، الذين يمتلكون عقولًا مستنيرة، وذوي الفن الراقي من مبدعين، يحوزون عاطفة نقية، جياشة، تستطيع أن تعبر عما يجول في الخاطر في مشاهد مؤثرة، ومالكي فنون العمارة ممن لديهم عطاءات، يقف لها القاصي، والداني؛ احترامًا، وتقديرًا، أمام تفاصيل تبهر النظر، وتسعد القلوب، وتشرح الأفئدة، والعلماء أصحاب الميراث المستدام، والأثر الباقي في مجالاتهم النوعية، الذين أخذ منه كمرجعية، لا يقابلها نظير على وجه البسيطة، ناهيك عن المهن المتفردة، ومن يمارسها عن حب غائر في النفس؛ يشاهد ملامح، وبصمات، تؤكد على الابتكار بتفاصيله مهاراته المتنوعة.
ما لدينا من وجدان دومًا يعيدنا سريعًا على الطريق القويم، مهما تعرض المجتمع إلى نوازل، أو واجه من تحديات، أو عانى من أزمات، أو واجه من إخفاقات، أو تعثر أمام صعوبات معقدة في كليتها؛ حيث يدفعنا بكل قوة أن خرج من بوتقة المحن، ونهرول إلى ساحة المنح، التي تجعلنا نتقبل، واقعنا، ونقدر مواقفنا، ونعيد ترتيب أولوياتنا، ونبحث عن مقومات تأمين النفس، والدار؛ لنعيش في أمن، وأمان، واستقرار، وطمأنينة، تعزز مقدرتنا على بذل أقصى الجهود؛ لنبني صروحا، تحمل عزتنا وتصون كرامتنا وتقوي شوكتنا؛ فلا يستطيع العدو أن يقدم خطوة في سبيل إيقاف مسيرتنا المفعمة بطاقة متجددة، جراء وجدان يفيض منه السماحة، التي تنسدل من قوة، واقتدار، لا من ضعف، أو استكانة.
تشكيل الهوية الوطنية مفصلها الوجدان، وركنها الأصيل، ووعاؤها، الذي لا ينضب من قيم نبيلة، يحوي الولاء، والانتماء، وكل صفات المواطنة الصالحة، التي نعززها، ونعمل على تنميتها بصورة تلقائية، عبر مؤسسات، تتضافر في الغاية؛ لتصبح الأسرة رأس الحربة، والمؤسسة التعليمية الوقود، الذي لا ينفذ، والإعلام الوطني شريك البناء، ومنابر العقيدة ضابطة السلوك، ومضيئة الطريق تجاه دروب الخير، والمثوبة، وهنا نضمن بأن تكون هيئات الدولة داعمة للقومية المصرية، التي تنبري عن ثوابت راسخة في الأذهان.
النفوس القوية، التي لا تقبل الانكسار، والخضوع، والخنوع، تستلهم طاقتها من وجدان راق، وفكر واع، يحض على الاصطفاف، والالتفاف، حول مصالح الوطن العليا؛ لذا تجد المصريين، يقهرون عدوهم بتماسكهم، ويبددون محاولات بائسة من جماعات الظلام، الذين يبثون شائعات مغرضة؛ بغية النيل من نسيج، لا يقبل أهله المساس به، ويثبتون للعالم كله أن مصر لها تاريخ، وجغرافيا، لا نظير لهما؛ ومن ثم فهي صاحبة سيادة، وريادة، دون مواربة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وجدان المصريين تاريخ مصر جماعات الظلام
إقرأ أيضاً:
د. عادل القليعي يكتب: مَا بَيْنَ شِعْبِ أَبَي طَالِبِ وَشِعْبِ غَزَةِ زَمَكَانِيةٌ مَعْلُومَةٌ!
ما بين صمت كصمت أهل القبور ، وبين شجب وإدانات هنا وهناك ، وبين منظمات حقوقية وما هي بحقوقية تكيل لا أقول بمكيالين وإنما بمكاييل متعددة حسب الأهواء والشهوات والمصالح ، وبين حكومات مترهلة لا تملك من أمرها شئ ، لا تملك حتى الشجب والإدانة اللهم إلا على استحياء.
وبين دولة تقف تغرد منفردة تتعرض لكل صنوف المكر والحيل والدهاء ، إن سياسيا أو تلويح بوقف معونات ، أو بتدبير مؤامرات لزعزعة أمنها واستقرارها وإثارة البلبلة والشكوك في كل منجز تم على أرض واقعها ، لا لذنب اقترفته هي وشعبها اللهم إلا وقفت في وجه الطغيان وغردت ولا تزال تغرد على الرغم من قيمة فواتيرها التي تسددها ، إنها مصر.
وبين شعوب مقهورة مغلوبة على أمرها ، سواء شعوب عربية إسلامية أو شعوب العالم ، لا تملك حيلة اللهم إلا الدعاء والتضرع إلى الإله كل حسب معتقده فمن في مساجدهم سجدا ركعا تنسال دموعهم من مقلهم ، ومن في كنائسهم تسمع أجراسها تعزف ألحانا حزينة يشكون إلى مريم البتول حال غزة وما وصل إليه أهلها ، وما بين مسيرات حاشدة تجوب شوارع العالم لا حيلة لهم إلا الهتاف تنديدا بعنصرية المشهد برمته.
بين كل هذه الأمور يبقى الوضع هو هو كما هو ، يبقى الوضع على ما هو عليه.
فإنه فضلا عما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته المستضعفين من بطش وتنكيل كفار ومشركي قريش وفضلا عن الإبادة التي تمثلت في التطهير العرقي الذي مارسه أبا جهل ولكل عصر أبا جهله ورفاقه من تعذيب وبطش بفقراء الصحابة وإذاقتهم صنوف العذاب .
فإنه لم يكتفي هؤلاء الكفرة الفجرة بذلك إلا إنه سول لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا ، وبال في أذن كبرائهم أن لا تبيعوهم ولا تشتروا منهم وعقدوا اجتماعهم ووقعوا على وثيقة المقاطعة ، ليس هذا وحسب ، بل ومحاصرتهم في أرض يمتلكها أبا طالب عم النبي ثلاثة أعوام ، فكانت النتيجة الحتمية .
الجوع القاتل الذي أودى بحياة الأطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع ، حتى ورق الشجر أكله الجميع ، حتى الحجارة رضعها الأطفال ، ضاقت الأرزاق ، وجف الضرع وهلك الحرث والنسل ، ورسول الله حاله حال الجميع ، لا معونات إنسانية ، لا قوافل إغاثة ، لا قوافل طبية ، ورسول الله صابرا محتسبا دأبه وديدنه وشغله الشاغل التضرع إلى الله تعالى .
وما أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر إلا أتاه الله تعالى بالفرج القريب وتأتي الرياح وتشتعل النيران في دار الندوة وتلتهم النيران الوثيقة المعلقة إلا كلمة الله ، السر الأعظم سر الوجودين ، بسمك الله ، ويوحي الله لنبيه بالواقعة ويخبر عمه ويذهب إلى صناديد الكفر ويخبرهم بما قصه محمد رسول الله صل الله عليه ، ولو كان صادقا يرفعوا الحصار ، ورأوا المعجزة الكبرى ، الوثيقة تحترق بالكامل إلا لفظ الجلالة الأعظم ، وانقلب الكفار صاغرين وفكوا الحصار على الشعب.
وأنتم يا أهل غزة ، ما ظنكم برب العالمين ، هل تظنون أن الذي أخرج يونيو من بطن الحوت ، ووقى إبراهيم الخليل من النيران وحفظ محمد بخيوط العنكبوت ، هل تظنون أن الذي خلق الجنين في أرحام الأمهات وأطعمه ، هل تظنون أنه سيتخلى عنكم ، حتى وإن تخلى عنكم الكون كله ، فإن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا.
ماذا سيفعل بكم صناديد الكفر وأعوانهم أكثر مما فعلوا ، قتلوكم واستحيوا نسائكم وبقروا بطون الحوامل ورملوا نسائكم وهدموا البيوت فوق رؤوس قاطنيه ومنعوكم الدواء والكساء والشراب والطعام ، منعوكم كل مقومات الحياة المادية وسلباكم كل ما يقوم حياتكم ، لكن وما بعد لكن ، هل فت ذلك من همتكم ، من عزيمتكم ، هل زحزحوكم قيد أنملة عن عقيدتكم.
عن إيمانكم بعدل قضيتكم وأنكم أصحاب حق.
إن صدق حدسي ، أظنكم أهل قول الله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا أن يثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، مع تأويل غير مخل بالنص ، فالآية نزلت في صورة التخصيص المشمول بالتعميم ، فكل مستضعف ، مضطهد ، مكره على الخروج من دياره ، إلا إنه ثابت ثبوت الجبال الرواسي تشمله هذه الآية دونما إخراج للنص عن سياقاته.
وأظن قوله تعالى (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)، نزلت في كل مكير ، ثعلب يتحين الفرص لينقض على الآمنين ويسلبهم حرياتهم ويحتل أراضيهم ويخرجها من دورهم.
لكن نقول لهؤلاء الماكرين المخادعين المغتصبين ، لا تحسبوا الله غافلا عما تعملون.
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)
فصبر جميل أهل غزة واصبروا وصابروا واعلموا أنما النصر صبر ساعة وسيعلم الذين ظلموا أي متقلب ينقلبون.
فما بين الشعبين شعب أبي طالب وشعب غزة زمكانية محددة الزمان والمكان ، فليس ثمة شدة تدوم.
وكما علمنا التاريخ الحديث والقديم والوسيط والمعاصر ، أن الغلبة لأصحاب الحق وأن النصر صبر ساعة.