يتعرض الفرد في حياته العامة على المستوى الاجتماعي و العملي ،إلى إساءة الفهم في بعض الأحيان وقد يساءُ فهمه أو يسِئ الفهم الصحيح وهذا أمر طبيعي و يتم معالجته غالبًا بالحوار و الذي يضمن توضيح الحقيقة دون أن يبني الفرد على هذا الموقف معتقدات خاطئة و هذا هو التعامل الصحيح الذي يربط الأفراد ببعضهم.
كما أن الإساءات متعدِّدة ،وهي سلوك مرفوض من الجميع ،ولكن هناك إساءات واضحة وأخرى خفية، و قد يتعرض البعض للإساءات الخفيه ممّن يثق بهم لفترة طويلة من الزمن دون أن يدرك انه يتعرض لخطر كبيريهدّد حياته و صحته النفسية و العقلية، ليس هذا فحسب بل من المؤكد أنه يفقد الثقة بنفسه وبقدراته المكنونة داخله.
تعدّ الاساءة الخفية ،إساءة نفسية بإستراتيجية معينة، و تتم عن طريق مواصلة قول التعليقات السلبية التي تؤثر بشكل مباشر على العقل الباطن كتميز الشخص المتعرض للإساءة بالجنون أو عدم القدرة على الفهم الصحيح و استمرار إنكار حقيقة المواقف التي حصلت وذلك بالتشكيك فيها أو اتهامه بالاختلاق للموقف كما أن الاساءة الخفيه تجعل المسيء يبصم بأن المُساء إليه متوهم.
و تكمن الكارثة الحقيقية حينما يصدق الفرد أنه متوهم و مختلق للمواقف حيث أن هذا التصديق تدريجياً يسحب الفرد إلى نقطة نهاية قدراته و زعزعة شخصيته و تدّمير ثباته و عدم قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة في المستقبل ،كما أنه أشبه بالوقوف التام عند نقطة معينة مع انعدام الرغبة في الاستمرار.
و يعدّ ضوء الغاز أشدّ أنواع الإساءة النفسية التي قد يتعرض لها الفرد ،وأشدّها فتكًا به و تدّميره ،حيث أن الذي يستخدم هذه الطريقة لا يصرح بها أبدًا ،ولذلك سميت بالإساءة الخفية كأن يتحدث مع الفرد عن موقف ما ثم ينكره تماماً ،ليس ذلك فحسب بل يجعله يصدق تصديقًا تامًا انً هذا الموقف لم يكن حقيقيه و أنه من خيالاته مثلاً.
على أي فرد أن يدرك أنه تميز بالعقل الذي يجعله يفرِّق بين الواقع والخيال، وأن لا يصدق هذه الإساءة و يرفضها في حال تعرضه لها ،كما أنه إذا وجد نفسه أمام مسيء ،عليه أن يكتب الأحداث التي تحدث، حتى يدرك أنه يتخيل أو لا ،و أن لا يسمح للآخرين أن يحدِّوا من قدراته ،وأن يكون متحيزاً لذاته بشكل متوازن، حتّى لا يجد ذاته ضحية إساءة خفية في يوم ما.
fatimah_nahar@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: کما أن
إقرأ أيضاً:
الانتقال الذي لا ينتقل !!
بحلول الحادي عشر من يونيو الجاري، (بعد الغد)، تكون قد مرت على ذهاب حكم “الإنقاذ” ستة أعوام وستون يوماً، وهي في نفس الوقت، المدة التي قضاها شعب السودان وهو في حالة “إنتظار” لكي تتاح له الفرصة أن يذهب إلى صناديق الاقتراع لاختيار حكامه بإرادته الحرة، وتنتهي بذلك فترة “الانتقال”، لكن ذلك لم يحدث، ولا يلوح في الأفق متى سيحدث، فنحن منذ أن نجحت قيادة القوات المسلحة ولجنة النظام الأمنية في “الإطاحة برأس النظام” والتحفظ عليه، ظللنا في حالة إنتقال من وثيقة إلى وثيقة ومن تعديل إلى تعديل، مبتدئين في كل مرة العد من الصفر، بدلاً من العد التنازلي!!
الشعارات التي عبّأ بها مخططو التغيير الذي حدث في أبريل 2019 ، كانت شعارات برَّاقة، فبعد أن ألبسوا نظام “الإنقاذ” كل صفة ذميمة، قالوا لنا إننا بصدد الانتقال من نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي تعددي، ومن عهد العزلة إلى عهد الانفتاح، ومن حالة الضيق في المعاش إلى الوفرة والرخاء، وأنه ليس بيننا وبين ممارسة حقنا في اختيار حكامنا وممثلينا في البرلمان، إلا بضعة أشهر، لن تبلغ الأربعين مهما استطالت، وأنه إلى ذلك الحين فعلينا أن نرضى بما هو متاح من حكام مدنيين وعسكريين أقاموا بينهم شراكة لتُسهل عملية الانتقال !!
وقبل أن ينقضي العام الأول أتانا شريكا الفترة الانتقالية (المكون العسكري والمكون المدني)، بشريك ثالث قالوا لنا إن أمر شراكته يقتضي تصفير عداد الانتقال والبدء من الصفر، وعلينا ألاّ نحسب العام الذي ضاع من عمر الانتقال قد مضى سُدىً، فهو قد كان استكمالاً لأحد أضلاع مثلث شعار “الثورة” الأبرز، حرية ، سلام ، وعدالة؛ وبناءً على ذلك تحولت صيغة الشراكة من مثنى إلى جمع، فأصبحنا نُحكم بـ “شركاء” الانتقال بدلاُ من شريكين، ولم يكن أمامنا خيار غير أن نقول “خير وبركة”.
قام “الشركاء” بتعديل الوثيقة الدستورية، بناء على الإتفاق السياسي الذي جرى توقيعه في جوبا، عاصمة جنوب السودان، في الثالث من مارس 2020، ربما تأسياً بالاتفاق الذي وقعه نظام الرئيس جعفر نميري في أديس أبابا في الثالث من مارس العام 1972، وجعلوا للوثيقة السياسية (إتفاق سلام جوبا) عُلوية على الوثيقة الدستورية المعدلة، في حال تعارضت النصوص، والأهم من ذلك أن الشركاء وهم يُجرون تعديلاتهم على الوثيقة الدستورية، لم ينسوا أن يُثبتوا في صلبها نصّاً يقنن الشراكة الجديدة، فجاء في المادة (80) من الوثيقة الدستورية المعدلة في 2020 ما يلي نصه: (ينشأ مجلس يسمى “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، تمثل فيه أطراف الاتفاق السياسي فى الوثيقة الدستورية ورئيس الوزراء وأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، يختص بحل التباينات فى وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وخدمة المصالح العليا للسودان وضمان نجاح الفترة الانتقالية، ويكون لمجلس شركاء الفترة الانتقالية الحق في إصدار اللوائح التي تنظم أعماله).
لم تزد اجتماعات مجلس شركاء الفترة الانتقالية عن الخمسة، سرعان ما “تشاكسوا” بعدها، إذ تصاعدت المناكفات بين أعضاء الحرية والتغيير- المجلس المركزي وبين العسكريين في مجلس السيادة، ويبدو أن “قحت” قررت على إثر ذلك أن تُميت مجلس الشركاء بالاهمال، فقررت أن تكتفي بمشاركة الأعضاء غير الأساسيين من صفها القيادي في اجتماعات المجلس مما أعاق المداولات وحول النقاش داخله إلى مهاترات، وتسبب هذا بدوره في مقاطعة بعض أعضاء مجلس السيادة من العسكريين لاجتماعات المجلس إحتجاجاً على المستوى غير اللائق في النقاش من قبل بعض أعضاء “قحت”، وهكذا تعطلت أعمال مجلس الشركاء، مثلما تعطل من قبل اكتمال أضلاع سلطات الانتقال من مجلس تشريعي ومحكمة دستورية ومجلس أعلى للقضاء.
تسارعت الأحداث عقب الشلل الذي أصاب مجلس الشركاء، فجاءت أحداث فض الشراكة بين المكونين المدني والعسكري في 25 أكتوبر 2021، وتمت الإطاحة بـ “قحت” من السلطة، فأغاظ ذلك رعاتها الإقليميين والدوليين الذين نجحوا لاحقاً في استمالة “أحد طرفي” المكون العسكري، وصمموا “الاتفاق الإطاري” للإطاحة بـ “الطرف الآخر”، لكن الانقلاب الذي خططوا له بإحكام، فشل، وتحولت المحاولة الإنقلابية إلى الحرب التي نعيش تفاصيلها منذ ما يزيد عن العامين.
بعد نحو ثلاث سنوات ونصف، ظل “الإنتقال” خلالها مُقعداً بعد أن أصابه الشلل، وظلت الأحداث الكبرى تتقاذفنا، يُسلمنا هذا إلى ذاك، بدأت تلوح في الأفق فرصة جديدة لبث الروح في جسد الانتقال واستعادة بعضاً من عافيته، وذلك بتعيين رئيس وزراء مدني، بكامل الصلاحيات، وفي ضوء هذه الخطوة المحمودة يتعين إنعاش آمال السودانيين في انتقال على أسس مختلفة، يضع سداتها شركاء قُدامى وجدد ويتم من خلالها إعادة ترتيب المشهد السياسي واستكمال مؤسسات الانتقال من مجلس شركاء ومجلس تشريعي ومحكمة دستورية ومجلس أعلى للقضاء وحوار سوداني – سوداني يرسم بتؤدة ملامح سودان المستقبل.
العبيد أحمد مروح
إنضم لقناة النيلين على واتساب