كجزء من هندامه وزيه اليومي المعتاد، يتوِّج التهامي رأسه بإكليل من الزهور والمشاقر ذات الروائح الذكية خصوصاً في مناطق شمال تهامة التابعة إدارياً لمحافظة حجة وصولاً إلى مناطق جيزان جنوب المملكة العربية السعودية، وحتى قبائل خولان بن عامر في صعدة وجيزان وعسير، ورغم اختلاف العادات والتقاليد والأزياء من منطقة لأخرى إلا أن "عكاوة" الرأس تبدو كرابط وجداني يجمع هذه القبائل المتناثرة في سهول وجبال تهامة وتأكيد على التاريخ المشترك الذي يجمعها والجذور الثقافية الواحدة.

عكاوة الفضة الزرنوقية..

يعتمر رجال قبيلة الزرانيق طوقاً من الفضة فوق شعورهم الكثيفة مع إضافة أغصان المشاقر أحياناً تحت الطوق الفضي أو العكاوة وهو الاسم الدارج لطوق الرأس على اختلاف أشكاله، فضياً كان، كما هو لدى الزرانيق أو من المشاقر والزهور العطرية الخالصة المنتشرة في حجة وصعدة وجيزان وعسير.

ويشير الباحث علي مغربي الأهدل، في منشور على فيسبوك، إلى أن اسم "عكاوة" مشتق من اسم قبيلة عك إحدى أشهر وأكبر القبائل التهامية والتي تتفرع منها قبائل الزرانيق والقحرى وغيرها من القبائل التهامية، ولعل قبيلة عك هي أول من استخدم العكاوة كتاج من الفضة ثم تحول في مناطق أخرى إلى تاج من الزهور والمشاقر.

ومن أنواع المشاقر والزهور التي يكثر استخدامها في صناعة العكاوات: البعيثران والسكب والوزاب وزهرة القطيفة المخملية المعروفة محلياً باسم "عين عناق" وقد كانت في الماضي تنبت في الحقول والمراعي بشكل تلقائي بعد المطر ودون الحاجة إلى العناية والاهتمام ليتم إنتاجها لاحقاً في مزارع خاصة ومواسم متعددة وتتحول إلى مصدر دخل لكثير من الأسر.

ارتباط روحي وتاريخي

ترمز المشاقر والزهور العطرية في الثقافات الشعبية إلى البساطة والمحبة والصداقة والسلام، كما ترتبط بأداء الطقوس الدينية منذ أزمنة غابرة، وقد امتدت تأثيراتها إلى عصرنا الحاضر وظلت ترافق أهم مناسبات وطقوس الإنسان اليمني من الديانات الوثنية القديمة إلى الإسلام، حيث يحرص اليوم كبار السن في عديد من المناطق اليمنية على نثر أغصان شجيرة الريحان في المساجد كل جمعة ويتم تطييب الموتى بوضع المشاقر فوق الجنائز، وهنا تكمن المفارقة العجيبة بقدرة المشاقر على الحضور في أفراح وأحزان اليمنيين على حد سواء كما في حياتهم اليومية العادية، وهذا إن دل فإنما يدل على قوة ارتباطها بوجدان اليمنيين.

ويسود الاعتقاد في كثير من المناطق أن المشاقر تطرد الأرواح الشريرة لذلك تزين بها العروس ليلة الزفة بوضع "العضية" وهي كمية من أنواع مختلفة من الشجيرات العطرية في الشعر بالإضافة إلى الفل والكاذي، ولهذه اللحظات طقسها الخاص حيث تبدأ جوقة مؤلفة من قريبات العروس والنساء الكبيرات في السن خصوصاً بترديد أغانٍ حزينة ممزوجة بالدموع والابتهالات الراجية حياة سعيدة للعروس وتحصينا لها من الشياطين والحساد.

ويشير الباحث اليمني محمد عطبوش في حديثه لـ"نيوزيمن" إلى أن لفظ "مشاقر" هو في الأصل لفظ سبئي، موضحاً أنه أفرد لموضوع علاقة المشاقر بطقوس الديانات اليمنية القديمة دراسة خاصة في كتابه الذي يحمل عنوان: "من مأرب الى مكة".

وأضاف عطبوش: خلاصة الفكرة أن كلمة شقر تأتي في النقوش بمعنى زينة أعلى البيوت، كانوا عندما ينتهون من بناء البيت يمشقروه أو يشقروه، أي يزينون قمته بزخارف أو مسننات أو أشكال أخرى ما زالت موجودة في بعض البيوت التقليدية إلى الآن وربما قارنوا البناء بالإنسان وهذا كلام الارياني، فسموا رأس الإنسان المزين بالأكاليل والنباتات العطرية مشقر وكأنه بيت مزين أعلاه وتلاحظ أنه في بعض المناطق في شمال اليمن يشقرون الثور في يوم العيد حيث يشقرونه ويحنونه وكأنه عريس، وهذا الموضوع له علاقة بطقوس الخصوبة، أي كانوا يعاملون الثور بتقديس كما لو أنه عريس يخصب الأرض فتنجب النبات كما يخصب العريس المرأة فتنجب الأولاد، حتى الآية القرآنية تقول: "نساؤكم حرث لكم" وكأنها أرض وكأن الرجل يحرث المرأة كما يحرث الثور الأرض.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

الانتقالي في مأزق.. “أزمات داخلية وخارجية تهدد مستقبله السياسي في اليمن”

الجديد برس| يعيش المجلس الانتقالي الجنوبي، سلطة الأمر الواقع في جنوب اليمن، والمدعوم إماراتياً، لحظة حرجة مع تصاعد الأزمات الداخلية والانقسامات المتسارعة، تزامناً مع تدهور الأوضاع الخدمية والاقتصادية، وتنامي الغضب الشعبي الذي بات يهدد مستقبله السياسي وموقعه التمثيلي في الجنوب. فعلى الصعيد الداخلي، فاجأ المتحدث الرسمي للمجلس، صالح الفردي، الأوساط السياسية بإعلان استقالته بعد أيام فقط من تعيينه، في خطوة عكست حجم الارتباك داخل بنية المجلس، في وقت كان يعول فيه عليه لتلميع صورة الانتقالي التي تضررت مؤخراً نتيجة تفاقم الأوضاع المعيشية وخروج النساء إلى الشوارع احتجاجاً على تدهور الخدمات. في الوقت نفسه، تفاقمت أزمة الكهرباء في عدن مجدداً، حيث وصلت ساعات الانقطاع، وفق تقارير إعلامية محلية، إلى ٩ ساعات مقابل ساعتين تشغيل، وسط استبعاد حكومة عدن ملف الكهرباء من أجندة نقاشاتها الأخيرة، ما زاد من غضب الشارع وأشعل انتقادات جديدة ضد المجلس الذي يواجه اتهامات بالفشل والعجز عن توفير الخدمات الأساسية. وتتزامن هذه الأزمات مع انهيار متسارع للعملة المحلية وارتفاع جنوني للأسعار، في ظل خطط مرتقبة لضخ كميات جديدة من العملة دون غطاء، وتوجه حكومي لرفع سعر الدولار الجمركي، ما ينذر بكارثة اقتصادية جديدة تعمّق معاناة المواطنين وتُضعف موقع الانتقالي أكثر. وفي محافظة أبين، بدأت القبائل خطوات جريئة للخروج من عباءة المجلس الانتقالي، إذ أعلنت من مدينة لودر تشكيل “المجلس التنسيقي لأبناء أبين” وتكليف الأخير بمهمة التفاوض المباشر مع صنعاء، في تحرك قد يُقوّض طموحات الانتقالي للتمثيل الحصري للجنوب في أي مفاوضات سياسية مقبلة. كما تسعى القبائل لفتح طريق عقبة ثرة الاستراتيجي، رغم معارضة المجلس الذي وافق سابقاً على فتح طريق الضالع، في موقف اعتبرته القبائل انحيازاً لمصالح ضيقة ترتبط بمسقط رأس قيادات الانتقالي. أما في لحج، فباشرت القبائل الدخول في اتفاقات تبادل أسرى وفتح الطرقات، متجاوزة المجلس ومؤسساته، بالتزامن مع تمرد يافع ومحاولات تيار داخل المجلس بقيادة عبدالرحمن المحرمي (أبو زرعة)، المقرب من السعودية، فرض نفسه بديلاً محلياً داخل الانتقالي. ويرى مراقبون أن المجلس الانتقالي بات يواجه مأزقاً حقيقياً، مع تشظٍ داخلي وتراجع نفوذه في مناطق عدة، في وقت تحاول فيه الرياض إعادة تشكيل الخارطة السياسية جنوب اليمن، وهو ما قد يضعف دور المجلس في أي تسوية قادمة ويهدد بطي صفحته كلاعب رئيسي في المشهد.

مقالات مشابهة

  • المعلا يستقبل المهنئين بعيد الأضحى من الشيوخ والمواطنين وأبناء القبائل
  • الشيخ ناصر الوهبي: البيضاء كانت وستبقى درع اليمن الحصين في وجه الإرهاب والعدوان (حوار خاص)
  • أمطار رعدية وطقس جد حار ثاني أيام العيد
  • خاص لـ”العنوان 24″: ميليشيا الدعم السريع تلجأ إلى الاتجار بالبشر لتعويض خسائر جنودها
  • وزارة الشؤون الاجتماعية تطلق مشروع الأضاحي لـ16 ألف أسرة في سبع محافظات
  • امتداداً لحملات النهب في صنعاء.. الحوثيون يتجهون نحو أراضي عمران
  • الانتقالي في مأزق.. “أزمات داخلية وخارجية تهدد مستقبله السياسي في اليمن”
  • حريق ضخم يلتهم 8 رؤوس ماشية بمزرعة بالغربية
  • «الشارقة للعلوم الشرطية» تتوج الفائزين بجائزة البحث العلمي بدورتها 5
  • انفجار الأوضاع في مأرب: القبائل توقف النفط وغارات طائرات بن عزيز تخلّف قتلى