ما الذي عناه الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، في نهاية زيارته السادسة للبنان، عندما همس في أذان اللبنانيين من أن بلدهم ذاهب إلى الزوال السياسي لكنه باقٍ ككيان جغرافي؟ فهذا الكلام الخطير بمدلولاته ومراميه وخلفياته لم يصدر عن وزير سابق لخارجية فرنسا نتيجة ما سمعه خلال جولاته على المسؤولين الرسميين وغير رسميين، بل جاء على الأرجح نتيجة ما هو جاري الاعداد له في "المطابخ" الدولية من إعادة رسم لخارطة المنطقة، وذلك استنادًا إلى ما ستفضي إليه الحرب الضروس الدائرة في قطاع غزة وفي جنوب لبنان بعدما نجح "حزب الله" في فرض معادلة "وحدة الساحات والجبهات" أولًا على اللبنانيين الرافضين بمعظمهم ربط لبنان بحروب الآخرين، وثانيًا على المجتمع الدولي من زاوية حجز مقعد له في الصفوف الأمامية بمعية الجانب الإيراني حين تزف ساعة التسويات الكبرى، التي لن يكون لبنان فيها موجودًا حتى في مقاعد المتفرجين بسبب تغييب رئيس الجمهورية.
ويقول البعض أن هذا التغييب قد يكون مقصودًا لكي تكتمل مشهدية الاستبدال الاحتياطي. ولم يُعرف ما إذا كان ما عبّر عنه لودريان هو مجرد رأي شخصي أم أنه يعبّر عن نظرة فرنسا، التي يمكن اعتبارها الأقرب إلى فهم التركيبة اللبنانية بكل تناقضاتها، خصوصًا أن الدستور اللبناني مقتبس بمجمله من الدستور الفرنسي، وهما متشابهان من حيث التقارب التنظيمي إلى حدّ كبير، مع فارق ليس ببسيط في طريقة ممارسة الديمقراطية، مع اختلاف واضح في الطبيعة الطائفية الفسيفسائية، التي تميز لبنان عن أي بلد آخر، وإن تقاربا في اتباع الأسس التي تقوم عليها كل من الجمهوريتين، اللبنانية والفرنسية، اللتين تعتمدان النهج البرلماني في ممارسة الحياة السياسية، وما فيهما من فصل بين السلطات وتكاملهما. فالزوال السياسي لا يمكن أن يُفهم إلا من الزاوية التي تنظر إليها فرنسا إلى الواقع السياسي في لبنان انطلاقًا من المفهوم العام للحياة الديمقراطية، التي على أساسها تُفرز السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن خلال هذه الآلية تستقيم أحوال البلد، اقتصاديًا وازدهارًا وانمائيًا وعمرانيًا وتطورًا نحو الحداثة ومواكبة العصرنة التكنولوجية، وتقديم أفضل الخدمات لجميع أبناء الوطن الواحد، ولجميع المقيمين على الأراضي اللبنانية في شكل شرعي، فتسود العدالة الاجتماعية، وتُحكم البلاد بالعدل والقسطاس والقانون، وتتولى القطاعات الأمنية والعسكرية مسؤولية الزود عن الحياض وتوفير الاستقرار الداخلي بما يسمح بتأمين فرص عمل مترافقة مع اضطراد النمو الاستثماري القائم على الانفتاح. فإذا أردنا أن نقارن حال لبنان اليوم بما هو نظري، أو بما يُفترض به أن يكون عليه، لما كان في وسعنا سوى تأييد ما ذهب به لودريان في استنتاجاته بعد ست زيارات له للبنان. أمّا كيف يكون شكل هذا الزوال وطبيعته فالواضح أن لا أحد يملك أجوبة شافية حتى الموفد الفرنسي نفسه، الذي يرى في نظريته هذه أن لبنان غير قادر على الاستمرار إذا بقي أبناؤه على تشرذمهم العمودي والأفقي وغير متفقين أقّله على انتخاب رئيس لجمهوريتهم، مع علمهم الإجماعي بأن أحوال البلاد لن تستقيم، ولن ينتظم عمل المؤسسات في غياب رأس الدولة، الذي هو رمز وحدتها. فالزوال السياسي يعني بالمفهوم الفرنسي للأمور أن لبنان لا يستطيع أن يستمر على هذه الحال العرجاء والعوجاء. فإما أن يكون نظام البلد جمهوريًا برلمانيًا ديمقراطيًا بكل ما تقتضيه هذه التسميات من ممارسات ملزمة وغير اختيارية كرفض مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس على سبيل المثال لا الحصر. أمّا إذا قرّر اللبنانيون، أو قسم منهم، "فتح دكاكين سياسية على حسابهم الخاص"، فعليهم أن يختاروا نظامًا مغايرًا لما تمّ اعتماده في دستور سنة 1926، وصولًا إلى دستور الطائف.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
رئيس الحكومة اللبنانية يتأثر ويبكي خلال جلسة حول انفجار مرفأ بيروت
تأثر رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، وبكى خلال جلسة حوارية خصصت لمناقشة تداعيات انفجار مرفأ بيروت، وذلك لدى استماعه إلى شهادة مؤثرة من والدة أحد ضحايا الانفجار.
وفي مداخلة جاءت قبل أيام من حلول الذكرى الخامسة للانفجار الذي وقع في 4 أغسطس 2020، تحدثت الأم المكلومة بصوت مختنق قائلة: "منذ وفاة ابني، ونحن نطالب في الشوارع بالحقيقة والعدالة. الوقوف في الطريق صعب، خصوصاً حين تنكسر صورة ابني على صدري وأنا أطالب بحقه. تعرضت للضرب من أجله... لم يكن لدي سواه. ذقنا طعم الظلم، لكنني ما زلت أعلق أملي بكم للوصول إلى العدالة".
وفي كلمته خلال الجلسة، أكد نواف سلام أن "كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار قضية وطنية جامعة"، مضيفا: "نستذكر اليوم واحدة من أكثر اللحظات إيلاما في تاريخ لبنان الحديث. انفجار 4 أغسطس لم يكن مجرد مأساة إنسانية، بل شكل صدمة عميقة في العلاقة بين المواطن والدولة".
وشدد سلام على أن "كل اسم من أسماء الشهداء هو قصة ناقصة في ذاكرة هذا الوطن، وكل ضحية كانت حياة كاملة توقفت، وما زال الجرح مفتوحا لأن العدالة لم تنجز".
وختم بالإشارة إلى الجانب المضيء الذي أعقب الكارثة، قائلا: "في مقابل وجع الرابع من أغسطس، هناك الخامس من أغسطس، حين اندفع شباب وشابات لبنان لرفع الأنقاض ومداواة الجراح. جيل لم يكن مسؤولاً عما حدث، لكنه في طليعة من يطالب اليوم بالعدالة. لذا فإن عدالة 4 أغسطس ليست مسألة قضائية فقط، بل تتصل بجوهر السؤال عن طبيعة الوطن الذي نريده".