بين الـ2006 والـ2024.. ما الذي تغيّر في حرب حزب الله؟
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
التصعيد الإسرائيليّ الذي حصلَ اعتباراً من يوم الجمعة عقب توسيع "حزب الله" خط المواجهة باستهداف مستوطنات إسرائيلية جديدة مثل عين يعقوب ويحيعام، أعاد طرح إمكانية توسّع المعركة في جنوب لبنان باتجاه مستويات مختلفة قد تسبقُ التسوية التي تحدّثت عنها الولايات المتحدة، الجمعة، عبر لسانِ رئيسها جو بايدن.
عملياً، فإن سيناريوهات القصف التي تحصل مُتوقعة، فمعروفٌ أن إسرائيل تتمادى بالضربات الجوية، في حين أنّ حزب الله بات يفتحُ المجال قليلاً لصواريخه باستهداف مناطق إسرائيلية تكون خارج منطقة الإشتباك أو على الأقل لم يجرِ إخلاؤها.
كل هذه الأمور واردة، فهي حصلت في العام 2006، فالحرب آنذاك بين الحزب والجيش الإسرائيليّ بُنيت على قاعدة "مدني مقابل مدني"، وهذا ما جرى مؤخراً خلال الإشتباكات الحالية.
السؤال الأبرز الذي يُطرح هنا وسط هذه المشهدية.. ما الذي اختلف بين حرب تمّوز والمعركة الحالية؟ الإجابة هنا لا تتعلق بالناحية العسكريّة فحسب، بل تنسحبُ على الحرب الإستخباراتية الأكثر خطورة، وهنا يكمنُ بيت قصيد المواجهة.
خلال حرب تموز، لم يكن الإستهداف الذي يطالُ قادة "حزب الله" كبيراً إلا في حالات معينة وتحديداً بناء لعمليات إستخباراتية قد تستوجبُ عمليات "كومندوس" كتلك التي حصلت في مدينة صور يوم 5 آب 2006، حينما حاولت قوة من لواء "غولاني" الإسرائيلي قتل قادة من الحزب داخل أحد المباني.
أما الآن، فإن عملية الإستهداف ترتكزُ على متابعة إستخباراتية ضخمة تتقاطع معها الوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة التي لم تكن متوافرة سابقاً.
للتوسع أكثر في الوصف، فإنه خلال حرب تموز عام 2006، لم يكن هناك ما يُسمى بـ"الذكاء الإصطناعي" المُتطور، في حين أنه لم يكن هناك تطبيقات وهواتف نقالة ذات تقنيات عالية يمكن أن يستخدمها عناصر الحزب لتسهيل إسرائيل اكتشافهم عبرها. الوسائل حينها كانت أكثر محدودية، بينما في الوقت الراهن اختلف الأمرُ تماماً.
يقولُ خبيرٌ معني بالشؤون التكنولوجية لـ"لبنان24" إنَّ الواقع التكنولوجي والتقني لعب دوراً مهماً في تبديل ملامح المعارك، مشيراً إلى أنه لا يمكن بتاتاً تشبيه حرب تموز بالحرب الحالية، وأضاف: "قبل 18 عاماً، كانت التقنيات مختلفة، الظروف أيضاً مُغايرة حتى أن قدرات حزب الله وإسرائيل تبدلت كثيراً من حيث التكتيكات. لهذا السبب، هناك وسائل كثيرة تنازل الحزبُ عن استخدامها لأنها لم تعد صالحة لذلك".
وبالعودة إلى استهداف قادة "الحزب"، ما يظهرُ جلياً هو أنَّه خلال العام 2006، كانت هناك صعوبة في تحديد مواقعهم كما يجري الآن، فالإعتماد على ما يُسمى بـ"البصمة الصوتية" لم يكن فعالاً ومتطوراً كما الآن، علماً أن هناك تقنيات مماثلة يمكن أن تكون موجودة في تلك المعركة، لكنها لم تكن بالدقة الحالية.
ما يقول الخبير التقني يكشف عن أن الحرب الحالية فتحت الباب أمام 3 حروبٍ موازية وهي: حرب الكترونية – تقنية، حرب استخباراتية ذات مستويات جديدة، بالإضافة إلى النوع الثالث وهو حرب الاغتيالات التي تعتمد على النوعين المذكورين من الحروب.
إزاء ذلك، ما يمكنُ تفسيرهُ هنا هو أنَّ "حزب الله" بات يواجه 4 حروب مفصلية في الوقت الراهن، الأمر الذي يمثل استنزافاً لقدراته وطاقاته البشرية والتقنية.
وعلمياً، فإن ما يتم استنباطه مما يجري هو أنَّ الحزب حتى الآن، لم يستطع ضبط الحرب الإلكترونيّة الإسرائيلية القائمة ضده، كما أنه لم يتمكن أيضاً من تقليص الثغرات الإستخباراتية والدليل على ذلك هو أن القصف الذي يطال مواقعه أو الاغتيالات التي تطال قادته، ترتكزُ على تلك المعلومات والتقاطعات الإستخباراتية التي تحصل. وبسبب كل ذلك، تأتي مسألة الإستهدافات لتطرح نفسها كنتيجة واضحة للخروقات، وهذه المسألة خطيرة جداً ولم تكن بهذا الحجم والقدر عام 2006، خصوصاً أن الاستهداف الذي يحصل لم يعد يتركز على عناصر بشرية واضحة أو على قوات فعلية، بل يعتمد على قدرات تقنية وطائرات مُسيرة تؤدي المهمة المطلوبة من دون أي اعتراضٍ قد يطالها.
لذلك، وإنطلاقاً من كل ما ذُكر وتقّدم، فإن ما يُميز حرب تموز عن الحرب الحالية هو النطاق التقني والإستخباراتي، وهنا يمكن التحدي الكبير بالنسبة لـ"حزب الله". قد يُقال عن أن الحرب قبل 18 عاماً كانت تقليدية نوعاً ما، لكن المعركة الآن اتخذت منحى جديداً، ويقول المصدر المعني بالشأن التكنولوجي إنه "لولا لم يكن حزب الله جاهزاً بالحدّ الأدنى لمثل تلك الحروب التقنية والإستخباراتية، لكن انهار في أول مرحلة من الحرب، لكن ما يتبين أن هناك أيضاً جبهة إستخباراتية في كواليس الحزب تسعى من جهة لترميم التصدعات ومن جهة أخرى مواصلة المعركة ضد إسرائيل واكتشاف مواقعها وإلحاق الأضرار بها". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حرب تموز حزب الله الذی ی لم یکن
إقرأ أيضاً:
محمد حميد الله.. العلّامة المنسي الذي أعاد السيرة النبوية إلى قلب الإنسان والعالَم
تعرّفتُ على محمد حميد الله (1908م ـ 2002م) بالواسطة؛ يوم وجدتُ كاتبا يحيل على كتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، تعرّفت على اسمه واسم كتابه دون أن أدرك مقامه العلمي والمعرفي، وأنّى لي هذا؛ فقد كان ذلك في البدايات الأولى لـ"وعيي" وعمري قد بلغ توّا الخامسة عشر ربيعا، أي عام 1990م، والسّبب الذي أشعل هذا الوعي ـ استطرادا ـ شأن العديد من مجايلي، هو حرب الخليج؛ فقد طوت بنا تلك الأحداثُ المأساويةُ المراحلَ والمسافات، فكان تكويننا ـ حينها ـ يتّبع أسلوب القفزات وليس التراكم، وهو الأسلوب الذي يحمل في طيّاته إيجابيات وسلبيات؛ فقد فُرضَ علينا أن لا ننضبط للمقولة البيداغوجية التي تصرّ أن التّعلّم الحقيقي العميق يبدأ بـ"صغير العلم قبل كبيره". يومها لم يهنأ لي بال حتى حصلت على نسختي من الكتاب؛ فقد وجدته باليا مغبّرا عند أحد باعة الكتب المستعملة. واستطرادا أيضا؛ فإنّ تجاربي مع الكتب المفقودة كثيرة؛ فما إن أنشغل بأحدها حتى أجدها ـ مهما مرّت الأيام ـ "تُباع على الأرض" وبأبخس الأثمان؛ هل هذا هو ما يسمى بـ"قانون الجذب"؟!
فيما بعد سأعرف أن الرّجل علّامة حقيقي، وتكوينه متين وأصيل، يزاوج في أصوله ومصادره المعرفية بين التقليدي والعصري، وهذا التّأسيس واحد من أكثر ما يمنح العالِم تميّزه وقوّته: دكتوراه في الفلسفة ـ بالمعنى المتين للدكتوراه وللفلسفة ـ وأخرى في السيرة النبوية من جامعتين غربيتين، وإتقان للكثير من اللغات، تجاوزت العشر، بشكل مدهش، وإكثار في التّأليف دون أن يمسّ هذا الإكثار عنصر الأصالة، وتخصّص لا يمكن لصاحبه أن يُبدع فيه ما لم يكن موسوعيّا. هو أحد أعلام الفكر الإسلامي والدّعوة في العصر الحديث، مشارك في عدد من المجالات المعرفية. يعتبر المختصّون ترجمتَه لمعاني القرآن الأحسن والأفضل من بين كل "المغامرات" المشابهة الأخرى.
عاش أغلب حياته في فرنسا. احتفظ بحبّ كبير جدا لبلدته "إمارة حيدر أباد" التي كان يودّ أن يراها مستقلّة عن الهند، وحينما فشل "مشروع الدّولة" غادر الهند ولم يعد إليها أبدا. ورغم أن فرنسا عرضت عليه أكثر من مرّة جنسيتها إلا أنه رفض التّخلي عن هويّته الحيدرأبادية إلى أن توفّي في بيت حفيدة أخيه في أمريكا، وكانت هي مَن ألحت عليه في الذّهاب معها إلى هناك بعد أن أتعبه العمر.
اليوم اقتنيتُ ترجمةَ كتابه "نبيّ الإسلام؛ سيرتُه وآثاره" الذي صدر لأوّل مرة بالفرنسية منذ حوالي ستّين سنة، أي منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي، بترجمة الأكاديمي المغربي عبد الواحد العلمي، عن منتدى العلاقات العربية والدّولية. ولا أدري مَن سنُحمّل مسؤولية ما أعتبره خسارة كبيرة للكتاب؛ هل للمترجم أم للنّاشر؛ ذلك أن الكتاب بهذه القيمة وهذه الفخامة وهذا العمق وهذا الحجم يصدر دون فهارس ودون بيوغرافيا تفصيلية. ومهما كانت الجهة التي فرّطت في هذا الأمر المهمّ، فإنّها اقترفت عظيما! وليس أمامها سوى المسارعة لإعداده قبل الطبعة الثانية.
عاش أغلب حياته في فرنسا،. احتفظ بحبّ كبير جدا لبلدته "إمارة حيدر أباد" التي كان يودّ أن يراها مستقلّة عن الهند، وحينما فشل "مشروع الدّولة" غادر الهند ولم يعد إليها أبدا. ورغم أن فرنسا عرضت عليه أكثر من مرّة جنسيتها إلا أنه رفض التّخلي عن هويّته الحيدرأبادية إلى أن توفّي في بيت حفيدة أخيه في أمريكا، وكانت هي مَن ألحت عليه في الذّهاب معها إلى هناك بعد أن أتعبه العمر.يقع الكتاب في أكثر من ثمانمئة صفحة، وقد اكتفى المترجم بثلاث صفحات يتيمة تقديما بين يدي الكتاب، ولا أدري ما الذي جعله "يضنّ" على قُرّائه بالكشف عن كثير من الأمور المعرفية والمنهجية والموضوعاتية التي وقف عندها، سواء تلك المتعلّقة بالكاتب أو الكتاب أو ظروف إنشائه وسبب نشره. ولا يُتعلّل بأنّ ذلك كان سيزيد من عدد صفحاته، لأنّ عشر صفحات إضافية يقينا لن تحدث كثير فرق، خاصّة وأنّ غالبية المهتمين من جيلنا لا يكاد يعرف عن الرّجل سوى القليل.
ينقسم الكتاب، بعد مقدّمة وافية أجاب فيها عن سؤال: لماذا دراسة حياة نبيّ الإسلام؟ وخاتمة تحت عنوان: الدّفن ومشكلة الخلافة، إلى أربعة فصول، وقد جاءت تحت العناوين العامّة التالية: البداية، والرسالة، والحياة السياسية ـ الدّينية، والآثار.
أنشئ الكتاب قريبا من أسلوب الشّذرات المرقّمة، وقد كان المقصود منه ـ بالدّرجة الأولى ـ القارئ غير المسلم، ولكنّ هذا الأمر لم يجعل حميد الله يفرّط فيما سيعتبره ذلك القارئ ـ الذي فقد الإحساس بـ"سحر العالم" ـ "قضايا غير عقلانية"، بل و"منهجية غير عقلانية"، وأقصد هنا بالدّرجة الأولى مسألة المعجزات. الجميل أنّه قدّمها بأسلوب بارع، بعيد عن "الخرافية"، وتعامل معها باعتبارها مسألة عادية جدّا في حياة الأنبياء والرّسل و"منهج اشتغالهم".
وربّما الملاحظة "السّلبية" الوحيدة على بعض تفسيرات الكتاب وتأويلاته ـ وهي متفهمة ـ هي متعلّقة أساسا بالسياق المعرفي والاجتماعي الذي كُتب فيه، وقد أشار إليها المترجم في تقديمه، ولكن دون أن يقدّم أيّ أمثلة لأنّ القارئ قادر لوحده على اكتشافها دون عناء كبير؛ حيث أكّد على "أنّ مياها كثيرة جرت منذئذ، وتغيّرت بوصلة الذّهنيات وهواجس الباحثين وآفاق انتظارهم، فربّ مسوّغات للأحداث وتفسيرات لها أصبحت غير مستساغة عند كثير من النّاس باحثين وغيرهم".
لم يتدخّل المترجم أثناء ترجمته للمتن، وكان لزاما عليه أن يفعل ذلك في بعض المواضع، خاصة حين لحظة إحساسه بأنّه بصدد تقديم معلومة أو تحليل لقارئ مسلم عربي. أمّا ملاحظتي الثالثة على عمل المترجم، وهي في اتّجاهين؛ فإنّه كان عليه في تقديمه أن يخصصّ كلاما عميقا، وربما طويلا، للحديث عن مصادر الكتاب ويدرسها، ثمّ كان عليه أن يقوم بتخريج الأحاديث في الهامش.
وأخيرا؛ الكتاب ـ كما عبّر الأستاذ المترجم: "ماتع قيّم عظيم القدر والإفادة، ولا نغالي إن قلنا عنّه إنّه لحقيق به أن يُعدّ من أفضل ما كتب في عصرنا عن سيرة سيّد المرسلين صلوات الله عليه"، ومن جهتي لا يقترب منه سوى كتاب الأستاذ وضّاح خنفر الموسوم بـ"الربيع الأوّل".