لجريدة عمان:
2025-05-11@00:24:55 GMT

من عوامل التكوين

تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT

من عوامل التكوين

ربما هو فصل في سيرتنا الذاتية، فكل وسيرته ومسيرته، في الحياة والروح.

كثيرا ما أعود إلى عوامل تكوين الشخصية؛ تلك الأشياء والأماكن والشخصيات التي فتحنا حواسنا وأرواحنا عليها.

لكل منا ممارساته الروحية، وأماكن الروح في أماكن العبادة، تلك التي ترتبط بنا من الطفولة حتى نودع الدنيا، هنا إلى عالم آخر.

لقد حفلت الروايات والأفلام بالمسجد، في القرى والمدن، كونه أحد أهم الأماكن المركزية من جهة، وأحد أهم أبعاد الشخصية العربية من جهة أخرى.

وتلك يمكن أن تكون دراسة نوعية، يمكن لباحث أن يتقصى مكانها ودورها في مجالات متعددة اجتماعية ونفسية وسياسية وثقافية.

إنها تكوين ثقافي ساحر وسحريّ.

قبل أيام نشر أحد القرويين صورة لمسجد قريتنا تعود إلى عام 1980، كنت ابن 13 عاما؛ فعادت تلك الطفولة البريئة التي كانت تتلمس أبواب الروح.

أول بيت لله أزوره هو بيته في قريتنا الصغيرة في جبال القدس الغربية، وثاني بيت هو المسجد الأقصى. عندما كبرت، تتبعت خطى الأنبياء والعابدين من بيت لله هنا إلى بيت له هناك، فارتبطت بالمساجد والمعابد، بالمآذن والقباب والأجراس، وصولا إلى المسجد الحرام والمسجد النبويّ. لكن يظل للمسجد الأول معنى خاص.

ليس كباقي البيوت وإن كان مثلها ذا جدران وسقف، كنت طفلا حين اصطحبت والدي، دخلنا ساحة المسجد الخارجية، كان هناك كلام، وحين دخلناه انتهى الكلام فجأة، وظل المكان بلا كلام حتى أذن المؤذن. عدنا إلى الهدوء، قطعه ترتيل الإمام في صلاة المغرب على ضوء مصباح صغير.

انتهت الصلاة فانصرفنا، فعدنا للكلام خارج المسجد، أما أنا فبقيت هناك صامتا داخله أتأمل عظم هذا الهدوء الاختياري العجيب.

كنت تعبا من اللعب مع أقراني في حارتنا، تعب من الركض والصراخ في ألعابنا الشعبية، لذا كان مكانا عبقريا للراحة من الأشياء، لتستريح الأعضاء والأطراف والحناجر، فيما تنشط الأحاديث والوشوشات الداخلية، وصرت فيما بعد كلما تعبت من الدنيا ألوذ بالمسجد لساعة تعينني على ساعات الدنيا وأيامها ولياليها الطويلة الباردة منها التي فيها الوحدة مع الذات، ثم فيما بعد مع الكتاب والقلم والأوراق البيضاء.

صحبت مرة أطفالي في عمر الورد إلى المسجد نفسه، لأحمد الله في بيته، ولأصلي، ولأرى كيف يرى أطفالي المسجد أول مرة كما رأيت وأنا طفل صغير، فما زالت تسكنني طفولتي.

راحوا يتأملون بصمت، ثم بعد ذلك صعدوا المنبر، فتحوا الخزانات وأقفلوها، فتح كل واحد منهم المصحف، وصلوا كما يصلي الناس وابتسموا مبتهجين.

وفي الخارج تكلموا كما تكلم الناس وطلبوا زيارة أخرى.

كنت مثلهم إذن..

لأعود إلى الوراء ما أستطيع: جلس والدي بهدوء وصلى، ورحت أتأمل المكان بهذا الفضاء الكبير، هذا أكبر مكان أكبر بيت إنه فعلا بيت لله الكبير.

والدي كان يستريح من عمله الشاق في الجبال كمزارع يصارع الصخور. كنا أطفالا صغارا وكان وحيد أبويه؛ هل كان يلجأ إلى الله هنا! لعله كان يستريح من تعب الحياة وآلامها ووسيلته الصلاة والدعاء.

تعلقت عيناي بألوان المسجد، ألوان العناصر، لوحات وجدران خضراء، ومنبر عساه كان ما بين الأزرق والأبيض، تكوين الآيات القرآنية بخط الرقعة الجميل يشبه خط كتب المدارس لكن به انحناءات كثيرة مستديرة.

دوائر فيها أسماء، سأعرف بعد بضع سنين أنها لأنبياء وصحابة.

سأعود بعد اتسع بياض الرأس إلى البيت لأكتب عنه، فأبحث عما كان منه، فلا أجد إلا البناء ولوحتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بخط كوفي أخضر وآية «يسبح لله ما في السماوات والأرض الملك القدوس العزيز الحكيم» بأسود على خلفية ذهبية مضيئة.

سأنظر للمكان، فأراه صغيرا، لا كبيرا كما كنت أراه، لكنه على صغره كبير في الروح والمعنى وذكرياتي كمتعبد وذكرياتي حين كنت ألجأ إلى برودته الدافئة أيام الحرّ فأجد جدي التسعيني رحمه الله ينتظر قادما كي يسقيه كوب ماء! وكم كان يبتهج حين يعرف أنني حفيده..

من أول الدنيا إلى وسطها ومنتهاها سأحمل هذا البيت في قلبي، والذي فيه كم سرت مع السائرين في سيرة المصطفى وسير الأنبياء والصحابة والصالحين سأحمله في أسفاري، وتنقلي بين المساجد والمعابد، سأحمل صمته الوقور، وتأمل العين وإبصار الروح وذكريات الطفولة التي لم تخل من لهو ولعب.

من مخيلتي مرة، ومن الصورة التي نشرت على الفيس بوك مرة أخرى.

رحت أدقق في الصورة، نعم إنه مسجدنا الذي لم يصبه التغيير كثيرا، فقد كان كبيرا لقرية صغيرة، وحينما كبرت القرية، ظل متسعا للقادمين إلى الروح.

انتبهت لما كنا نسميها «حجارات الجامع»، وهو جمع في اللهجة الشعبية. كانت تلك الكتل شبه المكعبة، التي لم تعبث بها مقصات الحجر الحديثة، بمثابة ديوان «الختيارية»، أي كبار السن، بعد العصر، قبل صلاة المغرب والعودة إلى البيت، ولعل ليالي الصيف كانت تجمعهم حتى صلاة العشاء، لنأخذ نحن الأطفال راحتنا بعدهم في افتتاح ديواننا كأطفال وفتيان. لكن في معظم أوقات النهار، كنا نجد أنفسنا هناك نجلس أو نقفز، فليس هناك الكثير من الأماكن لنرتادها، على أمل الحصول على قرش أو نصفه، «تعريفة»، لقضم بسكوتة أو التلمظ «بحامض حلو».

لكن عوامل التحديث للأسف أزالت «حجارات الجامع، واستبدلتها بحجارة مكعبة، ثم فيما بعد تم بناء مستند من الباطون، يجلس عليه من تبقى من «ختيارية»، أو من تقدم بالسن، وصار لديه متسع من الوقت للعبادة وقضاء الوقت في الأحاديث المتفرقة، التي تبدأ مما جد من جديد هنا إلى آخر الدنيا.

كانت المساجد أماكن عبادة محببة، فطرية، قبل أن تغزوها مظاهر سياسية أثرت سلبا على ذلك النقاء، حيث فرقت ما كان منسجما، لكن هذا يحتاج إلى حديث آخر.

في كل صلاة فيه، أكنت مقيما أو قادما سفر، أجدني أعود أكثر ما أعود إلى طفولتي المسالمة التي كانت تتلمس أبواب الروح، لعلها ما زالت هناك زمنا وما زالت هنا مكان السلام.

لكل منا مسجده، ولي مسجدي الذي لم أنته منه، تلك اللانهائيات في الداخل، وتلك الأحاديث خارجه على «حجارات» الجامع قديما وعلى المستند الحديث، والتي تشكل قصصا وروايات.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هناك مفاجآت.. «تامر حسني» يروج لـ فيلمه ريستارت

شوق الفنان تامر حسني، جمهوره إلى أجدد أعماله السينمائية الذي يحمل اسم «ريستارت» مشيرا إلى أن العمل يتضمن العديد من المفاجآت.

وشارك تامر حسني جمهوره عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صورة تجمعه مع الفنانة هنا الزاهد من كواليس تصوير فيلم «ريستارت» وعلق قائلا: «استنوا مفاجآت فيلم ريستارت قريبا جدًا جدًا».

ويسجل العمل التعاون الثاني بين الثنائي تامر حسني وهنا الزاهد بعدما قدما معا فيلم «بحبك» الذي تم عرضه في عام 2022، ومن المقرر عرض الفيلم في موسم عيد الفطر المقبل.

أبطال فيلم ري ستارت

ويشارك في بطولة فيلم ريستارت، بجانب تامر حسني وهنا الزاهد، عدد من نجوم الفن أبرزهم: باسم سمرة، ومحمد ثروت، وجاري التعاقد مع باقي أبطاله في الفترة الحالية، والعمل من تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج سارة وفيق.

أحداث فيلم ريستارت

تدور أحداث فيلم ريستارت في إطار من الكوميديا والرومانسية، حيث يتناول قصة جديدة بطابع عصري خفيف، يجمع بين المشاعر والضحك والمواقف المفاجئة، ما يجعله مناسبًا لكل أفراد العائلة.

آخر أعمال تامر حسني الفنية

وكان فيلم «تاج»، آخر أعمال تامر حسني الفنية، وحقق العمل نجاح فني وجماهير كبير خلال فترة عرضه بدور العرض السينمائي.

دارت أحداث فيلم «تاج» في نطاق يحمل مزيجًا بين الأكشن والتشويق والخيال، من خلال شخصية «تاج» الذي يظهر بشخصية سوبر هيرو يقوم بدوره تامر حسني، ويعاني من مشاكل كثيرة بسبب شقيقه التوأم هارون الذي يمتلك قوى خارقة أيضًا ولكن يستخدمها في الشر وإيذاء البشر.

أبطال فيلم تاج

فيلم «تاج» بطولة: تامر حسني، دينا الشربيني، ساندي، عمرو عبد الجليل، شيرين، وهالة فاخر، قصة تامر حسني، إخراج سارة وفيق.

اقرأ أيضاً«أسد».. محمد رمضان يشوق الجمهور لـ أجدد أفلامه

أنغام تستعد لإحياء أولى حفلاتها في بريطانيا

مقالات مشابهة

  • موريتانيا ترغب في استفادة أكبر من التجربة المغربية في مجال التكوين المهني
  • هناك مفاجآت.. «تامر حسني» يروج لـ فيلمه ريستارت
  • حين يُهمل القلب مسؤولية الروح
  • منها قصور القلب.. استشاري: «سمنة البطن» تزيد خطر حدوث 5 عوامل
  • في ذكرى ميلاد الشيخ عبد الحليم محمود.. الأوقاف عالم رباني، وقائد وطني
  • وزيرة البيئة: التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا عوامل مُمكّنة وحاسمة للعمل المناخي
  • هل هناك زيادة قريبة على الحد الأدنى للأجور في تركيا؟
  • حالة من عدم الثقة وتردد في مواصلة القتال.. تآكل الروح المعنوية لدى جنود الاحتلال
  • 3 عوامل دفعت ترامب لاتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين
  • مستشار السوداني لشفق نيوز: ثلاثة عوامل وراء انخفاض الدولار في العراق