الإسكندرية- دبت الحياة مرة أخرى في شارع النبي دانيال التاريخي أحد أقدم وأهم شوارع مدينة الإسكندرية شمال مصر عبر عملية تطوير جديدة، بشكل يليق بتاريخه ومكانته الحضارية ليعود مجددا مركزا لجذب المبدعين والسياح.

حيث ينفرد الشارع العريق الذي يعد محرابا للثقافة بالإسكندرية ومقصدا للباحثين والطلاب والمثقفين وعشاق اقتناء الكتب القديمة والنادرة بمكتبات بيع الكتب المستعملة والجديدة إلى جانب المجلات والروايات العربية والأجنبية والمترجمة وغيرها من كنوز المعرفة.

كما يعتبر بمثابة مجمع للأديان السماوية الثلاثة بتجاور المعابد والكنائس والمساجد فيه بانسجام، ولاحتوائه مزارات أثرية من حقب تاريخية متعددة، ففي بدايته يوجد مسجد النبي دانيال، وبعده الكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا، وقبل نهايته معبد الجالية اليهودية.

ورغم مرور الزمن وتعاقب الحقب واحتفاظ هذا الشارع بتراثه الحضاري العريق، فإن الإهمال أودى به في العقود الأخيرة، وتحول إلى سوق عشوائي مفتوح.

وبحسب تصريحات صحفية لمحمد الشريف محافظ الإسكندرية، فقد أكد أن أعمال التطوير شملت ترميم ودهان جميع المباني الموجودة ضمن خطة لإعادة إحياء المناطق والشوارع والميادين التراثية والتاريخية ووضعها على خريطة السياحة العالمية وبما يتناسب مع الهوية البصرية للمكان إلى جانب إقامة سوق للكتب ليتحول الشارع إلى ممشى تراثي بتكلفة تقدر بـ103 ملايين جنيه.

رونق الشارع وتاريخ الإسكندرية

في البداية يقول محمد محسن الباحث والكاتب الإسكندري إنه دائم التردد على شارع النبي دانيال بوسط المدينة ولأول مرة ينال الشارع التاريخي الاهتمام والتطوير أخيرا بعد أن عانى في الفترة الأخيرة من مشكلة ازدحام السير والعشوائية، بسبب انتشار الباعة الجائلين وتعدياتهم على الرصيف والممرات المخصصة للمشاة، وأضاف الباحث "تحول تدريجيا إلى سوق مفتوح غير منظم يباع فيه كل شيء بدءا من الكتب المستعملة التي اشتهر بها، إلى ملابس وأغراض منزلية ومستلزمات بلاستيكية، مع تراكم النفايات الناتجة عن هذه الأنشطة غير المنظمة".

وأشار في حديثه لـ"الجزيرة نت إلى أن تلك التجديدات التي نفذتها محافظة الإسكندرية أعادت إلى الشارع رونقه وجمالياته، وتحول إلى تحفة معمارية جديدة تزين الإسكندرية بعد إنشاء ممشى تراثي يسير فيه المواطنون بأريحية دون مرور السيارات، وتم إعادة ترميم ودهان الواجهات الخاصة بالعمارات والمباني المحيطة به لإبراز الزخارف المعمارية، كما هو الحال في أحد شوارع أوربا.

مكتبات الكتب القديمة والمستعملة بشارع النبي دانيال (الجزيرة)

ومن جانبه، يقول أحمد عبد الفتاح، الخبير الأثري، المشرف العام على متاحف ومواقع الإسكندرية الأثرية الأسبق "يتمتع شارع النبي دانيال بأهمية كبير، نظرا لأنه أحد أقدم الشوارع في مدينة الإسكندرية حيث يعود تاريخ إنشائه إلى عام 331 قبل الميلاد، عندما أمر الإسكندر الأكبر بتخطيط المدينة على يد المهندس دينوقراطيس، واكتسب أهميته التاريخية بوجوده في منطقة كوم الدكة التي تضم آثارا رومانية قيمة من حمامات ومسرح يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلاد".

وأضاف "عبد الفتاح" رغم مرور الزمن وتعاقب الحقب، بقي هذا الشارع يحتفظ بتراثه الحضاري العريق، منذ تأسيس المدينة على يد الإسكندر الأكبر، ولا تزال حجارة مبانيه القديمة تشهد على عراقة تاريخ يمتد لأكثر من 23 قرنا من التنوع الثقافي والحضاري حيث كان أحد شارعين رئيسيين في المدينة القديمة آنذاك.

شارع "النبي دانيال" بالإسكندرية بعد التطوير (الجزيرة)

وأشار إلى أن الشارع يحمل في طياته تاريخ الإسكندرية القديم والحديث، ويضم العديد من المباني التراثية من مباني القرن الـ19، وكذلك منشآت تاريخية مميزة مثل مباني طائفة الفرنسيسكان، التي كانت تقطن المدينة في السابق، وتحتوي أيضا على مبانٍ من العصر الروماني.

مبانٍ عريقة

وتابع: من بين المباني التاريخية الرائعة في الشارع، يوجد مبنى المعهد الفرنسي، الذي يعتبر أحد أروع المباني القديمة، وهو عبارة عن تحفة معمارية تأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن، وتعيده إلى أصالة وعراقة الماضي، وتحديدا إلى القرن الـ18، وعهد محمد علي.

قراء وزوار يتجولون بشارع النبي دانيال بالإسكندرية (الجزيرة)

كما يحتوي على عمارة حديثة مثل قصر "أجيون"، والذي يعود تاريخ بنائه إلى الفترة بين عامي 1885 و1887، وهو مسجل كمبنى أثري في مجلد حماية التراث بالمدينة منذ عام 2008، ويتم حاليا استخدامه من قبل صحيفة الأهرام العريقة.

عمارة اجيون بشارع النبي دانيال (الجزيرة)

من جانبه، رحب مجدي محمود -صاحب مكتبة "الحُسين" في شارع النبي دانيال- بأعمال التطوير التي تمت بالشارع ليس فقط المنظر الجمالي فقط وإنما بما ستسهم في حركة بيع الكتب بعد تقنين أوضاعهم والحفاظ على مهنتهم التي عاشوا عليها منذ زمن طويل.

مجدي محمود (الجزيرة)

 وأضاف في حديثه لـ"الجزيرة نت": جُدِّد الشارع على الطراز الأوروبي، مما أدى إلى توفير مساحة للمارة وإبراز أهميته التاريخية، ومن المؤكد أن هذه التجديدات ستسهم في جذب مزيد من السياح إلى هذا المكان، ويمكن للزوار استكشاف هذه المكتبات واكتشاف كتب نادرة ومفيدة، مما يسهم في إثراء معرفتهم وتوسيع آفاقهم الثقافية.

أما علي التركي -صاحب مكتبة الثقافة- فيقول: يلقب الشارع بـ"معبد الكتاب"، وذلك لكونه وجهة مهمة لعشاق القراءة والمثقفين، وتتوفر فيه مكتبات تضم مجموعات هائلة من الكتب في مختلف المجالات، بدءا من الأدب الكلاسيكي وصولا إلى العلوم والتاريخ والفلسفة.

علي التركي (الجزيرة)

وأضاف البائع "كما يجذب الشارع العديد من المثقفين والكتاب والطلاب الجامعيين، والذين يسعون للتعرف على أحدث الإصدارات الأدبية والفكرية من خلال التخصص في بيع الكتب المستعملة، مما يعزز الاستدامة، ويتيح للناس الوصول إلى الموارد الثقافية بأسعار معقولة".

أما الشاعر الإسكندري جابر بسيوني -أمين صندوق اتحاد كتاب مصر- فأشاد خلال حديثه لـ"الجزيرة نت" بجهود رفع كفاءة شارع النبي دانيال، مطالبا بتوسيع هذه التطويرات لتشمل الشوارع التاريخية والرمزية الأخرى، مؤكدا أن الشارع اكتسب صبغة ثقافية، وارتبط في ذاكرة الإسكندريين بكونه مركزا للكتب، حيث يلجأ إليه المثقفون للبحث والاقتناء كمركز إشعاع ثقافي وحضاري.

جابر بسيوني (الجزيرة)

وطالب أمين صندوق اتحاد كتاب مصر بحماية هويات بائعي الكتب بشكلهم الجديد، مع تحسين الواجهة البصرية، مع الاحتفاظ بدورهم التاريخي في الثقافة، داعيا إلى وضع لافتات عن تاريخ الشارع ومحتواه الأثري بهدف إثراء الزوار، وبخاصة أن المدينة بأكملها تفتقر للأماكن الثقافية بنسبة كبيرة، رغم مكانتها التاريخية كعاصمة حضارية في العالم القديم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات شارع النبی دانیال

إقرأ أيضاً:

مذكرة أدبية ١٣٩٨هـ سيارة أبي

حين تتفتح عيناك صباحاً وأنت في يراع الطفولة تجد اشراق الصباح أكثر وضوحاً ونسماتهُ أرق شفافية والانطلاقة للحياة شغف عميق..

كان يوم مميز في حياتي الطفولية ، فاليوم سنمتلك سيارة ونجرب الصعود بها كما وعدنا أبي ، لأول مرة في حياتي أصعد سيارة ..؟
كيف سيكون الشعور والانطباع..؟

لن يكون سوى الفرح والمغامرة لطفلة الخامسة ، كان ذلك عام ١٣٩٨هـ ١٩٧٨م على حدود العاشرة صباحاً أنا وأخوتي نقف على حافة الشارع بانتظار الوالد ، يلفحنا لهيب شمس الصيف الحارقة ، لا نكترث فلهيب الشوق بانتظار الوالد حجب حرارة الشمس..

جاءنا أبي الحبيب بسيارة بيضاء اللون ، وبما أنني صغيرة بالسن لم أعرف نوعها ، ولكن سمعت أخي الأكبر يقول أنها بيجو ..

وقبل أن يقف بها بشكل كامل هرعنا قفزاً إليها ..

والدي يضحك كعادته ونحن نتلمس أجزاء السيارة ، نريد أن نكتشف كل ما بها في لحظة واحدة..

صُراخنا يعلوا بمجرد أن قام أبي بالسير بها ، أتجهنا لنوافذ السيارة لمشاهدة الشارع والتلويح للمارة..

كنا ننادي كل من بالحي باسمه ملوحين له بأن لدينا سيارة ، إنها سيارة أبي الجديدة ، وهم يبادلوننا الضحك والابتسامة والمباركة..
.
قفزتُ في مقعد أبي أريد قيادتها معهُ ، أحتضنني بلطف و أجلسني بهدوء على جانبه الأيسر ، فكنت كمن أمتلك شيئين ثمينين ، مقود السيارة ونافذة أبي ، أصبحتُ ملكة بين ذراعي أبي ؛ فما الجنّة ؛ غير ذراع أبي..

وعلى صوت جهاز تسجيل السيارة الذي لن أنساه أبداً ؛ فقد أرتبط بتلك اللحظة ومازال مرتبط بأنغام عملاقنا الفنان أبو بكر سالم ( يامسافر على الطايف طريق الهدى ، شوف قلبي من البارح معك ما هدى) ، انطلقنا في أول رحلة بسيارة أبي نجوب شوارع مدينتا الساحلية الرقيقة ، ونحنُ في قمةِ بهجتنا..

مقالات مشابهة

  • مبروكة توجه بإعداد تقرير مفصل عن مكتبة في المدينة القديمة بطرابلس
  • دعاء أوصى به الرسول.. أهم الأدعية التي كان يرددها النبي
  • صور أقمار صناعية لمجمع أصفهان النووي الإيراني بعد تعرضه لأضرار جسيمة
  • الاجتماع الأول لمجمع كهنة إيبارشية البحيرة.. صور
  • استعداداً للعام الدراسي الجديد.. جامعة الإسكندرية تناقش خطة التحول الرقمي و تطوير البنية التحتية خلال فصل الصيف
  • «تعزيز وسطية الإسلام في مواجهة التطرف الفكري» ندوة لمجمع إعلام القليوبية
  • الحكومة: مشروع تطوير الريف المصري «حياة كريمة» يقترب من إتمام مرحلته الأولى
  • البرلمان العربي يدعو لميثاق دولي لتجريم ازدراء الأديان
  • مذكرة أدبية ١٣٩٨هـ سيارة أبي
  • أنشطة توعوية وفنية للأطفال في مشروع "جودة حياة" بالمناطق الجديدة الآمنة