لجريدة عمان:
2025-08-03@03:34:08 GMT

الغرب وسوق «التَصهْيُن» الثقافي

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

لو لم يكن لـ «طوفان الأقصى» من حسنة سوى أنه كشف الوجه القبيح للانحياز الغربي السافر لإسرائيل، وزيف ونفاق التشدقات بحرية التعبير وحقوق الإنسان، لكفاه. آخر سلسلة هذه الانحيازات جاء من باريس؛ «عاصمة النور»، حين قررتْ بشكل مفاجئ إلغاء استضافة مقررة منذ سنتين للشعر الفلسطيني في مهرجان «سوق الشعر».

تتلخص الحكاية في أن الشاعر المغربي الفرانكفوني عبداللطيف اللعبي؛ الذي هو ممثّل الشعراء الفلسطينيين في فرنسا، باعتباره أول من ترجم الشعر الفلسطيني إلى الفرنسية في مختارات وكتب، بدءا من عام 1970م، تلقى رسالة رسمية في الثلاثين من مايو الماضي (2024م) موقعة من رئيس مهرجان «سوق الشعر» في فرنسا إيف بودييه ومديره العام فنسان جيمانو بونس، يعلمانه فيها بإلغاء قرار استضافة الشعر الفلسطيني في المهرجان السنة المقبلة، بعد نحو ثلاث سنوات من إبلاغهم إياه (في رسالة رسمية مؤرخة في 20 يوليو 2022م،) باختيار الشعر الفلسطيني ضيف شرف لدورة عام 2025م، وأنهم سيعتمدون المختارات الشعرية التي أنجزها وترجمها إلى الفرنسية، وصدرت ذلك العام (2022م) في سلسلة بوان» المهمة لدى دار سوي.

ولكن لماذا الإلغاء يا تُرى؟! لأن «الوضع المأساوي الراهن» لم يعد يسمح للمهرجان بمواصلة هذا المشروع، فــ «سوق الشعر سيتحول حينئذ إلى منتدى سياسي لا شعري» على حد تعبير الرسالة الموجّهة للّعبي.

نستطيع إضافة هذه الحادثة إلى إلغاءات أخرى كثيرة لكل ما هو فلسطيني أو له علاقة بفلسطين منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي، فعلى سبيل الأمثلة لا الحصر، تابعنا جميعًا بعد أيام من «الطوفان» حادثة إلغاء حفل منح جائزة «ليبراتور» للروائية الفلسطينية عدنية شبلي في معرض فرانكفورت للكتاب، وذلك «لجعل الأصوات اليهودية والإسرائيلية مرئية بشكل خاص في المعرض» كما جاء في بيان الإلغاء، هكذا بكل صفاقة! وفي الشهر نفسه ألغت جامعة بوتسدام الألمانية كلمة للمخرجة الفلسطينية إميلي جاسر، هي جزء من ورشة عمل كان مفترضًا أن تشارك فيها هناك. وفي العاشر من ديسمبر الماضي لم يكتفِ موقع Novinky.cz التشيكي بحذف حوار كان قد أجراه مع الفنانة الفلسطينية يارا أبو عطايا بعد ساعتين فقط من نشره، بل زاد على ذلك أنْ طَرَدَ المحررة التي أجرت المقابلة معها! وبعدها بشهر (أي في يناير 2024م) ألغت جامعة إنديانا الأمريكية معرضًا فنيًّا للفنانة الفلسطينية سامية حلبي كان مقررًا منذ ثلاث سنوات، وكان سبب الإلغاء منشوراتها في إنستجرام المتضامنة مع فلسطين! وهذا ليس مجرد استنتاج، بل هو ما أكده مدير الجامعة لسامية حلبي حين سألته عن سبب الإلغاء!

لم يكن التضييق حكرًا على الفلسطينيين فقط، فقد كان موجّهًا ضد كل من يُبدي أي تعاطف مع القضية الفلسطينية من ذوي الضمائر الحية، سواء كانوا من الغرب أو من الشرق. فبعد أقل من عشرين يوما على طوفان الأقصى، طُرد رئيس تحرير مجلة «آرت فوروم» الأمريكية ديفيد فيلاسكو من منصبه لنشره رسالة تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وتحرير فلسطين، وهي رسالة كتبتها منظمة «فنّانون من أجل فلسطين» ووقعها نحو ثمانية آلاف من الفنانين المشهورين وأمناء المعارض وأعضاء من الوسط الفنّي الغربي. وفي نوفمبر الماضي، ألغت صالة عرض ليسون في لندن معرضًا مدرجًا في أجندة فعالياتها للفنان الصيني آي ويوي، بعد تغريدة له انتقد فيها الدعم الأمريكي لإسرائيل.

وفي ألمانيا ألغى متحف سارلاند في نوفمبر الماضي معرضًا فرديًّا للفنانة (اليهودية) الجنوب أفريقية كانديس بريتز كان مبرمجا في عام 2024م، بعدما نشرت تدوينة على حسابها في «إنستجرام» قالت فيها إنه «ينبغي دعم النضال الفلسطيني من أجل الحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية، بما في ذلك التحرر من عقود من القمع». وفي ألمانيا أيضًا أُجبِرتْ مؤسسة «عيون» الثقافية، ومقرها برلين، على الإغلاق بعد سحب تمويلها عقابًا لها على استضافتها فعالية لمنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام»، وهي منظمة يقودها يهود، تتعاطف مع القضية الفلسطينية وتنتقد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

يُلخّص كل هذه الأسباب الواهية وغير المقنعة لهذه الإلغاءات والتضييقات على كل ما هو فلسطيني عبارة قالها عبداللطيف اللعبي في رسالته الغاضبة لمهرجان «سوق الشعر» ردًّا على رسالته المُبلغة بإلغاء المشاركة الفلسطينية في المهرجان: «أعتقد أن الأسباب التي قدمتموها لتبرير مثل هذا التغيير في الرأي، هي أسباب متحيزة سياسيًّا، وغير محتملة من الناحية الأخلاقية».

وفي الحقيقة يمكن تسمية هذا المهرجان بصورته المنحازة هذه: «سوق التصهين» لا «سوق الشعر». وذات يوم ليس ببعيد، حين يوثِّق مؤرِّخٌ نزيه ما جرى بعد السابع من أكتوبر من انحيازٍ مطلق لإسرائيل، وصمت فاضح على جرائمها، وقمع ممنهج للصوت الفلسطيني وكل من يتعاطف معه، سيُنكِّس هذا الغرب المنافق رأسه خجلًا إذْ يرى صورته القبيحة في المرآة، هذا طبعًا إن تبقى في وجهه شيء من الخجل.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عبدالله عبدالرحمن: بـ«فنجان قهوة» وثقت مسيرة التاريخ الثقافي في الإمارات

هزاع أبوالريش

يقدم كتاب «الإمارات في ذاكرة أبنائها» للمؤلف عبدالله عبدالرحمن، والصادر عن مبادرة إصدارات دار الكتب الوطنية من دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي، قصة توثيقية وسردية توّثق مسيرة انطلقت منذ عام 1984 بطابع صحفي، راصداً الذاكرة الشعبية، والروايات الشفهية، ومظاهر التراث، والمأثورات، والملامح الثقافية، وخصوصيات ماضي فعاليات الحياة الثقافية الاجتماعية والاقتصادية في البر والبحر والجبل.
وينقل الكتاب بين دفتيه تفاصيل مشاعر الآباء والأمهات والأجداد كونهم نبض الحياة في صياغة الكلمات، وهذا ما جعل العنوان «الإمارات في ذاكرة أبنائها»، يضم سلسلة من عدة أجزاء وليدة حفاوة الذكريات والكرم ولقاء الأجيال على فنجان قهوة وصحن تمر، وكانت الحصيلة القيمة هي هذا العمل الأدبي الإبداعي الذي استقصى وجدانية صانعي التاريخ والتراث الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للإمارات خلال الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.
ويعد الكتاب توثيقاً مهماً للتراث الشعبي، مفسراً ومسلطاً الضوء على جانب من الحياة الثقافية.
وضمن هذا السياق، يقول الكاتب عبدالله عبدالرحمن لـ «الاتحاد»: «كتاب الإمارات في ذاكرة أبنائها» عبارة عن سلسلة من عدة أجزاء، تجلّت من هذه الأعمال والمخطوطات المنجزة بكل عشق وإخلاص ووفاء وبكثير من التضحيات والعمل والرحلات الميدانية في رحاب الوطن والغوص في أعماق الإنسان، مشاريع كانت وما زالت قابلة للاستكمال والاستئناف تحت لوحة فنية إبداعية تشكلت على «فنجان قهوة». وما قدمته في هذه السلسلة الكبيرة والغنية بصفحاتها المليئة بالفصول والتفاصيل من مأثورات لها دلالتها وأهميتها؛ كونها حبل الوصل المتين بين الماضي والحاضر والمستقبل، والدرع الحصينة للرؤية الثقافية والرؤى الوطنية المُلهمة لمثل هذه الأعمال التي ترسخ قيمة المكان، وثيمة فكر أبنائه وطموحاتهم وأحلامهم وجهودهم المبذولة في صياغة مشهد الحياة ما بين الإرث والموروث، فإن جمع وتوثيق الروايات الشفهية والذاكرة الشعبية كان وما زال وسيبقى أحد أهم المهام الوطنية الكبرى لتوفير المصادر الأساسية المعينة للباحثين على الفهم العلمي والثقافي والاجتماعي الأمثل والأشمل وعلى التنقيح التاريخي الأكثر دقة، لكونها الروح الحيوية النابضة للهوية الحضارية وخصوصيات الشخصية الوطنية للمجتمع».

ذاكرة الآباء والأجداد 
ويتابع: جاء في الجزء الثاني من «فنجان قوة، الإمارات في ذاكرة أبنائها.. الحياة الاقتصادية»، سعيت من خلاله إلى حفظ كنوز ذاكرة الآباء والأجداد، وعلومهم ومعارفهم وخبراتهم وأعرافهم وثقافتهم، في سجلات التاريخ المعاصر لخدمة مشاريع التنمية والثقافة الوطنية، ولصالح المحاولات البحثية الجادة لإعادة كتابة التاريخ ودراسة التراث والمأثورات الشعبية العريقة للدولة، فالروايات والذاكرة الشعبية الموثقة منها وتلك التي بانتظار الجمع قبل رحيل الباقين من حملتها، هي البديل المتاح في غياب الكتابات والمخطوطات التاريخية والتراثية المحلية والاعتماد البحثي والمرجعي القائم على كتابات الرحالة والمستشرقين وتقارير المبعوثين الأجانب التي يصعب تحقيقها دون مصادر الرواية»، مؤكداً أن الكتاب الذي يقع في أربعة أجزاء، عبارة عن 240 مقابلة صحفية مع المعمرين من الأجداد والآباء من الجنسين، من مختلف المناطق بالدولة، وخاصة الجبال والجزر، وأن هذه المقابلات نشرت في حينها بالصفحة الأخيرة من صحيفة «الاتحاد» تحت عنوان: «فنجان قهوة»، ولذلك فإن طابعها صحفي بحت، كما أن الدافع لها صحفي أيضاً. 
ويضيف: «استطعت من خلال الكتاب بكل أجزائه تجميع العديد من الحكايات والمعلومات التاريخية عن الدولة والتفاصيل الدقيقة عن أوجه الحياة فيها قبل النفط، وهي تشكل في مجموعها مادة للباحث والدارس في شكل قالب صحفي». مختتماً: الموضوعات تناولت تفاصيل الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وذكر أسماء العديد من رجالات العلم والشعر والأدب والدين والقضاء والتاريخ والسياسة من الأحياء والأموات، أمثال: عمران العويس، خلف العتيبة، عبدالرحمن بن حافظ، الشيخ البغدادي، علي بن محمد المحمود، راشد بن لوتاه،..إلخ، فبعض هذه الشخصيات التاريخية التي لعبت دوراً بارزاً في التاريخ الثقافي للدولة، تمتلك العديد من الكتب والمكتبات الخاصة وصناديق المخطوطات القديمة والنادرة.

تجربة ومساهمات 
يذكر أن عبدالله عبدالرحمن، صحفي وباحث، ولد في إمارة رأس الخيمة عام 1957، تنوّعت خبراته ومسيرته بين الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وله مسيرة إبداعية مُلهمة في مجال الأبحاث الميدانية والتوثيقية، بالإضافة إلى أنه حائز على العديد من الجوائز، مساهماً في رصد وجمع وتوثيق التراث الشفهي والثقافة الشعبية وذاكرة المكان والتراث الحضاري والتاريخ المبكر للإمارات.

أخبار ذات صلة «صيفكم ويانا» تتواصل في الذيد بـ«المهارة والمتعة» الشعر والعلامات المكانية في «الحيرة من الشارقة»

مقالات مشابهة

  • لجنة المسابقات: ننتظر حُكم «كاس» بشأن لقب دوري الموسم الماضي
  • عبدالله عبدالرحمن: بـ«فنجان قهوة» وثقت مسيرة التاريخ الثقافي في الإمارات
  • وزير الثقافة يكرم مسؤول القطاع الثقافي بذمار
  • طلبات البطالة ترتفع.. وسوق العمل الأميركي يتمسك بتوازنه
  • السفير الفلسطيني: لن تنجح محاولات تشويه دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية
  • الخارجية الفلسطينية تدين تحريض الاحتلال على الشعب الفلسطيني
  • وزير الإعلام الفلسطيني: مصر هي قلب الأمة العربية والحاضنة للقضية الفلسطينية
  • حرائق الغابات.. إخماد في بجاية وجهود مستمرة في البويرة وسوق أهراس
  • ختام مسابقة الأندية للإبداع الثقافي بمحافظة ظفار
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: نشيد بموقف مصر التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية