على هامش الحكم القضائي حول مسودة الدستور الليبي
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة الزاوية، 40 كم غرب العاصمة الليبية، حكما بإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المقر من قبل هيئة وضع الدستور العام 2017م. وأعاد هذا الحكم الجدل حول الدستور والمسودة المعتمدة من قبل الهيئة المنتخبة، فالمسودة أُقرت بعدد 43 عضوا من أصل 44 حضروا جلسة التصويت، وتمت إحالتها لمجلس النواب بكتاب رسمي من قبل الهيئة، وكان من المفترض أن يصدر قانونا للاستفتاء على المسودة بالشراكة مع المجلس الأعلى للدولة، إلا إنه لم يفعل، فتاهت المسودة في دهاليز الخلاف بين الجسمين.
وتثير هذه القضية مسألتين جوهريتين تتعلقان باستحقاقات الانتقال أو التحول الديمقراطي في ليبيا واشتراطاته، الأولى هي التعطيل المتعمد والتعسفي للمسار الديمقراطي الذي رسم ملامحه الإعلان الدستوري الصادر في آب/ أغسطس 2011م، والتعديلات عليه، والتجاهل المقصود لإرادة الشعب الذي انتخب هيئة لوضع الدستور فتم منع الاستفتاء عليه، وقاد المسار السياسي المتحكم فيه من قبل قلة قليلة إلى الانحراف كليا عن التحول الديمقراطي من خلال رهن إرادة الشعب لخيارات ومصالح الطبقة السياسية المستبدة.
التعطيل المتعمد والتعسفي للمسار الديمقراطي الذي رسم ملامحه الإعلان الدستوري الصادر في آب/ أغسطس 2011م، والتعديلات عليه، والتجاهل المقصود لإرادة الشعب الذي انتخب هيئة لوضع الدستور فتم منع الاستفتاء عليه، وقاد المسار السياسي المتحكم فيه من قبل قلة قليلة إلى الانحراف كليا عن التحول الديمقراطي
الثانية هي ضرب عرض الحائط بأحكام القضاء، فحكم محكمة الزاوية الابتدائية لم يكن الأول بهذا الخصوص، وصدرت أحكام عديدة عن مستويات مختلفة من السلم القضائي (محاكم ابتدائية، واستئناف، والمحكمة العليا)، فكان خيار الطبقة السياسية المتنفذة في المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية وغيرهما من المؤسسات السيادية إدارة الظهر للقضاء وأحكامه.
وللتمثيل فقط، فإن ما يزيد عن عشر دوائر قضائية عاينت قرار مجلس النواب بخصوص فرض ضريبة على بيع العملات الأجنبية بنسبة 27 في المائة، بعضها صدرت أحكامها ببطلان قرار مجلس النواب، والأخرى تسير في نفس الاتجاه، فلا مجلس النواب ألقى بالا لها، ولا المصرف المركزي راجع نفسه بالخصوص، وما اطلعت عليه بعض المصادر أن المركزي ماض في تنفيذ قرار مجلس النواب إلى أجله المقرر وهو مطلع العام 2025م.
وإذا نظرت إلى معوقات التحول الديمقراطي الذي رغب قطاع واسع من الليبيين الدخول فيه العام 2011م، ستجد أن في مقدمة هذه المعوقات النخبة، وأكررها للمرة المائة: ارجعوا إلى الأزمات التي واجهت المسار الانتقالي منذ إطلاقه العام 2011م، ستجدون أنها أزمات مفتعلة؛ قادها مبرزون على مستويات عدة، أكاديميون وتكنوقراط وأعيان.. الخ.
تصحيح المسار يحتاج إلى هزة وإلى ضغوط مرجعها وعي لدى مكونات فاعلة ونشطة في المجتمع، فقد ثبت أن الطبقة السياسية تتراجع أمام الصوت المرتفع والحراك الواسع، وهذا يستلزم إعادة تنظيم مكونات المجتمع
قد يكون تعثر المسار السياسي لبرهة مقبولا ويمكن تفهَّمه إذا وقع بين من يشهد لهم الجميع بالصدق والإخلاص والحكمة والنزاهة، فقد وقع الخلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليهم وسلم، وقد شهد لهم الوحي ورضي عنه الخالق عز وجل، غير أن نزاع "خاصتنا" نادر الصدق والإخلاص، ومن الصعب أن تجد النزاهة له طريقا، وإذا توفر قدر منها فإن غياب الحكمة كفيل بتضييع ثمرة العمل الوطني الخالص.
تقييم من تناوبوا على إدارة الوساطة بين الفرقاء الليبيين انتهى إلى أن معضلة ليبيا تكمن في الطبقة السياسية المتنفذة التي تغلِّب مصلحتها على مصلحة الوطن، لهذا فإن بداية تصحيح المسار الانتقالي والعودة إلى جادة التحول الديمقراطي تكون من خلال تصدر من يغلبون مصلحة ليبيا على مصالحهم، ويقودهم الوعي باشتراطات الانتقال الصحيح، وينزلون عند استحقاقاته ولو كانت على حسابهم الشخصي أو حساب الفئة التي ينتسبون لها.
تصحيح المسار يحتاج إلى هزة وإلى ضغوط مرجعها وعي لدى مكونات فاعلة ونشطة في المجتمع، فقد ثبت أن الطبقة السياسية تتراجع أمام الصوت المرتفع والحراك الواسع، وهذا يستلزم إعادة تنظيم مكونات المجتمع، ليس بالضروري تنظيما مستقرا، فالحاجة اليوم ملحة إلى واجهات ومظلات مؤقتة للتعبئة يكون هدفها تحريك المسار الراكد واستكمال الضروري من اشتراطات التحول الديمقراطي، وفي المقدمة منها الدستور.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدستور ليبيا ليبيا الدستور الديمقراطية صراعات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التحول الدیمقراطی الطبقة السیاسیة مجلس النواب من قبل
إقرأ أيضاً:
برلمان السلفادور يعدل الدستور ليسمح للرئيس أبو كيلة بالترشح إلى ما لا نهاية
أقرّ البرلمان السلفادوري الذي يتمتع فيه أنصار الرئيس نجيب أبو كيلة بأغلبية ساحقة تعديلا دستوريا يلغي العدد الأقصى للفترات الرئاسية المسموح بها ويتيح تاليا لهذا الحليف للرئيس الأميركي دونالد ترامب الترشح إلى ما لا نهاية وتمديد مدة الرئاسة إلى 6 سنوات.
وبأغلبية 57 نائبا مقابل 3، صادق البرلمان أمس الخميس على هذا التعديل الذي تم إقراره بموجب إجراء مُعجّل والذي ينص أيضا على إلغاء الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية وتمديد ولاية الرئيس من 5 سنوات حاليا إلى 6 سنوات.
ويتألف البرلمان من 60 نائبا هم 57 نائبا مواليا لأبو كيلة، وقد صوّتوا جميعا لصالح التعديل، و3 نواب معارضين فقط صوّتوا ضد النص.
وتنتهي ولاية أبو كيلة في 2029، لكن التعديل الذي تم إقراره أمس ينص على تقصيرها إلى 2027 والسماح له بعد ذلك بالترشح مجددا "دون أي تحفظات".
ويأتي التعديل الدستوري أمس بعد موجة قمع طالت معارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان وأجبرت عشرات الصحفيين والناشطين على الفرار من البلاد.
وكانت النائبة آنا فيغيروا، من حزب "الأفكار الجديدة" قد اقترحت التغييرات على 5 مواد من الدستور. وتضمن الاقتراح أيضا إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات التي يتواجه فيها الفائزان الحاصلان على أعلى الأصوات من الجولة الأولى.
واعتبرت آنا فيغيروا إقرار اقتراحها خطوة "تاريخية" لأن الأمر حسب تعبيرها "في غاية البساطة" وخاطبت "أيها السلفادوريون، أنتم وحدكم من يقرر إلى متى ستدعمون رئيسكم".
في المقابل، قالت النائبة المعارضة مارسيلا فيلاتورو خلال جلسة مناقشة النص "اليوم ماتت الديمقراطية في السلفادور لقد خلعوا أقنعتهم"، منددة بمشروع تعديل دستوري مفاجئ عُرض أمام النواب في مستهل عطلة صيفية تستمر أسبوعا في البلاد بأسرها.
وفي يونيو/حزيران عام 2024، فاز أبو كيلة بولاية ثانية بعد حصوله على 85% من الأصوات في انتخابات لم يتمكن من الترشح إليها إلا بعد أن حصل على إذن خاص من المحكمة العليا التي يهيمن عليها قضاة اختارهم حزبه في عام 2021 بالسماح بإعادة انتخابه لولاية ثانية مدتها 5 سنوات.
إعلانويتمتّع أبو كيلة (44 عاما) بشعبية جارفة بفضل الحرب الشرسة التي شنها على العصابات وأدّت إلى انخفاض العنف في البلاد إلى مستويات تاريخية.
وتمكن أبو كيلة من قمع العصابات بفضل نظام استثنائي سمح بتنفيذ اعتقالات دون أوامر قضائية وأدى ذلك إلى سجن عشرات آلاف الأشخاص.