ألقى الدكتور محمود الهواري الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر بعنوان: «الحج ووحدة الأمة».

خطيب الجامع الأزهر: الحضارة الإسلامية حوربت من خلال تشكيك المسلمين في تراثهم العريق

وقال خطيب الجامع الأزهر، إنه لا ريب أن كثيرا من المسلمين تتحرك قلوبهم في هذه الأيام المباركة شوقًا لأداء هذه الطاعة العظيمة، وطمعًا في تحقيق هذا النُسك الجليل، ومحبة لرؤية بيت الله العتيق، فمنا من كتب الله له الزيارة، فهو يطوف ويلبي، ومنا من يطوف بقلبه، وإن لم يتجاوز المكان بجسمه، كما أن رب العالمين قد رتب على عبادة الحج المنافع والفوائد والمنح، ولم يقع هذا الترتيب الإلهي منذ سنة ولا منذ مائة سنةٍ ولا منذ ألف سنة، وإنما رتب الله الكريم منحه وعطاياه لمن زار البيت الحرام منذ أن أذن لخليله إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج، فقال له: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ».

ومنافع الحج لا تحصى، وفوائده لا تستقصى، وعبره ودروسه المستفادة منه لا يحاط بها.

أضاف الهواري أن موسم الحج يذكرنا بوصف قرآني وصف الله تعالى به أمة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون».

من مظاهر الوحدة في موسم الحج التذكير السنوي بمعنى الأمة

وأوضح الأمين المساعد أن من مظاهر الوحدة في موسم الحج ذلكم التذكير السنوي بمعنى الأمة، فهذه الألسنة واللغات، والألوان والصفات، والأفكار والعادات، كل هذا التنوع لم يبق له أثر مع هذه العبادة، فالحج مناقض للتقسيمات، يجمع الأمة ويعيد ربطها بمصادر عزها، حيث يجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول هذا البيت العتيق، الذي يتجهون إليه كل يوم خمس مرات، البيت الذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم في صلواتهم في بلادهم المترامية، ها هم الآن يجتمعون حوله، وقد خلعوا ملابسهم، وتجردوا معها من عاداتهم، وأفكارهم، واحتكموا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أين الأمير من المأمور؟!أين الغني من الفقير؟! أين الكبير من الصغير؟!، ثم أجاب: لا فرق بينهم.. كلهم على حال واحدة متساوون.

وبين الهواري أنّ مظاهر الوحدة في موسم الحج متعددة وكثيرة، منها: وحدة الزمان والمكان، فالحج له زمان محدد ومكان محدد يؤدى فيه لا يجوز أن يكون في غيره، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: 197)، وقال - صلى الله عليه وسلم – "الحج عرفة"، ووحدة المناسك: فالجميع مطالب بأداء مناسك الحج، من الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار...وكلهم يقومون بنفس الأعمال مما يجسد ويعمق هذه الأخوة والمحبة.وتابع قائلًا: أما وحدة الهدف والغاية والشعور: فالجميع قد جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه، رافعين أكف الضراعة إلى الله - عز وجل-، راغبين في مغفرته طامعين في فضله ورضوانه، ثم  وحدة المنهج ومصدر التلقي: فلا يتحرك الحجيج حركة إلا بما أذن به رب العالمين على لسان نبيه الكريم، فهو صلى الله عليه وسلم الذي رسم لهم المنهج يوم أن حج بهم حجة الوداع وحوله من المسلمين مائة وعشرون ألفا، وأمام هذا الحشد الضخم من الأمة، كانت التوجيهات النبوية والوصية الختامية التي تحتاج البشرية الآن إلى أن تتأمل تفاصيلها.

الدكتور محمود الهواري 

وأشار إلى إن الأمة تملك كل مقومات الوحدة وتملك كل مقومات السيادة وكل مقومات الرقي فما الذي فرق جمعنا وشتت شملنا وجعلنا في مؤخرة القافلة؟!! إننا ينبغي أن نأخذ من الحج دروسا لا تنسى، نجعلها محل تطبيق في حياتنا ومجتمعاتنا ودولنا وعالمنا الإسلامي كله؛ فالقِبلة واحدة، والربُّ واحد، والمشاعر واحدة، واللباس واحد، وكل هذه الأمور تجتمع في هذا الموسم المبارك، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة لتعزيز التآخي، والتعارف بين المسلمين، ومشاطرة الآلام والآمال، والتعاون على مصالح الدين والدنيا.

وتساءل خطيب الجامع الأزهر قائلًا: كيف لا تكون هذه الأمة واحدة، وقد وحد الله عقيدتها وشريعتها، ووحد غايتها، ووحد مناهجها، ومن العجيب أن يكون المقصود الأعظم من الوحي الإلهي أن تكون الأمة واحدة ثم لا تفهم الأمة عن ربها، فتفرق بينها حدود وموانع، فهذه الأمة لم يخرجها ربها لتتقوقع على نفسها، وتعيش في حدودها، ولمنافعها المادية الخاصة، إنما أخرجها "للناس" كل الناس، بيضًا وسودًا، عربًا وعجمًا، فهي أمة "مبعوثة" للعالمين، كما أن كتابها أنزل ذكرًا للعالمين، ونبيها أرسل رحمة للعالمين. 

وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، وأن يكون لديها دائما ما تعطيه. ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح، هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، ومكانتها، ولهذا المكانة تبعاتها، فهو لا يؤخذ ادعاء، ولا يسلم لها به إلا أن تكون هي أهلا له.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الجامع الأزهر الحج الحج ووحدة الأمة الأزهر محمود الهواري البحوث الإسلامية خطیب الجامع الأزهر صلى الله علیه وسلم موسم الحج

إقرأ أيضاً:

أمور يجب فعلها قبل الذهاب للحج .. عضو الأزهر للفتوى يجيب

قال الشيخ الأمير عبد العال، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن هناك أمور ينبغي على الحاج أن يلتزم بها وأن يراعيها قبل الذهاب لأداء فريضة الحج.

للحجاج .. بالأسماء عناوين العيادات المصرية الطبية في مكة والمدينةأخطاء يقع فيها الحاج أثناء أداء المناسك وكيفية تداركها.. الأزهر يوضح

وأضاف الأمير عبد العال، في فيديو لموقع صدى البلد، أنه على رأس هذه الأمور، هو التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ويتوب إلى الله من كل الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها، والندم على ما فات والتوقف عن الذنب والعزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى.

وأشار إلى أن من هذه الآداب رد المظالم إلى أهلها فإن كان عليه مظلمة لأحد فعليه أن يتحلل منها في الدنيا، فيقول النبي (من كانت له مظلمة لأخيه فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار أو درهم)، منوها أن حقوق العباد مبنية على المخاصمة أما حقوق الله فهي مبنية على المسامحة.

وأوضح أن من هذه الأمور التي يجب أن يراعيها من يذهب إلى الحج، أن تكون النفقة الخاصة بالحج من المال الحلال الطيب، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

طباعة شارك أمور يجب فعلها قبل الذهاب للحج الحج التوبة رد المظالم إلى أهلها حقوق العباد الحلال

مقالات مشابهة

  • أمور يجب فعلها قبل الذهاب للحج .. عضو الأزهر للفتوى يجيب
  • حكم الإنابة في الحج لمن تعذر عليه أداء الفريضة.. يسري جبر يجيب
  • وعاظ الأزهر يردون على أسئلة حجاج بيت الله الحرام .. صور
  • الحج بلا تصريح .. خطيب المسجد الحرام: أذية للمسلمين وجناية لترتيبات دقيقة
  • خطيب الجامع الأزهر: لبيك اللهم لبيك نداء يتجاوز حدود المكان والزمان
  • عرفة.. خطيب المسجد الحرام: يوم وفاء بالميثاق الذي أخذه الله على بني آدم
  • خطيب المسجد النبوي: مَنْ عزم على أداء الحج ولم يستطِع نال ثوابه
  • خطيب المسجد الحرام: المملكة بذلت كل وسعها لتسهيل الراحة والأمن والسلامة لحجاج بيت الله
  • حماس: المقترح الأميركي الذي وافق عليه الاحتلال لا يستجيب لمطالبنا
  • حكم الحاج الذي يحلق شعره ناسياً.. اعرف التصرف الشرعي