روسيا: مقترح بوتين للسلام مع أوكرانيا ليس مهلة محددة.. ونحذر من رفضه
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
بعد ساعات من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مقترح سلام جديد بشأن الحرب في أوكرانيا والصراع ضد حلف الناتو قبل ساعات من بدء مؤتمر سويسرا للسلام، والذي دعت إليه كييف منذ أشهر، حذر من رفض دعوته، في إشارة إلى استمرار الحرب وزيادة حدتها.
وحذر «بوتين» من رفض أوكرانيا والغرب مقترحه، قائلًا: «إذا رفضت كييف والغرب اقتراح السلام الجديد، فستكون الظروف الأخرى مختلفة، ومسؤولية إراقة الدماء ستكون على عاتق أوكرانيا والغرب»، مشيرًا إلى أن الاقتراح الجديد سيعيد الوحدة بين الدولتين المتحاربتين وأوروبا على نطاق واسع.
وبعد حديث وسائل الإعلام الأمريكية عن تحديد فلاديمير بوتين للمدة الزمنية بشأن المقترح، قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن المقترح غير محدد زمنيًا، مشيرا إلى أن الوضع على الأرض متغير ويجب على كييف أخذه بالاعتبار.
مقترح فلاديمير بوتينوكشف «بوتين»، عن مقترحه قائلًا إن روسيا ستوقف إطلاق النار وتدخل محادثات السلام إذا تخلت أوكرانيا عن طموحاتها في حلف «الناتو»، وسحبت قواتها من أربع مناطق أوكرانية تطالب بها موسكو، وهي دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريزهيا، بحسب «رويترز».
وأضاف الرئيس الروسي أنه بمجرد إعلان كييف أنهم مستعدون لمثل هذا القرار والبدء في انسحاب حقيقي للقوات من هذه المناطق، وكذلك الإعلان رسميًا عن التخلي عن خططهم للانضمام إلى الناتو، فستعلن موسكو على الفور في الدقيقة نفسها، أمر بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات.
أوكرانيا ترفض مقترح «بوتين»في أعقاب ذلك، قالت أوكرانيا إن السلام لا يمكن أن يقوم إلا على الانسحاب الكامل للقوات الروسية واستعادة سلامة أراضيها، في وقت، تسيطر روسيا على ما يقرب من خمس الأراضي الأوكرانية في السنة الثالثة من الحرب.
الخارجية الأوكرانية: مقترح بوتين خدعةووصفت وزارة الخارجية الأوكرانية مقترح فلاديمير بوتين بأنه «خدعة»، وأن تصريحاته متلاعبة تهدف إلى تضليل المجتمع الدولي، مضيفة: «من العبث أن يقدم بوتين، الذي خطط وأعد ونفذ مع شركائه، أكبر حرب مسلحة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، نفسه على أنه صانع للسلام».
ورفض الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، الشروط، وقال إن الاقتراح يعني في الواقع أن روسيا يجب أن تحقق أهدافها الحربية، من خلال تخلى الأوكرانيون عن مساحة أكبر بكثير مما تمكنت روسيا من السيطرة عليها حتى الآن، وأضاف: «هذا اقتراح لمزيد من الحرب، ويظهر بطريقة ما أن هدف روسيا هو السيطرة على أوكرانيا».
مؤتمر أوكرانيا بغياب جو بايدنويعقد مؤتمر أوكرانيا في سويسرا يومي 15 و16 يونيو الجاري، وقد أكدت حوالي 90 دولة ومنظمة مشاركتها فيه، بينما يغيب الرئيس الأمريكي جو بايدن وتحضر بدلًا منه نائبته كامالا هاريس، كما يغيب الرئيس الصيني شي جين بينج، ولم يتم دعوة روسيا للحضور، كما وصفته بأنه «لا قيمة له».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلاديمير بوتين روسيا أوكرانيا مؤتمر سويسرا الحرب الروسية الأوكرانية فلادیمیر بوتین
إقرأ أيضاً:
بوسع أوروبا وحدها أن تنقذ أوكرانيا من بوتين وترامب .. فهل تفعل؟
ترجمة: أحمد شافعي -
يا أوروبا، لا تقولي يوما إن أحدًا لم ينبهك؛ فالرئيس فلاديمير بوتين يشنّ حربًا شاملة على أوكرانيا منذ قرابة أربعة أعوام، وهدَّد هذا الأسبوع بأن روسيا «متأهبة الآن» لحرب مع أوروبا إذا لزم الأمر. وأظهر الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة متأهبة لبيع أوكرانيا من أجل صفقة قذرة مع روسيا فلاديمير بوتين، وتنص استراتيجية أمنه الوطني الجديدة على «تعزيز مقاومة مسار أوروبا الحالي في إطار الدول الأوروبية». فأي قدر أكبر من الوضوح تريدين؟
الآن علينا نحن أن نمكّن أوكرانيا من النجاة من هجوم موسكو المسلح وخيانة واشنطن الدبلوماسية. وحينما نفعل ذلك، فإننا أيضا ندافع عن أنفسنا. فمنذ عام الآن يقول الناس لي إن ترامب سوف يشتد في نهاية المطاف على روسيا، حتى بات الأمر أشبه بنسخة جيوسياسية من مسرحية «في انتظار جودو». ثم جاء مبعوثوه الشخصيون من المقاولين بـ»خطة سلام» من ثمان وعشرين نقطة، وهي صفقة إمبريالية تجارية بين روسيا وأمريكا على حساب أوكرانيا وأوروبا.
ويلجأ القادة الأوروبيون إلى نهج التعامل الترامبي المألوف، فيهونون من أمر أبشع النقاط من خلال دبلوماسية تغيير المسار من أجل إنتاج نسخة متوقعة تراها روسيا مقبولة. وبرغم أن خطة النقاط الثماني والعشرين لم تدم إلا لأيام قليلة، فينبغي الانكباب على دراستها بوصفها وثيقة تاريخية. إذ إنها تكشف إلى أي مدى يمكن أن ترجع الولايات المتحدة في ظل حكم ترامب إلى سياسات الإمبراطوريات ومجالات النفوذ، معرضة عن الأوروبيين كلهم. ولا بديل الآن عن أن تردد أوروبا كلها الشعار البولندي القديم: (لا شيء يخصنا ويتم بدوننا).
ويتبع ذلك سؤالان. الأول: هل بوسع أوروبا مع البلاد التي تتفق مها في التفكير من قبيل كندا أن تقوي أوكرانيا وتضعف روسيا حتى تنتصر الأولى على الثانية في النهاية؟ والسؤال الثاني: هل تفعل ذلك؟
إجابة السؤال الأول هي أن الأمر سيكون بالغ الصعوبة، ومع ذلك نبقى قادرين عليه.
فلو وافق قادة الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الذي يقام في الثامن عشر من ديسمبر على طريقة لاستعمال الأصول الروسية المجمدة والمحتجزة في بلجيكا، سوف يتسنى ملء الفجوة الواسعة في ميزانية أوكرانيا لسنتين على أقل تقدير. يبلغ حجم اقتصاد أوروبا مجتمعا عشرة أمثال حجم الاقتصاد الروسي، وإنتاج أوروبا الدفاعي يتزايد. وقائمة الضروريات العسكرية التي لا يمكن أن توفرها غير الولايات المتحدة تتناقص، ومنطق سعي ترامب إلى الربح يعني أن أغلب ذلك يمكن شراؤه. وقد اتفقت أخيرا ألمانيا وبولندا وهولندا والنرويج وكندا على شراء أسلحة أمريكية بقيمة مليار دولارمن أجل أوكرانيا.
فلو قام ترامب مرة أخرى بتقليل المعلومات المخابراتية الأمريكية، في محاولة لابتزاز أوكرانيا كي تقبل بسلام قائم على الاستسلام، فسوف تكون تلك لطمة كبيرة، لكن المخابرات الأوكرانية والأوروبية تبقى قادرة على سد بعض الثغرات.
وعلى أوكرانيا نفسها واجبات لا بد أن تقوم بها. ولقد جاء خروج أندري ييرماك ـ وهو الذراع اليمنى للرئيس فولوديمير زيلينسكي ـ بفضيحة فساد كبيرة ليتيح لأوكرانيا فرصة للقيام بإعادة ترتيب كبيرة على المستوى الداخلي، قد تأتي في شكل حكومة وحدة وطنية حقيقية. ويتناقص عدد الجنود الأوكرانيين ذوي الزي الأصفر والأزرق على الجبهة، إذ فتح المحققون منذ فبراير 2022 قرابة ثلاثمئة ألف قضية تتعلق بالغياب بدون إذن وبالفرار من الخدمة، ويصادف المرء الكثير من الرجال الأوكرانيين في سن الخدمة العسكرية خارج البلد.
ولكن لروسيا مشاكلها الخاصة المتزايدة؛ إذ يتردد أنها توسع مقابرها لتتسع لما لا يقل عن مئتين وخمسين ألف قتيل حرب، مع سبعمئة وخمسين ألف مصاب، ويصعب التجنيد الآن حتى على نظام دكتاتوري لديه من السكان عدد أكبر كثيرا مما لدى أوكرانيا.
وقد صمد الاقتصاد بشكل لافت حتى الآن، بفضل دفعة «اقتصاد الحرب» والعلاقات المزدهرة مع الصين والهند (وتأملوا ما شهدناه من لقاء غرامي بين بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هذا الأسبوع في دلهي).
لكن التضخم يرتفع، وأسعار الفائدة تتجاوز 16%، والأهم من ذلك، أن سعر النفط آخذ في الانخفاض. وقد ألحقت الضربات الأوكرانية بعيدة المدى أضرارا بأكثر من ثلث مصافي النفط الروسية. ويمر قرابة 80% من الصادرات النفطية الروسية البحرية عبر مضائق دنماركية في سفن أسطول سري لا تتوافر فيها معايير الأمان والمعايير البيئية الدولية. فبوسع أوروبا أن تبطئ تدفق العائدات من خلال إيقاف هذه السفن وتفتيشها تفتيشا دقيقا.
لو أن أوروبا قادرة على توليد دعم عسكري واقتصادي كاف لأوكرانيا، وتحقيق ضغط اقتصادي على روسيا، ففي مرحلة ما من عام 2026 أو 2027 سوف تتغير البنية التي تحفز بوتين. وسوف يقول له قادته العسكريون «إننا لن نحقق أي تقدم» وسيقول له مصرفه المركزي إن «الاقتصاد يتصدع». وعندئذ يصبح وقف إطلاق النار بطول خط المواجهة الراهن أرجح احتمالا.
ومن الصعب أن نتصور معاهدة سلام رسمية يمكن أن يتفق على توقيعها كل من بوتين وزيلينسكي، ولكن احتمال الاتفاق على هدنة أطول يبقى احتمالا أكثر واقعية.
وحينئذ تواجه أوروبا تحديا أكبر؛ فلن يتحدد الفائز بهذه الحرب في تلك اللحظة التي تصمت فيها البنادق، وإنما في السنوات الخمس إلى العشر التالية.
فلو حدث في عام 2030، أن كانت روسيا تحتل وتضفي بصمتها على أراض أوكرانية تتجاوز مساحتها مساحة البرتغال وسلوفينيا مجتمعتين، وباتت موسكو تتباهى سرا بأن بقية أوكرانيا غير آمنة ومضطربة، ومعنوياتها منخفضة، وخالية من السكان، وخاضعة لنفوذ روسي قوي، فستكون روسيا قد انتصرت.
ولو حدث في 2030 أن كانت أوكرانيا ذات سيادة وأمن وقدرة على ردع أي هجوم روسي في المستقبل، وإذا كان لديها اقتصاد ديناميكي يجذب الاستثمار الأجنبي، ويوفر فرص عمل جيدة للمحاربين السابقين ويقتع الشباب الأوكراني بالرجوع إلى الوطن من الخارج وإذا كان لديها ديمقراطية جيدة إلى حد ما، ومجتمع مدني قوي، وتسير بخطى حثيثة نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فستكون أوكرانيا قد انتصرت.
لكن ذلك سوف يقتضي جهدا مستمرا وكبيرا من أوروبا، وكذلك من الأوكرانيين أنفسهم.
نعم، أوروبا قادرة على ذلك. ولكن هل تفعل؟ بوسعي أن أقدم لكم قائمة طويلة من الأسباب التي قد تمنعها من ذلك.
استمرار حضور أسطورة روسيا التي لا تقهر، العجز المكتسب بعد ثمانين عاما من الاعتماد في أمننا على الولايات المتحدة، بطء الإجراءات في الاتحاد الأوروبي، التنافس الحاد على المال العام في دول أوروبية مثقلة بالديون في كثير من الأحيان، ذات شيخوخة سكانية، ولديها توقعات غير واقعية لما يمكن أن تقدمه تلك الدول.
هذا النوع من السياسات التي تدفع الائتلاف الحاكم في ألمانيا إلى حافة الانهيار بسبب مقترح تقليص متواضع لنظام معاشات الدولة الذي يلتهم بالفعل ربع الميزانية الفيدرالية. الأنانية الوطنية التي دفعت رئيس وزراء بلجيكا إلى رفض مصادرة الأصول الروسية المجمدة، وفرنسا إلى التناحر مع ألمانيا حول مشروع مشترك مزعوم لطائرة مقاتلة من الجيل التالي. هل لا يزال من داع لأن أستمر؟
ومع ذلك، في مقابل تشاؤم المثقفين هذا، أضع تفاؤل الإرادة. فهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحوّل عبارة «أوروبا قادرة» إلى «أوروبا راغبة»: قوة الإرادة، العزيمة الاستراتيجية، الروح القتالية، شجاعة إعلاء المصلحة الجماعية طويلة الأجل على الفرص السياسية الحزبية قصيرة الأجل.
وإننا نعلم أن دولًا مفردة قد حققت إنجازات استثنائية رغم كل الصعاب في لحظات الخطر الوجودي: كبريطانيا عام 1940 وأوكرانيا عام2022. فهل ستنجح قارتنا المتنوعة المعقدة المتشككة في ذاتها في مواجهة هذا التحدي الكبير؟ أوروبا قادرة على ذلك إن شاءت.
تيموثي جارتون آش مؤرخ وكاتب سياسي وكاتب عمود في صحيفة ذي جارديان