أزمة المياه الخانقة في فلسطين.. أين الخلل وما هو الحلّ؟؟
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
أكتب عن هذا الموضوع من واقع خبرتي التي امتدّت على مساحة 32 سنة خدمت فيها في قطاع المياه، كان منها ما يزيد عن عشر سنوات رئيسا لفرقة التوعية في الاتحاد الذي يجمع مقدمي خدمات المياه في فلسطين من مصلحة مياه الساحل إلى مصلحة مياه غرب جنين مرورا بمصلحة مياه محافظة القدس وبيت لحم.. الخ، وكنا نقدّم أنشطة وبرامج تستهدف ترشيد استهلاك المياه، مع علمنا أنّ لهذا الأمر بُعدين: طريقة استهلاك المواطن للمياه، وبُعد آخر سياسي وهو السيطرة الجشعة للاحتلال على مصادر المياه والتحكم الكامل بحصص التوزيع والتي منحت المستوطن ما يزيد عن عشر أضعاف المواطن الفلسطيني، هذا للاستهلاك المنزلي، بينما أيضا منعت الفلسطيني من استخدامات المياه الأخرى وأتاحت للمستوطن أن ينهب المياه بكلّ الطرق الممكنة؛ في الزراعة والسباحة والترفيه والمنتزهات وتجميل الحدائق العامة والوسط البيئي.
وقد حقّقت هذه السياسة العنصرية الأمن المائي بامتياز للمستوطن بينما وضعت الفلسطيني في حالة من القلق والتوتّر الدائمين وجعلته لا يأمن توفير الحدّ الأدنى للشرب، والدليل على ذلك فإنك عندما تمرّ على مستوطنة لا تجد خزانات المياه على أسطح منازلها لأن المياه لا تنقطع وموجودة على مدار الساعة، بينا تجد الفلسطيني يكدّس الخزانات على الأسطح على أمل ملئها بالماء عند مجيئها بعد انقطاعها الطويل الذي قد يصل في الصيف إلى شهر وشهرين، كما هو الحال في الخليل وبيت لحم على سبيل المثال.
حقّقت هذه السياسة العنصرية الأمن المائي بامتياز للمستوطن بينما وضعت الفلسطيني في حالة من القلق والتوتّر الدائمين وجعلته لا يأمن توفير الحدّ الأدنى للشرب
وعن قطاع غزّة فحدّث ولا حرج حتى قبل استهدافه وتدميره الفظيع لقطاع المياه في هذه الحرب من آبار وشبكات ومحطّات، فمن المعروف أن الاحتلال قبل خروجه من قطاع غزّة عام 2005 خرّب الخزان الجوفي للمياه هناك، وأصبحت الملوحة عالية والمياه غير صالحة للشرب إلى حدّ كبير، ذلك بأنه سحب المياه بطريقته الجشعة بما لا يحفظ التوازن الجوفي ما بين الوارد من مياه المطر والاستهلاك، فكان الاستهلاك أكثر من الوارد طيلة فترة الاحتلال للقطاع مما أدّى إلى أن أصبحت المياه غير صالحة للاستخدام البشري.
وهو الآن سائر بذات الطريقة بخصوص الخزان الجوفي للضفة، يسيطر عليه سيطرة كاملة ويحرم الفلسطينيين من حقهم إلا نذر يسير بالكاد يسدّ ظمأهم، ويحافظ على ذات الحصة منذ 1967 إلى اليوم رغم التزايد الهائل للسكان وزيادة الطلب على المياه.
فالضفة الغربية تقف على خزان مياه يكفي للضفة ويزيد، ولكن الفلسطينيين يُمنعون من استخراج المياه من هذا الخزان، إلا ما كان من آبار من قبل مثل آبار عين سامية وهي في شرق الضفّة ومع هذا يُمنع تطويرها والإضافة عليها بحفر آبار جديدة، عدا عن منع الفلسطينيين من الحفر غرب الضفّة بتاتا، بينما الاحتلال يأخذ من هذه المياه بطريقته الجشعة، حتى على سبيل المثال ما يقارب من 70 في المئة من مياه تل أبيب تُسحب من مياه الضفة الغربيّة، وحتى قيل إن حصّة الفلسطيني في الضفة برد المنخفضات الجوية بينما الإسرائيلي يأخذ مياهها، فحصاد شتاء مياه الضفّة عنده.
وهذا يعيدنا إلى اتفاقية أوسلو التي ظلمتنا في مياهنا إلى درجة كارثية فظيعة، إذ جعلت المياه من قضايا الحلّ النهائي فرُحّلت إلى أجل غير مسمّى لغاية الآن، وثبتت التحكّم الإسرائيلي الكامل بالمياه. نتحدّث الآن عن قرابة ثلاثين سنة بقيت المياه خلالها على حالها رغم التزايد السكاني والعمراني الكبير في الضفة، وكذلك فإنّهم بخصوص مشاريع المياه وتطويرها فقد جُعلت لها محدّدات ثلاثة كل واحد منها أسوأ من الآخر، فيجب موافقة ثلاث جهات على أيّ مشروع مياه: اللجنة الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة؛ وهذه لم تجتمع إلا مرّة واحدة، وشركة مكروت؛ وكيف لهذه أن توافق وهي تعتبر نفسها صاحبة الامتياز؟ وثالث الأثافي: موافقة ما يسمّى الإدارة المدنيّة!
واضح أن موضوع المياه قد أُحسن تربيطه وأحكم الإسرائيلي وثاقه لصالحه 100 في المائة ممّا أدى إلى هذه الحالة التي بتنا فيها: تعطيش الفلسطيني ونهب مياهه بالكامل لصالح المستوطن الإسرائيلي.
وفي ظلّ أزمة الصيف الخانقة وفي ظلّ الظروف السياسيّة التي أوصلتنا إليها اتفاقية أوسلو ومع هذه المأساويّة القاتلة، فإنّ هذا لا يعفينا من عمل ما بوسعنا بخصوص إدارة المياه المتاحة وسياسة التوزيع. للأسف هناك مشكلة في الأمرين: السياسي والإداري العمليّاتي، بدليل أن هناك مناطق تعاني أكثر من مناطق. ولا يحملنّ أحد المشكلة على التوزيع الجغرافي، وهو مؤكد أن له علاقة، لذلك تأتي إدارة توزيع المياه وتنظيم الشبكات للتغلّب على هذا البعد الجغرافي.
ي ظلّ أزمة الصيف الخانقة وفي ظلّ الظروف السياسيّة التي أوصلتنا إليها اتفاقية أوسلو ومع هذه المأساويّة القاتلة، فإنّ هذا لا يعفينا من عمل ما بوسعنا بخصوص إدارة المياه المتاحة وسياسة التوزيع. للأسف هناك مشكلة في الأمرين: السياسي والإداري العمليّاتي
ثم إن الأمرين (السياسي والإداري) يحتاجان إلى بذل الجهود المطلوبة ونحن مقصرون في الأمرين، بدليل أين ملفّ المياه من حركة الشارع وأين الحراك (المحلّي والدولي) الذي يشكل ضغطا على الاحتلال ويشكّل فضيحة له في هذا التعامل العنصري الفظ والقاسي؛ بين متمتع بأقصى درجات التمتّع في المياه وبين من لا يجد مياها للشرب؟
ومن كان في موقع مسئولية لنسأله: ماذا فعل على الصعيدين؟ هل قاد الشارع ليشكّل ضغطا سياسيا وإعلاميا كبقية ملفّات القضية الفلسطينية؟ وملف المياه سيجد من يتفهّمه عالميا إذا طرحناه بشكله الصحيح للعالم وكان خطابنا الإعلاميّ خطابا منهجيا ضمن خطة إعلامية واستراتيجية واضحة المعالم.. ماذا فعلنا؟ هل يكفي القول كما سمعنا كثيرا: ما في اليد من حيلة؟ الموضوع أنّ كميّات المياه التي تصلنا من الاحتلال لا تغطي احتياجاتنا.. حتى أن حضرة جناب الاحتلال أحيانا لا يُذكر ويبقى الأمر مبنيا للمجهول!
يا جماعة، هذه مياهنا التي يسرقها الاحتلال من تحت أقدامنا ويتمنّن ويتحكّم بشكل كامل ببيعنا الكمية التي يريد وبالسعر الذي يريد. حتى لو افترضنا أننا نريد تطبيق اتفاقيات دولية بخصوص أصحاب المياه المشتركة، وهذا على فرض أن لهم حقا فيها كما لنا (وهذا بالطبع غير صحيح)، فإن قسمة المياه تكون بشكل مختلف تماما ولا يمكن أن تصل إلى هذه النسبة السحيقة بين حصة الفلسطيني وحصة الإسرائيلي.
بقيت قضية المياه في بحيرة ساكنة آسنة لم نفعل ما هو مطلوب لتحريكها ولفضح جريمة الاحتلال فيها، والمطلوب واضح أن يتابع الأمر على المستوى الرسمي إعلاميا وقانونيا على المستوى الدولي، وعلى المستوى الشعبي لا بدّ من حراكات فاعلة تؤدي إلى تحريك الموضوع بقوّة وأن لا ننتظر حتى نموت من العطش.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المياه فلسطين الاحتلال فلسطين مستوطنين الاحتلال المياه مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة الفلسطینی ة التی
إقرأ أيضاً:
حرب الإبادة والقدس وتهجير الشعب الفلسطيني
حكومة الاحتلال العنصرية تواصل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من 19 شهرا وبحملات التدمير والقتل الممنهج في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث تسعى لتصفية القضية الفلسطينية بما فيها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وخاصة في ظل عدم قدرة المجتمع الدولي الوصول الى وقف إطلاق نار دائم ومستدام، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2735)، بما يساهم في وقف العدوان وتطبيق الخطة العربية الإسلامية للتعافي وإعادة الإعمار لقطاع غزة، وضمان تقديم الدعم السياسي والمالي للحكومة الفلسطينية لتمكينها من تولي مسؤولياتها في قطاع غزة كما في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
ما تقوم به حكومة الاحتلال واستخدامها التجويع كأداة من أدوات الإبادة الجماعية من خلال منع دخول المساعدات، ومنع المنظمات الإنسانية الأممية من القيام بمهامها بهدف التهجير القسري، واستمرارها إغلاق المعابر والحدود، ومنعها إدخال المساعدات ومحاربتها للمنظمات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتعمل حكومة الاحتلال على تصعيد ممارساتها العدوانية الهادفة الى تغيير المعالم الحضارية لمدينة القدس الشريف وطابعها العربي والإسلامي، والمساس بوضعها القانوني، وبالأخص العمل على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، ولا بد من العمل على صون هوية المدينة المقدسة باعتبارها رمزا للتسامح والتعايش بين الديانات السماوية، وكذلك دعم صمود أهلها أبناء بيت المقدس، وأهمية دعم جهود المملكة الأردنية الهاشمية في حماية ورعاية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ودور الوصاية الهاشمية على هويتها العربية والإسلامية والمسيحية والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها .
تصعيد إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه قوات الاحتلال وعصابات المستعمرين، يتطلب تحرك دولي عاجل لفرض العقوبات على حكومة الاحتلال وعزلها ومحاسبتها أمام المحاكم الدولية، بما يضمن حماية الشعب الفلسطيني ووقف العدوان، ويجب على المجتمع الدولي تعزيز آليات لتفعيل قرارات اليونسكو بتثبيت تسمية المسجد الأقصى الحرم القدسي الشريف كمترادفين لمعنى واحد والتأكيد على أن تلة باب المغاربة جزء لا يتجزأ من الحرم القدسي الشريف، وحق إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية في إعادة ترميم باب المغاربة وصيانة المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، والحفاظ عليه وتنظيم الدخول إليه باعتباره الجهة القانونية الحصرية الوحيدة المسؤولة عن الحرم البالغة مساحته 144 دونما، وباعتباره مكان عبادة خالص للمسلمين، ومحمياً بالقانون الدولي والوضع القانوني والتاريخي القائم فيه.
لا بد من المجتمع الدولي العمل على أهمية استمرار الدعم الثابت لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والتي تضطلع بدور لا غنى عنه في توفير الخدمات للاجئين الفلسطينيين، ولا بد من المجتمع الدولي مواصلة دعمه لها سياسياً ومالياً في مواجهة الوضع الإنساني المتدهور في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس.
كما يجب الرفض بشكل قاطع أي سيناريوهات تستهدف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، لما ينطوي على هذا الإجراء في تصفية للقضية الفلسطينية، وبما يشكل انتهاكا جسيماً لأحكام القانون الدولي، واستهداف إسرائيل لمقومات الحياة الأساسية في غزة بشكل ممنهج بنية وضعهم أمام ظروف مستحيلة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم، وبرغم كل ما يمارسه الاحتلال أن إرادة الشعب الفلسطيني لن تنكسر، وسيواصل كفاحه المشروع لنيل حريته واستقلاله وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة، وعاصمتها القدس.
الدستور الأردنية