شيخ الأزهر ومفتي سلطنة عُمان يغردان منفردين
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
منذ عقد الستينيات من القرن الماضي والقضية الفلسطينية مقررًا رئيسًا من بين مقررات الدراسة في الأزهر، سواء في سياق الدراسات التاريخية أو حتى مقررات الأدب، وفي المرحلة الجامعية كانت دراسة القضية الفلسطينية مقررًا عامًا في كل كليات الجامعة، إضافة إلى مقرر مستقل عن الصهيونية، لذا كانت فلسطين حاضرة في وجدان هذا الجيل من الشباب، بعدها جاءت معاهدة كامب ديفيد ١٩٧٩، التي أحدثت ردود فعل هائلة في كل العالم العربي، بل وفي كل دول العالم، وانقسم العرب بين بعض الدول التي أيدتها، وكثير من الدول العربية قاطعت الرئيس السادات، وأخذت منظمة التحرير الفلسطينية موقفًا مناهضًا لها، بعدها جرت مياه كثيرة، وكان السادات غاضبا جدا من ياسر عرفات، بعد أن كان يسعى لإشراك الفلسطينيين في المفاوضات مع إسرائيل، وكان قد أعد لهم مقعدًا على طاولة المفاوضات التي جرت في فندق مينا هاوس في القاهرة.
منذ عام ١٩٧٩، لم تعد القضية الفلسطينية موضوعا في برامج التعليم، وتم إلغاء مقرر الصهيونية أيضا من برنامج الدراسات التاريخية، وتراجع الاهتمام بالقضية طوال هذه السنوات، ثم كانت أحداث ٧ أكتوبر الماضي وما تبعها من حرب مدمرة اجتاحت قطاع غزة، تلك الحرب التي لم يعرف لها التاريخ مثالًا إلا في الحرب العالمية الثانية من هدم البيوت على ساكنيها واستشهاد عشرات الآلاف، وإصابة مئات الآلاف أيضًا وتوقف كل وسائل الحياة، لعل آخرها في الأسبوع الماضي حينما داهمت الطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة مخيم النصيرات، وهو ما أودى بحياة ثلاثمائة شهيد، واللافت للنظر في هذه المأساة أن قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال كورييلا كان مشاركا في إدارة العملية التي استخدم فيها الميناء العائم الذي أقامته أمريكا قبالة غزة، وقد سافر كورييلا خصيصًا ليكون حاضرًا في غرفة العمليات مع رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس جهاز الشاباك وآخرين من القيادة العسكرية الإسرائيلية، بعد أن اجتاحت الألوية الإسرائيلية (عشرة ألوية) المخيم ولم تفرق بين المقاومين والمدنيين العزل، وقد شاهد العالم تلك المأساة، لم تكتف إسرائيل بتلك الجرائم بل انقسمت الحكومة الإسرائيلية حينما استقال بعضها احتجاجًا ليس على هذه الجرائم، وإنما لرغبتهم في اجتياح غزة ورفح ومواصلة العمليات حتى لو أدى ذلك لإبادة الفلسطينيين عن آخرهم.
اكتفى الحكام العرب ووزراء خارجيتهم بإصدار بيانات الشجب والإدانة التي لم يلتفت إليها أحد، إلا أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي لا يملك إلا سلطة روحية قد اتخذ قرارًا منفردًا متحملًا كل تبعاته حتى تبقى القضية الفلسطينية في وجدان الشباب باعتبارها قضية إسلامية تستحق الدفاع عنها لذا أقدم على جعل القضية مقررا رئيسا في كل برامج التعليم بكل مراحله، فضلًا عن مقرر آخر عن تاريخ الصهيونية، سواء في مراحل التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي، لعل موقف هذا الشيخ الجليل يعد نموذجًا لرجل يعرف مهام منصبه، ضاربًا عرض الحائط بالمواقف السياسية لكل الحكام العرب.
إن هذا الموقف الشجاع من شيخ الأزهر يعد موقفًا عظيمًا لرجل لا يعرف المساومات ولا المواءمات السياسية، وإنما اتخذ قراره لكي تبقى القضية حية في وجدان أبنائنا الشباب، واثقًا بأن الصراع مع إسرائيل يعد صراع وجود، وأن دراسة القضية ستعيدها إلى الحياة، بعد أن فقد جيل الشباب كل معرفة بهذه القضية التي ربما تأخذ وقتًا طويلًا، لكن الزمن في عمر هذه القضية لا يمثل شيئًا وإنما العبرة بالنهاية.
لا أجد موقفًا مماثلًا لموقف شيخ الأزهر إلا موقف سماحة مفتي عام سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي، الذي أتابع كل تصريحاته وأحاديثه، وهو يستنهض الأمة من سباتها متحدثًا عن القدس ومأساة الفلسطينيين، داعيًا العرب والمسلمين إلى الوقوف في وجه هذا العدوان الغاشم الذي لا يعرف عهودًا ولا مواثيق، في الوقت الذي يخرج علينا بعض الدعاة من أقطارنا العربية وهم يروجون لإسرائيل ويدعون شعوبهم إلى الوقوف خلف حكامهم بحجة دعم سياسة السلام التي لا تعني إلا الاستسلام، وغالبا ما يلقون باللائمة على المقاومين الفلسطينيين، ويحمّلونهم المسؤولية عن كل الأحداث المأساوية التي تقع في غزة، لكن شعوبنا العربية قد رفضتهم وابتعدت عن خطابهم وأسقطتهم من حساباتها واعتبرتهم مروجين للعدو.
وصل الأمر في بعض أقطارنا العربية أن بعض السلطات منعت خطباء المساجد من الحديث عن مأساة الفلسطينيين، بل ومنعت تقديم برامج في الإعلام تتعرض للقضية إلا من قبيل الترويج لما أسموه بثقافة السلام والتطبيع، وهي سياسات ضاعفت من استقواء إسرائيل التي أسقطت من حساباتها ردود الفعل العربية، وهو ما ضاعف من قسوتها وعجرفتها، ورغم هول المأساة فقد بقي المقاومون الفلسطينيون يقدمون كل يوم ضربات موجعة لأعدائهم، وقد كنت شخصيًا من القائلين بعدم تديين القضية، لكن تبين لي أن إسرائيل هي التي سعت إلى ذلك، حينما أقرت في دستورها بأنها دولة لليهود لا مكان لغيرهم على أرض إسرائيل، بعد أن كانت تروج منذ نشأتها بأنها دولة علمانية يتساوى فيها كل المقيمين على أرض إسرائيل، لكننا لاحظنا في كل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من الساسة والعسكريين استخدام مصطلح الصهيونية، باعتباره العنوان الأهم لدولة إسرائيل، واستخدمت كل مفرداتها الخاصة لجذب مزيد من دعم يهود العالم لها، لدرجة أن الإدارة الأمريكية وقادتها قد صرحوا مرارًا بأنهم صهاينة أكثر من صهاينة إسرائيل، وهو ما يدعونا اليوم إلى استدعاء الدين كوسيلة فعالة للمقاومة، وقد شاهدنا المسلمين في كل دول العالم وقد انتفضوا دفاعًا عن مقدسات المسلمين في القدس.
المؤسف أن بعض من ينتسبون إلى المثقفين قد قالوا بعدم قدسية المدينة المقدسة، وقال بعضهم إن القدس التاريخية ليست في فلسطين! وتحدث آخرون بأنها مكان لا صاحب له بل هو في عداد تراث الإنسانية، وقد شاهدنا القائلين بذلك وهم يروجون لهذا القول السخيف على بعض القنوات الفضائية العربية.
إن القدس والقضية الفلسطينية قضية واحدة لا تسقط أبدًا بالتقادم، وسوف يتبدد الظلام طالما بقي في فلسطين شعب يقاتل نيابة عن العرب والمسلمين.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة شیخ الأزهر ا العرب بعد أن موقف ا
إقرأ أيضاً:
كيف يسهم نمو القطاعات غير النفطية في بناء بيئة جاذبة لريادة الأعمال؟
أكد عدد من الخبراء الاقتصاديين في استطلاع صحفي أجرته "عُمان" أن نمو القطاعات غير النفطية يعد إحدى الأدوات المهمة في الاقتصاد العماني، إذ يسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على الابتكار، وجذب الاستثمارات الخارجية، وتعزيز بيئة ريادة الأعمال.
وقالوا لـ "عُمان": إنه على الرغم من التحسن المستمر في بيئة الأعمال، والإجراءات التي انتهجتها الحكومة لتسهيل عمل رواد الأعمال، إلا أنه لا تزال هناك بعض التحديات التي تتمثل في الإجراءات البيروقراطية في تخليص المعاملات، واشتراطات الضمانات المرتفعة للحصول على تمويل، والفجوة بين احتياجات القطاعات غير النفطية والتعليم، مشيرين إلى أن تجاوز هذه التحديات يتطلب حلولًا عملية ورؤية متكاملة تقوم على تشريعات أكثر مرونة، وتمويل فعّال، وبنية أساسية قادرة على دعم الشركات الناشئة والنمو الاقتصادي المستدام.
وقالت الدكتورة حبيبة المغيرية خبيرة اقتصادية وأكاديمية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية" إن "رؤية عُمان 2040" تضع التنويع الاقتصادي في صدارة أولوياتها، عبر تعزيز نمو القطاعات غير النفطية لخلق بيئة أعمال أكثر مرونة وتنافسية.
وأوضحت أن التقارير الحديثة تؤكد أن النمو المتسارع لهذه القطاعات يؤدي دورًا محوريًا في دعم ريادة الأعمال وزيادة فرص رواد الأعمال، لما تتمتع به من قابلية عالية للتطوير والابتكار، وتشمل هذه القطاعات الصناعات التحويلية والسياحة والطاقة المتجددة واللوجستيات والتكنولوجيا، مؤكدة أن توسعها يسهم في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، في وقت بدأت فيه مؤشرات الناتج المحلي غير النفطي تسجل تحسنًا ملحوظًا.
وأضافت: إن الاستثمار في هذه القطاعات يتميز بقدر أكبر من الاستقرار مقارنة بالقطاع النفطي الذي يتأثر بتقلبات الأسعار، مما يجعلها أكثر قابلية للتنبؤ ويعزز جاذبيتها للمستثمرين المحليين وللاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشارت إلى أن ارتباط هذه القطاعات بالتقدم التكنولوجي واعتمادها على التقنيات الحديثة يفتح المجال أمام شراكات أوسع بين رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والشركات العالمية، مما يعزز الابتكار ويسهم في توطين الصناعات المتقدمة وتوسيع الفرص الاستثمارية التي شهدت نموًا متسارعًا في السنوات الأخيرة.
الضمانات المرتفعة
وأفادت المغيرية أن الجهود الحكومية في سلطنة عُمان أسهمت في تهيئة بيئة داعمة لريادة الأعمال وجذب الاستثمار، إلا أن عددًا من التحديات ما زال يواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فالبعض منها يجد صعوبة في الحصول على التمويل بسبب اشتراطات الضمانات المرتفعة، في حين تحتاج الأفكار الابتكارية والمشاريع ذات المخاطر العالية إلى تعزيز أكبر في التمويل الاستثماري.
وبينت الخبيرة الاقتصادية أن هناك فجوة قائمة بين احتياجات القطاعات غير النفطية والحديثة من الكفاءات الوطنية وبين مخرجات التعليم، إلى جانب التحديات المرتبطة بسياسات التعمين، خاصة في التخصصات النادرة التي يصعب توفرها محليًا، وتشمل التحديات أيضًا المنافسة الإقليمية والحاجة المستمرة لتحديث القوانين والتشريعات، خصوصًا في القطاعات سريعة التغيّر والمتأثرة بالتوجهات العالمية.
وأكدت المغيرية أن سلطنة عُمان شهدت خلال السنوات الماضية سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي أسهمت في تمكين الشركات الناشئة وتعزيز مسار التنويع الاقتصادي، حيث سجلت القطاعات غير النفطية معدلات نمو لافتة، مدفوعة بسياسات حكومية مستمرة في توجيه الاستثمارات نحو قطاعات واعدة ومستدامة بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
وتابعت قائلة: كما أطلقت سلطنة عمان عددًا من المنصات والمبادرات، أبرزها منصة "استثمر في عُمان"، ومنصة "عُمان للأعمال"، إلى جانب إنشاء صناديق استثمارية متنوعة، وتطوير منظومة الابتكار وريادة الأعمال، وتمويل برامج شاملة لدعم البحوث العلمية والاستراتيجية، إضافة إلى إنشاء مجمعات ومراكز متخصصة لتحويل الأفكار المبتكرة إلى منتجات قابلة للتطبيق، إلى جانب توفير حاضنات ومسرعات أعمال لدعم الشركات الناشئة. كما عملت سلطنة عمان على تحديث الإجراءات والتشريعات بما يواكب التطورات الاقتصادية، إلى جانب استحداث "وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040" لضمان تحقيق مستهدفات الرؤية بكل كفاءة وفاعلية.
مكتسب استراتيجي
وفي سياق متصل، أكد الشيخ أحمد بن عامر المصلحي رئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بغرفة تجارة وصناعة عُمان، أن نمو القطاعات غير النفطية يشكّل ركيزة أساسية لتعزيز بيئة ريادة الأعمال وجذب الاستثمارات.
ووصف المصلحي هذا النمو بأنه "مكتسب استراتيجي" يسهم في بناء اقتصاد عُماني أكثر تنوعًا واستدامة، ويوفر أرضية خصبة لازدهار ريادة الأعمال محليًا ودوليًا، مشيرًا إلى أنه في حال استثمار هذا الزخم عبر سياسات فعّالة، فإن القطاعات الحيوية وفي مقدمتها الصناعات والزراعة والسياحة ستفتح آفاقًا واسعة لفرص استثمارية جديدة، خصوصًا أمام الشباب العُماني الساعي لتحقيق طموحاته في عالم ريادة الأعمال.
وفيما يتعلق بأبرز التحديات التي ما زالت تواجه رواد الأعمال والمستثمرين في القطاعات غير النفطية، أوضح المصلحي أن التمويل وصعوبة الوصول لرأس المال، وصعوبة تخليص المعاملات، والتحديات اللوجستية وسلاسل التوريد، يمكن معالجة هذه التحديات من خلال إلغاء الضمانات المطلوبة للقروض وتسهيل إجراءات الحصول على التسهيلات، وتسريع العمل بالتصاريح الإلكترونية الكاملة دون حاجة لأي معاينة يدوية إلا للضرورة، ودعم الشركات الصغيرة للدخول في سلاسل القيمة للمناطق الاقتصادية والموانئ، وتشجيع تصنيع المواد الأولية محليًا، وتقديم حوافز للمشاريع التي تعتمد على الابتكار والتقنيات الجديدة.
وأكد المصلحي أن الإصلاحات الاقتصادية تسهم بدرجة كبيرة وبشكل متسارع في تمكين الشركات الناشئة وتعزيز مسار التنوع الاقتصادي من خلال تحسين بيئة الأعمال وتقليل البيروقراطية وتعزيز منظومة الدعم والابتكار وتنوع مصادر التمويل وتعزيز القطاعات البديلة للنفط وتقديم حوافز للاستثمار.
وقال عبدالله بن محمد العبري خبير اقتصادي: إن نمو القطاعات غير النفطية يمثل أحد التحولات الأساسية في الاقتصاد العُماني، إذ يسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على الإنتاجية والابتكار، لا على العوائد الريعية. ووفقًا لمنهج الاقتصاد السلوكي، فإن تنويع مصادر الدخل لا يغيّر فقط الهياكل المالية، بل يعيد تشكيل السلوك الاقتصادي للأفراد والمؤسسات من الاعتماد إلى المبادرة.
أداة عملية للتنمية الاقتصادية
وأضاف العبري بقوله: على سبيل المثال، يشهد قطاع الطاقة المتجددة في سلطنة عمان، خاصة مشروعات الهيدروجين الأخضر، ظهور منظومات أعمال جديدة قائمة على الشراكات بين الحكومة والمستثمرين المحليين والأجانب، يشبه التجربة الدنماركية في العقدين الماضيين، حيث ساهم نمو قطاع طاقة الرياح في تحفيز مئات الشركات الصغيرة في مجالات الخدمات المساندة والابتكار التقني، مما جعلها بيئة ريادية مكتفية ذاتيًا. وفي سلطنة عمان ساعدت مبادرات مثل برنامج تنمية المحافظات ومنصات القيمة المحلية المضافة في جعل ريادة الأعمال أداة عملية للتنمية الاقتصادية، وفي حالة استمرار هذا النهج يمكن أن يحقق أثرًا مركبًا بين تحفيز الاستثمار، وتوسيع قاعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعميق المحتوى المحلي.
وأوضح العبري أنه رغم التحسن الهيكلي في بيئة الأعمال، لا تزال بعض التحديات قائمة، ويمكن تصنيفها وفق ثلاثة محاور رئيسية: وهي التمويل الموجّه لطبيعة المخاطر؛ حيث تعد الفجوة التمويلية من أبرز العقبات أمام نمو الشركات الناشئة إذ تعتمد معظم المؤسسات المالية على الضمانات المادية التقليدية، ما يحد من قدرة رواد الأعمال على دخول السوق. في المقابل، نجحت سنغافورة في تجاوز هذه المعضلة بإنشاء صناديق رأس المال الجريء الحكومية التي تستثمر بناء على تقييم الجدوى المستقبلية والسلوك الريادي لا الأصول المادية. إضافة إلى الإجراءات والتشريعات، فمع أن سلطنة عمان أحرزت تقدمًا في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، إلا أن بعض القطاعات ما زالت تواجه تعدد الجهات التنظيمية مما يؤخر التنفيذ ويزيد التكلفة. التجربة المقارنة هنا هي إستونيا، التي تحولت إلى دولة رقمية بالكامل بفضل تبسيط الخدمات الحكومية من خلال منصة واحدة، مما خفّض كلفة التأسيس بنسبة 70%، وتطبيق نموذج مشابه رقمي موحد في سلطنة عمان سيجعل البيئة أكثر مرونة وجاذبية للمستثمرين الدوليين. إلى جانب ذلك، رأس المال البشري والتطبيقات المهارية؛ حيث إن الفجوة بين التعليم الأكاديمي ومتطلبات السوق لا تزال قائمة، وتظهر التجربة الكورية الجنوبية مثالًا حيًا في تطوير رأس المال البشري المتخصص في الصناعات التقنية أن يحوّل الاقتصاد بالكامل.
تنفيذ التشريعات ومتابعتها
ولفت العبري إلى أن الدراسات الاقتصادية تشير إلى أن الإصلاحات الفعّالة لا تقتصر على القوانين بل على آليات تنفيذها ومتابعة أثرها، والإصلاحات الجارية في سلطنة عُمان مثل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الاستثمار الأجنبي الجديد، وتحرير بعض القطاعات تمثل قاعدة مؤسسية صلبة لتمكين الشركات الناشئة.
وتابع بقوله: إن نجاح الإصلاحات الاقتصادية يعتمد على التزام طويل المدى، ورؤية متكاملة تجمع بين التشريعات، والبنية الأساسية، وتمويل الابتكار، وهذا الترابط بدأت ملامحه تظهر في سلطنة عمان خاصة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وصندوق عُمان المستقبل، والاستراتيجية الوطنية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، منوهًا إلى ضرورة تحويل هذه المبادرات من برامج مستقلة إلى منظومة تكاملية للابتكار والاستثمار، بحيث تُقاس بمؤشرات الأثر الفعلي على الناتج المحلي وفرص العمل، وليس بعدد المشروعات المعلنة.
وأنهى العبري حديثه بقوله: إن بيئة ريادة الأعمال في سلطنة عمان تقف عند نقطة تحول استراتيجية؛ حيث إن البنية التشريعية والاقتصادية أصبحت مهيأة، غير أن التحدي القادم هو في تفعيل السلوك الريادي على أرض الواقع عبر برامج مسرّعات متخصصة في القطاعات الواعدة مثل الهيدروجين الأخضر، والتقنية الزراعية، والخدمات اللوجستية الذكية، وتحفيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص في مشاريع بحثية ذات مردود تطبيقي، وإعادة تصميم برامج التمويل الحكومية لتكافئ الابتكار؛ حيث إن هذه الإجراءات ستنقل الاقتصاد العُماني من مرحلة دعم المشاريع إلى مرحلة بناء منظومة اقتصادية ذاتية النمو، قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.