#سواليف

يؤكد قائد غرفة العمليات السابق في #جيش_الاحتلال الجنرال في الاحتياط #يسرائيل_زيف أن #الحرب على #غزة بلا هدف، وأن #نتنياهو فَقَدَ طريقه، محذراً من أن حرباً مع “ #حزب_الله ” مغامرة تنطوي على خطر وجودي، معتبراً أن  الحلّ يكمن بصفقة كبرى توقف #الحرب، وتمنع نشوب حرب أخطر منها، وبالتعاون مع أمريكا.

 في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية، وضمن وصفه للصورة الراهنة الصعبة، يقول يسرائيل زيف إن الوضع العنيف مستمرٌ في قطاع غزة، والقدرة على توفير المساعدات الإنسانية وتوزيع الغذاء تتدهور، فيما تُدار غزة كما أديرت الصومال في أفضل الحالات.

زيف: لا يمكن اعتبار احتلال رفح نصراً تكتيكياً له أهمية، إذ إن لواء رفح، في أغلبيته، لا يقاتل، وتمكّن من الانسحاب إلى خارجها، وسيعود إليها مع اللاجئين العائدين

مقالات ذات صلة إعلام عبري ينشر لقطات لدمار كبير لحق بمبان شمال فلسطين المحتلة 2024/06/27

ويمضي في تحذيراته: “قد نهب الناس معظم المساعدات الإنسانية، باستثناء ما قامت حركة “حماس” بالسيطرة عليه وتحويله إليها. هناك قطاعات كبيرة من السكان تعاني جرّاء نقص في الخدمات الأساسية، والأمم المتحدة نفسها تلقي بمسؤولية الفوضى المتزايدة بين سكان القطاع، البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة، على كاهل إسرائيل، لأنها القوة المحتلة”.

وهم نتنياهو

كما يقول زيف إنه لا يوجد شيء مجاني في هذه الحياة، وإن وهم نتنياهو بشأن إمكان السيطرة على الوضع المتدهور، من دون اتخاذ قرارات حاسمة، هو وهم سخيف. كما يوضح أن اعتقاد نتنياهو أن الوضع في غزة بهذه الصورة لن يرتد عليه سلباً، وعلى رؤوس كبار ضباط الجيش، بدعاوى إضافية في محكمة لاهاي، بما يشمل الدخول إلى جميع القوائم السوداء الخاصة بالأمم المتحدة، وما يرافق ذلك من عقوبات، واستنكارات دولية، وقطع للعلاقات، وتسريع لدعم إقامة دولة فلسطينية، هو اعتقاد لا يستند إلى الواقع.

ويؤكد أن كل هذا بدأ يحدث فعلاً، وهذه العملية ستستمر في التسارع.

ويتابع: “يواصل الجيش الإسرائيلي العمل بالطريقة نفسها في غزة، بسبب “شطحات” بن غفير وسموتريتش، إذ يتنقّل جنودنا في أزقة رفح، بحثاً عن النصر. لا يمكن اعتبار احتلال رفح نصراً تكتيكياً له أهمية، إذ إن لواء رفح، في أغلبيته، لا يقاتل، وتمكّن من الانسحاب إلى خارجها، وسيعود إليها مع اللاجئين العائدين.

 أمّا الأنفاق التي تم تفجيرها، فسيُعاد تأهيلها بعد خروج الجيش، وجميع غنائمنا من السلاح، وما هدمناه من أنفاق لا يساوي الأثمان التي اضطرت إسرائيل إلى دفعها في مقابل مهاجمة رفح: تعميق أزمة الثقة مع الولايات المتحدة، تعكير العلاقات مع مصر، التي من المشكوك فيه أنها ستتعاون معنا في حاجتنا إلى مراقبة محور فيلادلفيا، إلى جانب تحويل الاهتمام والموارد من الميدان الرئيسي في الشمال المحترق إلى الزاوية الجغرافية الأبعد عنه”.

منوهاً بأن “الزاوية الجغرافية الأقل أهميةً، بما لا يقاس، من ذلك الميدان: بحسب نتنياهو، إن إطالة أمد الحرب من المفترض أن تحسّن موقفنا على طريق النصر المؤزر، فانظروا، يا للعجب! ها نحن نقاتل منذ تسعة أشهر. هذه أطول الحروب في تاريخنا ضد “أضعف أعدائنا وأقلّهم منزلة”. وها نحن نشهد، ليس فقط النصر الذي يتباعد، بل مكانة إسرائيل الآخذة في التدهور. إنجازاتنا العسكرية تُمحى شيئاً فشيئاً، وحركة “حماس” تصمد، وتحول طرائق عملها بالكامل إلى حرب عصابات، ورفح هي الشاهدة على أن الاستحكام والدفاع عن الأرض فقدا معناهما، وأن “الإرهاب” صار متنقلاً ” .

ويوضح زيف أن حركة “حماس” لا تعاني نقصاً في وسائل “الإرهاب” بطريقة تحول دون قتالها ضدنا بهذا الأسلوب أعواماً طويلة مستقبلاً.

حرب إقليمية

 لافتاً إلى أن السنوار يشجع التصعيد في الشمال كثيراً، وحلمه بنشوب حرب إقليمية صار أقرب من ذي قبل، وفرصة التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى ثانية تتضاءل. وفي تقديره، الوقت يعمل لمصلحته.

ومن هنا يستنتج الجنرال الإسرائيلي: “لذا، لا نراه يسارع إلى الموافقة على وقف لإطلاق النار، وأيّ إنجاز إضافي في المفاوضات مع إسرائيل سيتم استبداله بمطلب إضافي، وهكذا دواليك. السنوار ليس لديه أيّ اهتمام الآن بمنح إسرائيل الجائزة المتمثلة بالمخطوفين، ولا بوقف التصعيد في الشمال، أو في الضفة الغربية”.

زيف: السنوار ليس لديه أيّ اهتمام الآن بمنح إسرائيل الجائزة المتمثلة بالمخطوفين، ولا بوقف التصعيد في الشمال، أو في الضفة الغربية

ويقول محذراً إن نتنياهو لا يستطيع إيجاد طريقه، ويفقد السيطرة على الوضع المعقد. ويعتبر زيف أن الفيديو الذي نشره نتنياهو هذا الأسبوع يُعتبر خطوة غير مسبوقة وغير مسؤولة، حتى بالنسبة إلى مستوى مسؤول مبتدئ من الدرجة الرابعة: الأمريكيون المذهولون فهموا، في ضوء ذلك، خطورة وضعه، وهم مطالَبون الآن بمواصلة دعم إسرائيل، ليس بسبب رئيس الوزراء، بل رغماً عنه. إنهم يحاولون الفصل بين أهمية إسرائيل كدولة، والمشكلة الصعبة المتمثلة في رئيس الوزراء الذي يعمل ضد مصالحها.

ويضيف: لحسن حظ الأمريكيين، ولحسن حظنا، لدينا وزير دفاع جاد ومسؤول، وهو وحده الذي يثق به الأمريكيون.

حرب بلا هدف

ويشدّد زيف على أن إسرائيل غارقة في حرب بلا أيّ هدف، ولا خطة لديها، وليس لديها اتجاهات، وبالتالي ليس لديها أيضاً هدف إستراتيجي تسعى للوصول إليه، لا في الجنوب، ولا في الشمال، ولا في أراضيها المحترقة نفسها، وهذا الوضع خطِر للغاية، فإسرائيل تقف اليوم على شفا تصعيد إقليمي تنجرف إليه من دون حسيب ولا رقيب.

 ويمضي في قرع جرس الإنذار: “يُحظر على إسرائيل اتخاذ قرارات من منطلق ضعفها، تدفع بها إلى حرب أُخرى أكثر خطورةً في لبنان”.

ويتقاطع زيف مع تحذيرات أمريكية، آخرها لعاموس هوكشتاين، وإسرائيلية أيضاً، فيرجح، هو الآخر، أن تؤدي الحرب في الشمال إلى التدهور نحو حرب إقليمية شاملة، بمشاركة مباشرة من إيران وجميع الفصائل المؤيدة لها. وهنا يقول إن إيران قطعت، منذ فترة طويلة، خط الردع، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تمنعها من الذهاب إلى تصعيد في المنطقة هي الولايات المتحدة فقط، إذ يمكن أن يكون بايدن، في الجزء الأخير من السباق الانتخابي، عدوانياً للغاية تجاهها.

حكاية العقرب

وضمن توصيفه حالة إسرائيل البائسة اليوم، يقول زيف إن حالتنا أشبه بالقصة الشعبية التي تحكي حكاية العقرب الذي يلدغ الضفدع الذي قطع به النهر، فاعتبارات البقاء الشخصية لنتنياهو تفوق الاعتبارات الأمنية الخاصة بدولة إسرائيل. إن رغبته في تملُّق ترامب من خلال غرس سكين في ظهر صديقنا الوفي الرئيس بايدن، أو من خلال إلقائه خطاباً مهيناً في الكونغرس، سيؤديان، بلا شك، إلى قطيعة كبيرة في العلاقات في الأوقات التي تحتاج إليها إسرائيل المحترقة.

زيف: يمكن أن يكون بايدن، في الجزء الأخير من السباق الانتخابي، عدوانياً للغاية تجاه إيران

ويتابع محذراً: “ستصبح مقولة “سنقاتل بأيدينا وأظفارنا” حقيقة، ليس ضد حركة “حماس”، بل ضد ألدّ أعدائنا؛ إيران، “حزب الله”، الحوثيون، الميليشيات السورية، الجبهة الداخلية في الولايات المتحدة. وتشكل بهلوانيات نتنياهو الشخصية مقامرة خاسرة وغير مسؤولة بأمن دولة إسرائيل. وحتى مَن يفترضون أن بايدن يتحلى بمسؤولية تجاه إسرائيل أكثر من رئيس وزرائها، فلا ضمانة لديهم أن بايدن سيقف إلى جانبنا عندما ينفجر الإقليم، بعد مثل هذا الخطاب المخزي. فكروا فقط في ما كان سيحدث في إسرائيل لو جاء بايدن لإلقاء كلمة أمام الكنيست خلال الانتخابات، بدعوة من زعيم المعارضة لبيد، ليعبّر عن دعمه له. ماذا سيقول نتنياهو في هذه الحالة؟ أقول هذا، مع العلم أننا نحن الذين نحتاج إلى الأسلحة الأمريكية الآن، لا العكس”.

منوهاً إلى أن وزير الدفاع غالانت ذهب إلى الولايات المتحدة في محاولة لتصحيح التصرف غير المسؤول الذي أقدم عليه نتنياهو، بهدف ضمان استمرار وصول الدعم الأمريكي، يضيف: “سيتعين عليه تقديم إجابات عسيرة بشأن توجهات إسرائيل، وسيكون من الصعب عليه شرح ذلك. وبما أنه المسؤول عن إنجازات الحرب، والمطلوب منه العودة من أمريكا إلى البلد محملاً بالسلاح والذخائر التي يجب توضيح غرضها، فلا بد من أن يتوصل إلى تفاهُم واضح مع الأمريكيين على خطة متفق عليها لإنهاء الحرب بأسلم الطرق. وهذه الفرصة الأخيرة بالنسبة إلى إسرائيل، قبل أن تنجرّ إلى نار إقليمية لا تُبقي ولا تذر، قد تؤدي إلى خراب الدولة نفسها. إن رحلة غالانت إلى الولايات المتحدة هي أملنا السياسي الأخير”.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف جيش الاحتلال الحرب غزة نتنياهو حزب الله الحرب الولایات المتحدة فی الشمال

إقرأ أيضاً:

هل على نتنياهو أن يخشى من جيل الأطفال الذي شهد الإبادة؟

بعد ساعات طويلة من انتظار الحصول على حصّته من المياه، يقف طفل لا يتجاوز الـ12 من عمره أمام غالونين كبيرين مليئين بالماء، لا وقت للإرهاق الآن، فالحصول على المياه النظيفة الشحيحة شيء، والعودة بها للخيمة أو المنزل المهدم الذي يعيش فيه مع أسرته شيء آخر تماما. يحاول الطفل رفع الغالونين عدّة مرات دون فائدة، فالحمل ثقيل لجسد صحيح، فما بالك بجسد منهك من الحرب وقلة التغذية.

محاولات الطفل غير الناجحة جعلته يدرك أن مقدار وزن الغالونين رُبما يفوق وزنه هو شخصيا، وحينما أدرك الصغير حجم ما يواجه، رفع وجهه إلى السماء ثم قال: "أعطني القوة يا الله". تنفس ملء رئتيه، وتمكن بالفعل من حملهما والسير بهما لخطوات عدة وثّقتها الكاميرا لترصد نزرا يسيرا من هول ما يعيشه أطفال غزة تحديدا وعموم قاطني القطاع المحاصر.

طفل غزيّ يحاول رفع غالونين من المياه (مواقع التواصل)

في وقت سابق، نشر ستيفن جوزيف، وهو أستاذ في كلية التربية بجامعة نوتنغهام الإنجليزية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ورقة بحثية ناقش فيها النمو النفسي خلال مرحلة ما بعد الصدمة أو التجربة المؤلمة، وقد استهلّت الورقة البحثية عنوانها بـ"ما لا يقتلنا".

عمل ستيفن مع عديد من الناجين من الصدمات وأهوال النزاعات، ولديه مسيرة طويلة في دراسة ما تُعرف بـ"النمو بعد الصدمة"، وكتابه الشهير: "ما لا يقتلنا: دليل للتغلب على الشدائد والمُضي قدما"، حاول فيه توظيف بعض النظريات والممارسات النفسية لاستكشاف ماذا يجري بعد الصدمة، وكيف يمكن التغلب على الشدائد لخلق معنى وهدف جديدين في حياتنا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صور أطفال فيتنام غيّرت العالم فلماذا لا يهتز لصور أطفال غزة؟list 2 of 2ما الذي تغير ليرفض الغرب حرب الإبادة على غزة؟ ولماذا الآن؟end of list إعلان

وضّح جوزيف أن الدراسات النفسية المتعلقة بالصدمات قد تغيرت مؤخرا، خاصة مع إدراك الباحثين أن الشدائد والمواقف بالغة الصعوبة لا تؤدي بصورة حتمية إلى خلق شخص مضطرب نفسيا أو مكتئب، إذ بدأت اتجاهات البحث النفسي العلمي ترى أن هناك جانبا من "النمو الإيجابي" قد يتحقق خلال مرحلة ما بعد الصدمة والتجارب القاسية ويمكن أن تمثّل نقطة انطلاق لبناء مستويات أقوى من الصلابة النفسية.

وهذا ما عبرت عنه بجلاء الورقة التي نشرتها يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024  الأستاذة الأسترالية ميشيل بيس في المعهد الأسترالي للشؤون الدولية بعنوان "الغزيون: شعبٌ يتمتع بشجاعةٍ لا تُقاوم، وإيمان، ولطف" ، وأشارت فيها إلى نمط حياة شعب غزة في فترة ما قبل الحرب، وكيف أنهم "رغم الحصار والتضييق الخانق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، كانوا يجدون وسائل للتكيف مع واقعهم المُعاش ووسائل بناء شبكات تضامن اجتماعية تسيّر حياة المجتمع"، وأن هذه الديناميات والقدرات أسهمتا بصورة أو بأخرى في رفد المجتمع بأساليب وأدوات للبقاء والصمود، وقد زادهم صلابة تتالي الحروب وتنوع وسائل القتل والتدمير التي لم تتخلف عن القطاع طوال الفترة الماضية.

ومن المداخل التفسيرية التي لا تستحضر كثيرا في الدراسات النفسية وإن كان لها دور في تعضيد هذه القراءات، ونقصد بذلك المدخل الإيماني الذي يلعب دورا واضحا في الكيفية السلوكية التي يتعامل بها الأفراد تجاه المصائب التي يواجهونها، إذ تشكّل الأرضية الإيمانية -التي يستند إليها الفرد أو المجتمع- عاملا أساسيا في محددات الحالة الشعورية التي تلي المعاناة، فضلا عن الحالة النفسية في أثناء الأزمة، ولا يمكن فصل هذا العامل عن تحليل المشاهد الواردة من غزة، إذ يمكن ملاحظة حضور المفاهيم الدينية والإيمانية في خطاب وسلوك الغزيّين.

إعلان

في الدين الإسلامي مثلا، البلاء يتطلب صبرا، وللصابرين مثوبة جزيلة، وجانب من التكوين الإيماني للمسلم قائم على أن البلاء مرحلة مرّ بها المؤمنون على مدار التاريخ، حيث يسوق القرآن وتسوق الأحاديث النبوية الكيفية التي تعاملت بها المجتمعات المؤمنة التي تعرضت للبلاء، وما يلي ذلك من ثواب من الله لا يقتصر على ما يراه الفرد في هذه الدنيا.

بالطبع لا يسعى هذا التقرير إلى أسطرة الإنسان الغزي (أي جعله أسطورة)، بل يحاول البحث في الديناميات والقدرات النفسية الحقيقية التي يقاوم بها سكان القطاع، في محاولة للنجاة من الأهوال التي يقاسونها يوميا، ليس على صعيد النجاة من الموت فحسب، بل أيضا عبر المجاهدة في تفاصيل يومهم كافة، بدءا من شربة الماء، وصولا إلى محاولة النوم، وليس انتهاء بالعيش وسط مجتمع لا يمتلك أدنى مقومات العيش الكريم، وأساسات الحياة التي اعتادها لعقود.

أطفال فلسطينيون بالقرب من حاويات المياه في قطاع غزة، السادس من أبريل/نيسان 2025 (رويترز) هل تؤدي الصدمات والشدائد إلى "تدمير" الشخص؟

أما عن مصطلح "اضطراب ما بعد الصدمة" فهو أحد أكثر المصطلحات النفسية شيوعا في العالم العربي، وقد أخذ رواجا على إثر الانتكاسات السياسية والاقتصادية وما تلاها من تمزّقات شملت البنى الاجتماعية في عدد من المجتمعات العربية، وكانت ارتدادات تلك الانتكاسات حاضرة بثقلها على المساحة الشعورية للأفراد والمجتمعات على السواء، وفي ظل هذا الواقع، حضر مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة كمحاولة لتفسير آثار التغيرات التي برزت على سطح المجتمع وعمقه.

وكما الحال في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فإن المفاهيم عادة ما تنشأ في سياق زماني وجغرافي محدد، ثم تكون عرضة للتبدل والتغير، عندما تتعرض لتفسير وفهم مستجدات جديدة، فامتزاج النظرية بسياقات ثقافية مختلفة عن البيئة التي نشأت فيها، يحتم عليها أن تتجاوب مع المتغيرات حتى يمكنها، اخراج تفسيرات ملائمة. وقد أسهمت غزة في خلق تحديديات كثيرة أما العديد من الأفكار والنظريات الاجتماعية.

إعلان

أما عن سياق نشأة وظهور مصطلح "اضطراب ما بعد الصدمة"، فنجده مرتبطا بالجمعية الأميركية للطب النفسي عام 1980، وقبل سك هذا المصطلح، كان هذا الاضطراب يُعرف قد انتشر خلال الحرب العالمية الأولى باسم "صدمة القذائف"، وكان يُعتقد أنه يؤثر على الجنود فقط. وتعرّفه جمعية علم النفس الأميركية بأنه اضطراب نفسي يحدث عندما يعيش أو يشهد شخص ما حدثا يشعر خلاله بتهديد حياته أو سلامته الجسدية، فتكون المشاعر المسيطرة على الشخص خلال هذا الحدث هي الخوف أو الرعب أو العجز.

بمرور الوقت، جذبت أعراض هذا الاضطراب انتباه الباحثين والعلماء، وبدأت البحوث المتتالية ترصد وتوثق أثر التعرّض للصدمات في تغيير حياة الإنسان وإفسادها، وذلك لما تتركه الصدمات من تأثيرات وتغييرات نفسية سلبية بعد تعرض الشخص لحادث صادم. وقد اعتقد الباحثون أن هذه التغييرات النفسية السلبية مردّها عائد إلى رغبة العقل في حماية الشخص من التعرض لمزيد من "التجارب الخطرة" أو من تلك التجارب التي يمكن أن تضع الفرد في موقف فيه تهديد، حتى وإن كان متخيّلا.

في البدء، طغى اتجاه طبي ينحصر تركيزه في توثيق التأثير السلبي للتعرض للصدمات، دون الالتفات كثيرا إلى الملاحظات -كانت قليلة حينها- التي تناولت التأثير الإيجابي الذي يُمكن أن تُحدثه الصدمات في حياة وشخصية الأفراد الذين يتعرضون لها.

لكن قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: "هل كل مَن يتعرض لحادث مؤلم مُهدِّد للحياة، يُعاني بعد النجاة منه اضطراب ما بعد الصدمة؟".

النمو بعد الصدمة

رغم الاهتمام بالجوانب السلبية، فإن بحث جوزيف، السابق الإشارة إليه، يرى أن الاهتمام العلمي في المجال النفسي بالتغيرات الإيجابية التي قد تعقب تعرض الشخص للصدمات والشدائد، أخذ في التزايد، بعدما أظهرت مجموعة من الدراسات -التي أُجريت أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات- أن هناك مجموعة من التغيرات الإيجابية التي شهدتها شخصيات قاسوا أحداثا مأساوية أو صدمات شديدة القسوة.

إعلان

حين رُصدت نتائج الدراسات السابقة، بدأ الاهتمام خلال تسعينيات القرن الماضي بدراسة الكيفية التي تتحول فيها صدمة إلى عامل "محفز" للتغييرات الإيجابية، وأثر ذلك في تعضيد التكوين الشخص النفسي. هنا بدأ يظهر مفهوم "النمو" بعد الصدمة، حتى أصبح مجالا بحثيا يجذب اهتماما دوليا واسعا من الباحثين والعلماء، وخلال السنوات العشر التالية لظهور هذا المفهوم، أصبح نمو ما بعد الصدمة أحد الموضوعات الرئيسية التي تندرج ضمن موضوعات علم النفس الإيجابي.

يُشير موقع "سيكولوجي توداي" إلى أنه في أوائل التسعينيات، صاغ عالِما النفس ريتشارد تيديشي ولورانس كالهون مصطلح "النمو بعد الصدمة" (PTG)، ويقوم هذا المصطلح بشكل أساسي بوصف التغييرات الإيجابية التي يمكن أن تحدث لشخصية الفرد أو نفسيته بعد تعرضه لأزمة كبيرة أو حادث مُهدِّد للحياة أو صدمة قاسية.

وأن التغييرات الإيجابية الملحوظة يمكن أن تحدث للشخص الذي تعرض للصدمة خلال الأيام أو الأشهر أو حتى السنوات التي تلي تعرضه لهذه الصدمة. وبالنسبة للناجي من الصدمة، يمكن أن تكتسب الحياة معنى جديدا يمنح الفرد القدرة على إعادة تشكيل معتقداته وأولوياته وأهداف حياته والقيم التي ستشكل هويته.

مشروع مقاوم أكثر صلابة

خلال شهر مايو/أيار الجاري، أعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، أن 16 ألفا و503 أطفال فلسطينيين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الإبادة الجماعية في غزة، في إحصائية صادمة تجسد حجم الاستهداف المباشر والممنهج لأضعف فئات المجتمع.

عرف الأطفال، الذين يُمثلون ما يقرب من نصف عدد سكان قطاع غزة خلال أكثر من 20 شهرا، معنى أن يتركوا بيوتهم مرغمين مذعورين قبل أن تُهدم فوق رؤوسهم، ومعنى أن يذوقوا ألم فقدان أهاليهم وأقربائهم وأصدقائهم وجيرانهم، ومعنى أن ينتظروا الموت، فلا يعلمون ما إذا كانت هذه آخر مرة يضع فيها الواحد منهم رأسه المنهك على الأرض كي ينام، أو أن يرقبوا بأعينهم من وراء الركام ويشموا بأنوفهم رائحة الدماء التي تعني حتما ارتفاعا يوميا في أعداد الشهداء والمصابين، حتى يصبح الموت حاضرا وماثلا وجاثما على امتداد القطاع.

إعلان

اختبر هؤلاء الأطفال معنى أن تسترد وعيك في المشفى كي ترى طرفا من أطرافك قد بُتر. ناهيك عن الإصابات غير المرئية، كأن تنخفض قدرة طفل على السماع على إثر قذيفة سقطت في منطقة مجاورة لمكان تواجد الطفل، وهذه إصابة حقيقية لها شواهدها.

بالعادة، وفي سياقات مشابهة، تبدو نتيجة الضرر النفسي البالغ حتمية على كل طبقات المجتمع، فما ظنّك بالأطفال؟ بالتأكيد هناك من عانى من ويلات الحرب وألمت به مشاعر الاكتئاب والقلق واليأس والحزن والاستياء والغضب والخوف، لكن هذا ليس أمرا جاريا ومضطردا في كل الأحوال.

فبعض التغييرات العنيفة والأحداث بالغة القسوة التي شهدها الطفل الغزاوي، وفقا لمفهوم "النمو" بعد الصدمة والتي تمتزج مع المركّبات الإيمانية للمجتمع الغزيّ، قد لا تقود إلى نتيجة حتمية مفادها الانهيار -وإن كان ذلك حاضرا ولا يمكن إنكار حدوثه اليوم أو احتمالية ظهوره في المستقبل القريب- لكنها في المقابل قد تجعل منه شخصية تتسم بالصلابة والقوة النفسية، ورُبما يكون الصبي الذي شهد كل هذا العنف في الغد القريب مقاوما أكثر صلابة من سابقيه، فكثير من مقاومي اليوم هم من أهالي الشهداء والأسرى والمصابين، وهم ممن قاسوا شخصيا، أو قاسى أهلهم المباشرون حروبا وتهجيرا وتضييقا ممنهجا حتى وجدوا في المقاومة خيارا ضروريا لاسترداد الحق.

في السياق ذاته، قبل أن يتغير موقف الملياردير الأميركي إيلون ماسك من حرب إسرائيل على غزة، فإنه كان قد تساءل في مقابلة مصورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي بعد شهر تقريبا على طوفان الأقصى وبدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة: "مقابل كل عضو تقتله من حماس كم خلقت من الأعداء؟ وإذا كان ما خلقته أكثر مما قتلت فأنت لم تنجح". كان هذا التساؤل المشروع قبل أن يحرك نتنياهو ترسانته لاستمالة ماسك الذي بدا جليا تغير خطابه ومواقفه بعد هذه المقابلة تحديدا.

إعلان

قد تخلق الظروف القاسية إنسانا مضطربا، وقد تساعده على اكتشاف مكنوناته وقدراته الداخلية. قد يتألم الانسان الموجوع، ولكن من الممكن أن يشتد عوده وتصلب إرادته، وعندما يعتاد مجتمع ما الحرب والصراع وترتبط ذاكرته بالاستعمار والانتهاكات، فليس أمامه إلا طريقان: أن يستسلم، أو يقاوم، وغزة بالتأكيد تقاوم.

ووسط كل هذا الركام والدموع المنهمرة، قد يتخلق شيء إيجابي وفق تصورات علم النفس، وأن هذا النمو المتوقع، أو التغير الإيجابي المرتقب لا يحدث بضغطة زر، وليس نتيجة حتمية للتعرض للصدمة، لأنه يتطلب تحديا واستعدادا نفسيا عاليا يصحبه المرء أثناء خوضه معركة بقائه. وهنا يوضح ستيفن جوزيف أن النمو بعد الصدمة هو "عملية تغيير وليس فقط نتيجة تلقائية للتغيير"، فهي لا تحدث إلا للأفراد الذين تأهلوا لذلك.

وهذه "الآثار الإيجابية" قد تزور الفرد بعد أعوام من الحرب، فيكتشف الحكمة من ورائها، ويسبر أغوار الآثار النفسية العميقة التي تركتها التجربة، وكل هذه أمور قد لا تحدث لآخرين. كما أن ثمة بعدا آخر في تشكيل هذا المقاوم الأكثر صلابة، وهي أن القاتل أو المجرم لم يترك "للضحية" مساحة ولا خيارا آخر، فإما أن يغرق في ظلمات الاكتئاب فيصبح الدم المسفوك لا معنى له سوى ندبة غائرة وجرحا نازفا في نفس وذهن الشخص، أو أن يقف على قدميه متحديا كل الأعباء، نافضا عنه غبار العاصفة الثقيل، كعنقاء تخرج من رمادها، ثم يقاوم، كي يسترد بعضا من حقه، أو يُقتل وهو يحاول، فـ "علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ"، كما يقول محمود درويش.

مقالات مشابهة

  • من إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.. رسائل متضاربة عن الهدنة
  • إعلام إسرائيلي: تصريحات غولان عن غزة تُغيّر الموقف الدولي من إسرائيل
  • هجوم إسرائيلي على المعارضة بسبب فشلها في إسقاط حكومة نتنياهو ووقف الحرب
  • هل على نتنياهو أن يخشى من جيل الأطفال الذي شهد الإبادة؟
  • جنرال إسرائيلي متقاعد يحذر من خطر متصاعد من مصر
  • جنرال إسرائيلي: نتنياهو يواصل التنصل من فشله بغزة والجنود يدفعون الثمن
  • عاجل| إعلام إسرائيلي: استقالة الرئيس التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة
  • نعيم قاسم: الحرب مع إسرائيل لم تنته.. وأمريكا تجاوزت حدود سيادة لبنان
  • إسرائيل تستدعي سفيرها لدى الولايات المتحدة بسبب تصريحاته عن معارضي نتنياهو
  • مسؤول إسرائيلي: إسرائيل أصبحت معزولة تقريبا عن معظم شركائها التقليديين بسبب موقفها في الحرب وسلوكها حيال القضايا الإنسانية