سودانايل:
2025-05-11@18:55:51 GMT

دعونا نضع حداً لحرب الضعفاء هذه: الجزء الثاني

تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT

بروفيسور إبراهيم أحمد البدوى عبد الساتر
وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السابق
يونيو، 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
"يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" البقرة: 269(.

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن أهمية أن يتواكب مع الجهد التعبوي والسياسي لإيقاف الحرب وبناء السلام المستدام مساهمات فكرية عميقة، تتناول ثلاث مراحل هامة في المشروع الوطني السوداني: أولاً ، بناء سردية وطنية جامعة عن المخاطر الوجودية لهذه الحرب؛ ثانياً، قضايا بناء واستدامة السلام والاستحقاقات المترتبة على القوى الوطنية المدنية الديمقراطية من أجل إنجاز هذه الأهداف الوطنية السامية.

ثالثاً، تحديات وآفاق التوافق علي عقد اجتماعي وازن لتحقيق الانتقال المدني، الديمقراطي وتأسيس شرعية سياسية-اقتصادية مزدوجة لبناء ديمقراطية برامجية تتعدى التنافس الانتخابي إلى إنجاز تحو لات اقتصادية نهضوية تعالج جذور أزمة التخلف والشمولية والنزاعات التي أقعدت بالمشروع الوطني السوداني.
في هذا الجزء الثاني من المقال نستدعي الدروس والعِبَر من مظانِ تراثنا العربي الثر عن كوارث الحروب الأهلية، لما لهذه العِبَر والدروس من دلالات عظيمة لحالنا ومآلنا في ظل هذه الحرب المأساوية.
لقد أصاب أديبنا العالمي الكبير، الراحل المقيم، الطيب صالح في إحدى مقالات سِفره الفخيم، "مختارات"، والتي تحدث فيها عن الحروب الأهلية وما ألحقته ببلده السودان وأيضاً لبنان التي عاصر حربها عندما كان يعمل في قسم الشرق الأوسط في الإذاعة البريطانية، لقد أصاب أستاذ الطيب حين قطع بأنه لم يجد توصيفاً لمآسي الحروب الأهلية أكثر بلاغة وتعبيراً عما جادت به قريحة الشاعر الجاهلي الفحل زهير بن أبى سلمى في معلقته الشهيرة عن حرب داحس والغبراء، منذ ما يقارب خمسة عشر قرناً من الزمان:
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ
فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ كَأَحْمَـرِ عَاد ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِمِ
فَتُغْـلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِـلُّ لأَهْلِهَـا قُـرَىً بِالْعِـرَاقِ مِنْ قَفِيْز وَدِرْهَـمِ

يعتبر زهير عند بعض النقاد القدماء ثالث الفحول من الشعراء في الجاهلية وهم إمرؤ القيس، وزهير والنابغة الذبياني. بل إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اعتبره خير الشعراء في الجاهلية على الإطلاق لأنه شاعر الحكمة، وهذه لعمرى شهادة لا تدانيها شهادة.
يقول شاعرنا الحكيم إن الحرب وويلاتها لا تحتاج لترجمان، فهي واضحة لكم وقد خبرتموها، حيث أنها من فعلكم ومتى أشعلتموها تأتيكم ذميمة، تعرككم كما تعرك "الثِفال" ذرات العيش في الرحى الصخرية. هذه الحرب تلد المصائب كالناقة "الكشوف" التي تلد التوائم كل عام، نكاية عن كثرة وتطاول المصائب الى تأتى بها. هذه الحرب ستنتج لكم غلمان شؤم، وأشأم هو الشؤم بعينه ،كلهم مثل أحمر عاد (قدار بن سالف) الذي عقر الناقة، وعاد هنا تعنى ثمود قوم سيدنا صالح )لأن ثمود يقال لها عاداً الآخرة ويقال لقوم هود عاداً الأولى ،ودليل قوله تعالى "وَأَنَّهُٓ أَهۡلَكَ عَاداً الأولى"، النجم: 50(. ثم يتطاول أمر هذه الحروب، كما قطع الشاعر وتؤيد ذلك أدبيات الحروب الأهلية الحديثة، حتى تكون بمنزلة من تلد وترضِع وتُفطِم، وغِلة هذه الحرب ليس ما تسرون به مثل ما يأتي أهل العراق من الطعام والدراهم، ولكن غِلتها ما تكرهون من الموت والدماء.


ibrahim.abdelsatir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحروب الأهلیة هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

لماذا يترك البرهان منصب رئيس الوزراء في السودان شاغرا؟

الخرطوم- تتصاعد تساؤلات في السودان عن تجنب مجلس السيادة تعيين رئيس وزراء بصلاحيات كاملة لإدارة الحكومة بدلًا من تكليف وزير للقيام بمهامه، بعدما ظل المنصب شاغرا منذ استقالة رئيس وزراء المرحلة الانتقالية عبد الله حمدوك في يناير/كانون الثاني 2022.

ويعتقد مراقبون أن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وأعضاء المجلس من المكوِّن العسكري، يريدون الإبقاء على خيوط السلطة في أياديهم وتكريس نفوذهم، وإدارة الوزارات عبر إصدار قرار رئاسي بالإشراف عليها، من دون تحمل مسؤولية أي فشل أو تقصير في الجهاز التنفيذي.

دفع الله الحاج علي الذي عيّنه البرهان وزيرا لشؤون مجلس الوزراء (مواقع التواصل) منصب شاغر

في أغسطس/آب 2019، وقّع كل من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) وثيقتي "الإعلان الدستوري" و"الإعلان السياسي"، بشأن هياكل وتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية، بعد الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في السودان، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وعلّق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية والشراكة مع تحالف قوى الحرية والتغيير بعد إزاحتها عن السلطة، ووقع المكوّن العسكري اتفاقا جديدا مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك غير أنه استقال في يناير/كانون الثاني 2022.

إعلان

وكلف البرهان وكلاء الوزارات بمهام الوزراء، عدا 6 وزراء ظلوا في مواقعهم الأصلية، هم ممثلو حركات دارفور والحركة الشعبية – شمال برئاسة مالك عقار، وهم وزراء كل من المالية، والمعادن، والتنمية الاجتماعية، والطرق، والثروة الحيوانية، والحكم الاتحادي.

كما كلف البرهان الأمين العام لمجلس الوزراء عثمان حسين بتسيير مهام رئيس الوزراء، وبعد استمرار التكليف أكثر من 3 سنوات ظل رد أعضاء مجلس السيادة على الصحفيين أن الوثيقة الدستورية لا تتيح لهم تعيين رئيس وزراء.

وبعد خلو منصب رئيس الوزراء أكثر من 4 أعوام صادق المجلس التشريعي المؤقت (مجلس السيادة ومجلس الوزراء) على تعديلات على الوثيقة الدستورية في فبراير/شباط الماضي، تم منح مجلس السيادة بموجبها سلطات واسعة، منها تعيين وإعفاء رئيس الوزراء، إضافة لتعيين وإعفاء حكام الأقاليم وحكام الولايات.

بَيد أن البرهان فاجأ السودانيين الأسبوع الماضي بتكليف السفير دفع الله الحاج علي وزيرًا لشؤون مجلس الوزراء، وتوليته مهمة تسيير مهام رئاسة الوزراء في البلاد.

تشديد القبضة

ويرى مراقبون للمشهد السياسي أن البرهان كان يناور ويكسب الوقت لتجنب تعييين رئيس وزراء، حيث كان يطلب من قوى سياسية مساندة للجيش ترشيح شخصيات مستقلة للمنصب، واستدعى العام الماضي شخصية قانونية ودبلوماسية كانت تشغل موقعا مرموقا في الأمم المتحدة، وأبلغه أنه المرشح الأوفر حظا للموقع.

من جانبه، يقول الكاتب ورئيس تحرير "التيار" عثمان ميرغني أن "البرهان وبعد انقلابه على الحكومة المدنية قبل أكثر من 4 أعوام، تعهد في أول بيان بتسمية رئيس وزراء والبرلمان ومجلس القضاء والنيابة العامة والمحكمة الدستورية، وحدد موعدا لا يتجاوز أسبوعا".

ويوضح الكاتب للجزيرة نت أن "البرهان لم يفِ بوعده، بل زاد من قبضته على مفاصل القرار في الدولة، حتى بات منفردا بالسيطرة على الدولة بكافة مستوياتها".

إعلان

وحسب المتحدث، فإن رئيس مجلس السيادة وبعد تزايد الضغوط  المطالبة بتشكيل حكومة عقب تعديل الوثيقة الدستورية، سمى أخيرا دفع الله الحاج وزيرا ومكلفا بأعباء مهام رئيس الوزراء، مما يعني قطع آخر فرصة لمن كانوا يتوقعون استكمال هياكل الدولة.

ويضيف ميرغني أن "البرهان لا يرغب بالسماح بأي قدر من توسيع دائرة القرار، مما يعني عمليا أن دفع الله الحاج لن يستطيع تجاوز دوره عندما كان مبعوثا شخصيا لرئيس مجلس السيادة في الشهور الأولى لاندلاع الحرب، ولن يتاح له إظهار قدراته في إدارة الجهاز التنفيذي، في ظل إشراف مجلس السيادة على الوزارات، وبالتالي ستكون النتيجة مزيدا من إضعاف الدولة داخليا وخارجيا في ظل ظروف معقدة".

منصب للمساومة

يرجح الباحث والمحلل السياسي خالد سعد وجود سببين وراء عدم تسمية رئيس وزراء:

أولهما إبقاء ملف تشكيل حكومة انتقالية مفتوحا للتفاوض والمساومة لما بعد انتهاء الحرب. والثاني استمرار تمسّك المكون العسكري بالأمور السياسية والعسكرية في ظل استمرار الحرب، وتمسك القيادة العسكرية برؤية أن طبيعة الحرب لا تسمح بوجود حكومة مدنية قد تقيد خططهم العسكرية.

ويقول الباحث للجزيرة نت إن تسمية رئيس وزراء يحمل دلالات: أبرزها التأكيد على عدم تسليم السلطة للأحزاب المتشاكسة، سواء المناصرة أو المعارضة للحرب، ويرجح أن اختيار شخصية غير حزبية للمنصب يقلل من احتمالات الاصطفافات السياسية الحادة في هذه المرحلة.

ووفقا للباحث فإن تسمية دفع الله -الذي كان سفيرا للسودان في الرياض- سيعزز من تقارب السعودية مع الخرطوم، والاستفادة من قدراته في بناء علاقات مصالح بين الدولتين، خاصة في مرحلة إعادة إعمار البلاد بعد الحرب، باعتبار أن استقرار السودان من مصلحة السعودية، مع تزايد التهديدات على بورتسودان المطلة على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر وجدة السعودية على الجانب الغربي.

إعلان

مقالات مشابهة

  • قائد عسكري إسرائيلي سابق: نتنياهو يقودنا لحرب بلا نهاية
  • سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب
  • حماس: يجب رفع كلمة لا لحرب التجويع بوجه نتنياهو
  • أول تعليق للبابا الجديد بخصوص الحروب في العالم
  • "دعاء الامتحانات".. نصائح ودعوات لنجاح الطلاب في الترم الثاني 2025
  • بعد أن تصدرت “الترند” وأنهالت عليها الإشادات.. تعرف على الأسباب التي دفعت الفنانة فهيمة عبد الله لتقديم التهنئة والمباركة لزوجها بعد خطوبته ورغبته في الزواج مرة أخرى
  • لماذا يترك البرهان منصب رئيس الوزراء في السودان شاغرا؟
  • ناطق حكومة التغيير يوضح جانبا من الإنجازات والجهود التي بذلت في التصدي للعدوان الأمريكي
  • النبي يخلّد وفاء سيدة رفضت تقاليد الجاهلية لتربية بعد وفاة والده
  • رسالة من شيخ الأزهر إلى الهند وباكستان: أوقفوا الحرب