طارق سعدة يكتب: كُتب علينا التصحيح (30 يونيو)
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
بعد أحداث الخامس والعشرين من يناير العام ألفين وأحد عشر وما كشفته للمجتمع من وجوه عكرة وطماعين وبائعين للأوطان ومتاجرين بقضايا واحتياجات الشعب، كل هذا جعلنا نعيش حقبة زمنية شديدة التخبط، فالمدخلات الخاطئة أفضت بنا إلى مخرجات خاطئة، حيث ظهر الخاطفون الطماعون المتاجرون بالوطن والذين لا يعلمون شيئاً عن مفهوم دولة ذات تاريخ وحدود سياسية وموروثات ثقافية وتنوع أيديولوجى، ولا يؤمنون بالاختلاف والتنوع، ولكن كانت عقيدتهم طاعة ولى الأمر المتمثل فى المرشد الأعلى للجماعة، والمخطط لفكرهم والساعى لتحقيق أحلامهم، بأى شكل وباستخدام أى أدوات، حتى لو كان ذلك بتقديم مصر بشعبها ومقدراتها لتنظيمهم العالمى، وفى ظل هذا كله يبقى الرهان على الشعب المصرى وعبقريته وحبه لوطنه واستشعاره الخطر وفطونه لتلك المخططات، وهذا العبث الدائر على الأرض والشعب المصرى، حيث أصبح واضحاً وضوحاً يقيناً أن الوطن ليس تجمعاً من مصطلحاتهم ولا من مساعيهم أو من شواغلهم المحافظة عليه، ورفعوا شعار «من لم يكن معنا فهو علينا»، واستعدوا من خالفهم فكراً وسلوكاً ورفعوا سيف الانتقام وروَّعوا الآمنين، وقدموا البلد قرباناً يقربهم من تنفيذ مخططهم وحلم الجماعة الدولى.
ودون خبرة فى الإدارة أو القيادة وصل هؤلاء (قراصنة الوطن - تجار الدين) إلى سدة الحكم الأقدم دولة وشعباً وحضارة عبر التاريخ، أصحاب الإعجاز الأثرى الحى الذى ورثناه عن الآباء والأجداد الذى أذهل ويدهش إلى يومنا هذا كل من شاهده ورآه، نسوا كل هذا ودخلت الدولة المصرية وقتهم فى نفق شديد الظلام غير محسوب المسافة هو أشبه بالمتاهة، وأصبح اليقين الواضح لدى كل المصريين أن مصر تضيع، وأهمية هويتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها وأمنها وأمانها، فقال الشعب كلمته ووقف وقفته بكل حسم وشجاعة، وأصبح التهديد للمصريين واضحاً بالقتل والفتك دون خجل، وأوصلوا رسالتهم هذه إلى العالم أجمع بأنهم لن يتركوا أماكنهم حتى ولو قتلوا الشعب كله.
وتحولت الدولة إلى بحر دماء، فلم يجد المصريون وسط هذه التهديدات إلا الاستنجاد بالجيش المصرى العظيم وقائده المهيب، المصرى البطل الذى حمل كفنه على يده استجابة لتوسلات أهله من المصريين، ولأنه واحد من الشعب يعيش ويشعر بأنين أهله، قام وقبل وانتفض واستجاب للنداء، وعمل بالتفويض الذى منحه الشعب إياه، وخرج أكثر من ثلاثين مليون مصرى إلى الشارع فى ثورة لم يسبق لها مثيل فى التاريخ، فالثورة وجدها المصريون ضرورة مهما كلفتهم للتخلص من هذا الحكم الأسود، حكم الإخوان، وصاحب ضرورة الثورة من الشعب حتمية القبول من الابن البار والقائد الملهم المخلص المشير/ عبدالفتاح السيسى، القائد العام وقتها للقوات المسلحة المصرية، بيت الوطنية مركز إعداد الأبطال، وهذا الالتقاء الحتمى بين ثورة الشعب واستجابة البطل فكتب النجاح وبامتياز لتلك الثورة المهيبة، ونجح المصريون فى إنقاذ مصر واستعادتها فى اللحظات الحرجة من مختطفيها الإخوان الخونة الذين لا يعلمون لا عن الإنسانية ولا الوطنية شيئاً، ومن وقت نجاح ثورة ٣٠ يونيو بدأ التخطيط المرحلى فى إعادة الدولة بمفهومها وأركانها وركائزها ومؤسساتها، ثم تبعتها الخطة الحالية لبناء الجمهورية الجديدة التى هى محل تنفيذ شامل حتى الآن، ويبقى البطل الرئيس عبدالفتاح السيسى هو كلمة السر فى استرداد وإعادة بنائها بشكل عصرى متكامل نفخر ونتباهى به أمام العالم
* نقيب الإعلاميين د. رامى عطا*
يكتب:عودة مسار المواطنةلم تكن ثورة 30 يونيو 2013م مجرد ثورة شعبية قام بها المواطنون المصريون ضد نظام الحكم، وضد جماعة أرادت الانحراف بسيرة الوطن ومسيرته والعمل على تغيير هويته التى ترسخت عبر آلاف السنين، جماعة أرادت «أخونة» وطن بأكمله، ومارست السياسة على أرضية دينية، ما يبعدنا عن مفهوم الدولة المدنية الحديثة، التى تفصل الدين عن السياسة دون أن تفصله عن المجتمع، لأن الدين مقدس، أما السياسة فهى متغيرة.
فى تقديرى أن ثورة 30 يونيو فى حقيقتها كانت التفافاً وتجمعاً حول الوطن مصر، من حيث استيعاب ماضيه والتفكير فى حاضره والتطلع إلى مستقبله، ومن هنا جاءت ثورة المصريين تعبيراً عن رغبة حقيقية فى تصحيح المسار وإعادة توجيه البوصلة من خلال العودة بمصر مرة ثانية وطناً مُحباً للجميع، يحتضن الكل ويستوعب الكل، وطناً لا يستبعد أحداً ولا يقصى أياً من مكوناته، فالجميع مدعو للتكاتف والعمل والاشتراك والتعاون من أجل تحقيق الصالح العام والخير العام.
كانت جماعة «الإخوان» قد تأسست عام 1928م فى مدينة الإسماعيلية، ثم انتقلت إلى القاهرة وصار لها حضور فى أكثر من محافظة، وقد صارت جماعة «محظورة» منذ خمسينات القرن العشرين، بعد ثورة 23 يوليو 1952م، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى جماعة «محظوظة»- بتعبير البعض- بعد ثورة 25 يناير 2011م، حيث تردد قادتها فى البداية فى الالتحاق بمسيرة الثوار، لكنها استطاعت أن تتصدر المشهد بعد أن تأكد لها نجاح الثورة فى الإطاحة بنظام حسنى مبارك (1981-2011م)، ولما وصلت إلى الحكم وتربعت لمدة عام (2012-2013م) فإنها اصطدمت بكثير من مكونات الجماعة الوطنية المصرية، من خلال تصريحات وممارسات غير مسئولة تبعد عن سياسات الدول الحديثة ونهجها، حيث اصطدمت بالمواطنين الأقباط والمرأة والفنانين والصحفيين والإعلاميين ورجال الجيش والشرطة والقضاء وغيرهم.
ولعلنا لا ننسى حالة التشفى والكيد والتكبر والتعالى التى مارسها أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية ومؤيدوهم، حيث استخدموا خطاباً سياسياً لا يلائم تطورات العصر، ولا يليق بمصر القرن الحادى والعشرين، خطاباً يفرّق ولا يُجمّع، خطاباً لا يحترم التنوع ولا يؤمن بالتعددية، على الرغم من أن سمة التعددية والتنوع واحدة من أبرز السمات التى يتميز بها المجتمع المصرى منذ مئات السنين، حيث يعيش المصريون فى إطار من الوحدة الحاضنة للتنوع، وكان من المُلاحظ أن هذا الخطاب قد أخذ يزداد ويمتد ويتعالى يوماً بعد آخر، فمن كان يصدق عودة أفكار وأحاديث بالية، مثل فرض الجزية على المواطنين الأقباط فى مقابل عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية/ الجيش!! والدعوة لحصر دور المرأة المصرية فى أدوار تقليدية ومناداة البعض بعودتها إلى المنزل!! فضلاً عن مهاجمة الفن والفنانين، ومعاملات غير لائقة للصحفيين والإعلاميين وغيرهم!! ما أساء للدولة المصرية ومواطنيها سواء فى الداخل أو فى الخارج.
من هنا كان لا بد للمصريين من أن يقوموا، وكان لا بد لهم من أن ينهضوا ويثوروا، فكانت ثورة 30 يونيو 2013م، وكان فجر يوم جديد، والتطلع نحو بناء وتأسيس جمهورية جديدة، أراد المواطنون المصريون أن تقوم على دعائم المواطنة والحرية والقانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحوار الوطنى، وغيرها من قيم الدولة المدنية الحديثة التى تواكب العصر، تسايره ولا تتخلف عنه، فكانت ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو رسالة للجميع بأن مصر دولة حرة وأبية، صاحبة حضارة عظيمة وصانعة مجد تليد، وأنها لن تتخلى يوماً عن مجدها القديم.
وتبقى مصر «هبة المصريين» وصنيعة أبنائها وبناتها، ويبقى الأمل دائماً مع كل صباح كل يوم جديد، نؤمن فيه بمبدأ المواطنة، حيث المشاركة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون تفرقة ودون تمييز بين مواطن وآخر، وطن يؤمن بقيم الإنتاج والعمل، والحوار والتعاون والعيش المشترك والتسامح، من أجل حاضر أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً، لنا ولأولادنا من بعدنا
*الباحث فى ملف المواطنة
وحقوق الإنسان أيمن عقيل*
يكتب: د. رانيا يحيى*
تكتب:ثورة 30 يونيو.. ما الذى تغير؟من الكسر إلى النصر
على مدار عقود تجاوزت نصف القرن، ظل شهر يونيو عالقاً فى بؤرة العقل الجمعى العربى فى عمومه، والشعب المصرى خصوصاً، بكل ما يحمله من غصة وألم، حيث ارتبط بذكرى موجعة مسطورة فى التاريخ، حين تحققت النكسة والهزيمة فأوجعت الأمة العربية بأكملها عام 1967، واستمرت هكذا طيلة هذه السنوات، ولم تُضمَّد الجراح إلا بحلول النصر الأعظم فى أكتوبر 73، ولكن حين يحل علينا هذا الشهر نسترجع تلك الوجيعة، إلى أن جاء نصر آخر لا يقل أهمية باستعادة وطن تم اختطافه واحتلاله من جماعة فاشية إرهابية، نغَّصت علينا الحياة فى سنة هى الأعقد والأسوأ فى عمر بلدنا. أتذكر تلك الأيام القاسية، وما عانيناه كأسر وأفراد، وأيضاً كمؤسسات فى الدولة، وما انتابنى حينذاك من حزن كغيرى من المصريين أرَّقنا، ومخاوف ألهبت مشاعرنا على وطن استودعناه، وكنا لا نعرف كيف ستنقضى تلك الغمة، ومن أين يأتى الفرج.
لكن لأن الله سبحانه تجلى فى مصر، وذكرها فى كتابه العزيز، وقال عنها «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، تحققت كلمات الله، وقدَّرها عز وجل فى صورة قائد عسكرى محنك، خشى على وطنه، فقدم نفسه فداء، وضع كفنه على يده، ووقف فى مواجهة قاسية ومربكة للعدو المحتل والمغتصب لحكم مصر. وتبدل الحال بقدرة المولى، وخرجت الملايين من كل فج عميق إلى ميادين مصر من شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، فى مشهد مهيب يوم 30 يونيو 2013، لنودع انكسار هذا الشهر بذكرياته المؤلمة، لشهر الاحتفال والانتصار، شهر الأفراح وتبديد المخططات الصهيونية بأيادٍ مصرية.
لم تقتصر تلك الثورة على الرجال، وإنما لعبت المرأة المصرية دوراً لا يمكن نكرانه، أو اختزاله، حيث خرجت للشارع، مصطحبة أطفالها وجيرانها وأصدقاءها، وتوجهت للميادين، لتقف بعزة وكرامة وشموخ تنادى وتدافع عن حق وطنها، وتثبت أن المرأة المصرية على مدار التاريخ سيدة مواقف سياسية ورؤية مصيرية منذ حضارة أجدادنا قدماء المصريين ووصولاً للعصر الحديث، حيث ساهمت المرأة المصرية فى فك الحصار الأجنبى والاحتلال الغربى حين تصدت لرصاصات الاحتلال فى مسيرات تاريخية جسَّدتها ثورة 1919، واستمراراً لهذا الدور البطولى، اتكأت المرأة على بصيرتها وإيمانها بقدرتها فى التصدى وحماية أمتها، دون خوف أو ذعر، رغم محاولات زعزعة الثقة التى استمرت عبر كل الوسائل، والتهديد والوعيد الذى حاوطها، لكن لأنها قادرة على استشعار الخطر بالفطرة، كان رد فعلها لا يحتسب سوى مصلحة الوطن التى وضعتها المرأة المصرية فوق كل اعتبار، وبتكاتف الجميع شعباً وجيشاً وشرطة، وبريادة حكيمة تمتلك الرزانة والكياسة، امتلك القائد العسكرى زمام الأمور وتحقق الاستقلال من هذا المستعمر الظلامى الفاشى.
لحظات لا يمكن أن تُمحى، ذكريات عشناها بكل ما فيها من قلاقل، هيبة المؤسسات التى أبادوها، الحرائق المدمرة هنا وهناك، الارتباك الحادث فى شتى مجريات الحياة، ليخرج علينا بيان 3 يوليو، باعتباره المخلص من هذا الجحيم. وننجو جميعاً بمصر التى تستحق الحماية والرعاية، لتبدأ مرحلة جديدة من عمر الوطن، ويتغير الحال، وتصبح المرأة المصرية أيقونة تلك الثورة التى استُبدلت بصورة وردة، لتنطلق بإرادة سياسية تؤمن بدورها، فتمكنها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتستصدر التشريعات الموجبة لحمايتها، وتقدم لها جميع أشكال الدعم والرعاية، وتحقق لها التوعية اللازمة، ليصبح مؤشر قياس الفجوة بين الجنسين فى وضع أفضل نتيجة لما يتحقق على الأرض، فقد كانت المرأة المصرية محظوظة أن تعيش فى عصرها الذهبى فى ظل قيادة سياسية تؤمن بقدراتها، وتمنحها مكتسبات تسطرها صفحات التاريخ كشاهد على عصر التمكين، وأصبحت المرأة تتقلد أرفع المناصب كوزيرة ومحافظة، ومستشار السيد الرئيس للأمن القومى، وبلغت أعداد النساء تحت قبة البرلمان 28% فى الغرفة الأولى، و14% فى مجلس الشيوخ، كذلك زيادة أعداد نواب المحافظين والوزراء تأكيداً على الرغبة فى تأهيل المرأة، بل وتوليها أرفع المناصب، ولم تقتصر أشكال التمكين تلك على هذه الوظائف العليا، وإنما وصول المرأة لمنصتى النيابة العامة ومجلس الدولة بعد نضال استمر أكثر من سبعة عقود من الزمان، وزيادة أعداد التمكين القيادى للمرأة فى جميع القطاعات والوزارات دون تمييز، الذى ننطلق منه دستورياً، فليس هناك دليل قاطع على تلك الإرادة سوى مواد الدستور المصرى التى تحظر هذا التمييز، كذلك بلوغ التمكين للمجالات الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الحماية الثقافية والتشريعية وفق استراتيجية النهوض بالمرأة المصرية 2030.
لقد كانت المرأة المصرية عموداً فقرياً فى نجاح ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو، وستظل المرأة دوماً هى الحصان الفائز فى أى رهان، مؤكدة على بطولتها وصمودها وبسالتها وإيثارها لصالح دولة عظيمة تستحق منها ومن الجميع مزيداً من العطاء، لأنها ببساطة شديدة «مصر كنانة الله فى أرضه، من أرادها بسوء قصمه الله»
*عضو المجلس القومى للمرأة وعميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنونقد ينسى البعض، أو يتناسون عمداً، فى ظل الأزمات والتحديات التى تحيط بالدولة المصرية من حروب ونزاعات على حدودها الشرقية والجنوبية، الأهمية التى تمثلها ثورة 30 يونيو خلال ذكراها الحادية عشرة، لكن كل شخص يمتلك ذاكرة قوية، وعقلاً ناقداً ورؤية تحليلية قائمة على الأدلة، لا يمكن أن ينسى أهمية 30 يونيو وآثارها، فكانت هذه الثورة بمثابة ضوء فى نهاية نفق مظلم كادت تورط فيه جماعة الإخوان الدولة المصرية فى مشكلات لا حصر لها تعصف بكيان الدولة، وكان الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى والذى حصّن فيه قراراته ومنح نفسه بموجبه سلطات مطلقة بمثابة النقطة المفصلية التى قرر عندها المصريون أن يضعوا حداً لهذا التصرفات غير المسئولة لأنهم استشعروا الخطر الذى يمكن أن يمثله استمرار الجماعة فى الحكم. كان ذلك دافعاً أمام 33 مليون مصرى للخروج فى الشوارع والساحات العامة من أجل المطالبة بإنهاء حكم الجماعة، لذلك يمكن الجزم بأن 30 يونيو أعادت توحيد المصريين حول قيم كاد مشروع الإخوان أن يفقدهم إياها، وهى قيم المواطنة والتسامح والتعايش السلمى.
هذه مقدمة كان لا بد منها قبل أن أنتقل إلى آثار وتبعات هذه الثورة فى ذكراها الحادية عشرة، فقد نظرت إلى هذه الآثار أو التغيرات التى طرأت على الدولة المصرية بعد 30 يونيو من بُعد حقوقى واجتماعى وتنموى، فعلى الصعيد الحقوقى تم تعزيز عمل المجتمع المدنى فى إطار القانون 149 لسنة 2019 الخاص بممارسة العمل الأهلى وهو القانون الذى يعد نقلة نوعية فى تعزيز العمل الأهلى. وفى سياق مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف تراجعت معدلات العمليات الإرهابية لمستوى لم يعد يذكر، وكان ذلك نتيجة طبيعية لخطوات قامت بها الدولة المصرية وقواتها المسلحة اعتماداً على ثنائية مكافحة الإرهاب والتنمية كمسارين متوازيين، ففى إطار مكافحة الإرهاب أقر التقرير السابع عشر للأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالتهديد الذى يشكّله تنظيم داعش على السلم والأمن الدوليين بأن مصر لجمت مخاطر إنشاء فرع محلى لتنظيم داعش، كما انحسر نشاط جماعة بيت المقدس كنتيجة للجهود التى قامت بها السلطات المصرية، أما فيما يتعلق بمسار التنمية فقد أعادت مصر افتتاح مطار العريش الدولى، وأنفقت خلال العقد الأخير 750 مليار جنيه على مشاريع التنمية فى سيناء، كما شمل المشروع القومى لتنمية سيناء إنشاء ما يقترب من 77 ألف وحدة سكنية وشبكة طرق بجانب مناطق صناعية فى شبه جزيرة سيناء.
كما شهد التوسع العمرانى وبناء المدن الجديدة مساراً لم يكن موجوداً قبل 30 يونيو، وقامت ببناء 48 مدينة سكنية جديدة وفقاً لبيانات وزارة الإسكان فى ضوء استراتيجية لزيادة المساحة المأهولة بالسكان ولضمان تطبيق معايير السكن اللائق كحق من حقوق الإنسان الواردة فى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذى صادقت عليه مصر، كما اتخذت تحدياً للقضاء على المناطق العشوائية بعد 30 يونيو وهو ما تحقق بالفعل بإعلان رئيس مجلس الوزراء بالقضاء على المناطق العشوائية الخطرة.
لم تتوقف الآثار على ما سبق، لكن توازى مع هذه الخطوات رغبة فى الإصلاح السياسى تمثلت فى صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 570 لسنة 2013 بتشكيل لجنة الخمسين لتعديل الدستور وهى اللجنة التى أفضت جهودها إلى صدور دستور 2014 والذى جرى تعديله فى عام 2019 وهو الوثيقة التى احتوت على ضمانات لتعزيز حقوق الإنسان، حيث اعتبر الدستور المصرى فى المادة 92 أن الحقوق والحريات المرتبطة بالمواطن لا يمكن أن تتعرض للتعطيل أو النقصان كما لا يجوز لأى قانون أن يفرض قيوداً عليها، كما اعتبر الدستور فى المادة 92 أن استقلال القضاء هو الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات. وجاء هذا الدستور ليكون بديلاً للدستور المعيب الذى صاغته جماعة الإخوان والذى قيد سلطات القضاء وميز ضد المرأة وعصف بالحريات المدنية والدينية. ودولياً وإقليمياً عززت مصر علاقاتها بالمؤسسات الدولية والإقليمية عقب 30 يونيو، وانتخبت مصر عضواً غير دائم بمجلس الأمن فى عامى 2016- 2017، كما أنها اختيرت فى 24 أغسطس 2023 للانضمام إلى مجموعة بريكس وهى تكتل اقتصادى يستحوذ على 25% من الاقتصاد العالمى، أما إقليمياً فنجحت الدولة المصرية فى استعادة عضويتها فى الاتحاد الأفريقى بعد أن جُمدت هذه العضوية فى أعقاب 30 يونيو 2013 وانطلقت من حينها لتعزز علاقاتها بالدول الأفريقية. أخيراً يمكن الجزم أن «30 يونيو» مثلت لحظة فارقة فى التاريخ الحديث للدولة المصرية، اللحظة التى قرر فيها المصريون والقادة الوطنيون التصدى للمكائد التى دبرها الإخوان والعزم على معالجة الأزمات التى فرضتها الجماعة من خلال محاولة الاستئثار بالحكم وحدهاً خروجاً على الإجماع الشعبى
* رئيس مؤسسة ماعت للسلام
والتنمية وحقوق الإنسان محمد أبوالعلا*
يكتب:ميلاد جديد لمصر الحديثة
ثورة الثلاثين من يونيو 2013 لم تكن مجرد حدث تاريخى، بل كانت ضرورة حتمية لإنقاذ مصر من حكم جماعة الإخوان الإرهابية والكوارث التى ترتبت على سياساتها من عنف وإرهاب. لقد شهدت مصر خلال حكمهم تدهوراً على كافة الأصعدة، مما دفع الشعب المصرى للانتفاض بثورته الباسلة، مسطراً فصلاً جديداً من فصول النضال الوطنى.
ففى حياة الأمم والشعوب، هناك أيام تظل محفورة فى الذاكرة الوطنية بأحرف من نور، وتأتى ثورة الثلاثين من يونيو كواحدة من هذه الأيام الخالدة فى تاريخ مصر. لقد كانت هذه الثورة تجسيداً لإرادة شعبية جارفة، حيث انتفض الشعب المصرى بثورته الباسلة التى أيدها ودعمها الجيش المصرى البطل، فى ملحمة وطنية لا تُنسى، مهدت الطريق لتأسيس الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
فقد أسقطت هذه الثورة حكم الفاشية الدينية، وأعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، مؤذنة ببداية حقبة جديدة من البناء والتطوير. كانت الخطوة الأولى نحو بناء دولة مصرية حديثة متطورة هى إنشاء بنية تحتية عملاقة، شهد لها القاصى والدانى، حيث تم تنفيذ مشروعات قومية ضخمة لم تشهد مصر مثلها من قبل، مما نقل البلاد إلى مصاف الدول الكبرى. وفى قلب هذه المشروعات، كان بناء جيش مصرى قوى ومجهز بأحدث التقنيات من الأولويات، ليكون درعاً وسيفاً للوطن، يحمى مقدراته ويردع كل من تسول له نفسه الاقتراب منها. هذا الجيش، الذى أصبح الأكبر والأقوى فى منطقة شديدة الاضطراب والتعقيد، لعب دوراً حاسماً فى الحفاظ على أمن واستقرار مصر.
لكن التنمية فى مصر لم تقتصر على البنية التحتية والدفاع، بل امتدت إلى الإنسان المصرى ذاته. فالإنسان المصرى هو هدف التنمية ووسيلتها، ومن هذا المنطلق، جاءت ثورة 30 يونيو لتضع الأسس السليمة لبناء الإنسان المصرى والنهوض به. أطلقت الدولة عشرات المبادرات فى مجالات الصحة والتعليم والإسكان والثقافة، بهدف إخراج المصريين من دائرة الفقر والمرض وضعف التعليم، وتحقيق حياة كريمة لجميع المواطنين.
فقد شهدت مصر طفرة فى تحسين جودة الحياة، بفضل هذه المبادرات. توسعت الخدمات الصحية والتعليمية، وشُيِّدت مشاريع إسكانية كبرى، مما أحدث نقلة نوعية فى حياة المصريين، وأضفى عليها طابعاً جديداً من الأمل والتفاؤل بالمستقبل. ستظل ثورة الثلاثين من يونيو يوماً خالداً فى ذاكرة المصريين، رمزاً للكرامة والحرية، وتجسيداً لإرادة شعب لا يقبل الظلم ولا يرضى بالتبعية. كانت هذه الثورة بداية لمسار جديد نحو بناء مصر الحديثة، وتعكس روح التحدى والصمود لدى الشعب المصرى. لقد أكدت هذه الثورة أن المصريين قادرون على صنع مستقبلهم بأنفسهم، وسيظل يوم الثلاثين من يونيو محفوراً فى ذاكرة الوطن كعلامة فارقة فى تاريخه، ورمزاً للفداء والعزة، يلهم الأجيال القادمة للسعى نحو بناء وطن قوى ومزدهر
* رئيس الحزب العربى الناصرى أحمد العوضى*
يكتب:عبدالناصر قنديل*
يكتب:لماذا كانت الثورة واجبة؟نقطة تحول تاريخيةيمثل الحراك الجمعى المصحوب بتأييد شعبى واسع حالة استثنائية خاصة فى تاريخ الشعوب والأمم؛ تستدعى حشد طاقات وتوافر ممكنات ذات طبيعة خاصة لا تتوافر للأمم إلا فى حالات شديدة الخصوصية تستدعى إحاطتها بهالة وإفراد صفحات متفردة لها فى التاريخ الإنسانى من منطلق أن تكرارها أمر يمكن الطموح له لكن لا يمكن تحديد موعده مطلقاً، ومن هنا تأتى الاستثنائية والانبهار بالحالة المصرية التى تصر دوماً على تعليم البشرية والإنسانية معنى أن تكون مصرياً.
فما كاد العالم يستفيق من حالة الانبهار والتأمل فى المسلك المصرى المصاحب لانتفاضته الشعبية لتنحية حاكم استبد بموقعه لثلاثة عقود تراكم فيها الفساد والاستبداد لدرجة خال البعض معها استحالة تصحيح المسار، فإذا بالشعب المصرى يخرج إلى الساحات والميادين طوال ثمانية عشر يوماً من (25 يناير 2011) وحتى (11 فبراير 2011) متمسكاً برحيل النظام ورافضاً لكل المسكنات والتنازلات التى لا ترقى لآماله حتى تحقق له ما أراد لحظتها، وإن كانت مكاسبه قد تسربت من بين يديه فى لحظات تالية لسوء إدارة المرحلة الانتقالية، ليعود الشعب وبعد عامين ونصف (فقط) من موجته الثورية الأولى وعام (أول) من حلف اليمين للرئيس الجديد ليستجمع طاقة ما كان للكثيرين توقع امتلاكه لها بل والاحتشاد بأعداد فاقت بأضعاف وصلت إلى (أربعة) أضعاف حجم الحشود الشعبية السابقة لتنحى مبارك، وفق وكالات أنباء عالمية، بل ووصفها البعض بأنها أكبر موجة ثورية فى تاريخ البشرية وتجمع بشرى استثنائى يصعب تخيل إمكانية تكراره مستقبلاً ليعزل الشعب رئيساً رآه أقل من حجم طموحاته ولا يحقق للثورة مطالبها التى قامت من أجلها بقدر ما يحقق لتنظيمه الخاص إملاءاته التى يأمره بها.
وقد مهد للوصول لتلك اللحظة التردى الشديد فى الأداءات السياسية المباشرة لذلك الرئيس المنتخب مع حالة الالتباس الواضحة فى المواقف والانحيازات بل والقرارات أيضاً، وهو ما تبدى من اللحظة الأولى فى عملية حلف اليمين التى كررها الرئيس عدة مرات؛ من ميدان التحرير إلى المحكمة الدستورية إلى جامعة القاهرة، ومن الحلف أمام شباب التحرير إلى تكراره أمام قيادات جماعته وتنظيمه ليظهر مرسى رئيساً مرتبكاً وشخصاً منفذاً للإملاءات أكثر مما هو قادر على اتخاذ القرار والذى تظهر دلالاته فى رصد وتحليل العديد من المواقف المرتبطة بقراراته على النحو التالى:
أولاً: غياب مبادئ المشاركة فى صناعة واتخاذ القرار الرئاسى (الانفراد بالقرار)، حيث عكست قرارات الرئاسة المصرية حالة من الانفراد التام للرئيس وحزب الجماعة الحاكم بصناعة القرار الرئاسى الذى لم يشرك فيه أى قوى سياسية أو حزبية أو سلطات الدولة غير المسيطر عليها من قبل الجماعة.
ثانياً: عشوائية القرار السياسى، حيث لم ترتبط قرارات مؤسسة الرئاسة بأى شكل من الأشكال بالوعود الرئاسية قبل تولى المنصب أو بالبرنامج الانتخابى أو بخطة استراتيجية ممنهجة، ولكنها عكست سيلاً من قرارات التعيين والتنظيم العشوائى لمؤسسات الدولة.
ثالثاً: تجاوز حدود السلطة وإهانة الدستور والقانون، حيث حملت القرارات الرئاسية منذ بداية العام الأول للرئيس تصادماً واضحاً مع السلطة القضائية وغياباً تاماً لاحترام أعلى سلطات الدولة عندما بادر بإقرار عدد من الإعلانات الدستورية تصدّرها إلغاء حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص ببطلان تشكيل مجلس الشعب بعد أيام معدودة من توليه السلطة، وثانيهما تمثل فى قرار إقالة النائب وتعيين نائب عام جديد، أما القرار الثالث فقد كان تحصيناً لقراراته وإعلاناته من الطعن أو الإلغاء بشكل فج مثّل استهانة كاملة للمؤسسة القضائية وللقانون والدستور المصرى.
رابعاً: استخدام القرارات الرئاسية لتصفية حسابات حزبية وتحقيق مصالح حزب الجماعة الحاكم مثل صدور قرارات بالعفو الرئاسى عن فصيل كبير من المحكوم عليهم فى قضايا جنائية من المنتمين لتيار الإسلام السياسى، بالإضافة لقرارات تخصيص الأراضى والتعيين وقرارات الصراع مع السلطة القضائية والمجتمع المدنى بما جعلها نموذجاً مهماً لتوجهات الرئاسة حول تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين والمدنيين لصالح تحقيق مصالح وأهداف الجماعة الحاكمة.
ليصبح الحراك الثورى للشعب المصرى فى 30 يونيو وما حققه فى موجته الثورية الثانية من إنجاز رآه البعض مستحيلاً سواء بالخروج بهذا العدد أو مواجهة تنظيم وراءه تنظيمات وأعوان وجماعات مصالح داخلية وخارجية وممكنات عنف يجرى التلويح بها فى كل لحظة ليخلع حاكماً ديكتاتورياً ويزيح جماعته وإخوانه؛ يصبح هذا الحراك بمثابة درس مهم وقاسٍ لكل من يفكر فى الاستهانة بإرادة هذا الشعب أو محاولة تغيير هويته والتحكم فى مصالحة لصالح تنظيمه وجماعته التى لقنها المصريون درساً يصعب أن تطويه صفحات التاريخ
*الأمين المساعد لحزب التجمعتحتفل مصر بالذكرى الحادية عشرة لثورة 30 يونيو، التى تشكل محطة مفصلية فى تاريخ الوطن. هذه الثورة، التى جسدت إرادة الشعب المصرى فى التخلص من حكم جماعة الإخوان، وتعتبر علامة فارقة فى مسيرة الدولة نحو تحقيق الاستقرار والتنمية. فثورة 30 يونيو لم تكن مجرد حركة احتجاجية عابرة، بل كانت تحولاً جذرياً أعاد للدولة المصرية هويتها واستقلالها. الشعب المصرى، الذى خرج بالملايين فى مختلف محافظات البلاد، أظهر معدناً أصيلاً وقف بشجاعة ضد محاولات تفتيت الدولة وزعزعة استقرارها. وبهذا السياق، أرى أن الثورة مثلت بداية جمهورية جديدة، جلبت الاستقرار والأمن بعد فترة من الاضطرابات.
ولا يمكن إنكار أن ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من مصير مجهول كان ينتظرها تحت حكم الإخوان، بالإضافة إلى انحياز القوات المسلحة لملايين الشعب المصرى التى ملأت ميادين محافظات مصر. نجاحات عديدة حققتها الثورة، بدءاً من تحقيق الأمن والاستقرار، ومروراً بإطلاق مشروعات قومية ضخمة، وصولاً إلى بناء دولة حديثة وعصرية، هى إنجازات لا يمكن تجاهلها. لقد أثبت المصريون قدرتهم على تحديد مصيرهم بأنفسهم، ورفضهم لأى تدخل خارجى أو محاولة لفرض أجندات غير وطنية. الثورة كانت تعبيراً واضحاً عن رفض الشعب لمحاولات فرض السيطرة والتحكم فى مصيره، وتمسّكه بقراره الحر فى رسم مستقبل بلاده.
من بين أهم نتائج ثورة 30 يونيو هو تمكين المرأة المصرية وإعادة الاعتبار لها. لقد أفشلت الثورة مخططات الإخوان لتهميش المرأة وإبعادها عن المشهد السياسى والاجتماعى. بفضل السياسات التى أعقبت الثورة، شهدت مصر زيادة غير مسبوقة فى نسبة تمثيل المرأة فى مجلسى النواب والشيوخ، بالإضافة إلى تعيين عدد كبير من القاضيات فى مجلس الدولة. لقد كانت هذه الخطوات جزءاً من رؤية أوسع لتمكين المرأة وتعزيز دورها فى المجتمع، وهو ما يعكس التوجه نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
فثورة 30 يونيو لم تقتصر على إعادة الاستقرار السياسى فحسب، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الحكومة المصرية، بدعم من الشعب، أطلقت مجموعة من المشروعات القومية الكبرى التى تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الوطنى. من بين هذه المشروعات نجد مشروع قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات الإسكان الاجتماعى، وتطوير شبكة الطرق والمواصلات. هذه المشروعات لم تعزز فقط من البنية التحتية للدولة، بل وفرت أيضاً آلاف فرص العمل وساهمت فى دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.
بالإضافة إلى ذلك، عملت الثورة على تقوية الروح الوطنية وتعزيز الوحدة بين أفراد الشعب. فالشعب المصرى، الذى وحّدته إرادة التغيير، أصبح أكثر تماسكاً وإصراراً على بناء مستقبل أفضل. هذا الشعور بالوحدة والانتماء كان له أثر كبير فى تجاوز التحديات التى واجهتها البلاد خلال السنوات الماضية، وساهم فى تعزيز الأمن الداخلى وتحقيق الاستقرار.
ومن بين الإنجازات الأخرى التى حققتها الثورة هو القضاء على المخططات الإرهابية التى كانت تستهدف تفتيت الدولة وإضعافها. بفضل دعم الجيش المصرى ومساندته لمطالب الشعب، استطاعت مصر تجاوز هذه المرحلة الحرجة وتحقيق الاستقرار. إن إرادة المصريين الحرة وتصميمهم على بناء مستقبلهم بأيديهم سيظل علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث.
ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد حركة احتجاجية، بل كانت تحولاً جذرياً أعاد لمصر استقرارها وهويتها. إنها تمثل إرادة الشعب المصرى فى رفض الظلامية والتطرف، وبناء دولة حديثة تقوم على العدالة والمساواة. النجاحات التى تحققت بفضل هذه الثورة، سواء على صعيد الأمن والاستقرار أو على صعيد تمكين المرأة وبناء مشروعات قومية ضخمة، تؤكد أن 30 يونيو ستظل نقطة تحول تاريخية فى مسيرة الوطن.
إن الحديث عن ثورة 30 يونيو لا يكتمل دون الإشارة إلى التحولات الثقافية والاجتماعية التى نتجت عنها. هذه الثورة أعادت الروح للشعب المصرى، وأيقظت فيه شعوراً بالفخر والانتماء. لقد استعاد المصريون ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على تحقيق التغيير. الإعلام المصرى لعب دوراً كبيراً فى تعزيز هذه الروح الوطنية، من خلال تسليط الضوء على النجاحات والإنجازات التى تحققت بعد الثورة، ومن خلال دعم القضايا الوطنية وتعزيز القيم والمبادئ التى تمثل الهوية المصرية الأصيلة.
ومع استمرار هذه المسيرة، تبقى التحديات قائمة، إلا أن الإرادة الصلبة والعزيمة التى أظهرها الشعب المصرى فى ثورة 30 يونيو تبعث برسالة أمل وتفاؤل بأن المستقبل سيكون أفضل. فالمصريون الذين اجتمعوا على قلب رجل واحد لتحقيق التغيير، قادرون على مواجهة أى تحديات قادمة، وبناء وطن يليق بتضحياتهم وأحلامهم. إن هذا العزم والإصرار هو ما سيضمن لمصر أن تبقى دائماً قوية ومستقرة، وقادرة على تحقيق المزيد من الإنجازات والتقدم فى مختلف المجالات
*رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب باسم حلقة*
يكتب:لهذه الأسباب شاركنا فى الثورةلم تدرك يوماً جماعة الإخوان الإرهابية أو تضع فى ذهنها، أن السياحة إحدى قاطرات التنمية الاقتصادية، وأنّ مصر دولة صاحبة تاريخ وحضارة منذ أكثر من 7000 عام، ولديها آثار من مختلف العصور لا يوجد مثيل لها فى أى دولة من دول العالم، فضلاً عن ما حباها الله من أماكن سياحية عديدة سواء بحار أو نهر أو صحراء وجبال، بالإضافة إلى المتنزهات وغيرها من وسائل السياحة الجاذبة للسياح سواء فى الخارج أو حتى السياحة الداخلية.
ولم يشغل بال الإخوان فى عام حكمهم العاملون بمجال السياحة، وأنه يعمل فى السياحة بمختلف قطاعاتها سواء شركات سياحة أو فنادق أو مطاعم أو بازارات أو مراكز غطس وغيرها ما يقارب ملايين من العاملين وما يعولون خلفهم من أسر وأطفال (بيوت مفتوحة ورزقها كله من الشغلانة دى).
ورغم التطمينات السياسية والوعود الرئاسية مع بداية حكم جماعة الإخوان الإرهابية فى عام 2012، بشأن ملف السياحة وتطوير المنظومة ومدى أهميتها، فإن هناك التصريحات التى كانت تخرج عن قيادات الجماعة فى مضمونها تضر بالوضع السياحى فى مصر، ولا سيما أن الأمر حينها كان صعباً، خاصة أن السياحة المصرية تأثرت بما حدث فى ثورة 25 يناير 2011، وانحسرت بشدة الحركة السياحية إلى مصر بل امتد هذا الانحسار لسنوات تالية.
وازداد الأمر والوضع سوءاً لقطاع السياحة بشكل عام والعاملين به بشكل خاص، فبعدما تولى الرئيس الإخوانى محمد مرسى لم تتحسن الأحوال السياحية على الإطلاق بل زادت الأزمات مع عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى مصر، ووصل الأمر إلى أنّ كثيراً من منظمى الرحلات فى أوروبا غيروا وجهاتهم السياحية بعيداً عن مصر وتحولت إلى دول أخرى لا تمتلك حتى ربع ما تمتلكه مصر، ولذلك انقطع الأمل خلال حكم الإخوان فى أى انطلاق حقيقى للسياحة إلى مصر.
للأسف لقد دفع العاملون فى السياحة ضريبة توقف المنظومة وزيارات السياح إلى مصر، وهم من تحملوا فى صبر وجوع فترات عصيبة امتدّت لسنوات دون عمل أو مورد رزق يعول أسرهم أو مصاريف أبنائهم فى التعليم، ومع ذلك تحملوا فى صبر وتوجهوا إلى مهن وأعمال أخرى بعيدة عن السياحة ليفقد القطاع عمالة ماهرة مدربة ويحتاج إلى تدريب آخرين بعد ذلك.. ولا بد أن نتذكر كيف كانت الضغوط والأعباء المالية الصعبة على رجال الأعمال أصحاب المنشآت السياحية والفنادق والمطاعم والشركات من كافة مؤسسات الدولة، سواء فواتير كهرباء ومياه وتأمينات اجتماعية ورواتب عاملين وغيرها فى ظروف خارجة عن قدراتهم أوقفت أعمالهم ودمرت كثيراً من تطلعاتهم وواجهوا خسائر فادحة فى منشآتهم التى توقفت وتقادمت.
أستطيع القول فى ختام ما أكتب، إن كل ما سبق كان سبباً رئيسياً وضرورياً لنزول ومشاركة السياحيين بكل طاقتهم فى ثورة 30 يونيو من أجل التغيير والعودة إلى مسار طبيعى يأذن بعودة السياحة للعمل مرة أخرى
*نقيب السياحيينالشعب وجد من يحنو عليه سحر الجعارة
تكتب:لم يكن سقوط الإخوان عن عرش مصر سقوطاً سياسياً فحسب، بل كان سقوطاً على الطغيان باسم الدين، سقوطاً لنمط حياة: (دستور وإعلان دستورى بعده يمنحان الرئيس سلطات إلهية مطلقة، ضرب القضاء فى مقتل وتجميد سلطاته، ميليشيات ومرتزقة تمزق جسد الوطن).. إلخ ما اعتبرناه -آنذاك- احتلالاً وليس حكماً مدنياً.
«هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه».. كانت عنواناً لبيان القوات المسلحة فى 3 يوليو 2013.. فلماذا ارتبط الناس بهذه الجملة تحديداً وكأنها بطاقة تعريف لوزير الدفاع (رئيس الجمهورية حالياً) وهو يتلو بيان 3 يوليو؟ لقد بدأت العلاقة الإنسانية بين الرئيس «عبدالفتاح السيسى» وشعبه بشفرة خاصة لخّصت مواجعهم، كل أزمة وكل موقف، كل مؤامرة حيكت لمصر فى الداخل أو الخارج، كانت تلخصها جملة عبقرية من أحد الجانبين.. وربما يكون قلمى طرفاً فى مواجهات وأزمات عديدة خلال عمر ثورة 30 يونيو، وثقتها من قبل، واليوم أستدعى بعضها، ربما نكتشف معاً سر صلابة هذا الوطن بقيادته وشعبه وقواته المسلحة.
«لو لم يكن للسيسى إنجاز إلا تحرير مصر من الإخوان لدخل التاريخ».. هذه العبارة كثيراً ما تتردد، خاصة عندما يجد المواطن نفسه فى أزمة، (تبعات الإصلاح الاقتصادى نموذجاً)، إنه يتذكر فضل القائد الذى حرره من مرتزقة الإخوان، من ميليشياتهم ودستورهم ومرشدهم الملعون.. هذا المواطن يسمع خطاباً مختلفاً:
«تسلمت مصر أشلاء دولة».. هكذا قالها الرئيس بكل وضوح، ونحن من ضحى بالإصلاح السياسى 30 عاماً ثمناً لفتوحات «مبارك» بفساده واستبداده و«وريثه»!. فإذا بها دولة غارقة فى «مستنقع أنفاق» يطوّق مصر، بعضها مفتوح لتهريب الأسلحة وتصدير الإرهاب لنا.. والآخر يتدفق سيلاً من الفساد والفاسدين.
(قسماً بالله ما أسيب لابنى جنيه.. واللى بياخدوا مال الدولة ويروحوا يحجوا «حرام»).. احسب أنت كم تكلفت مصر فى عملية الحرب على الإرهاب من أرواح جنودنا، احسب حجم القضايا التى ضبطتها هيئة الرقابة الإدارية، وكم مسئولاً وقع فى قبضتها.. ومساحة أراضى الدولة المنهوبة التى استردتها.. وساعتها ستدرك صعوبة الحرب على الإرهاب والفساد معاً.
«30/6 يا كامل».. مجازاً يمكنك أن تعتبر هذه الجملة مفتاح عملية التنمية التى غيرت وجه مصر، ضع بين قوسين حجم ما استدانته مصر من قروض، ثم قيّم المشروعات التى تخدمك أنت وأولادك وأحفادك: قناة السويس الجديدة، أنفاق قناة السويس، العاصمة الإدارية الجديدة، المطارات، شبكة الطرق والمواصلات، مدينة جبل الجلالة، المساكن الحضارية لسكان العشوائيات، اكتشافات النفط والغاز، القواعد العسكرية الجديدة، تجديد شرايين القوات المسلحة بأحدث النظم العسكرية.. إلخ.. قل إنك لن تأكل أو تشرب من الأسفلت.. ستأكل وتشرب وتعلّم أولادك وتداوى نفسك من «الاستثمارات» التى ضاعفت سعر متر الرمل فى صحراء مصر، من «المستثمر» الذى يحتاج إلى عمالة كثيفة، من المشروعات التى توفر الوظائف وتقضى على البطالة.. التقط أنفاسك، فصبراً جميلاً.
الحرب الأوكرانية أنهكت الاقتصاد المصرى والعالمى فتضاعفت الأسعار بشكل جنونى وازداد العبء على الحكومات.. أما الحرب على غزة فأصبحت اختباراً سياسياً تخوضه مصر كل دقيقة بمحاولة عقد الهدنة والانسحاب الإسرائيلى من غزة، هذا بخلاف إدخال المساعدات الإنسانية ومشقتها. أضف إلى ذلك أن ماكينة إرهاب الإخوان وأذرعها الإعلامية لم تتوقف لحظة عن حربنا: «إما نحكمكم.. أو نقتلكم».. قالها أحد أكبر قيادات الإخوان يوم 21/6 فى اجتماع بالرئيس «السيسى» -وقتما كان وزيراً للدفاع- وقال الإخوانى القيادى: ستجدون من مختلف أنحاء العالم مقاتلين يقاتلونكم.
«مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم»: إنها أخطر وأهم المعارك التى خاضها «السيسى» لتطهير مصر من البؤر الإرهابية التى استوطنت سيناء، وسوف تلمح الدموع فى عيون الرئيس صبيحة كل عيد وهو يحتضن أبناء الشهداء الأبرار.
لكن لا يزال فى هذا البلد من يريد أن يقتلنا بـ«تراثه».. من يريد أن نركع لأصنامه.. أن نقدسه بزعم أنه يمتلك صكوك الغفران وأن يكون لهذا الوطن رئيس دينى يحكمنا باسم «الشريعة»!
هذا الشعب لم يفهمه إلا الرئيس «السيسى».. فك شفرته وأدرك أنك تحكمه بإرادته.. وأن الثورة تعنى له الحياة ولهذا يحارب ويبنى ويغنى.. فتذكروا جيداً أننا بحاجة لما سماه الرئيس «ثورة فكرية» ليستعيد الإنسان المصرى هويته الأصلية التى حاولوا طمسها بتسييس الدين.
اصرخ على السوشيال ميديا من الغلاء الذى ضرب العالم.. من نقص الأدوية.. من انقطاع الكهرباء.. فلديك الآن من يستمع لصوتك ويهتم بمطالبك ويضع المواطن المصرى فى عينيه، لأنه تحمل مسئولية من تعرى فى برد العشوائيات ومن جاعت من الفقر ومن سُجنت بإيصالات أمانة.. هذا الشعب بكل أطيافه وأزماته واحتياجاته وأحلامه وطموحاته قد وجد «من يحنو عليه».. حتى وإن كانت تلبية المطالب صعبة أو تحتاج لوقت يكفى أنها فى رقبة «السيسى» كريم العمدة*
يكتب:فنكوش برنامج الـ100 يوم
وعود زائفة تطيح بالجماعةوقعت جماعة الإخوان فى العديد من الأخطاء أثناء حكمها للدولة المصرية، نتيجة جهلها بطبيعة الشعب المصرى، وقلة خبرتها فى إدارة البلاد، والتى تختلف طريقتها تماماً عن حكم الجماعات.
نشر الإخوان وعوداً زائفة واقتحموا ملفات شائكة وعميقة تحتاج إلى جهد كبير وأموال ضخمة فى ظل ظروف دولة كانت غير مستقرة آنذاك، والاعتماد على أشخاص غير مختصين فى مجالاتهم، ما أدى إلى ضعف الوزارات.
لا شك أن برنامج الـ100 يوم، الذى أعلنت عنه جماعة الإخوان خلال فترة الانتخابات الرئاسية، ولم يتحقق منه شىء، أثبت فشلهم فى قدرتهم على إدارة شئون البلاد، ولم يكن هذا الأمر واضحاً فقط للمصريين، بل للعالم أجمع، ولم تدرك «الجماعة» عمق مشكلات الشعب بعد «25 يناير» والوزارات فى عهدهم اعتمدت على غير المختصين.
برنامج الـ100 يوم الذى طرحته الجماعة كبرنامج انتخابى للفوز برئاسة مصر، كان دليلاً على أن الإخوان غير واعين بمدى عمق المشكلات التى تعانى منها الدولة، حيث زعموا أن لديهم القدرة على حلها خلال 100 يوم، فى حين أنهم تولوا الرئاسة دون أن يكونوا مؤهلين لها، وظهر الأمر فى القيادات التى تم اختيارها وقتها.
إن ذلك البرنامج أثبت فشل الجماعة وأصبحت حقيقة واضحة ليس فقط للمصريين، بل وللعالم أجمع، حتى الدول التى كانت مساندة لهم، وعلى سبيل المثال دولة قطر، كانت أبرز الداعمين للجماعة الإخوانية، سبق وقالت إن الإخوان غير صالحين لإدارة «دكان»، فقد فرشوا الأرض بالوعود، وإنهم كانوا يتمنون أن يتم حلها، ولكن هذه الملفات كانت أعمق من هذا بكثير وشائكة وتحتاج لعمل دؤوب، وعندما فشلوا فى تنفيذ وعودهم بدأوا فى طرح أسباب غير منطقية تبريراً لهذا الفشل.
اختلقت جماعة الإخوان مبررات للفشل أمام الشعب وعدم أهليتها للرئاسة، فبدأت فى إلقاء اللوم على أمور عدة حتى تحمى نفسها من ضريبة الفشل، حيث كانت وعودهم أكبر من قدرتهم على التنفيذ، وكان الشعب والأنظمة السابقة أول الملومين على فشل الإخوان.
لم تفهم جماعة الإخوان أبعاد القضايا التى زعمت أنها سوف تحل خلال 100 يوم فقط، كل ملف من الملفات الـ5، التى قرروا حلها، وهى: (الأمن - الوقود - القمامة - المرور - رغيف الخبز)، فضلاً عن أن هذا التناقض أيضاً يأتى كتبرير للفشل، باستخدام التلاعب بالإحصائيات، ولكن الواقع كان دليلاً أقوى من الأرقام والإحصائيات.
لقد توقفت الجماعة فى العمل على مشروع النهضة وبرنامج الـ100 يوم بمجرد الوصول إلى الحكم، ولكن الشعب المصرى كان يعمل على تذكيرهم به، بعدة وسائل، مثل عد الأيام المتبقية على انتهاء فترة الـ100 يوم التى منحها محمد مرسى لنفسه ولجماعته من أجل إنجاز وحل هذه المشكلات، ومنها أيضاً موقع «مرسى ميتر»، الذى صممه الشعب من أجل حساب ما تم تنفيذه من البرنامج، وغيره من الوسائل الأخرى، وفى الفترة الأخيرة، عندما تم إثبات فشل البرنامج بشكل رسمى، بدأت الجماعة فى إلقاء اللوم على الشعب وعدم تعاونه، وعلى الأنظمة السابقة وغير ذلك من الأسباب.
مبدأ الإخوان الثابت هو الاعتماد على أهل الثقة وليس الخبرة، كان أحد أكبر أسباب فشل الإخوان فى إدارة البلاد، ونتائجه كانت كارثية، كما أنهم لم يتمتعوا بالقدرة على إدراك واستيعاب مدى سوء الوضع فى البلاد خلال هذه الفترة، إلى جانب عدم تقبّلهم للنصائح.
وختاماً، هناك العديد من الأخطاء التى وقعت فيها الجماعة، ويأتى الخطأ الأول فى أنهم أطلقوا وعوداً غير قادرين على تنفيذها، والخطأ الثانى أنهم اقتحموا ملفات شائكة وعميقة تحتاج إلى جهد كبير وأموال ضخمة فى ظل ظروف دولة كانت غير مستقرة آنذاك، أما الخطأ الثالث، فكان احتواء الوزارات وقتها على أشخاص غير مختصين فى مجالاتهم، ما أدى إلى ضعف الوزارات آنذاك
*أستاذ الاقتصاد السياسىأنقذت مصر من الضياعجاءت ثورة 30 يونيو من إرادة خالصة للشعب، بعد إدراكه أن بلاده مهددة بالضياع لصالح المخططات الدولية والإقليمية، ولو لم تحدث لكانت الدولة مهددة بالانهيار، وضياع تاريخها، وتفتيتها، لتصبح مثل بعض دول المنطقة التى تعانى من الفوضى.
الاقتصاد المصرى كان يعانى من مشكلات كبيرة للغاية خلال فترة الاضطراب السياسى، حيث انخفضت معدلات النمو عن 2%، ووصلت البطالة لمعدلات قياسية فى ظل تدهور الأوضاع والحوادث الإرهابية المتكررة، وكانت هناك صعوبة كبيرة فى إقناع المستثمر بالعمل فى ظل هذه الأحداث المضطربة، ولكن مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى بدأت مرحلة تثبيت الدولة المصرية.
وتضمن برنامج الإصلاح&l
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: 30 يونيو الإخوان جماعة الإخوان الإرهابیة عبدالفتاح السیسى الشعب المصرى فى المرأة المصریة للدولة المصریة الدولة المصریة الإنسان المصرى بالإضافة إلى ثورة 30 یونیو المصریة فى فى التاریخ الإخوان فى الجماعة فى هذه الثورة هذا الشعب نحو بناء فارقة فى کانت هذه یونیو 2013 فى تاریخ لا یمکن من خلال بل کانت فى ثورة أکثر من یمکن أن لم تکن من هذا فى مصر بل کان لم یکن مصر من من أجل فى عام من بین
إقرأ أيضاً:
كيف أشعل شي ثورة الكهرباء في الصين ؟
ترجمة - قاسم مكي
عندما تولي شي جينبينج قيادة الحزب الشيوعي الصيني في أواخر عام 2012 حدد بسرعة نقطة ضعف في الأمن القومي لبلاده، كانت الصين قد تخطت لتوِّها اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتتحول بسرعة إلى القوة العظمى المسلحة نوويا والمنافِسة الرئيسية للولايات المتحدة، لكنها بسكانها الذين بلغ عددهم 1.4 بليون نسمة كانت تعتمد بشدة على البلدان الأجنبية في الحصول على موارد الطاقة.
ارتفع معدل اعتماد الصين على واردات النفط والفحم الحجري إلى مستويات قياسية، وجعلها ذلك عُرضة لانقطاعات محتملة في الإمدادات عبر "نقاط الاختناق" في ممرات التجارة بداية من المناطق المتنازع حولها في مضيق تايوان وإلى بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقة والمحيط الهندي.
اليوم ومع الاضطراب الذي يتعرض له العالم من حرب ترامب التجارية تختلف نظرة الحزب الشيوعي الصيني كثيرا، فالصين في سبيلها إلى أن تصبح أول "دولة كهربائية" في العالم بحصة متزايدة من الطاقة التي تحصل عليها من الكهرباء وباقتصاد تحركه باطراد التقنيات النظيفة، هذا الوضع يحميها من آثار فك ارتباطها بالتجارة العالمية وتصاعد التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة.
الصين لا تتقدم بسرعة نحو الاكتفاء الذاتي في الطاقة من موارد محلية آمنة فقط بل تبسط أيضا نفوذا كبيرا في أسواق الموارد والمواد التي ترتكز عليها تقنيات المستقبل.
يقول أندرو جيلهولم رئيس تحليل شؤون الصين بالشركة الاستشارية كونترول ريسكْس: "لم يشعر أي بلد بقلق حقيقي تجاه أمن الطاقة أو سلاسل التوريد الخاصة بالتسلح والصناعات الحساسة والغذاء لاعتقاد كل أحد أن هذه المخاوف اختفت مع نهاية الحرب الباردة، لكن الصين كانت تتحسب لذلك منذ سنوات".
الثورات الصناعية السابقة قادتها بريطانيا أولا ثم الولايات المتحدة بما في ذلك ما يسمي عصر المعلومات مؤخرا جدا، لكن الصين هي التي تقود الآن أحدث ثورة تقنية عالمية في الكهرباء والطاقة المتجددة، حسبما يقول المحللون في مركز أبحاث الطاقة الأمريكي "آر أم آي" ومجموعات الأبحاث المستقلة الأخرى.
بالضبط كما يحرك النفط والغاز اقتصاد الدولة النفطية كذلك تساهم تقنيات الطاقة النظيفة بقدر كبير في نمو الصين، وهذا وضع ترحب به بكين على نحو خاص في سياق تباطؤ الاقتصاد، فقطاعات الطاقة النظيفة شكلت نسبة قياسية تبلغ 10% من الناتج المحلي الإجمالي للصين وكانت وراء تحقيق 25% من نموها في العام الماضي، وفقا للإحصاءات الحكومية الرسمية التي حللها مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في هيلسنكي.
بخلاف أمن الطاقة، ستلعب الكَهْرَبَة (إشاعة استخدام الكهرباء - المترجم) دورا حاسما في جهود معالجة التغير المناخي، ويُقصد بالكهربة تحديدا استبدال التقنيات والعمليات المعتمدة على الوقود الأحفوري بالبدائل التي تُدار بواسطة الكهرباء.
يقول اللورد أدير تيرنر رئيس لجنة تحولات الطاقة وهي تحالف شركات عالمية تركز على الحياد الكربوني: نحن لا نرى سبيلا يقود إلى اقتصاد الحياد الكربوني إلا عبر "الكهربة" واسعة النطاق، ويقول أيضا: الكهرباء أكثر كفاءة إلى حد بعيد في عدد من الاستخدامات، خصوصا في النقل البري والتدفئة المنزلية.
تظل الصين أكبر منتج لغاز الاحتباس الحراري في العالم وبلغت انبعاثات قطاع الطاقة بها مستوى قياسيا جديدا في العام الماضي بسبب ارتفاع استهلاك الفحم الحجري، لكن إنجازاتها في مجال إشاعة الكهرباء يعني أنها ستحقق تقدما كبيرا في خفض الانبعاثات إذا بدأت في الخفض التدريجي لاستخدام الفحم الحجري والذي لا يزال الوقود المهيمن في مزيج الكهرباء لديها على الرغم من ازدياد الإضافات في الطاقة التوليدية للموارد المتجددة.
ثورة الكهرباء صدر أول أمر مباشر من الزعيم الصيني شي "لتثوير" نظام الطاقة في الصين في منتصف 2014 وبعد عامين من قيادته، وحسب وسائل الإعلام الحكومية وقتها أبلغ شي قادة الصين في مجموعة عمل اقتصادية رئيسية للحزب الشيوعي أن نظام الطاقة الصيني يعاني من "تخلف تقني" وعلى الصين تعزيز نظام طاقتها.
ارتكزت الرحلة التي تحولت بها الصين إلى مركز اقتصادي على النفط والفحم الحجري، فقد شكل طلبها أكثر من نصف نمو الطلب العالمي على النفط لعقود عديدة، مع ذلك وحتى قبل عقد كان معدل "كهربة" الصين أكبر من معدلاته في أوروبا والولايات المتحدة، ومنذ ذلك الوقت استقرت حصة الكهرباء من الاستهلاك النهائي للطاقة في هذه الاقتصادات المنافسة عند حوالي 22% في حين إنها ارتفعت في الصين إلى 30%.
تقول ماري كلير برسبوا أستاذة سياسات الطاقة بجامعة ساسيكس: "تكرس بلدان غربية عديدة الكثير من الوقت والاهتمام للتخلص من الكربون في توليد الكهرباء لكنها تتخلف في نظام الكهربة الأوسع نطاقا". وتضيف: "لقد ثبت أن بكين يمكنها بسهولة استيفاء المطلوبات الرئيسية للكهربة كالتعديلات الهيكلية في السوق وتغيير سلوك المستهلك والتدخلات في قرارات الشراء الخاصة".
تعكس إنجازات الصين سياسات متتالية تهدف إلى الوفاء بدعوة "شي" إلى تحقيق ثورة في الطاقة، فقد ضخت بكين بلايين الدولارات في قطاع التقنية النظيفة للمطوِّرين في القطاعين الحكومي والخاص وما يساوي تقريبا خمسة أضعاف الإنفاق في الولايات المتحدة و15 ضعفا في اليابان.
دشن ذلك مرحلة جديدة شهدت نموا سريعا للشركات التي تتولى تصنيع توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات وتلك التي تطور
مشروعات الطاقة الخضراء وسرَّعَت من وتيرة "كهربة" أسطول السيارات والشاحنات والقطارات والسفن والمصانع في الصين.
أوضح تجلِّ لهذا النمو يتمثل في ازدهار السيارات الكهربائية في الصين، ففي هذا العام ستصل مبيعات السيارات الكهربائية المحلية (بما في ذلك السيارات الكهربائية والهجين) إلى حوالي 12.5 مليون سيارة أو أكثر من ضعف مبيعاتها في عام 2022، وستكون هذه أول مرة تتفوق فيها مبيعات السيارات الكهربائية على مبيعات سيارات الاحتراق الداخلي في سوق رئيسية للسيارات.
عزز الانطلاق في مسار الكهربة التوسع السريع في شبكة السكك الحديدية الحديثة، فحسب البيانات الرسمية سجلت سكك حديد الصين أكثر من 4 بلايين رحلة راكب في العام الماضي وهذا رقم قياسي في ارتفاعه.
تغطي شبكة السكك الحديدية عالية السرعة 45 ألف كيلومتر أو خمسة أضعاف حجمها في بلدان الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تتوسع إلى 60 ألف كيلومتر بحلول عام 2030، كما تتوقع مجموعة السكك الحديدية الحكومية هذا العام إكمال مشروعات استثمارية في البنية التحتية لسكك الحديد بتكلفة تزيد على 80 بليون دولار.
لكن ربما الركيزة المركزية لخطط "كهربة" الصين هي خطتها التي تمتد لعقود وتستهدف ترقية وتوسيع شبكة الكهرباء، فمن المتوقع أن تنفق الصين ما يصل إلى 800 بليون دولار بحلول عام 2030 لتحديث عتاد وبرمجيات الشبكة.
الإنفاق على البنية التحتية للكهرباء في بلدان عديدة يتتبع خطى النمو الاقتصادي، لكن كين ليو رئيس أبحاث الموارد المتجددة والطاقة ببنك يو بي إس يتوقع ارتفاع إجمالي الإنفاق الرأسمالي على شبكة الكهرباء بنسبة 10% هذا العام، وسيستمر الصرف على الشبكة بمعدل نمو سنوي مركَّب يبلغ حوالي 5% حتى عام 2030، وهذا معدل أسرع كثيرا من النمو الاقتصادي المتوقع "بسبب الاتجاه إلى الكهربة"، حسبما يقول.
يبلغ هذا الإنفاق المخطط على شبكة الكهرباء 100 بليون رينمينبي (13.8 بليون دولار) هذا العام و110 بلايين رينمينبي في السنوات التالية، ومن المتوقع تخصيص جزء كبير منه لخطوط الكهرباء فائقة الجهد، حسب بنك يو بي أس، لدى الصين أكثر من 40 خطا من هذا النوع وهو ما يعني أن الكهرباء المنتجة من أشعة الشمس والرياح في صحرائي شينجيانغ وغانسو في الغرب يمكن نقلها إلى مراكز الصناعات في جنوب وشرق الصين حيث تتركّز الحاجة إليها.
الصين بهذه الاستثمارات الحكومية طويلة الأجل في شبكة الكهرباء في سبيلها إلى توليد 50% من إمدادها الكهربائي من موارد طاقة منخفضة الكربون بما في ذلك أنظمة التوليد المائي والكهروضوئي وتوربينات الرياح والطاقة النووية وتخزين البطاريات بحلول عام 2028، وبعد 10سنوات لاحقا ستكون طاقة توليد الكهرباء من الرياح وأشعة الشمس في طريقها إلى بلوغ نقطة تحول تاريخية تتجاوز بها توليد الكهرباء من الفحم الحجري لأول مرة.
تقنيات وسياسات جديدة
شكَّل التوجه نحو "الكهربة" سياسة الصين الصناعية حيث تنفق مجموعة قليلة من شركات كهرباء الطاقة الشمسية الرائدة هناك بلايين الدولارات كل عام في البحث والتطوير، ويشمل هذا المسعى تحولا من البوليسيلكون اللازم لإنتاج ألواح الخلايا الضوئية والتي تهيمن الصين على 80% من سوقها إلى مواد جديدة يمكن أن تشكل اختراقا تقنيا مثل خلايا البيروفسكايت الكهروضوئية، وهي أنحف بنحو 20 مرة من البوليسيلكون.
على نحو مماثل، في مجال التوليد بالرياح تتنافس حفنة من الشركات الصينية لإنتاج توربينات أكبر حجما بتكلفة أقل، ففي سبتمبر الماضي أعلنت مجموعة مينغ يانغ ويند باوار ومقرها غواندونغ عن أكبر توربينة رياح بحرية في العالم بطاقة توليد تبلغ 20 ميجاواطا قرب منتجع جزيرة هاينان أو ما يساوي ضعف إنتاج أكبر توربينات طورها المهندسون الأوروبيون والأمريكيون قبل 10 سنوات فقط، وبعد شهر لاحقا ذكرت شركة دونغ فانغ اليكتريك في تشنغدو أنها صنعت توربينة أكبر في فوجيان جنوب شرق الصين.
قلَّص هذا التنافس تكلفة مشروعات الرياح البحرية عند احتسابها بالدولار لكل ميجاوات/ساعة من 95 دولارا في عام 2020 إلى 55 دولارا في العام الماضي، وهو ما يعني تكلفة إنتاج أقل مقارنة بالفحم التقليدي، حسبما توضح بيانات وود مكنزي الاستشارية.
الحكاية شبيهة مع تخزين الطاقة الكهربائية، فأكبر مجموعتين لإنتاج البطاريات في الصين وهما كاتل وبي واي دي تموِّل كل منهما بحوالي 5% من إيراداتها السنوية (50 بليونا و100 بليون دولار على التوالي في العام الماضي) جهودَ تحقيق تحسينات تدريجية في أحدث المواد والعمليات الكيمائية والتصنيعية إلى جانب الأبحاث التأسيسية، وأدت مكاسبهما التقنية إلى جانب منافع التوسع في اقتصاديات الحجم الكبير إلى تخفيضات حادة في تكلفة بطاريات الليثيوم لكل من السيارات الكهربائية وتخزين البطاريات.
إلى ذلك، يجري دعم هذه السياسات الناجحة بإقامة نظام يرتكز على السوق لنقل الكهرباء عبر أقاليم الصين، وفي تحرك يشكل نقطة تحول قررت بكين إخضاع مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة لأسعار السوق اعتبارا من شهر يونيو هذا العام، ومن المتوقع أن يكون هنالك بعض التأثير السلبي في الأجل القصير لهذه السياسة على بعض المشروعات الكبيرة لطاقة الشمس والرياح والبطاريات مع تضمين الأسعار الجديدة في حسابات خطط الاستثمار، لكن استحداث أسواق الكهرباء التنافسية (بمعني وضع كهرباء الوقود الأحفوري والموارد المتجددة في تنافس سعري مباشر) يُنظر إليه كخطوة ضرورية في الخفض التدريجي للكهرباء التي يتم توليدها بواسطة الفحم الحجري والغاز خلال العقود القادمة.
موقف الصين تجاه الوقود الأحفوري غير واضح بشكل قاطع، فمن جهة هنالك مؤشرات بأنها على وشك بلوغ الذروة في الطلب على النفط بعد تراجع الواردات في العام الماضي لأول مرة منذ عقود باستثناء فترة الجائحة، لقد ذكر المحللون بالوكالة الدولية للطاقة أن الاستخدامات التي تنطوي على حرق الوقود الأحفوري في الصين استقرت مع احتمال "محدود جدا" لنموّها في المستقبل، وهذا اتجاه مدفوع إلى حد كبير بواسطة تبني السيارات الكهربائية في قطاع النقل وتحول الصين التدريجي من الصناعة التحويلية إلى النمو الأكثر ارتكازا على الخدمات.
لكن في العام نفسه بدأت الصين بناء محطات كهرباء تستخدم الفحم الحجري يزيد عددها عن تلك التي شيدتها سنويا خلال عقد، وفقا لمنظمة جلوبال أنيرجي مونيتور، وهي تستمر في تمويل مشروعات كهرباء الفحم الحجري في الخارج على الرغم من تعهد الرئيس شي في عام 2021 بأنها ستكفّ عن ذلك.
مع ذلك عقب تعهد شي "المزدوج" ببلوغ ذروة انبعاثات الكربون في الصين قبل عام 2030 وتحقيقها الحياد الكربوني بحلول عام 2060 من المتوقع ازدياد استخدام هذا الوقود الأحفوري بمرور الوقت كاحتياط لنظام الكهرباء الذي تهيمن عليه الموارد المتجددة.
تقول يانمي شيه وهي خبيرة مستقلة في السياسة الصناعية الصينية: "قلل العالم من تقدير مدى انخفاض تكلفة كهرباء الطاقة المتجددة في الصين"، وتضيف: "الصينيون في الواقع سمحوا بتسعيرها وفقا للسوق ثقة منهم بأنها تنافس من حيث التكلفة كهرباء الطاقة التقليدية"، وحسب مركز أبحاث الطاقة "أر إم آي" أسعار الكهرباء المنخفضة ضرورية أيضا "للكهربة" كما هي عليه الحال في الصين، فقد زادت الأسعار المنخفضة من وتيرة استخدامها هناك، ويوضح تحليل المركز أن البلدان التي تفشل في خفض الأسعار ستواجه مصاعب في إشاعة استخدام الكهرباء.
يقول دان والتر وهو أحد معدي تقرير مركز أبحاث الطاقة آر أم آي ويعمل الآن مع مركز الأبحاث إمبر: "إنها قاعدة اقتصادية بسيطة جدا، فإذا كان سعر شيء ما مرتفعا ستقلل استخدامك منه".
وفي حين تعزز السياسة الصناعية في الصين أمن الطاقة والموارد إلا إنها أيضا قادت إلى التوسع المفرط في السعة الإنتاجية وأضرت بمنافسين أجانب لا حصر لهم وساهمت في اختلال توازن التجارة.
وفقا لبيانات من شركة وود ماكينزي، القدرة الإنتاجية لصناعة التقنية النظيفة في الصين تفوق بقدر كبير الطلب المحلي، أدى ذلك إلى هبوط مذهل في الأسعار لكنه أيضا أثار مزاعم من واشنطن وبروكسل بأن بكين انتهكت قواعد التجارة الدولية خلال سنوات من الدعم الحكومي غير النزيه.
قادت تخمة الإمدادات الهائلة في منتجات الطاقة الشمسية مثلا إلى امتلاء المستودعات وعجزها عن استيعاب المزيد، وصارت الألواح الكهروضوئية الصينية متدنية الجودة تُستخدم في بناء الأسوار في أوروبا، ولم ينتبه واضعو السياسات في بكين إلى هذا التناقض في السياسة الصناعية، بمعنى إنها يمكن أن تقود إلى إهدار هائل في الموارد وأيضا إلى نجاحات استراتيجية.
تفوق صيني "مفيد وخطِر"
تتوقع أليسا هورهاجر كبيرة ممثلي اتحاد الصناعات الألمانية (بي دي آي) والمقيمة ببكين أن يكثف مسؤولو التخطيط الاقتصادي في الدولة الصينية جهودهم لمعالجة "الانفصام" بين الابتكار والكفاءة في الصناعة في خطة الخمس سنوات القادمة والتي من المتوقع كشف النقاب عنها في أوائل عام 2026.
تقول: "هذا سيكون أحد التحديات الرئيسية التي سيحاولون علاجها من خلال الربط بين تعزيز الابتكار ورفع الإنتاجية".
هنالك إدراك متزايد في أوساط صانعي السياسات الغربيين بأن مجاراة سلاسل توريد تقنية الطاقة النظيفة قد تكون مستحيلة، فقد أنفقت الصين عقودا في تأمين الوصول إلى الموارد الحيوية في العالم وتشييد البنية التحتية للمعالجة والتكرير والدعم الحكومي للصناعة والاستهلاك المحليين، وهي الآن تهيمن على كل مراحل سلسلة التوريد من المناجم إلى المصانع.
حسب بحث نشر في العام الماضي بواسطة مركز "أيد داتا" بكلية ويليام آند ميري في الولايات المتحدة، أصدرت كيانات صينية قروضا بقيمة تقارب 57 بليون دولار في الفترة من 2000 إلى 2021 لتأمين الحصول على معادن حيوية كالنحاس والكوبالت والنيكل والليثيوم والمعادن النادرة من أرجاء العالم العامي، والآن توظف الصين هذه الهيمنة وتزيد من تصدير قدراتها في مجالات التقنية النظيفة والهندسة وسلاسل التوريد والتمويل.
كما تستخدم بكين على نحو متزايد نجاحها في مجال الطاقة الخضراء لادعاء التفوق الأخلاقي على البلدان الغربية المنافسة لها، خاطب شي جينبينج اجتماعا افتراضيا لزعماء العالم عقدته الأمم المتحدة في أبريل بقوله "منذ إعلاني عن أهداف الصين المتعلقة بذروة الكربون والحياد الكربوني قبل خمس سنوات أنشأنا نظاما للطاقة المتجددة هو الأكبر والأسرع نموا في العالم إلى جانب سلسلة صناعية للطاقة الجديدة هي الأكبر والأكثر اكتمالا".
ووفقا لإعلانات الشركات والبيانات المالية التي قام بتجميعها مركز الطاقة والتمويل المناخي في سيدني، خصصت الشركات الصينية منذ بداية عام 2023 حوالي 156 بليون دولار للاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الخارج عبر أكثر من 200 صفقة تتعلق بالتقنية النظيفة، هذه الجهود تعظِّم النفوذ الاقتصادي والسياسي العالمي لبكين في تزامن مع سعي إدارة ترامب إلى فك الارتباط بسلاسل التوريد الصينية وزعزعة التجارة العالمية.
يقول تيم بَكلي مدير مركز الطاقة والتمويل المناخي: "أكدت الحرب التجارية القائمة حقا أهمية أمن الطاقة وإشاعة استخدام الكهرباء لأن إحدى السلع الأكثر تداولا في العالم هي الوقود الأحفوري"، ويضيف بكلي قائلا: ستتجه البلدان حول العالم إلى التفكير بالطريقة نفسها (التي تفكر بها الصين)، ومن الواضح أن الصين في وضع جيد جدا يمكنها من مساعدة البلدان الأخرى في ذلك والخروج من هذه الفوضى الجيوسياسية بسلاح تجاري استراتيجي هو التعاون مع أي بلد يريد العمل من أجل أمن الطاقة والتخلص من انبعاثات الكربون.
وفي حين تراهن بكين على تقنيات الطاقة النظيفة لتعزيز صادراتها تتبع واشنطن مقاربة مختلفة جدا؛ فالبيت الأبيض يصر على أن تزيد البلدان وارداتها من الغاز الأمريكي لتقليل فوائضها التجارية مع الولايات المتحدة وتأمين شروط تجارة تفضيلية.
تقييم تكلفة حرب ترامب التجارية والاختيار بين الغاز الطبيعي المسال الأمريكي وتقنيات الكهرباء النظيفة الصينية يمكن أن يشكلا نقطة تحول لبلدان عديدة سواء في الجانب المالي أو فيما يخص التخلص من الكربون، حسب كينجزميل بوند المحلل الاستراتيجي للطاقة بمركز الأبحاث إمبر.
يقول بوند: "البناء على تقنيات الكَهْرَبَة الصينية سيكون أرخص من محاولة الإبقاء على نظام الوقود الأحفوري القديم، فالطاقة الشمسية تتفوق على الغاز الطبيعي المسال في التكلفة، وهذه نعمة للمناخ؛ فإنفاق دولار واحد على استيراد ألواح الخلايا الضوئية سيوفر دولارا سنويا من قيمة واردات الغاز وينتج مقدار الكهرباء نفسه".
لكن المحللين والمسؤولين الغربيين يرون في تصاعد هيمنة الصين على تقنية وسلاسل إمدادات الطاقة الخضراء خطرا على الأمن القومي وينبهون إلى المخاطر المحتملة التي تنشأ عن الاعتماد الاقتصادي وأيضا التجسس والمهددات العسكرية.
في نهاية المطاف، يقول الخبراء: إن نجاح الصين في "الكهربة" يمكِّن شي وحكومته إلى حد بعيد من معالجة ذلك النوع من صدمات سلسلة التوريد والتجارة والذي يتبدّى الآن على نحو مثير للقلق في الفترة الرئاسية الثانية لدونالد ترامب.
وللمفارقة، قد تقدم الرسوم الجمركية "حافزا غير مقصود" لتعزيز تحول الصين إلى الطاقة المتجددة، حسب ياو يي رئيس فرع منظمة السلام الأخضر (جرين بيس) في بكين.
في العام الماضي كانت سعة أنظمة تخزين الطاقة الصينية فوق 73 جيجاواطا وأعلى بحوالي 20 ضعفا عن حجمها قبل أربعة أعوام، لكنها لا تزال أقل كثيرا من السعة التخزينية التي تحتاجها الصين والبالغة 500 جيجاواط لكي تدعم تنفيذ مشروع الطاقة المتجددة بشكل كامل، ويرى ياو أن التركيز مرة أخرى على السوق الداخلية في الصين بدلا عن التصدير إلى الولايات المتحدة قد يساعد "الحكومات المحلية والصناعات على تحقيق أهداف أمن الطاقة".
وفي حين أن كلا الطرفين لديهما مكامن ضعف ونقاط اختناق عبر سلاسل التوريد الصناعية، يعتقد خبراء عديدون أن ترامب مستشاريه المقربين أخطأوا في تقدير "مدى" استعداد بكين لهذه الأزمة.
يعتقد جيلهولم أن الصين في وضع أقوى كثيرا مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات، ويضيف: "لا أحد يقول إنها تعتنق ماويَّة جديدة أو تتبع اقتصادا مغلقا الآن، الصين ببساطة قطعت شوطا بعيدا في التخلص من المخاطر والتحلي بالمرونة".