صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-22@19:26:17 GMT

انقلاب النيجر في السياق السوداني

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

انقلاب النيجر في السياق السوداني

 

انقلاب النيجر في السياق السوداني

د. فيصل محمد صالح

 

أثار الانقلاب العسكري في النيجر على الرئيس محمد بازوم ردود فعل عالمية وإقليمية ومحلية، وفتح أبواب القلق والشك من جديد في ما إذا كانت أفريقيا قادرة على تخطى نزاعاتها وصراعاتها السياسية للوصول إلى مجتمعات مستقرة ترتضي سيادة دولة القانون والتداول السلمي للسلطة، لتنتبه بعد ذلك لجهود التنمية ومكافحة الفقر والمرض والجهل الذي يضرب كل أركان القارة، وإن كان بدرجات متفاوتة.

كل مؤشرات التنمية البشرية تضع قارة أفريقيا في المؤخرة، وكذلك مؤشرات قياس الاستقرار السياسي واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وقبول التعدد الإثني والديني والثقافي. وكلما انتقلت إحدى دول القارة من قيد الشمولية والحكم العسكري لساحة الديمقراطية والانتخابات الحرة، سرعان ما تعيق التوترات القبلية والإثنية والدينية مسيرتها وتعيدها مرة أخرة للدائرة الشريرة بانقلاب عسكري، وبطريقة كربونية متطابقة.

هذه المرة انتقل حزام الانقلابات لوسط وغرب أفريقيا، وشمل السودان (أكتوبر – تشرين الأول 2021)، وتشاد (أبريل – نيسان 2021)، وغينيا (سبتمبر – أيلول 2021)، وبوركينا فاسو (يناير – كانون الثاني وأكتوبر 2022)، ومالي (أغسطس – آب 2020 ومايو – أيار 2021) وأخيراً النيجر (يوليو – تموز 2023)، وتتشابه الأوضاع في معظم هذه البلدان التي كان بعضها قد بدأ مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية مثل السودان ومالي، وبعضها أجرى انتخابات ديمقراطية مثل النيجر، لكنها عادت كلها إلى مربع الحكم العسكري الشمولي.

ردود الأفعال العالمية والإقليمية صارت معروفة، فالاتحاد الأفريقي جمد عضوية النيجر، كما يفعل مع كل الانقلابات، ومجموعة غرب أفريقيا (إيكواس) التي تضم 15 دولة أعطت الانقلابيين مهلة زمنية قصيرة وإن لم يستجيبوا فستتدخل عسكرياً، ورغم اعتقاد البعض بصعوبة ذلك، فإن «إيكواس» لديها قوة مشتركة للتدخل ولديها تجارب في الإقليم. وعالمياً رفضته المنظومة الدولية ومؤسساتها، وبالذات الدول الغربية التي تخاف من تزايد النفوذ الروسي في المنطقة الذي ظهر بوضوح في مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، وأخيراً في النيجر مصحوباً بعداء شديد تجاه فرنسا والغرب.

ليس في ردود الأفعال هذه غرابة، فهي مبنية بشكل مباشر على خريطة النفوذ والمصالح الواضحة لدول الغرب، وفرنسا تحديداً من جهة، والنفوذ المتزايد لروسيا في المنطقة الذي يشكل تهديداً مباشراً للغرب، لكن الغريب والمدهش هو ردود الأفعال في المنطقة العربية، وفي السودان تحديداً.

اعتبرت بعض الكتابات العربية، بالذات في وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذه الانقلابات جزء من حراك تحرري من النفوذ الاستعماري الفرنسي، ولذلك يستحق الترحيب والدعم. بالتأكيد هناك رؤى ومواقف ضد الدول ذات التاريخ الاستعماري في المنطقة، ولهذا يبدو مفهوماً ومقبولاً سعادة البعض بتراجع النفوذ الفرنسي، لكن غير المفهوم تجاهل النفوذ والأيادي الروسية وراء بعض هذه الانقلابات، وبالذات دور مجموعة «فاغنر» العسكرية الداعمة لبعض هذه الأنظمة.

كذلك لا يمكن تجاهل مطامع الجيوش الأفريقية في السلطة التي لم تتوقف منذ بدء نيل الدول الأفريقية استقلالها في الخمسينات. ويستغل عسكر أفريقيا رغبات وأماني الناس في حياة هادئة وآمنة ومستقرة فيقفزوا على السلطة في كل مرة، ويقدموا الوعود المطولة عبر زعامات شعبوية تعرف كيف تخاطب عواطف الناس، ولكن المحصلة في كل مرة مزيد من التدهور ونهب الأموال والفساد واستغلال السلطة، وفي بعض الأحيان إحياء النعرات العنصرية والإثنية والدينية.

لم تخرج بعض ردود الأفعال السودانية عن هذا السياق، واعتبار الانقلابات حراكاً تحررياً من النفوذ الفرنسي ومحاولة لتكرار نموذج توماس سنكارا في بوركينا فاسو، الذي قاد انقلاباً عسكرياً واستولى على السلطة عام 1983 وحكم لمدة 4 سنوات واغتيل في انقلاب عسكري عام 1987، وقدم نفسه باعتباره قائداً ماركسياً ثورياً مؤمناً بفكرة الوحدة الأفريقية.

أما الجانب الأهم الخاص بالسودان فقد كان ربط الانقلاب في النيجر بالحرب الدائرة حالياً في السودان، باعتبار أن الرئيس المعزول محمد بازوم ينتمي للأقلية العربية في النيجر (ما بين 1 في المائة و1.5 في المائة) وله علاقة خاصة بزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الذي حضر مراسم تتويجه بالرئاسة. وتربط الكتابات السودانية التي نحت نحو هذا الاتجاه بين الانقلاب وتناقص نفوذ حميدتي، وتم الترويج لسردية دعم من بازوم لحميدتي في هذه الحرب بالمال والأسلحة وفرق عسكرية من جيش النيجر.

ولم تتوقف هذه الكتابات أمام المعلومات التي قالت إن توجه الانقلاب في مصلحة روسيا وضد فرنسا، وبالتالي يمكن من هذا الاتجاه وجود قراءة مغايرة بحكم علاقة «الدعم السريع» بروسيا ومجموعة «فاغنر»، واعتبار أن الانقلاب في مصلحته وليس ضده. كما أن بعض القوى السياسية المدنية تناست شعارات مدنية الدولة وشعار العسكر للثكنات، ولم تدخله ضمن معطيات التحليل، فقد تم تعطيل هذه الجزئية في ما يتعلق بالنيجر، فيما لا تزال شعاراً صالحاً في السودان.

الموقف الطبيعي للقوى الداعية للديمقراطية ومدنية الدولة هو الرفض التام والمنطقي لانقلاب النيجر وكل الانقلابات في أفريقيا، والدفاع عن حق الشعوب في الدخول لتجربة الديمقراطية وممارستها بكل مصاعبها وأخطائها، والتعلم من تجربتها الطويلة مع النظم العسكرية التي لا حفظت أمن وسيادة الدول ولا استطاعت تنميتها وتلبية حاجات الشعوب من صحة وتعليم وسكن ومياه شرب نظيفة واحترام كرامة الإنسان.

نقلاً عن “الشرق الأوسط”

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أفريقيا الدعم السريع السودان النيجر انقلاب

إقرأ أيضاً:

ما أهمية سيطرة الجيش السوداني على منطقة العطرون الإستراتيجية بدارفور؟

الخرطوم- "ضربة قاصمة لظهر مليشيا الدعم السريع" هكذا وصف قادة ميدانيون ومحللون عسكريون تحدثوا للجزيرة نت استعادة الجيش السوداني لمنطقة العطرون الإستراتيجية بولاية شمال دارفور، صباح أمس، مؤكدين أنها تمثل نقطة تحول حاسمة في مسار الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023.

وتتحكم منطقة العطرون الواقعة بمحلية المالحة في أقصى شمال ولاية شمال دارفور بمحور صحراوي حيوي، يربط بين الولاية الشمالية وشمال دارفور، ويمتد نحو المثلث الحدودي الذي يربط السودان وليبيا وتشاد، كما يوجد بها مطار، مما يجعلها نقطة عبور رئيسية للإمدادات العسكرية.

وقال مصطفى تمبور، والي ولاية وسط دارفور، ورئيس حركة تحرير السودان للجزيرة نت إن "الانتصارات الكاسحة التي حققتها القوات المسلحة الباسلة والقوات المساندة في منطقة العطرون الإستراتيجية بشمال دارفور جعلت الطريق سالكا نحو مدينة الفاشر لفك حصارها".

وأفاد أن هذا الانتصار يمهد كثيرا لتقدم القوات نحو ولايات غرب وجنوب وشرق ووسط دارفور، لضمها قريبا لحضن الوطن، وأضاف "نبشر شعبنا الأبي بأن إنهاء التمرد بات قريبا، وكل المؤشرات تدل على ذلك".

معتصم صالح: استعادة العطرون يقطع أحد أهم خطوط إمداد المليشيا (مواقع التواصل) قطع خطوط الإمداد

قال معتصم أحمد صالح، الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة السودانية، التي شاركت باستعادة منطقة العطرون من قبضة قوات الدعم السريع، للجزيرة نت، إن "استعادة السيطرة على المنطقة من قبل القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح -المتحالفة مع الجيش- يُعد تحولا إستراتيجيا في مسار الحرب".

إعلان

وأفاد بأن فقدان الدعم السريع لمنطقة العطرون يعني حرمانها من أحد أهم خطوط الإمداد اللوجستي، مما يضعف قدرتها على المناورة والتحرك في شمال وغرب دارفور ودعم جيوبها في شمال غرب كردفان.

وأكد معتصم أن القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة تستطيع من خلال السيطرة على منطقة العطرون "مراقبة التحركات العسكرية للمليشيا في المنطقة، وقطع طرق إمدادها القادمة من ليبيا وتشاد، مما يُسهم في تقليص نفوذها في الإقليم".

وقال إن أهمية العطرون كمنطقة إستراتيجية تُحدد موازين القوى في دارفور، "وتُشكل نقطة تحول كبرى ضمن الخطط الرامية لفك الحصار عن الفاشر، وهزيمة قوات الدعم السريع في غرب كردفان، ودحرها في دارفور".

نور الدائم طه: الجيش السوداني والقوة المشتركة كسروا عمود الدعم اللوجستي والاستخباراتي للدعم السريع (مواقع التواصل) استعادة مباغتة

وأكد نور الدائم طه، مساعد رئيس حركة جيش تحرير السودان، التي يرأسها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، أن السيطرة على منطقتي المالحة والعطرون تمثل "ضربة إستراتيجية قاصمة" لقوات الدعم السريع ولمن يقف خلفها إقليميا.

وقال نور الدائم الذي شاركت قواته الجيش السوداني باستعادة منطقة العطرون للجزيرة نت، إن هذه المناطق التي تم تحريرها لم تكن مجرد نقاط إمداد، "بل كانت ممرات حيوية لتهريب السلاح، والمرتزقة واستهداف السودان عبر الحدود الليبية".

واعتبر أن ما جرى هو "كسر فعلي لعمود الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي اعتمدت عليه المليشيا، وإغلاق لأحد أخطر المنافذ التي استُخدمت لإغراق السودان بالفوضى"، وأضاف "الرسالة واضحة، وهي أن السودان ليس ساحة مستباحة، والجيش والقوة المشتركة ماضون في حماية الدولة السودانية من الانهيار".

ورأى مراقبون أن الاستعادة المباغتة للجيش السوداني والقوة المشتركة لمنطقة العطرون الإستراتيجية تعني السيطرة بشكل كامل على مفاصل الحركة عبر الصحراء الغربية، وعلى نقطة تجمع المقاتلين القادمين من خارج السودان للقتال بجانب الدعم السريع، وهو ما يمنح القوات المسلحة والقوة المشتركة الأفضلية في الميدان.

إعلان سيطرة كاملة

تقع منطقة العطرون في قلب الصحراء بشمال دارفور، وهي أرض منخفضة يوجد بها مطار قديم يصلح لاستقبال طائرات الشحن التجارية والمسافرين. و يرى المحلل العسكري والعميد المتقاعد بالجيش السوداني إبراهيم عقيل مادبو أن هذا الموقع جعل لها بعدا إستراتيجيا، كونها تُشكل ملتقى وتقاطع طرق لـ3 دول.

وقال العميد مادبو للجزيرة نت، إن سيطرة الجيش على المالحة والعطرون تمثل انفتاحا على مناطق الصحراء الأخرى مثل بئر راهب وواحة النخيلة، وقفلا لمنطقة المثلث الحدودي، وإعلانا للسيطرة الكاملة على الصحراء والحدود مع ليبيا.

وأضاف "وبذلك يتم قطع كل طرق الإمداد على المليشيا، التي كانت تستغل عدة بوابات، وتقوم بجلب الإمداد اللوجستي والمرتزقة".

وأشار العقيد المتقاعد إلى أنه "من خلال تتبع خارطة بنك أهداف وضربات طيران الجيش، ونتائج العمليات البرية الخاصة، يتضح أن منظومة وأولوية الاستهداف كانت على موعد مع العديد من التطورات النوعية المهمة".

وتوقّع أن تدفع هذه التطورات قوات الدعم السريع لنقطة "حافة الهاوية والانهيار"، أو لتجريدها ومنعها من تحريك وسحب قواتها من كردفان لحشدها في الفاشر، وذلك عن طريق قطع خط انسحابها التدريجي غير المنظم وغير المحسوب، الذي جاء كأحد ارتدادات التحرك النشط للقوات المسلحة بمحاور كردفان والنيل الأبيض وأم درمان.

تأمين الولاية الشمالية

اعتبر قادة ميدانيون تحدثوا للجزيرة نت، أن استعادة منطقة العطرون في المثلث الحدودي شديد الأهمية بين السودان وليبيا وتشاد، تضيّق الخناق على قوات الدعم السريع وتمهد الطريق أمام تحرير كامل إقليم دارفور.

وحسب بيان للعقيد أحمد حسين، المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح فإن "تحرير منطقة العطرون الإستراتيجية يُعد إنجازا عظيما، تم نتيجة عملية عسكرية دقيقة ومنسقة نفذتها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، بالتعاون مع القوات المسلحة السودانية".

إعلان

وأضاف البيان أن "تحرير منطقة العطرون كبّد العدو خسائر فادحة بالأرواح والعتاد، ويمثل خطوة حاسمة في سبيل استعادة الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، ويعكس التزامنا الراسخ بحماية المدنيين وتأمين الأراضي السودانية".

ويرى عسكريون أن تحرير العطرون يسهم في تعزيز تأمين الولاية الشمالية من الهجوم الذي توعدت به الدعم السريع على مدينة الدبة، بعد تجميع "المرتزقة" في العطرون، لأن ظهرها سيكون مكشوفا أمام ضربات الجيش السوداني والقوة المشتركة لو غامرت بالتفكير في الهجوم على الشمالية.

مقالات مشابهة

  • الذي يحكم الخرطوم يحكم السودان، فهي قلب السودان ومركز ثقله السياسي
  • علاقة ما فعله ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا بالقضية التي رفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة تثير تفاعلا
  • دبلوماسيون وخبراء يكشفون للجزيرة نت تحديات رئيس الوزراء السوداني الجديد
  • صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
  • بت اقرب الان لقول المسؤولة الأمريكية التي قالت قبل أشهر ان السودان فاشل في عرض قضيته
  • كامل إدريس الطيب رئيس الوزراء السوداني
  • الجيش السوداني يعلن اكتمال السيطرة على الخرطوم
  • احتجاجات في لندن تُندد ب استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية
  • ما أهمية سيطرة الجيش السوداني على منطقة العطرون الإستراتيجية بدارفور؟
  • من هو رئيس الوزراء السوداني الجديد الدكتور كامل إدريس؟