عادل عسوم: إلى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
في هذه الآية الكريمة التي عنونت بها مقالي تصوير فني عجيب!
(عجل) يتم (اشرابه) في قلوب قوم ليكون المآل تغير تام في أقوالهم وأفعالهم!
لكأن العجل تحول إلى سائل تغلغل في كل أجزاء أجسامهم وخلاياهم، إنها صورة ووصف بليغ يشي بماحدث في قلوب ووجدان بني إسرائيل ليتحولوا إلى النقيض بعد أن كانوا مؤمنين…
وكم من عجول أخر أشربت بها قلوب أخر يا أحباب.
ف الشيوعية عجل…
ومنهج حزب المؤتمر السوداني عجل…
ومنهج حزب البعث عجل…
وافكار محمود محمد طه عجل…
والقحطنة عجل…
كلها عجول تم اشرابها في قلوب بعض بني جلدتنا لتصبح رانا يتسبب في تغيير قناعتهم بدين الله فلايستحق عندهم أن يكون مصدرا للتشريع في وثيقتهم الدستورية الهالكة، ولافي اتفاقهم الاطاري المجلوب، وتسرب إلى وطنيتم فباعوا السودان وباعوا أنفسهم، وللأسف فإنهم أسوأ حالا من أصحاب العجل الأول الذين قالوا:
{…مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}.
قيل: إن الله تعالى لما أغرق فرعون وقومه نبذ البحر حليهم، فأخذوها فكانت غنيمةً، ولم تكن الغنيمة حلالًا لهم في ذلك الزمان؛ فسمَّاها أوزارًا لذلك، ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾،
قال السدي: قال لهم هارون هذه غنيمة لا تحل فاحفروا حفيرةً، فألقوها فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه، ففعلوا، {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} ما معه من الحلي فيها، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أوقد هارون نارًا، وقال: اقذفوا ما معكم فيها، فألقوه فيها، ثم ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل، قال قتادة: كان قد أخذ قبضةً من ذلك التراب في عمامته، {فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي}.
أما بني جلدتنا من قحاطة ويسار؛ فلم يعتبر أحد منهم الحلي والدراهم والدولارات واليوروهات التي اخذوها (أوزارا)، وقد أشربوا عجلها منذ أول يوم لحكومة حمدوك التي سنت لأول مرة في تأريخ هذا السودان استلام (مواهي) وزرائها من السفارات الأجنبية والمنظمات الكائدة للسودان وأهله!
ومافتئوا من يومها ركعا سجدا للسفراء والسفارات، فأصبحت -ومافتئت- الخيانة والتفاهة لهم طبعا وجبلة…
كيف لا وهم الذين استغلوا الصبية حصان طروادة للوصول إلى كراسي حكم يعلمون يقينا بأنهم ليسوا ببالغية بانتخابات؟!، يملون على الصبية هتافاتهم التافهة (كنداكة جات بوليس جرا) و (معليش معليش ماعندنا جيش)، ولاء آتهم الثلاثة التي كانوا يلقنونها للصبية نهارا، وعندما تغيب الشمس يتسللون لوذا إلى بيوت العسكر لحوارهم استجداء ومناصفة!، وعندما تأبى عليهم الجيش ليصبح لهم رافعة؛ نقموا عليه فسعوا إلى تفكيكه، ثم تسببوا في أشعال نار حرب مافتئوا يذكون أوارها مناصرين للمتمردين الأوباش…
ولست مغاليا إن قلت بأن كل الذي حدث ومافتئ يحدث في هذا السودان منذ عام 2019 كان -ولم يزل- خلفه الحزب الشيوعي، ومن بعده أذياله من حزب البعث وبقية ذؤابات وحراشف اليسار، بالله عليكم كم كان عدد وزراء الحزب الشيوعي في حكومتي حمدوك سيئة الذكر؟!
وكم كان عدد كوادرهم التي نصبوها وكلاء وزارات وقيادات للعمل التنفيذي منذ عام 2019؟!
راجعوا اسماء من كانوا مستشارين لحمدوك ثم فولكر لتتبينوا من كان خلف ثورة (السمبر) التي جعلت من شعارها تسقط بس؟!
راجعوا اسماء رؤساء اللجان العديدة التي خططت وأحالت المهندسين للصالح العام، ثم اختارت (الكفوات) من منخنقة وموقوذة ومتردية ونطيحة ليعجزوا عن تشغيل الكهرباء وتشغيل المصفى وتشغيل خط الأنابيب؟!
وليقرأ أهل السودان كيف كاد الشيوعيون من قبل لرائد الاستقلال السيد اسماعيل الأزهري الذي حرموه -حتى- من اذاعة خبر وفاة يليق به بإعتباره رئيسا لوزراء سابق وهو أول رئيس لوزراء السودان من بعد الاستقلال!
لقد أذاعوا بيانا هزيلا في أخبار الخامسة مساء ضمن أخبار الأموات حيث قال المذيع:
(توفي إسماعيل الأزهري المعلم السابق)!…
وتجاهلوه في النشرة الرئيسة في الساعة الثالثة عصرا!.
حدث ذلك يوم 26 أغسطس 1969 ومايو يومها حمراء فاقع لونها تسوء الناظرين، وقد ورد عن طيب الذكر نميري رحمه الله أنه أبدى ندمه عن هذا التصرف الأرعن، وتهكم على التبرير الذي ظل الشيوعيين يرددونه عن البيان…
وتبين للناس سفه أحلامهم في ثورة اكتوبر 64 التي تداعى لها شعراءهم وتغنى المغنون:
أكتوبر واحد وعشرين
يا صحو الشعب الجبار
يا لهب الثورة العملاقة
يا ملهم غضب الثوار.
ووصل كذبهم حد أن جعلوا من ابن قرية القراصة احمد القرشي طه رحمه الله شهيدهم الأول!
فكتب شاعرهم:
وكان القرشي شهيدنا الأول
حلفنا نقاوم ليلنا وسرنا
للشمس النايره قطعنا بحور
حلفنا نموت او نلقي النور
وكان في الخطوه بنلقي شهيد.
لكنهم عندما رأوا الناس متحلقبن حول الراحل ابراهيم عبود في زنك الخضار هاتفين له ضيعناك وضعنا ياعبود تبينوا زيف أناشيدهم!
وظل ران العجول المشربة بها قلوبهم يغبش عليهم الرؤى ويفسد طواياهم، فجاءت مجزرة الجزيرة أبا، وودنوباوي، وقتلوا الامام الهادي المهدي، حيث بعث سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب رسالة من القاهرة فى 17 ابريل 1970 يقول فيها فرحا ومهنئا:
(ان تصاعد الصراع السياسى والطبقى فى بلادنا والذى اتخذ من مسرح الجزيرة ابا وودنوباوى مسرحا لها ليس أمرا عابرا، لأننا قد استقبلنا بالفعل نقطة تحول فى تطور الحركة الثورية السودانية، وفى اشكال الصراع السياسى وانه من المهم دراسة تلك ألأحداث بدقة من قبل كل منا فى حزبنا والحركة الديموقراطية والخروج باستنتاجات موضوعية ووضع التكتيكات السليمة لحركة الثورة فى بلادنا…
ويواصل عبد الخالق رسالته الشهيرة الداعمة لضرب الأبرياء فى الجزيرة ابا وود نوباوى فيقول فيها: (نستطيع أن نقول بأنه قد وجهت ضربة قاصمة للتنظيم المسلح الرجعى فى بلادنا وانزلت بجموع قوى اليمين فى بلادنا هزيمة ساحقة واضعفت من فعاليتها وقدرتها..
ويواصل قائلا: (ومن الخطأ اعتبار ان الهزيمة مؤثرة فى حدود اقصى اليمين أى حزب الأمة وحده…).
وهانحن اليوم نرى بعض ابناء وبنات قيادة حزب الأمة يوالون هذا الحزب ومافتئوا!…
إن طبع هذا الحزب الكذوب وتأريخه القبيح في القتل تفضحه حتى اشعارهم التي تتحدث عن سيف فدا مسلول يشقون به اعداءهم عرضا وطول كما كتب محجوب شريف في يافارسنا وحارسنا، وكذلك كتب كمال الجزولي محتفيا كذلك بمجزرة الجزيرة أبا:
أن نغرس في الصدر الخنجر
ان نطلق في الرأس رصاصة
أن نمسح حد السيف بحد اللحية..
أصبح أسهل من إلقاء تحية.
وبالأمس القريب كان الشعار الخاوي الذي أملاه ذات اليسار من خلال واجهاته الكذوب من تجمع مهنيين وقحت ولجان مقاومة بأن (تسقط بس)!، وعندما جقلبت الخيول نالوا (هم) الشكرة وأصبحوا الحماميد وانجعصوا في كراسي الحكم وقلبوا ظهر المجن للذين ساقوهم بالخلا فتناسوا قضاياهم بعد أن وضعوا يدهم في يد المتمرد حميدتي، وما كان فض الاعتصام إلا احداها…
ولم يقف الأمر على تبينهم لخطئ شعار ثورة السمبر، بل تبينوا خطأ مسماهم (قحت) ليبدلوه ب(تقدم)!، ومابينهم وبين التقدم بعد المشرقين!
تقدم التي انبري منها أحد قياداتها ممن كنت احسبه صاحب وعي سيجعله يوما يعتذر للناس وينأى بنفسه عن هؤلاء الطفابيع؛ إذا به ينبري ليعيب على صاحب الجنقوا مسامير الأرض انتقاده لقحط وتقزم مواقفها القبيحة وسفه أحلام قياداتها، وإذا به يجد ردا لايبقي ولايذر،
ذكر له فيه كل العبر،
وسارت به الركبان في البحر والبر،
فليت صاحبنا يدكر.
وإلا،
فسينتهي أمره في تأريخ السودان بكونه صاحب ثقافة اللساتك????
اعلموا ياهؤلاء بأن التأريخ لن يرحمكم، سيلعنكم هذا الشعب على مر التأريخ، بل سيلعنكم الأبناء والأحفاد على خيانة وصلت بكم حد الاستنكاف عن ادانة جرائم الاغتصابات والقتل والنهب الذي طال أهلكم في كل أرجاء السودان، واذا بكم بلا كرامة ولانخوة تتسابقون إلى مصافحة قائد المغتصبين والقتلة، ومنهم كثر ثبت بأنهم ليسوا سودانيين!
اختم بالقول بأن العجول التي يتم اشرابها في القلوب الجاحدة؛
لضرب من البلاغة تميزت به آي القرآن الكريم، وكم في هذا القرآن الذي لم تعترفوا ب(أهليته) ليكون مصدرا للتشريع من بلاغ.
أسأل الله أن لايحقق لكم غاية ولايرفع لكم راية.
عادل عسوم
adilassoom@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فى بلادنا
إقرأ أيضاً:
إغتيال الشيخ ابن خالي في النهود وجرح البلد النازف
إغتيال الشيخ ابن خالي في النهود وجرح البلد النازف
خالد فضل
تسليما لا تشوبه شائبة شكوك بقضاء الله وقدره، ويقينا يتسربل الروح بأنّ الخير فيما يختاره الله ، وما بلواه إلا محض إمتحان قاس يخضع له من اجتباه تمحيصا لعباده الصالحين ، هذا خلاصة عزائي لخالي الحبيب أحمد الشيخ , ولأختى الحبيبة آمنة محمد طه ، ولأشقائه الأكبر محمد والأصغر عمر وحسام . ولبقية الأسرة والعائلة الممتدة داخل السودان المنكوب وخارجه، وأنا في منفاي ؛ بهوية لاجئ ، يتفطر مني الفؤاد ،يكاد ينخلع القلب من ثقل الأوجاع ، لولا ما يرد النفس من ثبات روحي أتصوره بفضل الله عميق .
الشيخ ابن خالي الشاب الخلوق ، سمح الروح ، لطيف الظل ، برئ السمت ، رفيع الشأن وسيم الطلعة ، يفيض حيوية ومحبة و ود صاف نادر المثيل ، البسمة لا تفارق شفتيه ، والضحكة عنوانه الثابت ، كريم الأخلاق، نقي السيرة والسريرة، لذا جاء إختيار الله له لينعم بجواره الرحيم ، وهو بعد شاب ناهض طموح في أخريات العشرين أو مطلع الثلاثين، خبرته منذ كان طفلا ، يزيد مع السنوات تألقا ورفعة ، له الرحمة والغفران . والعزاء لجميع من عرفه فهم طيف واسع من الناس .
نعود إلى حديث العقل ، وحساب المسؤولية عن إزهاق الأرواح البرئية بغير ذنب، فالفقيد جاء إلى النهود ليعمل في مجال التجارة بالسوق، رفقة شباب آخرين من إخوة وأبناء وأقارب، ظل لسنوات هناك، يمكث الشهور الطويلة ولا يعود إلى أسرتنا في الجزيرة إلا لماما . فهو يشارك في مسؤولية إعالة أسرته ، والد شيخ تنهكه أسقام الجسد، ووالدة تعاني من توعك مستمر، وأشقاء من تخرج منهم ومن لم يتخرج . ظل الشيخ يضحي من أجلهم في أنضر وأخصب سنوات عمره . ليس له أدنى علاقة بالسلاح أو الأطراف الوالغة في القتال .جاء مصرعه عقب إصابته بطلق ناري داخل المنزل في أول يوم لإجتياح قوات الدعم السريع مدينة النهود ؛ بحسب ما توفر لي حتى الآن من معلومات، ظل ينزف لمدة يومين لعدم وجود مستشفى أو إسعاف، ليتوفى مساء اليوم التالي . كانت الإصابة نتيجة هجوم بغرض النهب وسلب الأموال . المسؤولية المباشرة هنا تقع على قوات الدعم السريع، وبإحالة الحادثة إلى المبدأ 18 من مبادئ ميثاق السودان التأسيسي ؛ الذي وقّع عليه الفريق عبدالرحيم دقلو عن قوات الدعم السريع، يقول : الإلتزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية ، وإنهاء الإفلات من العقاب من خلال محاكمة كل من ارتكب جرائم بحق الوطن والمواطن، خاصة انتهاكات حقوق الإنسان … إلخ . أسجل هذه الحادثة كجريمة ضد مواطن، وعليه يجب ألا يفلت المجرم من العقاب . فالحادث محدد بوضوح، مكانا وزمانا، وبالتالي فإنّ أي تحقيق تجريه قوات الدعم السريع سيصل مباشرة لتحديد المشتبه به في ارتكاب الجريمة، ولعل هذا يكون اختبارا فعليا لما ظل يصرّح به قائدها حميدتي ، وما نصت عليه المواثيق المرجوة لتأسيس سودان جديد . وهي حادثة معلقة على رقاب جميع الموقعين على الميثاق من قوى سياسية وحركات مسلحة وشخصيات مستقلة بمن فيهم وزير العدل في حكومة الثورة الأستاذ نصر الدين عبدالباري وعضو مجلس السيادة الاستاذ التعايشي .
إنّ حادثة إغتيال أخي الشيخ ليست مجالا خاصا بنا كاسرة، ورغم فداحة الفقد ومرارته بيد أنّني أتناولها هنا كقضية عامة يعاني الوطن كله منها ويلاقي المواطنون الويلات من تبعاتها، التعدي على المدنيين العزل، نهب الممتلكات ، التصفيات والتشفي، دك الحواضن الإجتماعية .. كلها جرائم ضد المدنيين، ترتكبها الأطراف المنخرطة في الحرب بلا رادع من قانون أو لحظة من يقظة ضمير، لذلك تبدو أطروحة مثل مشروع التأسيس بلا قيمة حقيقية على الأرض إذا كان الطرف الأكبر حجما والاقوى عتادا لا يظهر اي بادرة إلتزام بما تواثق عليه . وتبدو الشكوى من تخلي الجيش ومليشياته عن حماية والدفاع عن المواطنين العزل بلا طائل ، فتلك عقيدة مؤسسات السودان القديم المتهدم ، فهل سيأتي التأسيس من نفس مواد البناء العقيم ؟ أرجو أن تصل كلمتي هذه لقيادة الدعم السريع ولقادة تحالف تأسيس، وبالطبع لا أريد تبريرا بل خطوة عملية ، ليس أقلها التحقيق ونشر نتائجه .
الرحمة والمغفرة لأخي الحبيب الشيخ ـ ذاك الفتي السمح الودود . ولكل ضحايا الحرب والعنف في بلادنا ، وشفى الله المصابين ، ورد المفقودين .