تقرير يفضح زيف شعارات وزير الفلاحة ويوصي بفتح تحقيق حول أزمة عيد الأضحى
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
زنقة 20 ا الرباط
فضح تقرير صادر عن المركز المغربي للمواطنة حول “التدبير العمومي لعيد الأضحى 2024” زيف شعارات وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، المتعلقة بعيد الأضحى، مشيرا إلى أن “الأرقام والمعطيات التي صرح بها الوزير لا تتلائم مع الواقع الذي عاشه المغاربة في فترة العيد لهذه السنة”.
وكشف التقرير أن “الجميع يقر بأن هذه السنة شهدت أسعاراً قياسية لم يسبق أن عرفها المغرب. ورغم التفسيرات العديدة التي حاول القطاع الوصي من خلالها تبرير هذا الارتفاع، يبقى العرض المنخفض هو السبب الرئيس لهذا الارتفاع”
وأوضح التقرير أن هذه “المعادلة لا يمكن التشكيك فيها، فقد أدى نقص عدد الأضاحي المتاحة في الأسواق، إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن الإجراءات المتخذة من قبل القطاع الوصي كافية لضمان وفرة الأضاحي بأسعار معقولة. كما أن الاستيراد لم يكن له أي وقع على أرض الميدان. بل هناك العديد من المصادر تؤكد توجيه تلك الأغنام لأغراض تجارية من طرف الجزارين، مما يطرح إشكالية دور القطاع الوصي في مراقبة الدعم المخصص”.
وأكد التقرير أن “محاولة ربط غلاء أثمنة الأضاحي بالشناقة يفتقد للموضوعية والبراهين، إذ أن هذه الفئة دائماً ما شكلت عنصراً في سلسلة التوريد. في ظل غياب تنظيم خاص، يبقى هؤلاء “التجار” جزءاً طبيعياً من السوق، حيث يعتمدون على قانون العرض والطلب. فهم معرضون للخسارة كما للربح، ولا يمكن تحميلهم المسؤولية عن ارتفاع الأسعار”.
وسجل التقرير أنه ” في ظل ارتفاع الأسعار، يُلاحظ أن ارتفاع في رسوم تعشير على الأضاحي المعروضة للبيع، مما ساهم في تفاقم أزمة الأسعار. هذا الإجراء يزيد من الأعباء المالية على التجار والمستهلكين على حد سواء، مما يؤدي إلى ارتفاع إضافي في تكلفة الأضاحي ويعزز من حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الأسر المغربية خلال عيد الأضحى”.
واشار المصدر إلى أن “جميع المؤشرات تؤكد انخفاض نسبة المواطنين الذين خلدوا هذه الشعيرة. على سبيل المثال، انخفضت كمية النفايات المنتجة في الدار البيضاء من حوالي 16,000 طن خلال سنة 2023 إلى 12,000 طن خلال هذه السنة، مما يظهر تراجعاً في عدد الأسر التي مارست شعيرة العيد”.
واعتبر التقرير أنه “رغم أهمية المعطيات التي صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط حول عيد الأضحى، يُؤخذ عليها تأخرها في الصدور، إذ إن معطيات 2022 لا تعكس بشكل دقيق معطيات 2024 في ظل أزمة الجفاف والغلاء. هذا التأخر في توفير البيانات يجعل من الصعب اتخاذ قرارات مبنية على معلومات حديثة ودقيقة، مما يزيد من تعقيد الوضع ويؤثر سلباً على قدرة الجهات المسؤولة على التعامل مع التحديات الراهنة بفعالية”.
ورصد التقرير أن ” بعض الأسر المغربية وجدت نفسها في موقف جد صعب، حيث لم يكن بعضها قادراً على اقتناء الأضحية بسبب إكراهات مالية، بينما لم تستطع أخرى اتخاذ قرار عدم اقتناء الأضحية لاعتبارات اجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تعذّر على الأسر التي كانت تعتمد على الحصول على الأضحية من بعض المحسنين هذا العام. هذا الوضع يعكس الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها الأسر المغربية خلال عيد الأضحى”.
وكشف تقرير المركز المغربي للمواطنة أنه “في ظل الارتفاع غير المسبوق في تاريخ المغرب لأسعار الأضاحي، تم استهلاك جزء من رأس المال الوطني من القطيع، خاصة النعاج والخرفان التي تُعد للموسم المقبل، مما قد يؤثر على عدد القطيع وسعر اللحوم في المستقبل. وبدون “راحة بيولوجية” للقطيع الوطني، من المؤكد أن الأزمة ستستمر فيما يخص غلاء أثمنة اللحوم في المستقبل ويصعب عودتها إلى المستويات السابقة”.
وعلى إثر هذه المعطيات أو المركز المغربي للمواطنة بـ”فتح نقاش وطني حول السياسات العمومية الفلاحية، مع التركيز على وضع المواطن في قلب تلك السياسات، وضمان أن الاستراتيجيات تلبي احتياجات المواطنين وتتماشى مع التحديات البيئية والاقتصادية الحالية”.
واوصى بـ”اجراء تحقيق سياسي بخصوص الأرقام الرسمية المعلنة من قبل القطاع الوصي حول توفر عرض أكبر من طلب السوق الوطني بمناسبة عيد الأضحى”.
ودعا إلى “العمل على تقوية وتعزيز القطيع الوطني من خلال إجراءات ناجعة عوض الاكتفاء بالحلول السهلة المتعلقة بتقديم الدعم المالي للمهنيين أمام كل أزمة، التي يغيب عنها أي وقع ملموس على المعيش اليومي للمواطن”.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: التقریر أن عید الأضحى
إقرأ أيضاً:
“عطش في عروق الثقافة”.. تعز تغوص في أزمـة مائية تهدد وجودها الإنساني (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من محمد عبدالقادر اليوسفي
على أطراف حي الضربة وسط مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، تقف أم سليم يوميًا عند زاوية حوش منزلها بقلقٍ مُرهق، تراقب الأفق بحثًا عن أي أثر لصهريج المياه المنقذ. مرّت خمسة أيام عصيبة منذ أن دَفعت 18 ألف ريال – ما يعادل نصف راتب زوجها الشهري – لتعبئة خزان منزلها بصهريجٍ لا تتجاوز سعته ألفي لتر.
تقول بصوتٍ يختلط فيه اليأس بالألم: “صرنا نُنفق على الماء ضعف ما نُنفقه على الطعام، لكن حتى هذه السلعة صارت سرابًا نطارده كل يوم”.
في المدينة التي نُعِتت يومًا بـ”عاصمة الثقافة اليمنية”، تتحول مشاهد الانتظار المُذِل خلف صهاريج المياه إلى روتين يومي، وسط أزمة متشعبة الأسباب: جفاف يضرب الأحواض المائية، واستنزافٌ جائر للآبار، وتقاعسٌ مؤسسي مُريب. بينما تُسجل أسعار المياه ارتفاعاتٍ جنونية، يغيب أي تدخل عاجل من الجهات الرسمية، وكأن حياة الآلاف وكرامتهم باتت رهينة سوقٍ سوداء تتحكم بها أيادٍ خفية.
ماء أم خبز؟.. معادلة البقاء المستحيلة
في حي البعرارة، يقطع علي حسن – عامل بأجر يومي وأب لأربعة أطفال – مسافة كيلومترين يوميًا حاملًا جرارات بلاستيكية فارغة.
وجهه المُتعب يختصر معاناةً جماعية: “أقضي ساعتين يوميًا لأملأ الجرار من خزان مدرسة مهجورة. إذا ذهبت للعمل، نحرم من الماء، وإذا جلبته، نفقد قوت اليوم”. كلماته لا تصف حاله وحده، بل حال آلاف الأسر التي تحوَّل الماء لديها إلى “هاجس وجودي” يُهدد استقرارها المعيشي.
تؤكد لميس الصوفي – إحدى سكان المدينة – أن الأزمة تجاوزت كل التوقعات: “وصلنا لمرحلةٍ كارثية. لا خدمات أساسية، ولا كهرباء، والماء صار سلعةً نادرة بأسعار خيالية”.
وتضيف في حديثٍ لـ”يمن مونيتور”: “خمسة آلاف لتر من الماء تُكلف الآن 40 ألف ريال، بعد أن كانت 20 ألفًا قبل أشهر. حتى المطر صار شحيحًا، وكأن السماء تشارك في حصارنا”.
من جانبه، يصف محمد الصبري من حي الجمهوري الوضع بأنه “حصار مائي مُتعمَّد”: “الماء أضحى أزمة كل بيت. نعيش تحت سطوة سماسرة الصهاريج، بينما الجهات الرسمية تتعامى عن معاناتنا”.
المدارس والمستشفيات.. ضحايا غير مباشرة
لا تقتصر الكارثة على المنازل، بل تمتد إلى المدارس والمراكز الصحية التي تتحول إلى مساحاتٍ مهددة بالأمراض بسبب انعدام المياه النظيفة.
في مدرسة “النهضة” التي تحوّل فناءها إلى نقطة تجميع للمياه – يقول مدير المدرسة: “التلاميذ يغيبون أيامًا بسبب أمراض الإسهال. كيف نُعلمهم تحت شمسٍ حارقة وهم عطشى؟”.
مؤسسة المياه: غيابٌ في لحظة مصيرية
رغم تفاقم الأزمة، تغيب مؤسسة المياه المحلية عن المشهد تمامًا. شبكة الأنابيب في أحياء “الحوض” و”الحصب” و”بئر باشا” – التي كانت يومًا مصدر فخر – تحوَّلت إلى هياكل صدئة.
يقول أحد السكان: “الأنابيب مجرد ديكور منذ سنوات. كأنها نصب تذكاري لعصرٍ كان الماء فيه حقًا، لا امتيازًا”.
عند محاولة التواصل مع مدير المؤسسة، لم يُجب على اتصالات “يمن مونيتور”. لكن مصدرًا إداريًا – طلب عدم الكشف عن اسمه – برر التقاعس بـ”انعدام الكهرباء والتمويل”. إلا أن مراقبين يُشيرون إلى أن هذه المبررات لا تُخفف من الجرم المزدوج: إهمال المؤسسة، وتواطؤها الضمني مع شبكات استغلال الأزمة.
المبادرات الدولية.. قطرة في محيط العطش
في ظل غياب الدولة، تحاول منظمات دولية تقديم حلولٍ ترقيعية، مثل توزيع خزانات أو صيانة آبار مجتمعية. لكن المهندس أحمد الصنوي – منسق مشاريع مياه سابق – يرى أن هذه الجهود “لا تُغطي 15% من الاحتياج الفعلي”.
وأضاف في حديثيه لتقريرنا: “المشكلة بنيوية. الاعتماد على الصهاريج خلق سوقًا سوداء يهيمن عليها المتنفذون، بينما يُدفع المواطن ثمن الفساد واللامبالاة”.
جفافٌ مناخي.. وحربٌ تُجفف الأرض
يربط الخبير البيئي عبدالكريم السبئي الأزمة بالتغير المناخي: “انخفضت معدلات الأمطار 60% خلال عقد، ما أدى لتناقص تغذية الخزانات الجوفية”. ويحذر: “تعز مُهددة بجفاف شامل خلال 5 سنوات إذا استمر الاستنزاف. نحن أمام خطرٍ وجودي”.
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية استغلال المياه كسلاح: “الأحواض الشمالية تحت سيطرة الحوثيين، والآبار المتبقية ملوثة أو جافة بسبب التوسع العشوائي في زراعة القات”.
ويشدد على أن الحل الجذري يكمن في “تنفيذ مشروع محطة تحلية مياه البحر في المخا”، الذي جُمِّد بسبب الحرب.
الماء رفاهية.. والحياة انتظارٌ
وسط هذا المشهد، يبدو سكان تعز وكأنهم أمام خيارين مريرين: إما دفع نصف دخلهم لشراء الماء، أو الاستسلام لعطشٍ يهدد صحتهم وحياتهم. بينما تغيب خطط الإنقاذ، تترسخ قناعة بأن الماء – ذلك الحق الأساسي – صار هنا سلعةً تُقاس بالدماء، لا بالأموال.
و في المدينة ذات الكثافة السكانية العالية والتي طالما ناضلت من أجل البقاء، تُكتب الآن فصولٌ جديدة من المعاناة، حيث يُختزل الإنسان إلى مجرد ظمءٍ يسير على قدمين.