صناعة الرقائق الإلكترونية أصبحت ذات أهمية كبيرة فى الاقتصاد العالمى، مدفوعة بزيادة الطلب على الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، والتوسع فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وزيادة اعتماد المركبات الكهربائية. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الرقائق إلى أكثر من تريليون دولار بحلول 2030 بمعدل نمو 8%.
تتجه مصر للاستفادة من هذا القطاع فى تنويع الاقتصاد الوطنى، وزيادة قدرتها التنافسية على الساحة الدولية، ولكنها تواجه العديد من التحديات المُعقّدة.
إن تكلفة إنشاء مصنع لإنتاج الرقائق الإلكترونية تُعد من أكبر العوائق أمام دخول مصر هذا المجال. فوفقًا لتقديرات عالمية، قد تصل تكلفة بناء مصنع حديث إلى حوالى 10 مليارات دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير ما يمكن للاقتصاد المصرى تحمله فى المرحلة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن البحث والتطوير فى هذا المجال يحتاج إلى استثمارات ضخمة، على سبيل المثال، تُنفق الشركات الكبرى مثل «إنتل» و«سامسونج» ما يزيد على 20% من إيراداتها السنوية على البحث والتطوير، وهو ما يعكس أهمية هذه الاستثمارات لضمان البقاء فى المقدمة.
نقص الخبرات المحلية يُعتبر تحديا آخر. صناعة الرقائق الإلكترونية تتطلب مهارات عالية وخبرات متخصصة يصعب العثور عليها فى السوق المحلى. تحتاج مصر إلى جذب الكفاءات العالمية وتطوير قاعدة محلية من المهندسين والعلماء المدربين، ولكن يمكن لمصر أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى والتركيز على بناء الشراكات مع المؤسسات التعليمية العالمية لتدريب وتأهيل كوادرها.
المنافسة العالمية فى هذا المجال لا ترحم. الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية تهيمن على صناعة الرقائق، وتتمتع بمزايا تنافسية هائلة تشمل البنية التحتية المتطورة والدعم الحكومى القوى. وفقًا لتقرير «ماكينزي»، فإن الصين وحدها استثمرت أكثر من 150 مليار دولار فى هذا القطاع خلال العقد الماضى، ما يوضح حجم التحدى الذى تواجهه مصر.
من ناحية أخرى، البنية التحتية المصرية تحتاج إلى تحسينات كبيرة لتكون قادرة على دعم صناعة الرقائق الإلكترونية. تتطلب هذه الصناعة إمدادات مستقرة من الطاقة والمياه، وشبكة اتصالات قوية. وفقًا لتقرير البنك الدولى، فإن مصر بحاجة إلى استثمارات تزيد على 675 مليار دولار لتحسين بنيتها التحتية على مدى العقد القادم، وذلك يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه أيضًا فرصة لتحسين الاقتصاد بشكل عام.
عوامل أخرى مثل الاستقرار السياسى والاقتصادى تلعب دورًا حاسمًا فى نجاح مصر فى هذا المجال. الاستقرار السياسى يشجع الاستثمار الأجنبى والمحلى، بينما يؤدى ارتفاع معدلات التضخم والبيروقراطية المعقدة إلى تثبيط التقدم. لذا، فإن مصر تحتاج إلى سياسات اقتصادية فعالة لتعزيز الاستقرار وجذب الاستثمارات.
ولكن مع كل ذلك، تمتلك مصر بعض المزايا الفريدة التى يمكن أن تساعدها على النجاح. السوق المحلى الكبير والموقع الاستراتيجى الذى يربط بين إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، ووفرة الموارد الطبيعية مثل الرمال البيضاء، كلها عوامل يمكن أن تسهم فى تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية.
عامةً، لتحقيق تقدم حقيقى وملموس، يجب على صناع القرار تبنى استراتيجيات متكاملة تجمع بين الاستثمار فى البنية التحتية، وتطوير الكفاءات المحلية، وتحسين بيئة الأعمال. كما ينبغى أن يتوازى مع ذلك التركيز على خلق بيئة مواتية للابتكار وريادة الأعمال، وتقديم الحوافز للشركات التى تستثمر فى البحث والتطوير. الالتزام القوى من الحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، كلها عوامل تمكينية من شأنها أن تساهم فى التغلب على التحديات الماثلة وتحقق الأهداف المنشودة وتفتح آفاق جديدة للاستفادة والتفوق فى هذا القطاع العالمى المتنامى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صناعة الرقائق الإلكترونية الرقائق الإلكترونية الأجهزة الإلكترونية المركبات الكهربائية سوق الرقائق صناعة الرقائق الإلکترونیة هذا المجال فى هذا
إقرأ أيضاً:
4000 مشارك في «قمة أبوظبي للبنية التحتية 2025»
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةاختتمت «قمة أبوظبي للبنية التحتية 2025» أعمالها بعد أن استقطبت أكثر من 4000 مشارك من أكثر من 100 جنسية، وتوقيع 15 اتفاقية وشراكة استراتيجية على مدى يومين، لترسِّخ مكانتها منصةً دوليةً رائدةً للحوار وتبادل الأفكار عن مستقبل التنمية الحضرية.
وعُقِدَت القمة على مدى يومين تحت شعار «مدن المستقبل: إعادة تصوُّر البنية التحتية للارتقاء بأنماط الحياة»، وشهد اليوم الختامي سلسلة من الجلسات التي تناولت سُبل توظيف البنية التحتية المبتكرة، والتكنولوجيا المتقدمة، والشراكات الاستراتيجية لبناء مدن نابضة بالحياة، وقابلة للعيش، ومحفِّزة للنمو الاقتصادي.
وتركَّزت نقاشات القمة حول دور أبوظبي الاستباقي في رسم ملامح مستقبل ترتبط فيه التنافسية الاقتصادية بجودة الحياة ارتباطاً وثيقاً، مع التأكيد على التزام الإمارة بالاستفادة من التكنولوجيا، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، وتطبيق سياسات متطورة لبناء مدن مرنة ومستدامة تتمحور حول الإنسان.
وافتُتِحَ اليوم الختامي بكلمة ألقاها المهندس ميسرة محمود سالم عيد، المدير العام لمركز أبوظبي للمشاريع والبنية التحتية، حيث تحدَّث فيها عن أهمية القمة بوصفها «منصة محورية تصل بين الفكر العالمي والعمل التطبيقي في قطاع البنية التحتية». وأكَّد أنَّ البنية التحتية ليست مجرَّد إطار، بل هي «الركيزة الأساسية» التي تعكس هُوية المدينة وقيمها واستعدادها لمستقبل واعد، وشكَّلت هذه الرؤية المنطلق للنقاشات في اليوم الثاني.
وفي جلسة بعنوان «التميُّز الحضري: تجارب مستقاة من أكثر المدن ابتكاراً»، ناقش دانيال ليو، المدير التنفيذي لشركة مورو إنتليجنس، وإمري أرولات، الشريك المؤسس، المدير الرئيسي في شركة إمري أرولات للهندسة المعمارية، وأسماء الجسمي، المدير التنفيذي لقسم إدارة المشاريع والعمليات التشغيلية في مشاريع «الدار»، وغريغ بارغول، المدير التنفيذي لقسم التطوير في شركة «مدن» العقارية، دور المدن الرائدة في تغيير ملامح الحياة الحضرية من خلال مفاهيم النمو الشامل والاستدامة والحفاظ على الهُوية الثقافية.
الإنسان أولوية
وشدَّد دانيال ليو على أهمية تبنّي أُطُر تركِّز على الإنسان عند تقييم أثر البنية التحتية. وتناول إمري أرولات دور التصميم المعماري في التعبير عن الهُوية المحلية، وتعزيز التجربة اليومية للسكان. وأبرزت أسماء الجسمي أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص في تمكين مجتمعات مزدهرة وصالحة للعيش. أمّا جريج بارغول، فأوضح أنَّ دمج البنية التحتية ضمن نماذج تضع الإنسان كأولوية رئيسية يمثِّل عنصراً أساسياً في تحقيق التميُّز الحضري على المدى البعيد. وقد أثْرت هذه المداخلات الحوار بمضامين تتماشى مع التوجُّهات الحضرية المستقبلية لإمارة أبوظبي.
منهجيات عمرانية
وعُقِدَت جلسة نقاشية بعنوان «ما وراء الفولاذ والخرسانة: الانسجام مع الطبيعة في التخطيط الحضري»، شارك فيها بول أوبراين، الرئيس التنفيذي للتطوير في «مُدن القابضة»، حيث تناولت التوجُّه العالمي المتزايد نحو تبنّي منهجيات عمرانية تتكامل مع الطبيعة. وأكَّد أوبراين أنَّ الحجم التشغيلي لـ«مُدن القابضة» يمنحها القدرة على دمج عناصر الاستدامة منذ المراحل الأولى للتطوير، ما يُسهم في رفع الكفاءة وتعزيز القيمة الإجمالية لمحفظتها الاستثمارية، وأكَّد أيضاً الدور الريادي لـ«مُدن القابضة» في تصدير نماذجها المبتكرة في التطوير الحضري، مشيراً إلى أنَّ نجاح المدن يتعزَّز حينما تنسجم مع الأنظمة البيئية والتكنولوجية بدلاً من مقاومتها.
التنقل الذكي
وشهدت فعاليات القمة جلسة نقاشية بعنوان «تصوُّر جديد للمساحات العامة: التنقل الذكي والمراكز الحضرية متعددة الاستخدامات»، استعرضت كيفية تطوير المدن لأنظمة حضرية مرنة وحيوية تدمج بين النقل والتجارة والتفاعل الاجتماعي ضمن إطار متكامل يزيل الحواجز التقليدية بينها. وركَّز النقاش على أهمية تبنّي نهج يضع الإنسان في صميم التنمية الحضرية، إلى جانب الاستفادة الذكية من البنية التحتية القائمة. وشارك في الجلسة كلٌّ من عمران مالك، مدير مجمّع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة، والدكتور طالب الهنائي، المدير العام لشركة آرتشر للطيران - الإمارات العربية المتحدة، وسلام عليان، مستشار استراتيجية إدارة المشاريع في مركز أبوظبي للمشاريع والبنية التحتية، وبراشانت كابيلا، عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للاستشارات الهندسية، حيث قدّموا أفكاراً متميِّزة عن مستقبل المساحات العامة والتنقل الحضري.
أفكار حضرية متقدمة
وقالت سلام عليان: «كلُّ فرد يتوقَّع أن تكون المساحات العامة عملية ومفتوحة ويمكن الوصول إليها بسهولة، ويجب كذلك أن تكون آمنة ومتكيفة مع تغيُّر المناخ، من خلال الاستفادة من التقنيات المتطورة وميزات الاستدامة». وبناءً على ذلك، قدَّم عمران مالك تفاصيل عن نهج أبوظبي المتطور في مجال التنقل الذكي، وقال: «نحن نبحث في سُبل الاستفادة من البنية التحتية الحالية، مثل مهابط الطائرات العمودية ومواقف السيارات في مجال النقل متعدد الوسائط، بما يحقِّق أقصى استفادة من كلِّ مساحة». وفي إطار هذه الرؤية، قدَّم الدكتور طالب الهنائي من شركة «آرتشر للطيران» تصوُّراً لمستقبل التنقل الجوي الحضري، وقال: «مهمتنا في (آرتشر) أن نغيِّر رحلات السيارات التي تستغرق من 60 إلى 90 دقيقة لتحلَّ محلها رحلات تاكسي جوي كهربائية تستغرق من 10 دقائق إلى 20 دقيقة، ما يوسِّع نطاق الوصول إلى خدمات التنقل الحضري الفعّال». وناقش المتحاورون في الجلسة كذلك أهمية وجود أُطر قوية وضرورة التعاون في تحقيق هذه الأفكار الحضرية المتقدمة.
مفهوم الرفاهية
وضمَّت جلسة نقاشية بعنوان «تعزيز المشاريع التطويرية الفاخرة ذات العلامة التجارية» مايكل بيلتون، الرئيس التنفيذي لشركة «ميريد»، وكريستينا زانيك، الرئيس التنفيذي، مؤسِّس شركة كريستينا زانيك للاستشارات، وديفيد هارمان، رئيس قسم التطوير في شركة مدن العقارية، وملهم خريبة، الرئيس التنفيذي للتطوير في «ريبورتاج» وقوروش صالحي، الشريك، المدير العالمي للتصميم في شركة «إل دبليو كيه آند بارتنرز». وناقش المتحاورون سُبل تطوير العقارات الفاخرة لتقدِّم أنماط حياة مُصمَّمة بعناية وتجارب غامرة تحمل توقيع أرقى العلامات التجارية. وقالت كريستينا زانيك: «لقد اختلف مفهوم الرفاهية في وقتنا الحالي، حيث باتت تشمل عناصر جديدة مثل تنقية المياه والهواء، وتصميم الوحدات السكنية، بما ينسجم مع البيئة الخارجية».
تنمية مستدامة
قال ديفيد هارمان: «يتطوَّر مفهوم الفخامة بشكل مستمر ليصبح أكثر تركيزاً على المشاعر، والشعور بالأمان، وإدخال عناصر الرفاهية التي تربط العقارات بالطبيعة». وسلَّط ملهم خريبة الضوء على نموذج التشغيل لشركة ريبورتاج، وقال: «نعمل من دون أيِّ رافعة مالية أو ديون، لأننا نتحكَّم في العملية بأكملها من التصميم إلى التنفيذ، ونوفِّر التكاليف على المشترين». وقال قوروش صالحي: «إنَّ جوهر أيِّ تنمية مستدامة يكمن في جودة المبنى، والمساحة العامة، والمرافق التي يوفِّرها، ما يعزِّز حضوره وتفاعله مع المدينة»، وأكَّد أنَّ أبوظبي لم تَعُدْ بحاجة إلى الاستلهام من مدن أخرى.
بناء اقتصاد صحي
عُقِدَت جلسة حوارية ختامية بعنوان «البنية التحتية لأسلوب الحياة: بناء اقتصاد صحي بمليار دولار» استضافت محمد السويدي، المدير التنفيذي لشؤون تمويل المشاريع الرأسمالية في مركز أبوظبي للمشاريع والبنية التحتية، وجورج باسكال هبر، الرئيس التنفيذي لمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي. وتناولت الجلسة النمو المتسارع لقطاع الصحة وتكامله مع التنمية الحضرية، مع التركيز على نهج أبوظبي الفريد في هذا الإطار. وخلال الجلسة قال محمد السويدي: «يمزج نهج أبوظبي الفريد في مجال الصحة تراثها وتقاليدها الثقافية مع التكنولوجيا المتقدِّمة، ما يوفِّر تجربة متميِّزة وشاملة». وأكَّد جورج باسكال هبر المكانة المتنامية لأبوظبي في هذا المجال، وقال: «أصبحت أبوظبي مركزاً رائداً للرعاية الصحية بفضل بنيتها التحتية وبيئتها المتميزة».
استشراف المستقبل
رسَّخت قمة أبوظبي للبنية التحتية 2025 مكانتها كمنصة عالمية محورية لتعزيز الحوار البنّاء، وإبراز نهج استشراف المستقبل لأبوظبي في تطوير البنية التحتية. وشهدت النسخة الافتتاحية للقمة مشاركة أكثر من 70 متحدثاً بارزاً، قدَّموا أفكاراً وتحليلات ملهمة تُثري معارف الجيل المقبل من خبراء التخطيط والتطوير الحضري على مستوى العالم.