لجريدة عمان:
2025-07-12@21:55:56 GMT

أمل الثقافة ودورها

تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT

أمل الثقافة ودورها

أيام عصيبة مرّت، وما زالت كل يوم تحصد آلة الحرب المعاصرة ما تبقى من دماء وضمائر؛ لنقف مقابل أنفسنا في المرايا، أكانت مستوية أو محدبة أو مقعرة. نقف فرادى وجماعات ودولا، حيث بدا الاستثناء صعبا، فقد اقترب الخلاص الشخصي بالخلاص العام في فترة لحظية تغيّر معالم الطرق واتجاهات المرور، وسيكون الحديث مثلا عن الذاتية حديثا ملتبسا، فقد صار همّ غزة الفلسطيني هما شخصيا.

اقترب عام على الحرب، وفي ظل تعرّض المواطن العربي للأخبار، فإنه يوميا في الوعي واللاوعي يتعرض للتفكير والشعور العميق. ولعل أكثر ما يشتبك مع هذه الحالة بمصداقية عالية، هو الأدب والفن.

لماذا الثقافة والفن؟ لأنهما بعناصرهما جميعا روافد التكوين الإنساني، شعوريا ففكريا اجتماعيا وسياسيا، وبالتالي روافع نهضوية للأفراد والجماعات والأمم؛ فقد ارتكزت نهضة اليونان عليهما، وحديثا، فقد ارتكزت بدايات النهضة العربية الحديثة عليهما أيضا.

لم تبدأ المأساة في غزة فلسطين؛ فتاريخنا القومي حافل بها، ومع كل مأساة، ظهر الأدب والفن معبرين عنها، قديما وحديثا، حيث تعرضنا للغزاة دوما، ولعل عصر تعرض بلادنا للاستعمار كان محطة مهمة، في التكوين الثقافي العربي، ولكن تعرض فلسطين بشكل خاص للاحتلال الصهيوني عام 1948، ترك بصمة على الأدب العربي الذي اشتبك فيه الكتاب والأدباء والفنانون العرب مع المشروع الاستعماري، والذي ظل يتراوح عمقا وتأثيرا من وقت إلى آخر، وصولا الى السابع من أكتوبر عام 2023، الذي تجلت فيه البطولة الفلسطينية، والمجازر الصهيونية غير المسبوقة التي لها هدف واحد هو تهجير الشعب الفلسطيني.

إنها الصدمة المزدوجة التي اقترنت فيها البطولة بالمجازر، مثيرة شعورا بالفخر من جهة وبالرثاء من جهة أخرى، مؤثرة على الشعوب في العالم وليس فقط على الشعب العربي الذي راح يبحث عن تجنب لما يمكن أن يتعرض له من قتل وتشريد.

لن يكون ما بعد السابع من أكتوبر كما قبله، وسيتجلى ذلك أكثر ما يكون في الأدب والفن؛ كمقدمة للتغيير الفكري والسياسي، ولربما سيكون أحد أهم مظاهره التخلص من الخوف الذي لم يضمن لشعوبنا لا العدالة ولا السلام. الخوف الذي تم تجميله دبلوماسيا بكلمات الاعتدال والتسوية السلمية لم يحقق لنا الأمن والأمان، بل كانت النتيجة الموت خوفا، واقعيا بما تعرضنا له من قتل وتدمير لبلادنا ورمزيا بنفي العرب والعروبة من دائرة التأثير وإسقاطهما من الحساب.

لقد بدأ التحرر من الخوف في بلادنا منذ مقاومة الاستعمار الغربي، ولكن يبلغ ذروته اليوم في غزة المكان الصغير الذي يصوغ اليوم لربما عالما جديدا يخلو من الاحتلال والاستلاب.

ماذا سيكتب مؤرخو الأدب والفن، بالاعتماد على الصحافة الثقافية في فلسطين والبلاد العربية، وربما خارج الإقليم العربي؟

من الانفعال الذي افتخر بالمقاومة التي عبرت الحواجز، والذي بكى المقتولين والمصابين، والبيوت والأشجار، ثم ليلوذ المبدعون بتوثيق ما يكون، ثم الى التعبير ما أمكن، وصولا الى تفريغ مشاعر العتاب والألم والآمال، ثم -كما يبدو-لعل كتابة جديدة ساخرة ستبزغ هناك، بتأثير الصدمة التي جعلت شعر الأطفال أبيض؛ فقد قامت القيامة فعلا.

الأدب والفن والفكر، في ظل إجراء فعل الحياة والموت، تجعل المنجز جديا؛ فالطفل الباحث عن قطعة خبز في غزة، يتجلى في تجريب ألوان أخرى من الكتابة، والرسومات، كذلك في عالم السينما والمسرح.

مفارقة مدهشة، البلد الصغير المحصور بين البحر وقذائف الغزاة تصير البلد الأكثر تحررا، صار يصيب المشاعر في عمقها والأفكار في تأملها.

ربما يحتاج وقتا أكثر للتأمل، وبالنسبة للغزيين، سيكون الحال أكثر في البحث عن أدوات التعبير. وفي كل، سيكون الحال غدا هو في ما اختزن البشر من عشرات الآلاف من قصص الناس هنا.

لا ندري بالضبط ما يكون وما سوف يكون، لكن سيكون للأدب دور في اتجاه البوصلة، واتخاذ إجراء الجدية في البقاء، وما يقترن به من مشاعر وأفكار.

ما يرشح من كتابات ورسومات وبوسترات ينبئ عن حياة جديدة هنا وهناك، كأن الحرب على غزة صارت على الناس في الكثير من الأماكن.

لن يكون في وسع المبدع الفعل كما كان قبل السابع من أكتوبر، كما لن يكون بوسع الجمهور الإقبال على آداب وفنون تقليدية.

وهنا وهناك سيقترن الفعل الثقافي بالسياسي، عبر أدبيات لا تكتفي بالوصف بل بالنقد الذي يمكن أن يتجلى في مونولوجات الشخصيات، وحواراتها، والبحث عن سيناريوهات، ولعل الرواية بقدرتها الساردة والمسرودة تكون قادرة على التعبير، وعلى الاستيعاب.

هو دور نبيل للمثقف، والمبدع؛ في الوقت الذي يتعرض شعب صغير للإبادة، فإن لذلك معنى واحدا وهو أن قومية ذلك الشعب معرضة للإبادة، بالمعنيين المادي والمعنوي، ولعل الثقافة هي المظهر الأسمى للوجود. وهنا ثمة دعوة من داخل الإنسان ليرتقي بنفسه أولا وبما يبدع، حيث ينسجم الخلاص الفردي بالخلاص العام. وهنا يصبح للكتابة والفنون معنى وجودي، ففي هذا الوقت الدامي يتخذ المبدع العربي والعالمي في الوعي واللاوعي، إجراء لدرء الخطر، وإثبات الذات المبدعة إنسانيا وفنيا.

استشعار المثقف لما يمكن أن يتكرر من مآس في أي مكان، يجعل دوره أساسيا في المنظومة، ويكون ندا للآخرين وليس تابعا لأحد مهما بلغت سطوته، لأن الأمر لا يتعلق بخلاص فرديّ بل بخلاص عام تقع نفسه وأسرته ضمن دائرته.

هو دور إيجابي نهضوي، يمهد للخلاص عن طريق بث الأمل، والإعداد الإنساني وطنيا وقوميا، من خلال الإدراك العميق بقدرة الأفكار والمشاعر التي تتجلى عبر الجماليات الأدبية والفنية على التأثير العميق على الأجيال؛ حيث يصبح الأدب والفن جزءان أساسيان في تكوين الأفراد.

تتوقف الحرب لتبدأ اشتباكات الأدب والفن، حتى لا نسمح جميعا للطغاة بأن يعودوا للسطو على البشر. يلملم الغزاة ما تبقى من عدتهم، بينما يواصل المبدعون رسالتهم الراقية والنبيلة، والتي لا تتوقف بوقف إطلاق النار. وهنا تصبح قضايا الإنسان الصغيرة والكبيرة قضايا وجودية. لعل هذا ما قصده محمود درويش في قصيدة فكّر بغيرك:

«وأَنتَ تُعِدُّ فطورك ’ فكِّرْ بغيركَ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ

وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ

وأَنتَ تُسدِّد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ مَنْ يرضَعُون الغمامْ

وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ

وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام

وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ

وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ»

هنا يلتقي الذاتي بالموضوعي، هنا تتجلى رسالة الأدب والفن، فاستمرار المأساة من قرن مضى لم يستثن أحدا، ولم ينج أحدٌ، لذلك نفكر بغيرنا طويلا وكثيرا، لأننا إنما نكون قد فكرنا بأنفسنا عربيا وعالميا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأدب والفن

إقرأ أيضاً:

أبو زيد: لبنان لن يكون ملحقاً ببلاد الشام أو أي دولة أخرى

كتب النائب السابق أمل أبو زيد على منصة "أكس":   "لبنان هو لبنان، صحيح أنه يتعرّض لخطر وجودي، لكنه لن يكون أبداً جزءاً أو ملحقاً من بلاد الشام أو أي دولة أخرى كما يهدّد البعض، والتاريخ شاهد…وسبق لفخامة الجنرال ميشال عون أن قال يوماً: لبنان أكبر من أن يُبلَع وأصغر من أن يُقسّم".   مواضيع ذات صلة أبو زيد: نخشى استغلال اسرائيل للاشكالات مع اليونيفيل لإنهاء مهامها أو لتعديلها Lebanon 24 أبو زيد: نخشى استغلال اسرائيل للاشكالات مع اليونيفيل لإنهاء مهامها أو لتعديلها 12/07/2025 17:16:37 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 توم برّاك: لبنان "سيعود إلى بلاد الشام" في هذه الحالة Lebanon 24 توم برّاك: لبنان "سيعود إلى بلاد الشام" في هذه الحالة 12/07/2025 17:16:37 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: لا نريد أن نرى حزب الله أو أي مجموعة إرهابية أخرى في لبنان تستعيد قدرتها على ارتكاب أعمال عنف وتهديد الأمن في لبنان أو في إسرائيل (mtv) Lebanon 24 المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: لا نريد أن نرى حزب الله أو أي مجموعة إرهابية أخرى في لبنان تستعيد قدرتها على ارتكاب أعمال عنف وتهديد الأمن في لبنان أو في إسرائيل (mtv) 12/07/2025 17:16:37 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 ترامب: استهدفنا المنشآت النووية الإيرانية بشكل سري ولم نستهدف القوات الإيرانية أو أي منشآت عسكرية أخرى Lebanon 24 ترامب: استهدفنا المنشآت النووية الإيرانية بشكل سري ولم نستهدف القوات الإيرانية أو أي منشآت عسكرية أخرى 12/07/2025 17:16:37 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً الضمانات السياسية بعد تسليم السلاح: بين الشراكة والمداورة Lebanon 24 الضمانات السياسية بعد تسليم السلاح: بين الشراكة والمداورة 22:01 | 2025-07-11 11/07/2025 10:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 نقابة الوكلاء البحريين تنبّه: اضراب الادارة العامة يؤثر سلباً على نحو 50 بالمئة من حركة الاستيراد Lebanon 24 نقابة الوكلاء البحريين تنبّه: اضراب الادارة العامة يؤثر سلباً على نحو 50 بالمئة من حركة الاستيراد 10:11 | 2025-07-12 12/07/2025 10:11:58 Lebanon 24 Lebanon 24 سقوط طائرة مسيّرة إسرائيليّة في جنوب لبنان... شاهدوا الفيديو Lebanon 24 سقوط طائرة مسيّرة إسرائيليّة في جنوب لبنان... شاهدوا الفيديو 10:00 | 2025-07-12 12/07/2025 10:00:57 Lebanon 24 Lebanon 24 المير استنكر تعرض "أفران الهادي الحديثة" لإطلاق النار Lebanon 24 المير استنكر تعرض "أفران الهادي الحديثة" لإطلاق النار 09:56 | 2025-07-12 12/07/2025 09:56:33 Lebanon 24 Lebanon 24 حريق في الطابق السفلي في برج البراجنة Lebanon 24 حريق في الطابق السفلي في برج البراجنة 09:54 | 2025-07-12 12/07/2025 09:54:09 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة تعويضات نهاية الخدمة: 45 ألف للدولار ومفعول رجعي ..ولكن Lebanon 24 تعويضات نهاية الخدمة: 45 ألف للدولار ومفعول رجعي ..ولكن 09:01 | 2025-07-12 12/07/2025 09:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بيان من أدرعي عن "اغتيال" في لبنان.. هذا ما أعلنه Lebanon 24 بيان من أدرعي عن "اغتيال" في لبنان.. هذا ما أعلنه 13:37 | 2025-07-11 11/07/2025 01:37:45 Lebanon 24 Lebanon 24 "صاروخ" متطور يضرب لبنان.. تقريرٌ إسرائيلي يكشف عنه! Lebanon 24 "صاروخ" متطور يضرب لبنان.. تقريرٌ إسرائيلي يكشف عنه! 14:10 | 2025-07-11 11/07/2025 02:10:52 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور: كيت ميدلتون تكسر البروتوكول الملكي في ويمبلدون.. من عانقت؟ Lebanon 24 بالصور: كيت ميدلتون تكسر البروتوكول الملكي في ويمبلدون.. من عانقت؟ 13:52 | 2025-07-11 11/07/2025 01:52:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بسبب "الأبقار الإسرائيلية".. تنبيه عاجل من بلدية في الجنوب Lebanon 24 بسبب "الأبقار الإسرائيلية".. تنبيه عاجل من بلدية في الجنوب 15:25 | 2025-07-11 11/07/2025 03:25:24 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 22:01 | 2025-07-11 الضمانات السياسية بعد تسليم السلاح: بين الشراكة والمداورة 10:11 | 2025-07-12 نقابة الوكلاء البحريين تنبّه: اضراب الادارة العامة يؤثر سلباً على نحو 50 بالمئة من حركة الاستيراد 10:00 | 2025-07-12 سقوط طائرة مسيّرة إسرائيليّة في جنوب لبنان... شاهدوا الفيديو 09:56 | 2025-07-12 المير استنكر تعرض "أفران الهادي الحديثة" لإطلاق النار 09:54 | 2025-07-12 حريق في الطابق السفلي في برج البراجنة 09:36 | 2025-07-12 انتخاب الأب انطوان رزق رئيسا عاما للرهبانية المخلصية فيديو باستخدام الخردة.. ابن الـ 26 عاماً يصنع نسخة مذهلة من سيارة لامبورغيني الفارهة (فيديو) Lebanon 24 باستخدام الخردة.. ابن الـ 26 عاماً يصنع نسخة مذهلة من سيارة لامبورغيني الفارهة (فيديو) 04:00 | 2025-07-12 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 بهيكل نحيف وكاميرات ممتازة.. تعرّفوا إلى ميزات هاتف Galaxy Z Fold7 (فيديو) Lebanon 24 بهيكل نحيف وكاميرات ممتازة.. تعرّفوا إلى ميزات هاتف Galaxy Z Fold7 (فيديو) 01:00 | 2025-07-12 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 استولى على أموالها بالكامل.. فنانة شهيرة تكشف للمرة الأولى عن أزمتها مع زوجها الثالث (فيديو) Lebanon 24 استولى على أموالها بالكامل.. فنانة شهيرة تكشف للمرة الأولى عن أزمتها مع زوجها الثالث (فيديو) 02:37 | 2025-07-11 12/07/2025 17:16:37 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • فيفا يعين حكم مباراة نهائي كأس العالم للأندية.. من يكون ؟
  • أبو زيد: لبنان لن يكون ملحقاً ببلاد الشام أو أي دولة أخرى
  • مذنب يزور نظامنا الشمسي قد يكون أقدم جسم من نوعه شهدته البشرية
  • انطلاق الموسم الأدبي الجديد بنوادي الأدب بأسيوط
  • جمعية الأدب المهنية تنظّم أمسية قصصية في جازان
  • تجار عمارة الذهب بالسوق العربي الخرطوم يستعدون لمزاولة عملهم
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • الأدب والألم: كيف يولد الجمال من رماد البؤس؟
  • الأوقاف تفتح باب التقدم للعمل بالإدارة العامة للمراجعة والحوكمة
  • الازهري يفتتح سلسلة محاضرات بجامعة مركز الثقافة الدينية بالهند