تجريم الهوية الفلسطينية في أميركا.. شباب يتحدى سياسة قمع الأفواه
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
في الأشهر التسعة المنصرمة، شنت السلطات الوطنية والمحلية في الولايات المتحدة حملة شرسة لقمع النشاط الفلسطيني وتجريم أي تعبير عن الهوية الفلسطينية. امتدّت هذه الحملة القمعية لتطال شتى مناحي الحياة، من السياسة والأعمال إلى المجتمع المدني والتعليم العالي والثقافة.
تجلت هذه الحملة في صور شتى: قمع الاحتجاجات السلمية بيد قوات الأمن، وتوجيه اتهامات جزافية بمعاداة السامية للمتظاهرين، بل بلغ الأمر حد وصف بعض الشخصيات العامة – بسخرية مريرة – ارتداء الكوفية الفلسطينية واستخدام مصطلح "الانتفاضة" بأنهما إيماءة إلى "محو إسرائيل من الخريطة".
إن هذا السعي المحموم لطمس الهوية الفلسطينية يكشف عن رغبة إسرائيل وحلفائها الأميركيين في محو الفلسطينيين من صفحات التاريخ. فبينما يتصدى الفلسطينيون للهجمة العنصرية الأميركية الإسرائيلية، فإنهم يفرضون في الوقت ذاته نقاشًا جادًا حول الجذور التاريخية والفلسفة الاستعمارية الاستيطانية لإسرائيل والحركة الصهيونية التي أنجبتها. إن إسرائيل والصهيونية تتهاويان أمام هذا التدقيق المنهجي في أسسهما وممارساتهما.
لعل أبرز محاولات إسكات الصوت الفلسطيني، تجلت في قضية ربيع إغبارية، المحامي الفلسطيني والباحث القانوني المرموق. ففي نوفمبر/تشرين الثاني، أقدمت مجلة هارفارد لو ريفيو (Harvard Law Review) على خطوة غير مسبوقة بحجب مقال كُلف به إغبارية، قدم فيه النكبة كإطار قانوني لفهم القضية الفلسطينية. أُزيل المقال بعد أن مرّ بمراحل التحرير والتدقيق والموافقة من هيئة تحرير المجلة.
لم تقف المحاولات عند هذا الحد، فبعد هذه الحادثة، تواصل محررو مجلة كولومبيا لو ريفيو (Columbia Law Review) مع إغبارية؛ لتكليفه بكتابة مقال آخر حول فلسطين. وبعد خمسة أشهر من العمل الدؤوب والتحرير المكثف، نشرت المجلة المقال بعنوان "نحو النكبة كمفهوم قانوني". بيد أن ردود الفعل العنيفة لم تتأخر، إذ أُغلق الموقع الإلكتروني للمجلة، وتعرض المحررون لضغوط هائلة لحذف النص، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بوقف كل أعمال المجلة.
إن مصير كتابات إغبارية في اثنتين من أعرق المجلات القانونية في الولايات المتحدة، يجسد بجلاء الصراع المحتدم بين من يسعون لتكريس الرواية الإسرائيلية، ومن يصرّون على إسماع صوت الحقيقة الفلسطينية.
عندما استُفسر من إغبارية عن جوهر قضيته، تحدّث بعمق عن الأبعاد الاستعمارية لنشأة إسرائيل، والنكبة، والنضال المستمر من أجل الحقوق الفلسطينية قائلًا: "إن محو الوجود الفلسطيني ليس مجرد حدث عابر، بل هو واقع بنيوي ومادي لا يمكن تصوره. إنه مسلسل مستمر منذ النكبة، يتجلى في تهجيرنا وطردنا واستبدالنا بشكل ممنهج. ويمتد هذا المحو ليشمل تكميم أفواه الفلسطينيين في الولايات المتحدة والغرب، واستبعاد أي رأي مخالف. إن مقالتي تسعى لتفكيك الهياكل القانونية المنبثقة عن النكبة، والتي تنظر إلى الفلسطينيين كفئات متفرقة يتم إخضاعها بشكل منفصل".
وأضاف إغبارية بنبرة تفيض أملًا: "إن محاولات الرقابة والقمع تُواجَه بموجة من الاحتجاجات والمقاومة. فالقضايا القانونية، والاحتجاجات الشعبية، وغيرهما من الإجراءات المتخذة لحماية الفلسطينيين في وجه المذبحة غير المسبوقة التي نشهدها، هي جزء لا يتجزأ من الحركة المتنامية للدفاع عن حقوقنا. إن الناس باتوا يدركون، بشكل متزايد، زيف الدعاية المضادة. لقد كشف النضال الفلسطيني عن التسلسل الهرمي الاستعماري العالمي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تجذر في النظام القانوني العالمي".
يشير عبد الله فياض، الذي انتقل مؤخرًا من هيئة تحرير بوسطن غلوب (Boston Globe) إلى فوكس (Vox) كمراسل سياسي، إلى أن الأدوات المتعددة المستخدمة لتكميم أفواه الفلسطينيين في الولايات المتحدة وخارجها يجب أن توصف بمسماها الحقيقي: "العنصرية المناهضة للفلسطينيين".
ويضيف فياض: "إنها، شأنها شأن كافة أشكال العنصرية، تستغل قوة المؤسسات والدولة ضد الأفراد والجماعات، بهدف قمع التعبير الفلسطيني عن هويتهم وحقوقهم. بيد أن هذه الكراهية الموجهة ضد الفلسطينيين وحلفائهم محكوم عليها بالزوال في نهاية المطاف. فالرأي العام بدأ يستشف الحقيقة، في الوقت الذي يواصل فيه الفلسطينيون وأنصارهم مقاومة الاتهامات الباطلة والمغرضة".
أبرز فياض في مقال نُشر حديثًا أن هذه الظاهرة سبقت الحرب على غزة بزمن طويل، إذ واجه الفلسطينيون ومناصروهم في شتى أنحاء المعمورة على مدى عقود متتالية عواقب وخيمة لتأييدهم القضية الفلسطينية العادلة، ومن ذلك الانتقام في مواطن العمل، والمراقبة الحكومية الصارمة، وجرائم الكراهية البغيضة.
وتتجلى صور العنصرية المؤسسية المناهضة للفلسطينيين في حالات عديدة، منها مراقبة الحكومات للفلسطينيين والمنظمات المؤيدة لهم، وكذلك المؤسسات كالجامعات التي تقمع الاحتجاجات المناصرة للفلسطينيين في الآونة الأخيرة، بما في ذلك منع المتحدثين من إلقاء كلماتهم في حفلات تخرج الطلاب.
أما الأستاذ في كلية بروكلين، مصطفى بيومي، فيرى أن للمشاعر المعادية للفلسطينيين تأثيرًا يتجاوز حدود المجتمع الفلسطيني والقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة. وقد كتب في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة الغارديان (The Guardian) أن معاداة الفلسطينيين كانت تغذي كراهية الإسلام المؤسسية في الولايات المتحدة لعقود طويلة، حيث بذلت السلطات الأميركية جهودًا حثيثة في مراقبة وقمع أي تنظيمٍ عربي أميركي مؤيد للفلسطينيين منذ عام 1967.
إن حملة القمع الراهنة ضد الأصوات والنشاط المؤيدَين للفلسطينيين ما هي إلا تتويجٌ لتلك الجهود التاريخية المتواصلة. ومن المثير للدهشة أن يكون دور الولايات المتحدة في هذا الصدد انعكاسًا لما شهده العالم قبل قرن من الزمان، حين انحازت القوة الإمبراطورية آنذاك، بريطانيا العظمى، إلى الحركة الصهيونية وساعدتها في السيطرة على فلسطين بأكملها، مما أدى إلى تغييب أغلبيتها العربية الفلسطينية الأصيلة.
ففي عام 1917، أصدرت الحكومة البريطانية وعد بلفور المشؤوم الذي تعهد بدعم إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، التي كان 93% من سكانها آنذاك من العرب الفلسطينيين. وفي عام 1920، منحت عصبة الأمم بريطانيا الانتداب على فلسطين، مما أتاح لها، إلى حد كبير، تشكيل المجتمع وفق أهوائها وتجاهل حقوق ومصالح الأغلبية الفلسطينية الساحقة.
ويبدو أن الولايات المتحدة تسير اليوم على خُطى بريطانيا بالأمس، فباعتبارها القوة الإمبريالية الرائدة في الغرب، فإنها تتجاهل الحقوق الفلسطينية المشروعة، وتدعم سياسات الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، بل وتحميها في المحافل الدبلوماسية الدولية، وتتواطأ معها لتجريم وإسكات الأصوات الفلسطينية الحرة.
بيد أنه مثلما واجه الدعم الإمبريالي البريطاني للصهيونية مقاومةً عنيدة في القرن الماضي، كذلك يواجه الدعم الأميركي اليوم مقاومةً غير مسبوقة من قِبَل الفلسطينيين وحلفائهم الأميركيين والعالميين. ويشمل ذلك الاحتجاجات العامة، والمقالات الإعلامية والأكاديمية التي يسطرها علماء مرموقون، والتحديات القانونية على الصعيدين الوطني والدولي، وتحالفات التضامن مع الفئات المهمشة في المجتمع الأميركي، بمن في ذلك السود، واللاتينيون، واليهود التقدميون، والسكان الأصليون، والطلاب، وغيرهم من شرائح المجتمع.
إن هذه التعبئة واسعة النطاق في الولايات المتحدة ضد العنصرية والقمع المناهض للفلسطينيين تُعد الآن واحدة من المحركات الرئيسية للحركة العالمية للتضامن مع فلسطين وشعبها المكلوم.
وكما كتب بيومي بحكمة: "من الأهمية بمكان أن الشباب الأميركيين المسلمين واليهود الذين يتصدرون الحركات الاحتجاجية اليوم يُعيدون الحقوق الفلسطينية إلى صلب النضال من أجل دحر الإسلاموفوبيا. لماذا؟ … من أجل الحرية. يدرك هؤلاء الشباب الواعون أن تحرير الولايات المتحدة من تحيزاتها المعادية للمسلمين واليهود يتطلب حتمًا تحرير الشعب الفلسطيني من نير الاضطهاد الجاثم على صدره. وهذا ليس موقفًا ظرفيًا فحسب، بل إنه درسٌ عميق في كيفية التغلب على القمع والظلم في شتّى أرجاء المعمورة".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هل تُنقذ إندونيسيا أميركا من فخ المعادن الصيني؟
فتح التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية والتوسع الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، والصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من ناحية والصين أكبر منتج في العالم لمعادن الأرض النادرة من ناحية أخرى الباب أمام إندونيسيا لكي تحتل مكانة استراتيجية مهمة في سلاسل إمداد المعادن النادرة وصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
ونظراً لافتقارها إلى الاحتياطيات الطبيعية والإمدادات المحلية من معادن الأرض النادرة التي تستخدم في أغلب الصناعات المتطورة بدءا من السيارات الكهربائية وحتى الأقمار الاصطناعية ومركبات الفضاء، تواجه الولايات المتحدة حاجةً ملحةً لتأمين سلاسل توريد موثوقة لهذه المعادن بعد معالجتها.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية تقول آنا بورجيل المحاضرة في سياسة التحول نحو الطاقة المستدامة بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز الأميركية وسلمى خليل الباحثة في الكلية نفسها إن إندونيسيا تعتبر من أهم الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة لتأمين إمدادات موثوقة من المعادن الأساسية ومكونات بطاريات السيارات الكهربائية.
وأشارت المحللتان إلى أن إندونيسيا تمتلك أكبر احتياطيات من النيكل في العالم، وأصبحت في السنوات الأخيرة أكبر منتج له أيضا.
كما تحولت من دولة مُصدّرٍة للنيكل الخام إلى مركزٍ رئيسيٍّ للمعالجة والتصنيع.
ففي عام 2014، حظرت الحكومة تصدير خام النيكل غير المُعالج، مما دفع المستثمرين الأجانب إلى إنشاء مصاهر ومرافقٍ وسيطة على الأراضي الإندونيسية لمعالجة وتصنيع النيكل محليا.
وحققت سياسة إندونيسيا للاستفادة من احتياطيات النيكل نتائج مبهرة. فقد تضاعفت عائدات صادرات النيكل إلى أكثر من عشرة أمثالها خلال عقد من الزمن، لتصل إلى 30 مليار دولار في عام 2022.
ويعود جزء كبير من هذا النمو إلى تصدير منتجات النيكل ذات القيمة المضافة مثل النيكل الحديدي، وحديد النيكل الخام، والفولاذ المقاوم للصدأ بدلاً من الخام .
وعلى سبيل المثال، ارتفعت قيمة صادرات النيكل الإندونيسي المستخدم في الفولاذ المقاوم للصدأ إلى 11.9 مليار دولار في عام 2022.
كما كتبت إيف واربورتون الباحثة في التغيرات السياسة والاجتماعية في تحليل نشرته ناشونال إنتريست، فإنه في إندونيسيا، "تبرز آفاق استخراجية جديدة ومراكز صناعية بسرعة مذهلة".
ومع ذلك، تأخر تطور سلاسل توريد بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية في إندونسيا عن طفرة الفولاذ المقاوم للصدأ.
وحتى وقت قريب، كانت صناعة النيكل في إندونيسيا موجهة نحو إنتاج النيكل من "الفئة الثانية" المستخدم في صناعة الصلب، وليس إلى مركبات النيكل عالية النقاء "الفئة الأولى" اللازمة للبطاريات.
لذلك، انخفضت صادرات إندونيسيا من منتجات النيكل المتعلقة بالبطاريات في السنوات الأولى من حظر التصدير - من حوالي 307 ملايين دولار في عام 2014 إلى 196 مليون دولار في عام 2022 - مما يعكس غياب القدرة التصنيعية اللازمة لإنتاج مواد صالحة للبطاريات.
ولحل هذه المشكلة، خططت الحكومة الإندونيسية لتصبح واحدة من أكبر ثلاث دول منتجة لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم بحلول عام 2027، مع قدرة متوقعة تبلغ 140 غيغاوات ساعة بحلول عام 2030.
وقدمت الحكومة حوافز سخية - مثل الإعفاءات الضريبية لمدة تصل إلى عشرين عامًا للمشاريع الكبرى - لجذب المستثمرين إلى هذا القطاع.
وتصدرت الشركات الصينية قائمة الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع المعادن الأساسية بإندونيسيا، تلتها الشركات الكورية الجنوبية واليابانية.
وبحلول عام 2021، شغّلت إندونيسيا أول مصنع لديها بما يعرف بالاستخلاص الحمضي عالي الضغط (HPAL)، مما سدّ فجوةً حرجةً في سلسلة التوريد من خلال إنتاج مواد كيميائية من النيكل صالحة للاستخدام في البطاريات. وبحلول عام 2023، تم إطلاق ستة مشاريع للاستخلاص الحمضي عالي الضغط في إندونيسيا.
ويعني هذا أن إندونيسيا أصبحت قادرة على توفير ليس فقط الخام، بل أيضاً المواد المكررة اللازمة لإنتاج أقطاب الكاثود في بطاريات الليثيوم، أي أنها ترسخ مكانتها كمصدر واحد مجمع لكل عناصر سلسلة الإمداد بدءا من المناجم إلى المواد الكيميائية المستخلصة، والتي تعتبر الجزء الأكثر صعوبة في سلسلة التوريد والتي تبحث عنها الولايات المتحدة والدول الغربية لتأمين احتياجاتها بعيدا عن الإنتاج الصيني والروسي.
لكن المشكلة هي أن هذا التطور الصناعي في إندونيسيا يتم بدون مشاركة أمريكية تذكر، رغم حقيقة أن إنتاج هذا القطاع من النيكل والكوبالت يستخدم في سيارات شركة تسلا وغيرها من السيارات الكهربائية الأميركية.
في الوقت نفسه فإن النيكل ليس مهما فقط في صناعة البطاريات عالية الكثافة المطلوبة لزيادة مدى السيارات الكهربائية، وإنما حيوي لتقليل الاعتماد على الكوبالت الذي يصعب الحصول عليه مع ارتفاع تكلفته.
ومن المنظور الأميركي، يمثل قطاع النيكل في إندونيسيا قيمة استراتيجية حيوية في بناء سلاسل توريد بطاريات أكثر مرونة وتنوعًا.
ويُعدّ استغلال قاعدة الموارد الإندونيسية وسيلةً لتلبية الطلب المتزايد على النيكل في السيارات الكهربائية، مع تقليل الاعتماد على الصين، التي تسيطر على ما يصل إلى 90 بالمئة من سلسلة توريد بطاريات الليثيوم المؤين العالمية حاليا. ولذلك فالشراكة مع إندونيسيا تتيح للولايات المتحدة تقليل الفجوة الهائلة مع الصين في مجال إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.
ففي حين وصل إنتاج الصين من هذه البطاريات في عام 2023 إلى حوالي 480 غيغاواط/ساعة لم تنتج الولايات المتحدة سوى 58 غيغاواط/ساعة.
في الوقت نفسه فإن إندونيسيا تتحول إلى مركز شامل لسلسلة توريد السيارات الكهربائية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وإذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل هذا الأمر، فلن يكون لها تأثير يُذكر على المعايير أو التسعير أو تدفقات الإمدادات الصادرة من أحد أهم مراكز هذه الإمدادات في العالم.
ورغم ذلك تواجه إندونيسيا مشكلة كبيرة تتمثل في اعتماد صناعة معالجة النيكل الخام على الطاقة الكهربائية المولدة بالفحم وهو ما يجعلها صناعة ملوثة للبيئة. ووفقا للتقديرات فإن إنتاج كل طن من النيكل المعالج، يطلق نحو 58.6 طن ثاني أكسيد الكربون.
هذه الحقيقة ستضع ضعفًا متزايدًا على صناعة النيكل العالمية، إذ يتزايد اهتمام مُشتري المعادن بالاستدامة.
في الوقت نفسه فإنها تمثل فرصة للولايات المتحدة التي تستطيع مساعدة إندونيسيا في تطوير إنتاج "النيكل الأخضر" باستخدام بدائل لأفران الصهر، ودمج مصادر الطاقة المتجددة أو منخفضة الكربون، والاستفادة من تقنية احتجاز الكربون.
وهناك أسباب وجيهة لتوقع تزايد الطلب على "الفولاذ الأخضر" وغيره من مواد البطاريات منخفضة الكربون، لأن الأسواق الأوروبية واليابانية ستتطلبها بشكل متزايد للامتثال للوائح التصدير.
أخيرا تقول آنا بورجيل وسلمى خليل في تحليلهما إن إندونيسيا لا تعتبر مجرد فرصة استثمارية للشركات الأميركية ذات الطموحات العالمية أو الساعية للتحرر من هيمنة الصين على التكنولوجيا النظيفة، بل إنها إحدى الجبهات القليلة المتبقية في العالم التي ما يزال يمكن تحقيق مكاسب استراتيجية فيها.