ما قصة الاتفاقية طويلة الأمد بين إيران وسوريا؟
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
رغم أن عملية إبرام الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم بين إيران وحكومة النظام السوري لم تتوقف على مدى السنوات الماضية، ظلّت نصوصها وبنودها "حبرا على ورق"، وفق خبراء ومراقبون تحدثوا لأكثر من مرة لموقع "الحرة".
وبعد خطوة القائم بأعمال الرئيس الإيراني، محمد مخبر تثار تساؤلات عن أبعاد إرساله "مشروع اتفاقية التعاون الاستراتيجي وطويل الأمد مع سوريا" إلى البرلمان الإيراني للمصادقة، والأسباب التي دفعته لذلك، قبل تسليم مهامه لمسعود بزشكيان.
ووفقا لما أوردته وكالات إيرانية، الأربعاء، بينها "مهر"، تم إرسال مشروع الاتفاقية "بما يتماشى مع تنفيذ المادة 77 من الدستور".
المادة المذكورة تنص أن "أي معاهدة أو اتفاق دولي بين جمهورية إيران والدول أو المؤسسات الدولية الأخرى يجب أن يحظى بموافقة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)".
وأوضحت "مهر"، وخبير في الشأن الإيراني اطلع على النص وتحدث لموقع "الحرة"، أن مشروع الاتفاقية جاء بناء على اقتراح من وزارة الطرق والتنمية الحضرية، وبصفة الوزير مهرداد بذرباش "رئيس اللجنة الاقتصادية المشتركة ما بين سوريا وإيران".
ويتكون من مقدمة و5 مواد، وبحسب الفقرة 2 من المادة 5 فإن مدة الاتفاقية محددة بـ20 عاما قابلة للتمديد "حتى وفاء سوريا بالتزاماتها، وسداد الديون المستحقة عليها"، والمتعلقة بالخطوط الائتمانية.
ما الذي يحمله نص "الاتفاقية"؟تعتبر طهران من أبرز حلفاء النظام السوري إلى جانب روسيا، وخلال السنوات الماضية قدمت له دعما عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
ومنذ عام 2019 اتجهت لإبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع حكومته، لكنها لم تصل إلى مرحلة التنفيذ كما أعلن مسؤولون إيرانيون لأكثر من مرة، في السنوات الماضية.
المسؤولون ذاتهم عبروا أيضا عن توجسهم من "انخفاض حجم التجارة أيضا".
ووصلت بهم الحالة مؤخرا للتأسف من "الإحصائيات" التي "لا تستحق التعاون الاقتصادي بين البلدين"، وفق عبد الأمير ربيهاوي، مدير عام منظمة غرب آسيا لتنمية التجارة، في مارس 2024.
ويوضح الباحث في الشأن الإيراني، محمود البازي، أن "مشروع الاتفاقية" الذي أحاله مخبر إلى البرلمان لا يحمل شيئا جديدا، دون أن يشمل ذلك خطوة الإحالة للبرلمان لأول مرة من أجل المصادقة عليها.
ويقول إنه تم تنظيمها بناء على اتفاقيات سابقة، أبرمت في 2015 و2019 ولم تنفذ على أرض الواقع.
ولا يتضمن نص مشروع الاتفاقية أي إشارة لالتزامات جديدة على الطرفين، سواء الإيراني والسوري.
ويضيف البازي أن ما ورد فيه "جاء بصورة عمومية إلى حد كبير".
وجاء فيه أيضا أن الاتفاقية وبمجرد التصديق عليها يجب أن تكون "لازمة الإجراء بعد 30 يوما".
ماذا عن الديون؟ولا يعرف حجم الديون الإيرانية للنظام السوري، وتشير تقديرات غير رسمية إلى أنها تقارب 50 مليار دولار.
ومع ذلك، وفي تصريح هو الأول من نوعه في مايو 2020 قال النائب حشمت الله فلاحت بيشه، من لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، إن بلاده أنفقت ما بين 20 مليارا و30 مليار دولار في سوريا لدعم بشار الأسد.
ويشير نص مشروع الاتفاقية إلى أن الديون ناتجة عن التوافقات والعقود المالية والاقتصادية، ولم ترد أي تفاصيل عن "ديون مرتبطة بموضوع سياسي أو عسكري"، وفق حديث الباحث البازي.
ويقول الإيرانيون إنه "يجب إيجاد حل للدفع من الطرف السوري باتجاههم".
ومن ناحية أخرى، تتطرق بعض بنود مشروع الاتفاقية إلى الشركات الإيرانية الخاصة، وضرورة أن توفر سوريا مناخ للاستثمار وترفع بعض المشاكل الإدارية.
وتذهب أخرى باتجاه الحديث "العمومي" عن المشاركة في إعادة إعمار سوريا والشروع بالاستثمارات الإيرانية في مجال السكن، بحسب الباحث.
ويوجد بند يشير إلى مشروع "خط النفط" الذي يصل بين إيران وسوريا عبر العراق.
كما أرفق الإيرانيون ملحقا يتحدث عن مجالات التعاون بين إيران وحكومة النظام، ودراستها وبحثها.
ومن بين هذه المجالات العلاقات التجارية والجمركية، الاستثمار المتقابل، العلاقات البنكية والاتفاق على فتح بنوك خاصة وحسابات في المصرف المركزي للتجار.
"ليست وليدة الساعة"وبحسب الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق فإن "الاتفاقية" التي دفع بها مخبر إلى البرلمان الإيراني "ليست وليدة الساعة".
وقال لموقع "الحرة" إن "أساسها ما تم توقيعه في مايو 2023 عندما زار إبراهيم رئيسي دمشق".
وكان الرئيس الإيراني الراحل، رئيسي قد أجرى زيارة إلى العاصمة السورية، وبعدما التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد وقع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم اقتصادية.
وبينما كانت تلك الاتفاقيات تواجه "معضلة التنفيذ" لم تصدر أي تعليقات من الجانب السوري تشير إلى الأسباب التي تقف وراء ذلك.
ويرى توفيق أن زيارة رئيسي قبل أكثر من عام جاءت "بعد تردد" استمر لأكثر من 3 أشهر.
وكان سبب ذاك التردد "عدم قبول سوريا بعض المطالب الإيرانية المتعلقة ببعض الحصص السيادية، فيما يتعلق باستثمارها في ميناء اللاذقية وقطاع الفوسفات"، حسب الكاتب السوري.
وكانت إيران تهدف بعد الممر البري الذي أحدثته عبر العراق وسوريا أن يكون لها وجود على البحر المتوسط، وفق توفيق.
وعلى أساس ذلك وضعت عينها على ميناء اللاذقية، لعدة اعتبارات منها "الاستيراد والتصدير عبره في حالة العقوبات المفروضة عليها"، ولكي يكون معبرا لنفطها باتجاه المصافي السورية.
لكن توفيق يضيف أن طهران "واجهت رفضا سوريا بشأن الميناء.. وهذه حقيقة لا تنكر"، على حد تعبيره.
لماذا أحيلت الآن؟مشروع اتفاقية "التعاون الاستراتيجي بين سوريا وإيران طويل الأمد" يشابه إلى حد كبير الاتفاقيات الموقعة بين إيران والصين وروسيا، كما يشير الباحث في الشأن الإيراني، محمود البازي.
وخلال الاتفاقيات مع الصين وروسيا أظهر الإيرانيون "نصا عموميا" للعلن، دون أن ينف ذلك احتمالية وجود "نصوص غير معلنة"، كما يقول الباحث.
ولا يستبعد البازي احتمالية وجود بنود سرية في نص الاتفاقية الخاصة بإيران وسوريا لكنه يقول إنه توجد عدة مؤشرات واعتبارات تذهب بخلاف ذلك.
ولم ترسل حكومة النظام السوري حتى الآن نص الاتفاقيات التي أبرمتها مع إيران إلى مجلس الشعب (البرلمان السوري).
وفيما يتعلق بإيران وعند النظر إلى مشروع الاتفاقية الحالي فإن الأساس الذي قام عليه، والمرتبط بعامي 2019 و2015 يثبت فكرة أن العلاقة الاقتصادية بين طهران ودمشق لا تسير على ما يرام، كما يضيف الباحث.
وكانت أول اتفاقية اقتصادية بين إيران وسوريا قد وقعت في أغسطس 1996.
وتدرجت العلاقة بعد ذلك بشكل متوضع، ووصلت في 2014 إلى انعطافة ليصل حجم التبادل التجاري إلى مليار دولار، كما يوضح الكاتب السوري عبد الحميد توفيق.
ويعتقد أن إحالة الاتفاقية إلى البرلمان الإيراني قد يكون بهدف "إخراجها من نطاقها الضيق ووضعها في إطار قانوني لمدة 20 عاما، لكي يكون هناك ضمانات".
وبدلا من أن تكون عملية تسديد الديون في نطاق عام أو عامين، ستكون خطوة تأطيرها قانونيا كفيلة بتخفيف الضغوط الإيرانية المتعلقة بالتحصيل والاسترداد.
ويتابع توفيق: "لا أرى فيها ما يحمل أي أساليب من الابتزاز أو الضغط بل لإثبات الحضور والتأطير القانوني لسبب جوهري".
وفحوى ذلك السبب هو أن "سوريا في وضع السياسي والاقتصادي والسيادي الصعب ليس في يديها حيلة لكي تلبي احتياجات ومطالب إيران"، حسب الكاتب السوري المقيم في دمشق.
كما أنها "لم تعد منتجة ولا توفر أي أصول ذات طابع تجاري لكي تصدرها".
"المشاريع على ورق"وفي يناير 2023، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن مسؤولين إيرانيين أبلغوا النظام السوري بأنه يتعين عليه دفع المزيد مقابل شحنات النفط الإضافية مما سيزيد السعر إلى مثلي سعر السوق الذي يصل إلى أكثر من 70 دولارا للبرميل.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على الأمر قولهم إن إيران رفضت أيضا تسليم شحنات جديدة بالدفع المؤجل، وطلبت من النظام الدفع مقدما مقابل إمدادات النفط الجديدة.
وقبل ذلك، في يونيو 2022، قالت رئيسة موظفي منظمة "متحدون ضد إيران النووية" المعارضة إن سوريا ثاني وجهات النفط الإيراني.
وبلغت قيمة شحنات النفط خلال مايو 2022، وفق أسعار النفط حينها، نحو 400 مليون دولار، دون أن يكون واضحا ما إذا كانت حكومة النظام السوري ستسدد قيمة هذه الشحنات أم لا.
ويعتقد الباحث البازي أن الأسباب التي تحول دون دفع العلاقة الاقتصادية بين طهران ودمشق إلى الأمام مرتبطة بالعقوبات، وغياب آليات تعزيز التعاون.
وتوجد أسباب متعلقة بالعراق، وعرقلتها لمشاريع الإمدادات والصادرات والواردات عن طريقها.
ومن ناحية أخرى، يعتقد الباحث أن النظام السوري "ينتظر مستقبله السياسي ومستقبل علاقاته مع الأطراف التي سيتعاون معها، ولذلك يؤجل إنجاز المشاريع مع إيران".
ويقول: "بمجرد ما تنكشف الصورة بالنسبة لديه فيما يتعلق بالشركاء الجدد سواء العرب أو الأتراك أو أي أحد آخر سيتضح مسار علاقته مع إيران".
كما يضيف أنه "طالما أن العلاقات السورية مع العرب والأتراك غير واضحة ستبقى المشاريع الاقتصادية مع إيران معلقة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مشروع الاتفاقیة النظام السوری إلى البرلمان إیران وسوریا بین إیران مع إیران
إقرأ أيضاً:
ثأر مشروع.. أستاذ قانون دولي: الهجوم الإيراني دفاع عن النفس وليس انتقاما
أثار الهجوم الإيراني الأخير ضد إسرائيل، تساؤلات قانونية عميقة: حول هل يندرج تحت مظلة الحق الأصيل في الدفاع عن النفس، أم أنه يمثل عملاً انتقاميًا يعيد المنطقة إلى مربع التصعيد اللامتناهي؟
وتعليقا على ذلك أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، إنه في دهاليز القانون الدولي، تتشابك خيوط الدفاع عن النفس المشروع (Legitimate Self-Defense) مع خيوط الأعمال الانتقامية (Reprisals)؛ والتمييز بينهما ليس مجرد خلاف أكاديمي، بل هو جوهري لتحديد مشروعية الأفعال بين الدول.
الدفاع عن النفس: شروط صارمةوأوضح أستاذ القانون الدولي - في تصريحات خاصة - أن حق الدفاع عن النفس يعد مبدأً راسخًا في القانون الدولي، وتحديدًا في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا الحق ليس مطلقًا، بل محاطا بشروط صارمة، هي:
* الهجوم المسلح: يجب أن يكون هناك هجوم مسلح فعلي أو وشيك الوقوع ضد الدولة التي تمارس حق الدفاع عن النفس. مجرد التهديد أو الأعمال العدائية غير المسلحة لا تبرر دائمًا استخدام القوة.
* الضرورة: يجب أن يكون استخدام القوة ضروريًا لوقف الهجوم أو منعه. بمعنى آخر، لا توجد وسيلة أخرى أقل قوة لتحقيق نفس الهدف.
* التناسب: يجب أن يكون الرد العسكري متناسبًا مع طبيعة وحجم الهجوم الأصلي. فلا يجوز لدولة أن ترد بهجوم شامل على عمل محدود، حتى لو كان غير مشروع.
* الفورية: غالبًا ما يُشترط أن يكون الرد فوريًا أو في أقرب وقت ممكن بعد الهجوم الأولي، لكي يُنظر إليه على أنه دفاع عن النفس وليس عملاً عقابيًا.
* الإبلاغ: يجب على الدولة التي تمارس حق الدفاع عن النفس أن تبلغ مجلس الأمن الدولي فورًا.
وبالتالي فإذا استوفت إيران هذه الشروط، وخاصة أن هجومها كان ردًا مباشرًا ومتناسبًا على هجوم مسلح إسرائيلي سابق، فقد يُنظر إليه على أنه ممارسة مشروعة لحق الدفاع عن النفس.
الانتقام: طريق محفوف بالمخاطروأضاف الدكتور أيمن سلامة إنه على النقيض تمامًا، تقع الأعمال الانتقامية المسلحة خارج إطار الشرعية في القانون الدولي، خاصة تلك التي تستهدف المدنيين أو لا تلتزم بمبدأ التناسب.
فبينما تسمح بعض التفسيرات بأشكال محدودة من "الأعمال المضادة" غير المسلحة، فإن استخدام القوة العسكرية كعمل انتقامي لانتهاك سابق (غير هجوم مسلح) محظور بشكل عام بموجب القانون الدولي المعاصر، لأنه يفتح الباب أمام دورة لا نهاية لها من العنف والتصعيد.
واختتم إنه لتحديد ما إذا كان الهجوم الإيراني "دفاعًا مشروعًا" أو "انتقامًا غير مشروع"، يتطلب الأمر تحليلًا دقيقًا لكل الحقائق والظروف: طبيعة الهجوم الإسرائيلي الذي سبق الرد الإيراني، الأهداف التي استهدفتها إيران، ومستوى التناسب في ردها.
وردا على سؤال هل كان الرد الإيراني فعلاً ضروريًا ومتناسبًا لوقف هجوم مسلح إسرائيلي، أم أنه كان بمثابة عقاب على انتهاكات سابقة، متجاوزًا بذلك حدود الدفاع عن النفس؟، فأكد إنه وفقا للمعطيات المتاحة يخرج الفعل الإيراني عن فعل الانتقام ويدخل في إطار ومفهوم “أعمال الثأر المشروعة”.