عين ليبيا:
2025-12-14@19:23:12 GMT

حسن عريبي عبقري الوصل بالأندلسِ

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

حسن عريبي فنانٌ ليبي، وُلد بطرابلس وعاش بها صدر شبابه، وسط عائلة متدينة توارثت أجيالُها حفظَ القرآن، والانتماء إلى الزوايا الصوفية، حيث حفظت فيها المدائح وردَّدتها مع جموع المريدين. الموشحات فن عربي قديم، انتشر في المشرق والمغرب، وحافظ على مقاماته وإيقاعاته الأندلسية. الزوايا الصوفية وخاصة السلامية والعيساوية، كان لها انتشار واسع في جميع أنحاء ليبيا، حيث المدائح التي تصاحبها الدفوف والإيقاعات السريعة، ساهمت في تطوير نمط من الإنشاد له نَفَس ديني، يتمحور حول مدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

الشاب حسن عريبي، تعلّق مبكراً بالجامع حيث حفظ ما تيسَّر له من القرآن، وتردَّد على الزوايا الصوفية، وشارك في ترديد المدائح. اشترى آلة العود وبدأ تعلم العزف، لكن والده غضب منه بشدة ونهره وكسر عوده. لكنه لم يفارق عشقه الكبير للموسيقى. رحل إلى مدينة بنغازي، وعمل موظفاً بوزارة المواصلات، وهناك واصل بحريّة نشاطه الموسيقي. تطورت قدراته، وتوسَّعت علاقاته بدنيا الفن وتعرَّف على عازفين ومطربين. بدأ يلحن الأغاني لمطربين سبقوه، وآخرين جدد اكتشف أصواتهم، وفي مقدمتهم الصوت الغنائي الليبي الرائع محمد صدقي. كانت «أغنية كيف نوصفك للناس وأنت عالي»، وهي الأغنية الأولى التي غناها محمد صدقي من ألحان حسن عريبي، كانت بداية لشهرة المغني والملحن. بعد سنوات عاد حسن عريبي إلى طرابلس، تسبقه شهرته الفنية. كان الشيخ الراحل محمد قنيص، العلّامة الموسيقي، العازف والمنشد البارز لـ«الموشح» و«المألوف» الأندلسيين في مدينة طرابلس. اقترب حسن عريبي من الشيخ قنيص، وانهمك في الوقت ذاته في تعلَّم المألوف والموشحات، قصائد ومقامات – الطبوع – وإيقاعات. ملك المألوف حياته. قرأ تاريخ العرب المسلمين في الأندلس. وتعمَّق في الفنون الأندلسية بكل أنواعها، وأنماط الحياة الاجتماعية والثقافية. لم يكن ذلك على حساب عشقه للغناء والموسيقى والطرب الذي تزدهر به الإذاعات العربية ومن بينها الليبية. لحَّن للكثير من المطربين والمطربات الليبيين والعرب، وتولَّى رئاسة قسم الموسيقى بإذاعة طرابلس.

سنة 1964 أنشأ فرقة الموشحات والمألوف بالإذاعة الليبية بطرابلس، وضم إليها عدداً كبيراً من الموسيقيين والمطربين، وبدأ يقدم هذا الفن العربي، بروح جديدة فيها إضافات، موسيقية وصوتية، وحضور شعبي وطني، تمثل في لباس كل أفراد الفرقة، البدلة الليبية التقليدية، والقبعات السوداء يتدلى خلفها ما يعرف بالبصكل، وهو حزمة من خيوط سوداء. قدمت الفرقة الجديدة نوبات كثيرة، وتعلق بهذا الفن الكبار والشباب، وانتشر المألوف في كل أنحاء ليبيا. الموشحات الأندلسية حملها العرب الذين غادروا الأندلس بعد سقوط غرناطة، وانتشروا في بلدان المغرب العربي. اختلف اسم هذا الفن من بلد إلى آخر، لكن كلمتَي الموشحات والمألوف ظلتا هما العنوان الفني والعلمي.

تواصل الفنان حسن عريبي مبكراً بزملائه، سادة المألوف في تونس والجزائر والمغرب، وأقاموا حفلات ومهرجانات وندوات، حول الفن الذي جمعهم. الفنان حسن عريبي أدخل بعض الآلات الموسيقية الغربية، إلى نوبات المألوف، رغم معارضة بعض شيوخ الجيل الماضي، لكنهم قبلوا بذلك بعدما استحسنوا هذا التجديد. حسن عريبي طرز بعض النوبات بشيء من الزجل المعدل، وحاول تقريب بعض الكلمات المستعملة في بلدان المغرب العربي، بعد تداول مع سادة هذا الفن. في المهرجانات التي نُظّمت في المملكة المغربية والجزائر وتونس، كان حسن عريبي كبير الشيوخ الذي يتصدر الحديث، يطير في الزمن الأموي والعباسي والأندلسي، ويربط الإيقاعات الموسيقية الأندلسية ببحور الشعر، وبالقوافي، ويرحل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ ليغوص في زمن الأصوات، وتطور الآلات الموسيقية، وعالم المغنين والعازفين. أتقن العزف على آلة العود، وحلّق بصوته الشجي بين المقامات جواباً وقراراً. عزف منفرداً وكذلك غنى.

الفنان حسن عريبي شيخ المألوف الأندلسي في المغرب العربي، قدَّم لنا الغنيمة التي عاد بها العرب من الأندلس، فأوصلنا مرة أخرى إلى زمن مفقود، زمان الوصل بالأندلس.

ترأس الفنان حسن عريبي مجمع الموسيقى العربية، وفي هذا المحفل الكبير الذي يضم فحول العلماء والمبدعين في دنيا الموسيقى العربية، كان شيخنا حسن، العالم الموسوعي الذي يسبح ويمشي ويطير في النغم والإيقاع والكلمات، في أعماق جذورها وآفاق تكوينها وتطورها، مع الاندفاع المتزن في آفاق التطور والتجديد وقراءة الألوان الغنائية. كان يقول دائماً، لقد شهدت الموسيقى العربية والغناء العربي عبر السنين، تطوراً وإضافات، بتأثير من موجات فنية قادمة من الخارج، وإبداعات من أجيال عربية جديدة تلحّن وتغني، لكن اللحن العربي وكذلك الإيقاع، ما زالا محافظيَن على أصولهما. المقامات الموسيقية العربية، لم تزل تحافظ على أبعادها، وإن أخذت شيئاً من الآخرين. رحل الشيخ الأندلسي حسن عريبي، لكن ما أبدعه في فن المألوف، ما زال يشدو به الزمن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: هذا الفن

إقرأ أيضاً:

السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي تعرض له مقر الأمم المتحدة في السودان

أعربت وزارة الخارجية عن إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها للهجوم الذي تعرض له مقر الأمم المتحدة في مدينة كادوقلي في السودان.

وقالت الوزارة في بيان لها: المملكة تشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب، والحفاظ على وحدة السودان ومؤسساته، وضرورة توفير الحماية للمدنيين وتنفيذ ما تم التوقيع عليه في إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) بتاريخ 11 مايو 2023.

مقالات مشابهة

  • السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي تعرض له مقر الأمم المتحدة في السودان
  • الأردن يدين الهجوم الذي وقع في أستراليا
  • رسالة قوية من فجر السعيد لعبلة كامل
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • وفاء مكي تكشف لـ صدى البلد سر رشاقتها | فيديو
  • هل تركيب الأظافر الصناعية من الوصل المحرم وحكم الوضوء بها ؟.. إعرف الضوابط الشرعية
  • بسمة داود تنضم لمسلسل أب ولكن .. رمضان 2026
  • أحمد موسى: مشروع حياة كريمة عبقري يغير وجه الريف المصري للأفضل
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • مصر: مبادرة حكومية علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة