عربي21:
2025-07-27@07:16:15 GMT

الطعام بوصفه شعيرة

تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT

يُعنى الإسلام بالطعام عناية فائقة. وهو كعادته في تناول شهوات الجسد؛ لا ينظُر إليه بوصفه شهوة مُجرَّدة، ولا يهمشه أو يزدريه كما تفعل "الأديان المجرَّدة"؛ بل يُعالجه معالجة مُركَّبَة تليقُ بمعالجته شأن الإنسان نفسه، بوصفه مُركَّبا إلهيّا مُعجزا؛ وهو كذلك في مُعالجته شأن الإنسان كله وما رُكِّب فيه من شهوات.



وقد وَرَدَ المصدر "طعام"، واشتقاقاته (طَعِمَ، يُطْعِمُ، استَطْعَمَ.. إلخ) في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرَّة؛ في مواطن مثل: بيان القدرة الإلهيَّة المعجزة لمن يُطعِم ولا يُطعَم جل شأنه، وفي الاعتراف بنعمة الله وفضله على خلقه إذ يُطعمهم بحوله، وفي سياق الدلالة على بشريَّة أكرم الخلق على الله من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم إذ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وفي سياق حض جميع المؤمنين على إطعام الطعام، وفي الأمر بالإطعام بوصفه فدية وكفَّارة، وفي الأمر بالصيام والإمساك عما أُحِلَّ من نعم الله -المبذولة بحوله- طاعة له وقُربى، وفي بيان المباح من الخُلطة والاجتماع على الطعام وآداب ذلك خصوصا في حضرة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الإخبار بأحوال الأمم السابقة وما قُدِّر عليها -خصوصا بني إسرائيل- وفي الأمر بالأخذ المعتَدل مما أحلَّ الله من الطيبات والنأي التام عمَّا حرَّم من القبائح والخبائث -في الأطعمة والأنكحة- وفي بيان ما أبيح لنا مما تناوَلَهُ من كان قبلنا، وفي ذكر القرآن لما كان المشركون يحجبونه أو يُبيحونه من أطعمة -من عند أنفسهم- افتراء على الله وتكريسا لأديان الشرك وطقوسها الباطلة، وفي ذكر طعام أهل الجنة بلَّغنا الله إياها، وبيان طعام أهل النار أعاذنا الله منه ومنها، وفي ذكر ما حُرِّم على هذه الأمة المحمَّدية المرحومة من الأطعمة.

المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع
هذه المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع. وهو تكريمٌ رباني لحق بألوان ما أحِلَّ من الطعام جرَّاء ارتباطها بالخليفة الرباني المكرَّم: الإنسان، وبوظيفته وتكليفه.

* * *

يبدأ الإسلام مُعالجته لأمر الطعام ببيان حرامه على وجه التعيين، تاركا ما يَجِدُّ في أمر مُركَّباته لاجتهاد المجتهدين؛ اعتمادا على أن الأصل في الأشياء الإباحة. بيد أن الشرع لا يقف عند بيان المحرَّمات، فإنه بعد فتحه باب ما أُحلَّ من الطيبات؛ يدمج الطعام في نظام عرفاني كلي، يكشف علاقة البراني بالجواني، إذ يُولي أشد العناية بما يُدخله الإنسان في جوفه؛ بوصفه شطرا من منظومة عباديَّة مُتكاملة (تُقررها اﻵية رقم 162 من سورة الأنعام): "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". فيصير كل فعلٍ إنساني، بما في ذلك قضاء الشهوات؛ عبادة لله، وقُربى، وطريقا يُسلَك منه إليه؛ فهو المنعِم والمتفضِّل وهو المُعين.

إنَّ كل فعلٍ إنسانيٍّ خطوة على طريق مسلوك إلى وجهة مُحددة، وفي حياة كلها عبادة ونُسُك؛ يصيرُ الطعام صلاة يلزمه ما يلزمها من الأدب والانضباط النفسي(1). فالأكل والنوم والنكاح، والتريُّض والراحة والترويح؛ كلها نعمٌ تنزَّلَت لتيسير مهمة الإنسان في الخلافة، فهي عبادات إن انضبطت بحسب مراد الله، وهي معاصي إن جاوزت الحد الذي عيَّنه لها جلَّ شأنه. إن "طريق" عودة الإنسان إلى الله تعالى، والذي يتعيَّن عليه سلوكه آيبا من الدُّنيا إلى مرقده/ آخرته/ مبعثه؛ مبناهُ "الفرائض" التي افترضها الله سبحانه عليه، ووقوده "النِّعَم" والألطاف والطيبات التي أنزلها رحمة منه؛ لتُيسر علينا الاضطلاع بالفرائض. وفي هذه الباقة مجتمعة ينحصر التكليف.

وقد كان أهل الجاهليَّة الأولى يَدَعون الطعام أو يُقبِلون عليه استجابة محضة لشهواتهم ودورانا معها، وكل أهل الجاهليَّة كذلك، في كل زمان ومكان؛ بيد أن الله قد بيَّن لخلقه -على لسان رُسله وفي صحائف كُتبه- الحلال والحرام، بل وجعل للحلال أثرا طيبا على الباطن ينعكس على الظاهر؛ فلم تَعُد الحل والحرمة أحكاما "قانونيَّة" مُجرَّدة، مُنفصلة عن الواقع بإغراقها في التنظير، وإنما صار للحلال ضياءٌ ونور وللحرام ظُلمة ونَتَن؛ يُميزهما المؤمن سليم البصيرة في نفسه وفي غيره، حتى كان بعض كبار التابعين تختلج عروقه إذا أُطعِمَ حراما فربما تقيأه، وكان بعضهم اﻵخر يُصاب بُحرقة في صدره؛ إذ اعتادت أجسادهم الحلال وسكنَت إليه أرواحهم، وصار ما عداهُ مدعاة لاضطراب الروح واختلال الجسد. والدراسات السيكولوجيَّة والفيزيولوجية الحديثة عن آثار ألوان الطعام وتأثير الباطن على النفس وعلى الظاهر؛ أكثر من أن تُحصى.

الصوفي الحقيقي -السالك صاحب الرياضة- أشد الناس عناية بالحلال والحرام؛ إذ يعلم أثر كل واحد منهما على نفسه. ويعلم أن التقوى قبل أن تكون حجّا للبيت وجهادا بالسيف، فهي تخيُّر لما يدخل الجوف مما أحلَّهُ الله؛ فاختيار الأتقياء يكون من ألوان الحلال فحسب، لا من الأرزاق عامَّة
والصوفي الحقيقي -السالك صاحب الرياضة- أشد الناس عناية بالحلال والحرام؛ إذ يعلم أثر كل واحد منهما على نفسه. ويعلم أن التقوى قبل أن تكون حجّا للبيت وجهادا بالسيف، فهي تخيُّر لما يدخل الجوف مما أحلَّهُ الله؛ فاختيار الأتقياء يكون من ألوان الحلال فحسب، لا من الأرزاق عامَّة. وكُتب آداب القوم حافلة بالتوجيهات في هذا الصدد، غالبا بغير إحالة على الدليل الشرعي؛ إذ أن المسلَّم به أن خطاب الشيخ للمريد لا يحتاج إلى استدلال مع كل عبارة، بما أن احتذاء المثال النبوي -واتباع حضرته صلى الله عليه وآله وسلم- هو أساس العهد الذي اتَّبع عليه المريد شيخه، وسار على طريقه اتباعا لحضرة سيد السالكين.

ومن هذه اﻵداب المسلَّم بها أنه يُسَنَّ الوضوء قبل الطعام لأنه ينفي الفقر وبعده لأنه ينفي اللَّمم(2)، وقد يكتفي بعضهم بغسل اليدين. والمسلم لا يأكل حتى يجوع؛ لأنه يأكل في معي واحد فطعامه وسيلة لا غاية(3)، وألا يضع الصحفة فوق خُبزه، وأن يبدأ باسم الله تعالى ويختم بحمده جلَّ شأنه، وأن يأكل بيمينه، ومما يليه(4)، وألا يخلف شيئا في صحنه، وأن يتناول طعامه في لقيمات صغيرة مُفرَدَة خصوصا إن كان يأكل في جماعة والطعام قليل(5)، ويُحسن المضغ، وألا يُدخل اللقمة على أختها حتى يفرغ من مضغ الأولى.

وقد كان حضرة الأسوة الحسنة يصف أكله بأنه "أكل العبد"؛ لشدَّة تواضعه لله تعالى. روى ابن سعد في طبقاته، عن أم المؤمنين عائشة؛ أن حضرته صلى الله عليه وآله وسلم قال: "آكلُ كما يأكلُ العبدُ، وأجْلِسُ كما يجلسُ العبدُ". وكان من أدبه صلى الله عليه وآله وسلم كذلك (مما رواه البخاري عن أنس بن مالك)؛ أن حضرته لم يأكل على خوان قط، أي على مائدة مرتفعة لا يحتاج المرء معها للانحناء على الطعام، وإنما كان يأكل على السُّفَرِ التي تُمَدُّ على الأرض. وكذلك كان مما انفرد به البخاري قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا آكُلُ مُتَّكِئا"، وقيل الاتكاء المقصود هو التمكُّن من الجلوس للأكل على أي وجه كان، وقيل الميل على أحد الجانبين. وما ذلك إلا لأن الاتكاء على الفراش والوسائد، وراحة الجلسة عند الأكل؛ تُفضي إلى الاستكثار من الطعام، وقد كان حضرته لا يستكثرُ من شيء.

السلوك النبوي الشريف، في التعاطي مع نعمة تناول الطعام؛ يُكرِّس التصور الرباني له بوصفه شعيرة عباديَّة، مثله في ذلك مثل الصوم. فقد كان حضرته يأكل عبادة وشُكرا ليتقوَّى، ويُمسك ويصوم شكرا وزهدا في متاع الدنيا رغبة فيما عند ربه
وقد أخرج أحمد والنسائي والترمذي (واللفظ له) وابن ماجه، ما رسَّخ به حضرته صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى: "ما ملأَ آدميٌّ وعاء شرّا مِن بطنٍ. بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ. فإن كانَ لا محالةَ؛ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ"، كما ترسَّخ نبذه للاتكاء وسَنُّهُ الأكل مما يليك برواية أبي داود عن عبد الله بن بسر؛ قال: كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ قصعةٌ يقال لها الغَرَّاءُ يَحمِلُها أربعةُ رجال، فلمَّا أضحَوا وسَجَدوا الضُّحى؛ أُتيَ بتلك القَصعةِ -يعني وقد ثُرِدَ فيها- فالتفُّوا عليها؛ فلمَّا كَثُروا جَثا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ؛ فقال أعرابيٌّ: ما هذه الجِلسةُ؟ قال حضرته صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ جَعلَني عبدا كريما، ولم يجعَلْني جبَّارا عَنيدا". ثمَّ قالَ: "كُلوا من حوالَيها، ودعوا ذِروتَها؛ يُبارَكْ فيها".

هذا السلوك النبوي الشريف، في التعاطي مع نعمة تناول الطعام؛ يُكرِّس التصور الرباني له بوصفه شعيرة عباديَّة، مثله في ذلك مثل الصوم. فقد كان حضرته يأكل عبادة وشُكرا ليتقوَّى، ويُمسك ويصوم شكرا وزهدا في متاع الدنيا رغبة فيما عند ربه. وقد روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك؛ أن حضرة سيدنا الأسوة الحسنة صلى الله عليه وآله وسلم كان يعصُب بطنه بعصابة (وقيل بحجر) من الجوع. ومع ذلك؛ لم يستأثر بطعامٍ عن صحبه حين حضر الرزق، وهذا من أدبه وحُسن عشرته صلى الله عليه وآله وسلم، وبركته التي جعلها الله بركة لهذا الطعام -القليل البسيط- حتى أشبع بحول الله تعالى ما يزيد على السبعين صحابيّا!
__________
الهوامش:
(1) لهذا يتشدَّد الإنسان في انتقاء ما يدخل جوفه تقوى لله، وصيانة لنفسه كذلك من التردي في جهنم والعياذ بالله. وقد روى ابن حبان والترمذي (واللفظ له)، من حديث كعب بن عجرة؛ أن حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم قال له: "الصَّلاةُ برهانٌ، والصَّومُ جنَّةٌ حصينةٌ، والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ. يا كعبُ بنَ عُجرةَ؛ إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحت إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ". ولاحظ أن حضرته قرن هذه العبادات المركزيَّة الكُبرى بطهارة ما يدخل جوف الإنسان، وتحري حلاله؛ فكأنها تبطُل بغير هذا الشرط.
(2) روى معناهُ نفرٌ من مُحدثي السنَّة والشيعة بألفاظ مختلفة، ومنهم من ضعَّفهُ؛ إلا أن المأثور كونها سُنَّة من سنن المرسلين.
(3) اشتهرت رواية أثر ماتع في هذا الباب، ورفعه بعضهم إلى حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم: "نحن قومٌ لا نأكلُ حتَّى نجوعَ وإذا أكلنا لا نشبعُ". وقد روى البخاري ومسلم في الصحيح ما يشمله معنى، وذلك من حديث عبد الله بن عمر، أنه سمع حضرة سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "المُؤْمِنُ يَأْكُلُ في مِعى واحِدٍ، والكَافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أمْعَاءٍ"؛ كناية عن أن إفراط الكافر في الأكل لافتقاده الغاية من وراء الأخذ من هذه النعمة، وعدها غاية بذاتها. أما المؤمن فيأكل في معي واحد لأن الطعام الحلال ليس غاية، وإنما وسيلة شريفة يُتقوى بها على بلوغ غاية أسمى.
(4) روى البخاري عن عمر بن أبي سلمة، أنه قال: كُنْتُ غُلَاما في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ؛ فَقالَ لي حضرته: "يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ"؛ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.
(5) أخرج البخاري ومسلم باختلاف يسير، ما حكاه جَبَلَةُ بنُ سُحَيمٍ؛ قال: كُنَّا بالمَدِينَةِ في بَعْضِ أهْلِ العِرَاقِ، فأصَابَنَا سَنَةٌ [أي جدب]، فَكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، فَكانَ ابنُ عُمَرَ يَمُرُّ بنَا [وهم يأكلون التمر]؛ فيَقولُ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ نَهَى عَنِ الإقْرَانِ، إلَّا أنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنكُم أخَاهُ. أي نهى عن أن يضع المرء التمرتين مُقترنتين في فمه معا؛ فيتغلَّب على الطعام ويفوق الآكلين فيما يناله ويُجحف بهم، إلا أن يستأذن منهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه شهوات الطعام طاعة الاسلام الطعام طاعة السنن شهوات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وآله وسلم ما یدخل

إقرأ أيضاً:

لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟.. انتبه لـ13 حقيقة عليك معرفتها

بدأ منذ ساعات وللدقة مع أذان فجر اليوم السبت أول أيام شهر صفر الهجري لعام 1447، فطرحت قصصه المشئومة استفهامًا مضمونه لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟، وهل حقًا هو شهر شؤم لا يتناسب مع ميثاق الزواج الغليظ، وبدء حياة زوجية فيه أو تكوين أسرة، فهذا كله وأكثر يتوقف على إجابة سؤال لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟، وبالتحقق من صحة تلك الروايات المنتشرة عن شهر صفر، والتي يأتي من بينها ما يصيب من يريد الزواج في شهر صفر من مصائب وسوء ، وحيث إن الزواج أحد الأرزاق التي يسعى الكثيرون لنيله، كما أنه من سُبل الاستقرار والسعادة ، من ثم ينبغي الوقوف على حقيقة لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟.

لماذا تستأذن الزوجة من زوجها في صيام القضاء؟.. انتبهي لـ5 حقائقدعاء اليوم 25 من المحرم.. 12 كلمة تحفظ زوجك من كل مكروهلماذا يمنع الزواج في شهر صفر

قالت دار الإفتاء المصرية ، إن الشهور والأيام كلها – في نظر الإسلام – ترحب بالزواج لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- .

وأوضحت “الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: ( لماذا يمنع الزواج في شهر صفر الهجري؟)، أن من تزوج فقد أحرز شطر دينه وطوبى لمن أحرز شطر الدين، فلم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة.

وأوصت من يريد الزواج في شهر صفر بألا يلتفت لروايات الجاهلية بشؤم هذا الشهر للزواج، منوهة بأن التشاؤم من بعض الشهور؛ كأن يعتقد المرء بأن يومًا معينًا أو شهرًا معينًا يوصف بحصول التعب والضغط والصعوبات معه، أو أَنَّ التوفيق فيه يكون منعدمًا، ونحو ذلك من خرافات لا أساس لها من الصحة، فيُحْجَم عن قضاء حوائجه أو أيّ مناسبة في هذا اليوم أو الشهر.

ونبهت إلى أن التشاؤم من الزواج في صفر يعد مما يدخل في التطيّر المنهي عنه شرعًا، مع ورود النهي الشرعي عن التشاؤم والتطيُّر عمومًا، باعتباره عادة جاهلية؛ فقد ورد النّهي النبوي عن التشاؤم من بعض الأزمنة والشهور خاصة؛ وذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ». وفي رواية أخرى للبخاري: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَر».

واستشهدت بما يقول الإمام ابن عبد البر القرطبي في الاستذكار: [وأما قوله: "ولا صَفَرَ" فقال ابن وهب: هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقتل الصفار أحدًا. وقال آخرون: هو شهرُ صَفَرَ كانوا يُحلِّونه عامًا ويُحَرِّمونه عامًا، وذكر ابن القاسم عن مالك مثل ذلك].

وتابعت: وقال الإمام الطيبي في شرح المشكاة: [«ولا صفر» قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عنه فقال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صفر". قال: وسمعت مَن يقول: هو وجعٌ يأخذ في البطن، يزعمون أنه يُعْدِي. قال أبو داود: قال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفرًا عامًا ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صَفَرَ»].

وأشارت إلى أن التشاؤم من شهر صفر -الذي هو أحد أشهر السنة الهجرية؛ لزعم أنه شهر يكثر فيه الدواهي والفتن- هو من الأمور التي نهى عنها النص النبوي الشريف.

وقد ورد أنه عرف شهر صفر عند العرب في الجاهلية أنه شهر "التشاؤم"، فيما أن الأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل ، فهو كغيره من الأزمنة يُقدَّر فيه الخير والشر .

وأردفت: كما أنه ليس صحيحا أن للموت أيام أو شهور معينة فالأقدار توفى على مدار العام وفي أي ثانية من الثواني قد يفارق كل منا الحياة فرادا أو جماعات فكم من قرية أتتها صاعقة أو عذاب أو ريح وغيرها من الأمور التي جعلت عاليها سافلها، وكم من قرية بدلت من بعد عذابها أمنا.

وبناء عليه فإنه لا صحة لمن يحرِّم الزواج أو يكرهه في صفر، ولا دليل أيضاً يبنى عليه هذا الزعم الباطل الذي لا يستند إلى دليل شرعي، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – تزوج، وزوج ابنته؛ في شهر صفر، وينبغي أن نعلم أن هذه عادة باطلة جاهلية ينبغي أن تزال من المجتمع المسلم، ولا ينبغي للمسلم المؤمن بالله حق الإيمان التشاؤم بأي يوم.

الزواج في صفر

وقد كان المشركون يتشاءمون من شهر صفر لأنهم يعودون فيه إلى السلب والنهب والغزو والقتل بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، وكانوا يعتقدون أن شهر صفر شهر حلول المكاره ونزول المصائب، حتى إنه لا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أنه لا يوفق، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح.

وفي الإسلام ما يرد مزاعمهم بأن شهر صفر شهر شؤم، حيث فيه تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسيدة خديجة وهو نفى لتشاؤم العرب من الزواج في ذلك الشهر، كما حدثت به العديد من الأحداث الهامة في التاريخ الإسلامي منها غزوة الأبواء وهى أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك كان به فتح خيبر، وفيه أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.

هل يجوز عقد الزواج في شهر صفر

لقد حرَص كثير من الناس على تحرِّي عقد الزواج في يوم معين من الأسبوع، أو شهر معين من السنة، تحرِّيًا يترتب عليه أحيانًا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغَيب عن فشل الزواج إن خولِف فيه المعتاد من هذه الأوقات، ومهما يكن من شيء فلا ينبغي التشاؤم بالعقد في أي يوم ولا في أي شهر، لا في شوال ولا في المحرّم ولا في صفر ولا في غير ذلك، حيث لم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة.

وينبغي العلم أن الأصل في المسلم أنه لا يتطير ولا يتشاءم لأن الطيرة والتشاؤم من الشرك والعياذ بالله فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطيرة شرك الطيرة شرك ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال : حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ردتـه الطيرة عن حاجته فقد أشرك . قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ) رواه أحمد وابن السني وإسناد ابن السني صحيح . وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ) رواه البخاري، والتطيّر هو التشاؤم . واعتبر التطير شركاً لأن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره، ولأنه تعلّق بأمر لا حقيقة له.

وجاء أن التشاؤم من الاعتقادات الجاهلية وما زال كثير منها منتشراً بين الناس في وقتنا الحاضر، والتشاؤم من الزواج في صفر من الأمور التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية ولا يجوز ذلك، بل هو كسائر الشهور ليس عنده خير ولا شر، وإنما الخير من الله سبحانه، والشر بتقديره، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه أبطل ذلك فقال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر متفق على صحته، وهكذا التشاؤم بتشبيك الأصابع أو كسر العود أو نحو ذلك عند عقد الزواج أمر لا أصل له، ولا يجوز اعتقاده، بل هو باطل.

شهر صفر

يعد شهر صفر هو أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية وهو الشهر الذي بعد المحرم ، قال بعضهم : سمِّي بذلك لإصفار مكَّة من أهلها ( أي خلّوها من أهلها ) إذا سافروا فيه ، وقيل : سَمَّوا الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صِفْراً من المتاع ( أي يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له ) .

طباعة شارك لماذا يمنع الزواج في شهر صفر لماذا يمنع الزواج في صفر يمنع الزواج في شهر صفر يمنع الزواج في صفر الزواج في شهر صفر الزواج في صفر

مقالات مشابهة

  • حكم التشاؤم من شهر صفر وغيره من الأيام أو الشهور.. الإفتاء تجيب
  • دعاء الحر الشديد والرطوبة .. اللهم قنا عذاب نار جهنم وزمهريرها
  • هل الزواج في شهر صفر حرام شرعًا؟.. الإفتاء تحسم الجدل
  • لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟.. انتبه لـ13 حقيقة عليك معرفتها
  • مع بداية الشهر الهجري.. اعرف حكم التشاؤم من صفر وباقي الشهور
  • ما هي الغيبة المحرمة شرعا؟.. دار الإفتاء توضح الحقائق
  • القائد والشعب
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: المؤمن يعتبر بسرعة انقضاء الأيام والشهور.. واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيل السعادة والفلاح
  • من صور التمكين في السيرة النبوية
  • «التريند».. ولو دخلوا حجر ضب لدخلتموه معهم