لجريدة عمان:
2025-06-30@06:29:54 GMT

الأزمة الوجودية والوقوع في فكر التطرف

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

Your browser does not support the audio element.

حظيت ظاهرة التطرف/ الإرهاب بالكثير من الدراسات التي تحاول اكتشاف الأسباب الحقيقية التي تدفع المتطرف إلى تطرفه والإرهابي إلى أعماله المنافية للفطرة الإنسانية السوية. وتجاوزت تلك الدراسات الجوانب الخارجية وغاصت في أعماق النفس الإنسانية علّها تصل إلى فهم يمكن من خلاله حماية المجتمع من أخطار التطرف.

ومن الظواهر التي تم بحثها في هذا السياق ظاهرة الأزمة الوجودية التي يعيشها الفرد وعلاقتها بتطرفه، خاصة أن الكثير من المتطرفين انتفت من حولهم الكثير من الأسباب الخارجية التي تقودهم إلى الفكر المتطرف، ولم يبق إلا البحث في أعماقهم النفسية التي غالبا تموج بالأسئلة والصراعات.

والأزمة الوجودية هي حالة نفسية وفكرية يشعر فيها الفرد بعدم اليقين بشأن معاني الحياة وأهدافها. وهذه الحالة عند مستوى من المستويات جزء من التجربة الإنسانية حيث تطرح الأسئلة العميقة حول الذات والوجود والمستقبل.. ولكنها قد تضع الإنسان في حالة من الشعور بالضياع والقلق العميق الذي يمكن أن يؤثر على تفكيره وسلوكه بشكل كبير جدا، ويجعله عرضة لتأثيرات قادمة من جماعات/ أفراد يشتغلون على هذا النوع من الصراعات النفسية الداخلية.

ولاحظ الباحثون، ممن درسوا التطرف، بشكل متزايد وجود صلة بين الأزمات الوجودية والتعرض للأيديولوجيات المتطرفة؛ فالأفراد الذين يعيشون حالة من اللايقين والشكوك العميقة يبحثون عن إجابات سريعة ونهائية وحاسمة، ومع الأسف، فإن الجماعات المتطرفة تقدم مثل هذه الإجابات بسهولة وبنفس اليقين الذي توزع به صكوك الغفران.

تنشأ الأزمة الوجودية عادة من اضطراب في إحساس الفرد بالهُوية أو المعنى أو الهدف، والبحث عن المعنى هو دافع أساسي وملازم للإنسان، ولكن عندما يتم إحباط هذا المسعى بسبب التحديات الشخصية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تمر على الإنسان بشكل فردي أو تمر على محيطه؛ فمن المرجح أن يعاني من شعور عميق بالارتباك واليأس.

وتقدم الأيديولوجيات المتطرفة إجابات واضحة ومطلقة على أسئلة الحياة المعقدة، والأفراد الذين يواجهون تهديدات وجودية غالبا ما ينجذبون نحو هذا النوع من الأيديولوجيات التي تعد باليقين وتوفر إطارا يمكن للأفراد من خلاله تفسير معاناتهم وشكوكهم وإيجاد مبررات لمظلومياتهم.

وتسلط العديد من الدراسات الضوء على الآليات النفسية التي تربط الأزمات الوجودية بالفكر المتطرف، وتظهر أن التهديدات الوجودية تزيد من جاذبية الأيديولوجيات التي تقدم وجهات نظر ثابتة لا لبس فيها. ويتجلى هذا بشكل خاص في الأفراد الذين يعانون من مستويات عالية من عدم اليقين الشخصي وتدني احترام الذات.

وتكشف دراسات أن الكثير من الأفراد الذين انضموا إلى جماعات متطرفة أبلغوا عن شعورهم بالعزلة، وغياب شعورهم بالهدف من الحياة، والقلق الوجودي قبل تحولهم إلى التطرف.

وتعيد المجموعات المتطرفة تفسير المظالم الشخصية والشكوك الوجودية باعتبارها جزءا بسيطا من مشكلة أكبر مقدمة حلولا مبسطة ومطلقة لمشكلات الأفراد. وتمنح السرديات التي تقدمها الأيديولوجيات المتطرفة الأفرادَ شعوراً بالانتماء والهدف من الحياة ما يعزز إحساسهم بالمعنى في حياتهم الأمر الذي يسهل تجنيدهم في القضايا والأفعال المتطرفة.

ويمكن أن تخفف معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الوجودية خطر التطرف الذي ينتشر في الكثير من بقاع العالم، وهذا الأمر يتم في المقام الأول عبر تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع ووجود هدف حقيقي من وجود الإنسان في هذه الحياة، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود تبدأ من الأسرة التي يعتبر دورها أكثر أهمية في علاج التطرف وبذوره، ناهيك عن الأزمات التي تقود إليه وللأسرة في هذا السياق دور مهم جدا في البناء الديني للفرد جنبا إلى جنب مع المسجد. ورغم أهمية التدخلات التعليمية والأسرية، فإن التدخلات النفسية التي تعزز التفكير النقدي والقدرة على الصمود في مواجهة وجهات النظر التبسيطية لا تقل أهمية عما سبقها.

ولا شك أن الارتباط بين الأزمات الوجودية والفكر المتطرف يؤكد أهمية معالجة الاحتياجات النفسية والاجتماعية الأساسية للأفراد؛ ولذلك لا يمكن التقليل من أهمية بناء أفراد المجتمع ليكونوا أكثر صلابة وقوة في مواجهة الأزمات، سواء كانت أزمات خارجية مما تفرزه الحياة وتحولاتها في السياق اليومي، أو الأزمات النفسية الناتجة عن الأسئلة الوجودية قبل أن تتحول تلك الأسئلة إلى أزمة حقيقية. ويمكن للمجتمع أن يقلل من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة ويعزز مسارات أكثر صحة لإيجاد الهدف والمعنى في الحياة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأفراد الذین الکثیر من

إقرأ أيضاً:

بمشاركة ليبيا.. البرلمان العربي يضع خارطة طريق لمواجهة الأزمات وتعزيز التكامل

اختتمت بالعاصمة المصرية القاهرة، أعمال اجتماعات اللجان الأربع الدائمة بالبرلمان العربي، بمشاركة أعضاء مجلس النواب عبدالسلام نصية، وأحلام اللافي، وحسن البرغوثي، وأبو صلاح شلبي، وذلك في إطار التحضير للجلسة الختامية الخامسة من دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الرابع، المقررة اليوم السبت 28 يونيو الجاري بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

وشهدت لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي مناقشة تقرير حول آخر التطورات السياسية والأمنية في العالم العربي، بالإضافة إلى مذكرة بشأن إعداد رؤية برلمانية لتفعيل الدبلوماسية الوقائية كأداة لنزع فتيل الأزمات ومنع نشوب الصراعات، كما تم استعراض تقرير اللجنة حول نشاطها خلال دور الانعقاد الحالي.

وفي السياق ذاته، ناقشت لجنة الشؤون الاجتماعية والتربوية والثقافية والمرأة والشباب، برئاسة الدكتورة أحلام اللافي، تقرير اللجنة الفرعية حول ريادة الأعمال الاجتماعية في العالم العربي، إلى جانب رؤية لتطوير التعليم الإلكتروني.

كما بحثت اللجنة الترتيبات المتعلقة بعقد ورشة عمل حول آليات حماية ورعاية الفئات المتضررة في مناطق النزاعات، بالإضافة إلى الترتيب لعقد ندوة خاصة بحماية الآثار في الدول العربية.

واستعرضت لجنة الشؤون الاقتصادية سبل تعزيز العلاقات مع المؤسسات والمنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية، إلى جانب مذكرة إعداد استراتيجية عربية لدعم الاقتصاد الأزرق في الدول العربية.

كما ناقشت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية وحقوق الإنسان المسودة النهائية لمشروع قانون مكافحة الهجرة غير المشروعة في العالم العربي، والمسودة الأولى لرؤية برلمانية لحماية حقوق المستهلك في ظل التحديات التي تفرضها العولمة.

وتأتي هذه الاجتماعات ضمن جهود البرلمان العربي لإعداد مخرجات تشريعية ورؤى استراتيجية تدعم العمل العربي المشترك وتعزز الاستجابة البرلمانية للتحديات الراهنة في مختلف المجالات.

مقالات مشابهة

  • كيف تحوّلت ألعاب الفيديو إلى ساحة لتجنيد المتطرفين؟
  • عبدالرحمن المسند: إلصاق التطرف والإرهاب بالإسلام هو بهتان وافتراء عظيم .. فيديو
  • انقسام تاريخي في ألمانيا.. الحزب الاشتراكي: التطرف اليميني أكبر تهديد للديمقراطية
  • تعويم بوصلة الولاء والانتماء في حقبة الأزمات الوجودية
  • "الأزمات تغزو العالم".. تقييم لإنجازات الرئاسة البولندية لمجلس الاتحاد الأوروبي
  • السودان بين الأزمات.. تعيينات جديدة بقيادة البرهان في ظل تصاعد التوترات الأمنية
  • «تريندز» يدشّن مكتبه الافتراضي في باريس غداً
  • لعرضه علي مستشفي الأمراض النفسية.. تأجيل محاكمة عاطل قتل نجل زوجته
  • بمشاركة ليبيا.. البرلمان العربي يضع خارطة طريق لمواجهة الأزمات وتعزيز التكامل
  • نجحت في الحفاظ على انسيابية حركة الطيران والمسارات الجوية في ظل الأزمة.. أجواء المملكة تُسجل عبور 1330 رحلة طيران كمتوسط يومي خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخرًا بزيادة تقدر بنحو 95%