بدأ الادعاء العام الألماني التحقيق مع رجل وذلك بعد الهجوم الذي وقع بالسكين في مدينة ميونخ جنوب ألمانيا، وأسفر عن إصابة شخصين.

 وجاء في بيان أصدره الادعاء العام أن الاشتباه في ارتكاب الرجل الذي يبلغ من العمر 40 عاما "جريمة كراهية"، مسألة قائمة، وأضاف البيان: "تشير الأدلة إلى أن الجريمة ارتكبت بدافع شعور معاد للمسلمين".



وفي الثلاثاء الماضي هاجم رجل يحمل الجنسية الألمانية بسكين٬ رجلين يبلغان من العمر 18 و25 عاما بالقرب من محطة قطار باسنجر دون سبب واضح.

 وأسفر الهجوم عن وقوع إصابات لكلا المجني عليهما في منطقة الجذع والرقبة. وبينما تمكن الشاب البالغ من العمر 18 عاما من مغادرة المستشفى بالفعل، فإن الشاب الآخر البالغ من العمر 25 عاما لا يزال يتلقى العلاج في المستشفى. ومع ذلك، قال الادعاء إن إصابة الشاب الأخير لا تشكل خطرا على حياته.

ووفقا للباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" ألماز تيفيرا٬ فإن كثيرا من المسلمين تعرضوا لاعتداءات عنصرية في ألمانيا، لكنهم لم يتقدموا بشكاوى لدى الشرطة، لاعتقادهم بأن السلطات لن تولي اهتماماً بذلك، وهي غير جاهزة لذلك.  

وقالت تيفيرا جراء انعدام تلك الثقة، فإن 9 من بين كل 10 مسلمين تعرضوا لاعتداءات عنصرية في البلد الأوروبي، امتنعوا عن إبلاغ الشرطة لإدراكهم عدم جدوى تلك المساعي أمام تجاهل السلطات الألمانية لشكاوى سابقة.  

أوضحت الباحثة أن "دراسة شاملة قام بها مجموعة من الخبراء المستقلين الذين عينتهم الحكومة الألمانية لمدة 3 سنوات، أظهرت أن معاداة المسلمين منتشرة في المجتمع الألماني بشكل عام".

 وأكدت أن "3 مسلمين يتعرضون يوميا للتمييز في ألمانيا وفق الدراسة، وهذا يؤثر سلبا في حياة المسلمين اليومية". واعتبرت أن "العنصرية المعادية للمسلمين ليست ظاهرة جديدة، لكن الحكومة الألمانية لم تعترف بها رسميا، وبالتالي ليست مجهزة بما يكفي لمعالجتها".

وفي 14 أيار/مايو الماضي أعلنت الحكومة الألمانية، تسجيل 213 جريمة كراهية ضد المسلمين في الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير وحتى آذار/ مارس من العام الجاري.


وتعد ألمانيا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 84 مليون نسمة ثاني أكثر دولة في أوروبا الغربية بعد فرنسا بتعداد المسلمين، إذ يبلغ عددهم نحو 5 ملايين.  

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية كراهية المسلمين المانيا إسلاموفوبيا كراهية اعتداء مسلمين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من العمر

إقرأ أيضاً:

كيف أصبح المغاربة مسلمين وعرباً؟ قراءة في تاريخ الفتح الإسلامي

يواصل الدكتور والباحث الجزائري أحمد بن نعمان، المعروف بعمقه الأكاديمي ومساهماته البارزة في الدراسات الثقافية والهوياتية، تقديم مقالاته الحصرية لـ"عربي21" التي تناقش مكونات الهوية الجزائرية والمغاربية عموما بكل تعقيداتها وتداخلاتها.  بن نعمان، الذي  يقول بأنه "شمال أفريقي جغرافيا بالولادة عربي مسلم ثقافيا بالإرادة"، يطرح رؤية نقدية هامة حول الملف البربري (الأمازيغي) في الجزائر  وبعض البلاد الشمال أفريقية (كالمغرب وليبيا) والذي ظلّ عبر عدة عقود موضوع جدل سياسي واجتماعي عميق.!؟

ويُعد الملف الأمازيغي في الجزائر من القضايا الحساسة التي تعبّر عن صراع الهوية بين المكونات الثقافية المختلفة، ويشهد نقاشات حادة حول طبيعة هذا المشروع وما إذا كان تعبيراً عن حق ثقافي مشروع أم أداة تمييز وإقصاء.

في هذا السياق، يسلط الدكتور بن نعمان الضوء على المخاطر التي قد تنجم عن التمييز المبني على المفهوم الأمازيغي، المعارض للمفهوم القومي العربي (بالمعنى العرقي) المناقض للمبدأ الإسلامي ذاته الذي جمع الجميع في بوتقته  الثقافية المتكاملة العناصر لأكثر من ثلاثة عشر قرنا من التاريخ المجيد للحضارة العربية اللسان الإسلامية الروح والوجدان التي شيدها الجميع مشرقا ومغربا من بغداد  إلى قرطبة!؟ داعياً إلى توخي الحذر من أية توجهات قد تزيد من الانقسامات داخل المجتمع الجزائري والمغاربي عموما في ظروف دولية غير مسبوقة عرفتها المنطقة بعد طوفان الأقصي الجاري منذ ما يقارب السنتين!

وتكتسي هذه المقالة أهمية خاصة في الجزائر، لا سيما بعد اعتقال المؤرخ المعروف محمد الأمين بلغيث على خلفية تصريحاته التي وصفت المشروع الأمازيغي بأنه مشروع استعماري صهيوني، ما يبرز حجم التوترات والتشابكات السياسية والثقافية حول هذا الملف. يقدم الدكتور بن نعمان من خلال هذا المقال تحليلاً معمقاً يهدف إلى فهم أعمق لماهية الهوية الجزائرية والشمال أفريقية عموما وكيفية التعامل مع مكوناتها المتعددة بطريقة تحافظ على الوحدة الوطنية وتجنب التمييز والتطرف..

وفيما يلي نص المقال:

قبول البربر للإسلام

إن الصلة بين المشرق والمغرب موضوع لقي اهتماما من الباحثين القدماء والمحدثين، وتتفق آراؤهم على أن  البربر لا يكونون مجموعة "عرقية" واحدة ذات أصل واحد، وأن هناك دماء أجنبية كثيرة تجري في عروقهم..

وبقطع النظر عن الأصل العرقي للبربر فإنهم لم يعرفوا إلا ثوارا ينشدون الحرية والكرامة غير راضين عنها بديلا.. غير أنهم في تقبلهم للفتح الإسلامي كانوا شيئا آخر تماما!! فقد أبدوا مقاومتهم المعتادة أول الأمر للفاتحين، وذهبت ضحايا من الطرفين كما هو معلوم.. ولكن ما كاد البربر يتأكدون من الأهداف النبيلة للفاتحين، ومن صدق الرسالة السماوية التي يحملونها إليهم بكل صدق وإخلاص حتى دخلوا في الدين الجديد أفواجا، وأكملوا مسيرة الفتح الرباني جنبا إلى جنب، مع الفاتحين المسلمين (من العرب وغير العرب) إلى المغرب الأقصى، ثم إلى الأندلس، ليس كجنود يمثلون أقلية في صفوف الفاتحين ولكن كانوا هم الأغلبية تحت لواء المجاهد طارق بن زياد (القائد البربري المسلم) الذي استلم رسالة الفاتحين المسلمين بأمانة وإخلاص ليقوم بدور بلده في نشر الإسلام...

ومن غير المنطقي أن يتحمس سكان المغرب الأوسط آنئذ  لنشر العقيدة الجديدة في الأقطار الأخرى، دون أن يضربوا هم أنفسهم المثل الأعلى في تعميقها وتعميمها داخل بلدهم، بين كافة السكان، (لأن فاقد الشيء لنفسه لا يعقل أن يعطيه لغيره) كما أن التاريخ لم يحدثنا قط عن قبول سكان هذه المنطقة لاحتلال، أو دين، أو لسان بالقوة، فضلا عن أن يتحمسوا هم أنفسهم لنشر عقيدة الفاتحين ولسانهم خارج حدود بلادهم. وإذا سلمنا جدلا بإمكان  نشر عقيدة في قوم، أو تغيير عقيدة قوم بحد السيف، فإنه من المستحيل أن يملك السيف أو أية قوة مادية أخرى القدرة على تغيير ضمائر الأفراد والتأثير فيها، واستمالتها بالإكراه!! فالعقيدة لا تــقوى عليها إلا عقيدة مثلها أو أقوى منها، والعقيدة اقتناع وليست إجبارا، ولذلك فلا يعقل على الإطلاق أن يتطوع المجبرون للتضحية في سبيل نشر عقيدة في الآخرين هم لا يؤمنون بها أو أنهم لها أو لأهلها كارهون  !!.

تامازيغت في الأصل ما هي إلا إحدى اللهجات البربرية المتداولة شفاهيا من بين لهجات ثلاث أخريات في المملكة المغربية كما تقدم بها ملخصات نشرات الأخبار المحلية في التلفزة المغربية وهي تاسوسيت وتاريفيت وتاشلحيت على غرار تاقبايليت وتاشاويت وتامزابيت وغيرها في الجزاير ومثلها كذلك في تونس وليبيا.. وتامازيغت أو الأمازيغ في جميع الأحوال ليس إسم لغة او عرق أو شعب على الإطلاق..فبهذه الكيفية الربانية إذن تم الفتح المبين لبلاد البربر، في شمال إفريقيا بعيدا عن المشكلات التي صاحبت الفتوحات الإسلامية في المشرق ووجدنا السكان المحليين يتعاونون مع الفاتحين بكل ثقة ومساواة، مما جعل هذه الإدارة المشتركة في البلاد تتمخض عن تكوين مجتمع عربي إسلامي، كان وما يزال قلعة حصينة للإسلام والعربية حتى الآن، رغم الحركة المستحدثة من مخلفات الدولة الفرنسية بعد إنشاء الأكاديمية البربرية في باريس (سنة 1966) من بعض يهود الجزائر الفرنسية وقد تحولت التسمية  من بربرية  إلى "أمازيغية" لتأخذ أبعادا عرقية سياسية انفصالية قومية كما كشفنا كل خلفياتها وأبعادها.. في كتابنا الصادر سنة 1990 تحت عنوان: (فرنسا والأطروحة البربرية.. الخلفيات الأهداف الوسائل البدائل) وهذا المصطلح الجديد (أمازيغ والأمازيغية) لم يظهر كبديل للبربرية إلا في بداية القرن الجاري مع ترسيم  البربرية في كل من الدستور المغربي (سنة 2011) ثم الدستور الجزائري (سنة 2020).

طبيعة البربر وأصولهم العرقية

وتامازيغت في الأصل ما هي إلا إحدى اللهجات البربرية المتداولة شفاهيا من  بين  لهجات ثلاث أخريات  في المملكة المغربية كما تقدم  بها ملخصات نشرات الأخبار المحلية في التلفزة  المغربية وهي تاسوسيت وتاريفيت وتاشلحيت على غرار تاقبايليت وتاشاويت وتامزابيت وغيرها في الجزاير ومثلها كذلك في تونس وليبيا.. وتامازيغت أو الأمازيغ في جميع الأحوال ليس إسم لغة او عرق أو شعب على الإطلاق..

ولا وجود للهجة تمازيغت لا في الجزائر ولا في كل البلدان المغاربية الأخرى كتونس وليبيا!! فهي اسم لهجة من اللهجات البربرية المتداولة تحديداً في وسط المملكة المغربية، ومنها استوحت الأكاديمية البربرية في باريس كما يبدو فكرة صناعة (اللغة والقومية الأمازيغية) لاختلاق أو صنع بربرستان في الجناح الغربي للأمة المحمدية، مثلما اختلق الإنجليز قومية كردستان (بلد الناصر صلاح الدين الأيوبي محرر القدس تحت راية الإسلام الواحد الموحد) في الجناح الشرقي لتفتيت أربع دول إسلامية وازنة معادية للصهيونية هي العراق وسورية وإيران وتركيا! علماً أنه لم يذكر أحد من المؤرخين القدامى أو المعاصرين عرقاً أو شعباً اسمه أمازيغ.

  فهيرودوت ذكر (الماكسيز Maxyes) وقال إنها قبيلة صغيرة، ولكن ذكر أن أصولهم من الأناضول (تركيا حالياً). وإبن خلدون لم يذكر كلمة أمازيغ إطلاقاً كما يدعي المتصهينون الجدد، بل ذكر مازيغ بن كنعان وذكر أن أصوله من الشرق الأوسط، وهم يدعون أن أصولهم من شمال إفريقيا حسب المواقع المحسوبة عليهم والتي تروج لهذا الشعب الافتراضي المختلق من العدم في القرن العشرين لحاجة في نفس يعقوب الفرنسي وحده والمتناسلين من صلبه في فرنسا وبلاد الأطلسين!!

ولا علاقة للماكسيز ومازيغ بن كنعان بالبربر الحاليين، ولا علاقة لهم بهذا العرق المصطنع (استحلالياً)، وكلمة بربر كذلك لا تعني عرقاً، بل هي كلمة كانت تطلق على كل الشعوب الخارجة على الحضارة الإغريقية مهما كانت أصولهم وأعراقهم! فسكان شمال إفريقيا الأصليين هم السود والمصريون، حتى الآن يسمون أصحاب البشرة السوداء بربرا!!؟

يقول المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس المتخصص في تاريخ البربر: "لا وجود للغة بربرية موحدة، ولا لشعب بربري موحد الأصل كذلك، ولا حتى لعرق بربري". ولا نعرف عالماً أثبت عكس ذلك بتحليل الأحماض النووية للسكان في المختبرات العلمية!!؟ (انظر مقالنا في عربي21 ليوم 28 فبراير 2025).

والحقيقة أن هذه البلاد المغاربية لم تعرف (قبل ظهور هذه الحركة الانفصالية واستفحالها مع بداية عملية التعريب في المغرب والجزائر لاسترجاع السيادة اللغوية بإرجاع الوضع اللغوي إلى ما كان عليه في الإدارة والتعليم قبل الاحتلال الفرنسي..)، لم تعرف هذه البلاد المغربية مرض الشعوبية الذي ابتليت به بعض البلدان الإسلامية في المشرق العربي، وقد ترجع هذه السهولة التي تم بها فتح البلاد المغربية إسلامياً وتعريبها لغوياً إلى عدة أسباب في نظرنا، يمكن حصر أهمها في الآتي:

أولا ـ سرعة إدراك البربر لمعاني الإسلام، وإيمانهم القوي بتعاليمه التي تنادي بالمساواة، والعدل، والحرية، والإخاء.

ثانيا ـ تمثيل الفاتحين المسلمين ـ قولا وفعلا ـ لتلك التعاليم الأخلاقيــة التي أتى بهـا الدين الجديد، فصادف ذلك السلوك قبولا واستحسانا و تجاوبا في نفوس السكان الأصليين الذين عرفوا بالاستقامة وتقديس المثل العليا.

يقول المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس المتخصص في تاريخ البربر: "لا وجود للغة بربرية موحدة، ولا لشعب بربري موحد الأصل كذلك، ولا حتى لعرق بربري". ولا نعرف عالماً أثبت عكس ذلك بتحليل الأحماض النووية للسكان في المختبرات العلمية!!؟ثالثا ـ انصهار الفاتحين في المجتمع المحلي دون اعتلاء أو استشعار الأفضلية عليه في أي شيء.( لا فرق بين عربي أو أعجمي الا بالتقوى).

رابعا ـ التشابه في المزاج والتقاليد، بين العرب والبربر، مما يرجح الآراء القائلة بأن البربر من أصل عربي قدموا من اليمن الى شمال إفريقيا في أحقاب  من التاريخ القديم (آراء كثيرة ومتضاربة حول هذه النقطة  بالذات وكلها لحاجة في نفس "يعقوب الفرنسي").

خامسا ـ انتهاج الدولة الإسلامية في المشرق، منذ بداية الفتح المبين سياسة الاعتماد على السكان الأصليين في تسيير شؤون بلادهم في ظل الشريعة الجديدة التي تسري على كل المسلمين في البلد المفتوح (بربرا كانوا أو عربا أو أتراكا أو فرنسا) بنفس الكيفية، ابتداء من الدولة الرستمية التي أسسها عبد الرحمان بن رستم الفارسي المسلم، المبايع من الاخوة في العقيدة الصادقة دون عقدة فارقة  (!).

سادسا ـ اعتراف البربر بالجميل للعرب الفاتحين الذين قضوا على الاحتلال البيزنطي الذي كان يسيطر على البلاد والعباد ويستغل ثرواتها ويقمع ثوراتها لإشباع نهمه من خيرات أرضها المدرارة !!؟

وفي هذا المعنى يقول الباحث الجزائري محمد الصغير زمالي ما نصه: "لما جاء الإسلام لشمال إفريقيا وجد الأمازيغ على غير المسيحية لما لاقوه من اضطهاد واستبداد على يد روما المسيحية، فتمردوا عليها وعلى المسيحية، وأسسوا مذهبا دينيا، خاصا بهم على عاداتهم وتقاليدهم، (تغنانت) في روما المسيحية وعرف هذا المذهب بالدوناتية (DONATISME) ولما جاء الإسلام وجدهم مهيئين نفسيا ومعنويا لاعتناق الإسلام، وهذا ما حصل فعلا، باستثناء بعض المقاومة التي قادتها الكاهنة عن جهالة، أو التمرد الذي قام به كسيلة لتصفية حسابات شخصية مع الإمام عقبة بن نافع الفهري قائد الفتح المبين الذي تحمل البلدة التي استشهد فيها اسمه حتى الآن.. ويكفي دليلا على مكانته في التاريخ الوطني أن اسم عقبة  كان إحدى كلمتي السر في ليلة اندلاع ثورة الجهاد الذي حرر البلاد والعباد في نوفمبر تشرين الثاني سنة 1954 ميلادية.!

الفتح الإسلامي وتقبل السكان المحليين

وإذا كان هذا شأن الجزائر، فالمغرب الأقصى لم يكن الوضع فيه هو الآخر يختلف عن وضع الجزائر (التي كانت جزءا منه وكان جزءا منها...) ومن ثمة ففتحها الإسلامي كان مشابها إلى درجة التطابق مع فتح الجزائر، مما يؤكد تحليلنا السالف لعوامل نجاح الفتح الإسلامي دون غيره، وفي ذلك يقول الأستاذ المهدي بنونه وهو باحث مغربي ما نصه: "إن المغرب قبل فترة الفتوحات الإسلامية حكمه أهله وسكانه الأصليون، وهم البربر، وقد غزا الرومان المغرب وأسسوا مقاطعات تابعة لروما، إلا أن المغرب البربري لم يستسلم ولم يفقد هويته، فقد قاوم المغاربة حكم روما، ووصلوا الى أن يحكموا روما، كما أن المغاربة البرابرة قاوموا مقاومة عنيفة نشر المسيحية في البلاد! لذلك لم يكن للمسيحية حظ الانتشار في المغرب.

بعد هذه الفترة جاء الفتح الإسلامي، وكما قرأنا في التاريخ، فقد قاد الفتح الإسلامي في منطقة شمال إفريقيا عقبة بن نافع، وجاء بعده موسى بن نصير.. وما يجدر التأكيد عليه هنا هو أن الفتح العربي كان في الواقع هو الفتح الإسلامي، ولم تستقر له الأوضاع في المغرب إلا بعد وصول إدريس الأول الذي أسس أول مملكة إسلامية مغربية عرفت بدولة الأدارسة، وكان ذلك في عهد العباسيين في المشرق العربي.

جاء إدريس إلى المغرب وأسس دولته، وكان داعية من دعاة الإسلام، لذلك دعا البربر إلى الإسلام، دعوته معتمدة على اللين والإقناع وليس السيف! تبعا لذلك دخلت أعداد كبيرة من القبائل البربرية في الإسلام، عكس ما حدث بالنسبة للرومان الذين أرادوا فرض المسيحية على هذه القبائل بحد السيف!

وجدت القبائل البربرية في الإسلام دين الاقتناع والتسامح والمساواة. ومن المفارقات أن إدريس الأول دفن بعد وفاته في مدينة (زرهون) قرب مكناس، ويلاحظ أن المكان الذي دفن فيه يطل على أهم مدينة أسسها الرومان حين غزوا المغرب، وأرادوا اخضاعه بالقوة، وكانت تسمى آنذاك بمدينة "هيليوبولوس" وتسمى الان (وليلي). ويحتفل المغـاربة إلى يومنا هذا بذكرى إدريس الأول، وتقام له المواسم الكبرى، لأن ذكرى الرجل تمثل ذكرى دخول الإسلام دخولا حقيقيا في البلاد".

قاد الفتح الإسلامي في منطقة شمال إفريقيا عقبة بن نافع، وجاء بعده موسى بن نصير.. وما يجدر التأكيد عليه هنا هو أن الفتح العربي كان في الواقع هو الفتح الإسلامي، ولم تستقر له الأوضاع في المغرب إلا بعد وصول إدريس الأول الذي أسس أول مملكة إسلامية مغربية عرفت بدولة الأدارسة، وكان ذلك في عهد العباسيين في المشرق العربي.ومهما اختلفت آراء الباحثين، وخاصة المستشرقين منهم حول نوايا الفاتحين العرب لبلاد المغرب عموما، فإنهم لم يختلفوا على أن هذه الفتوحات تمت بسهولة ونجاح كامل.!! وكان البربر دوما يحرصون على تعلم اللغة العربية كحرصهم الشديد على فهم الإسلام والتمسك بتعاليمه، والجهاد في سبيل نشره خارج بلادهم، وكان الفرد البربري الذي تعلم اللغة العربية حريصا على نشرها بين أهله وعشيرته .

غياب الوحدة اللغوية والعرقية بين البربر

ويؤكد لنا الواقع التاريخي أن الرقعة التي كانت تتقلص منها البربرية لا تعود إليها أبدا، وإلى جانب الدين الإسلامي الذي كان السبب الأول والأساسي في تقبل البربر للغة العربية عن طواعية واقتناع، توجد أسباب أخرى ـ في نظرنا ـ ساعدت على التعجيل بذلك التعريب وإنجاحه، بالسهولة التي تم بها على خلاف العديد من البلدان المفتوحة الأخرى التي وجدت فيها اللغة العربية بعض المقاومة من اللغات المحلية، أدت الى حدوث صراع بين اللغتين دام مددا متفاوتة  بحسب ظروف كل بلد. وتنحصر أهم الأسباب في الأتي:

1 ـ الاعتناق الجماعي للإسلام من طرف البربر في زمن قياسي لا يتجاوز نصف قرن، حيث ما كاد ينتهي القرن الثامن الميلادي (الأول الهجري) حتى كان سكان الجزائر مسلمين تحت راية دولة إسلامية واحدة قوية واختفت اليهودية تقريبا وكذا المسيحية تماما من البلاد وهي ظاهرة لم تحدث في غير المغرب العربي من البلاد العربية .

2 ـ  عدم وجود لغة راقية ذات ثقافة وحضارة في المستوى الذي يمكنها أن تقف في وجه اللغة العربية، كما وقع في بلاد فارس، فلقد كانت اللغة البربرية لغة تخاطب فقط، ولم يكن لديها تراث مكتوب يحفظها إلى جانب منافستها باللغة اللاتينية التي كانت لغة الدواوين الرسمية طيلة خمسة قرون من الاحتلال الروماني والبيزنطي، ولم تجد اللغة اللاتينية طريقها إلى ألسنة العامة من البربر لمناصبتهم إياها العداء، ووقوفهم منها موقف الرفض، لأنها لغة المحتل، مما مكن اللغة العربية من الانتشار السريع دون أي عائق، إلا الأمية المستشرية في المناطق الجبلية كما هو واقع الأمر حتى الآن .!؟!! وهي الحائل الوحيد كما قال فقيد  الامة علال الفاسي رحمه الله ونقره على ذلك !!؟

3 ـ تشابه اللغة البربرية واللغة العربية في النطق، ومخارج الحروف، حتى أن جميع مخارج الحروف العربية موجودة في اللغة البربرية الحالية بما فيها حرف الضاد الذي تتميز به اللغة العربية عما سواها من لغات العالم،

مضافاً إلى ذلك أن ما لا يقل عن ثلث المفردات في بعض اللهجات البربرية تحمل نفس الدلالات التي تحملها نظيراتها في اللغة العربية، مع شيء طفيف من التحوير في النطق، وقد قمنا بمقارنة بسيطة لاستنتاج هذه النسبة،

وعلى سبيل المثال يمكن ذكر بعض المفردات الأصلية في القبائلية (والتي لا يمكن أن يقال بأنها دخلت إلى هذه اللهجة بعد الفتح الإسلامي كمصطلحات علمية أو مسميات جديدة استحدثتها الحضارة العربية الإسلامية)

قبل أن تفعل فيها الأكاديمية البربرية فعلتها باستبدالها بكلمات مصطنعة اصطناعاً (سياسياً قومياً عنصرياً) على طريقة شاه إيران العلماني الغابر أو أتاتورك الماسوني الكافر!؟

الاعتناق الجماعي للإسلام من طرف البربر في زمن قياسي لا يتجاوز نصف قرن، حيث ما كاد ينتهي القرن الثامن الميلادي (الأول الهجري) حتى كان سكان الجزائر مسلمين تحت راية دولة إسلامية واحدة قوية واختفت اليهودية تقريبا وكذا المسيحية تماما من البلاد وهي ظاهرة لم تحدث في غير المغرب العربي من البلاد العربية .ومن هذه المفردات المتداولة في قريتي منذ الجاهلية البربرية في العهد الروماني نذكر من الأسماء: (الشجرة وتلفظ الشَّجْرا)، (الحشيش = لَحْشِيشْ)، (الموت = الْمُوث)، (البحر = لَبْحَرْ)، (الحائط = الـحِيضْ)، (الحساب = لَحْسَاب)، (الفلاح = أفَلاَّح)، (الخدام = أخَدَّام).

ومن الأفعال أيضاً على سبيل المثال: (يروح تلفظ إيروح)، (يموت = يَمُّوث)، (يهلك = يَهْلك) ومعناها بالقبائلية يمرض (ولعلها للمبالغة في وصف درجة المرض الشديد!؟)، (يكتال = يَكْثِيلْ)، (يقيس = يقيس)، (يحسب = يحسيب)، (يرحب = إيرحّب)، (يربح = يربح ...

وقس على ذلك مئات الكلمات المماثلة التي أحصيت منها حوالي 300 كلمة، وجدتها في اللهجة الشحرية بجنوب سلطنة عمان، وهي مدونة في أحد كتبي المخطوطة (تحت الطبع) بعنوان (حقيقة لغة السماء من آدم وحواء إلى غار حراء!؟)

وهذا التشابه الكبير بين البربرية المغربية والمشرقية اليمنية بجزيرة سوقطرة والعُمانية بصلالة قد يرجع إلى:

أ) - اختلاط البربرية بالفينيقية وتأثرها بها أثناء ازدهار الحضارة القرطاجنية التي دامت عشرة قرون قبل الميلاد، والتي شارك في بنائها البربر والفينيقيون معاً، واللغة الفينيقية، كما هو معروف، من (اللغات العروبية) التي أطلق عليها اليهود اسم (السامية) في القرن الثامن عشر لأهداف سياسية، مثل الأمازيغية في القرن الواحد والعشرين كما أسلفنا....

ب) - أن اللغة البربرية ذاتها من اللغات المتفرعة عن اللغات العروبية أو السامية كما يذهب العديد من الباحثين والمؤرخين الذين أكدوا أن البربر من أصل سام ابن نوح، وقد هاجروا من جنوب الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا.

4) ـ عدم تعصب البربر للغتهم، وعدم ظهور الحركات الشعوبية فيهم، اذ لو لم يكونوا كذلك لقبلوا العربية كلغة دين، وتمسكوا بلغتهم البربرية، في الحياة العامة، بل وعملوا على تعليمها وتطويرها والكتابة بها آثارا أدبية تمكنها من البقاء ومقاومة الزوال، خاصة وأن الإمكانيات كانت متاحة لهم أثناء تأسيس دولهم الإسلامية بدءا بالدولة الرستمية إلى دولة الأمير عبد القادر غداة الاحتلال الفرنسي.. غير أن شيئا من ذلك لم يحدث على امتداد التاريخ الإسلامي.

5) ـ اهتمام القادة العرب بالتعريب في الأمصار التي فتحوها، فعربوا الدواوين الحكومية وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة مما حتم على كل من يرغب في الوظيفة أن يتعلم اللغة العربية، وبلغت حركة التعريب أوجها في عهد الخلافة الأموية حيث ترجم حتى الإنجيل باللغة العربية، كما نقلت الى اللغة العربية مختلف فنون وعلوم الحضارة الفارسية القديمة من فلسفة وفلك وطب وحساب  .

6) ـ حماسة البربر الشديدة لنشر الدين الإسلامي وصدقهم في اعتناقه.. قد حبب لهم اللغة العربية، ونبغ فيهم جهابذة في الفقه واللغة  العربية وآدابها، كان لهم الفضل الأكبر في تعريب  ذويهم وعشيرتهم ومنهم فطاحل في تأليف كتب النحو العربي كالاجرومية (نسبة إلى صاحبها من مدينة جرومة بولاية بويرة  بالجزائر) وكذلك ألفية ابن معطي البربري الجزائري قبل ألفية ابن مالك الأندلسي الشهيرة في النحو العربي التي يعترف فيها مؤلفها (بتواضع العلماء النزهاء) بفضل السبق الذي حازه ابن معطي عليه في إطار تكامل العلماء من أبناء الأمة الواحدة ذات الحضارة الواحدة المسلمة الوجدان العربية اللسان التي شيدها جميع المسلمين (من كل الأصول الآدمية فوق الكرة الأرضية) دون فضل لأحد على أحد من البخاري والكيندي والفارابي، وابن سينا إلى ابن الهيثم وعباس بن فرناس والغزالي وابن رشد  على امتداد عشرة قرون من العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية!!

وهكذا ساعدت تلك الأسباب كلها على انتشار اللغة العربية في بلاد المغرب العربي بالسرعة والقوة التي تمت بها. أما الوسيلة التي انتشرت بها فكانت إلى جانب رغبة البربر الشديدة في تعلم اللغة العربية، حرص العرب على تعليم البربر، وإقامة معاهد صغيرة ملحقة بالمساجد تدعى إلى يومنا هذا (المسيد) وهي كلمة منحوتة من كلمة مسجد، وهو بمثابة الكُتّاب في بلاد المشرق العربي. يتعلم التلاميذ في هذا المسيد القرآن والحديث ومبادئ اللغة العربية والفقه، وقد وضعت هذه المعاهد إما من طرف الدولة، وإما من طرف أناس صالحين وهبّوها لتعليم أبناء المسلمين دينهم ولغتهم، وقد بدأ هذا النوع من المساجد ينتشر في النصف الثاني من القرن الأول الهجري وما يزال قائماً في بلاد القبايل الجزائرية إلى يومنا هذا، وهي القلاع التي حافظت على ثوابت الهوية الوطنية (العربية الإسلامية) للشعب الجزائري في أحلك أيام الاحتلال الفرنسي الصليبي للجزائر، ولولا تلك الثوابت الوطنية لكانت الجزائر اليوم غرناطة فرنسية مثل مرسيليا وسقلية!؟

وقد ساعد الأهالي على إنشاء هذه المعاقل إلى جانب الدولة، فأنشأها البربر في الجبال وعلموا فيها العربية بالبربرية، وكانت غاية البربر من وراء تعلم العربية أن يتعربوا ويفوقوا العرب أنفسهم في اللغة والفقه والشعر والخطابة، والعلوم الإسلامية عموماً، فكأن حبهم للغة العربية كون لهم مركب نقص أمام الفاتحين دفعهم إلى مضاهاتهم في تعلمها، وكان لهم ذلك بالفعل!؟

وبهذه الكيفية اتسعت رقعة العربية في الإدارة والمحيط الاجتماعي، وتم تعريب البربر بعد إسلامهم الصادق والجماعي، وهكذا أصبحت الجزائر وكل بلاد مغرب شمس الله مسلمة الوجدان عربية اللسان، خارج فئة أو طبقة الأميين في المجتمع من الذين يتواصلون باللهجات البربرية أو بالعامية العربية حتى الآن، شأن جميع البلاد العربية والإسلامية في العالم (حيث يوجد الأميون والمتعلمون بنسب متفاوتة في كل مجتمع بشري بدوي أو حضري!؟).

وحول كيفية تعريب البربر في المغرب، واختلاط العربية بالبربرية، وكذا اندماج العرب بالبربر عرقياً، وذوبان البربر في العرب ثقافياً ولغوياً في المجالات ذات المستوى الحضاري الرفيع الموحد، وكذا العموميات الجوهرية الثابتة في الثقافة التي تتكون منها الهوية الوطنية والقومية كالدين ولغة التفكير والتعبير، كما تحدثنا عن ذلك بالتفصيل في مقالين (بـ "عربي21"، ليوم 10 يناير و7 فبراير 2025)...

يقول الأستاذ المهدي بنونة، وهو باحث من المغرب الأقصى الشقيق عن أبناء وطنه وعشيرته: "إن من يتحدث عن الإسلام في المغرب يتحدث في نفس الوقت عن العروبة لأن الإسلام هو القرآن، والقرآن أنزل باللغة العربية وهذه بديهية، ويحرص المغاربة على حفظ القرآن، والكتاتيب منتشرة انتشاراً كبيراً في أنحاء المغرب، ومنذ الطفولة نتعلم أن حفظ القرآن شيء أساسي.. حفظ البرابرة القرآن لأنهم مسلمون رغم أن بعضهم لا يتحدث اللغة العربية، ويتكلمون فقط إحدى اللهجات البربرية الثلاثة المتداولة في المغرب، وتجد أحياناً أحد هؤلاء تسبق اسمه كلمة «مولاي» وهي في المغرب تعني سليل الأشراف أي سليل الهاشميين، ورغم ذلك لا يتحدث اللغة العربية، ذلك أن الأشراف سكنوا بين القبائل البربرية، واندمجوا في هذه القبائل، ونظراً لما تمتعوا به من احترام وتقدير لم تكن هناك عقبات في وجه هذا الاندماج، لذلك فقد هؤلاء لغتهم العربية الأصلية وبدأوا يتكلمون البربرية في المغرب، وهو ما لا يعني أيضاً أن من يتكلم اللغة العربية عربي بالدم!".

مقالات مشابهة

  • كيف أصبح المغاربة مسلمين وعرباً؟ قراءة في تاريخ الفتح الإسلامي
  • فتاة تطلب الطلاق من زوجها لهوسه باللعب مع الأطفال بالدراجة في الشارع
  • اعتقال شاب يمني في لبنان بتهمة التخابر مع إسرائيل.. بين الجدل ومهاترات الحكومة والحوثيين (تقرير)
  • سبب انسحاب موهبة بايرن ميونخ قبل مونديال الأندية
  • نقابة صيادلة لبنان تتخذ صفة الادعاء الشخصي لملاحقة مروجي الأدوية المزوّرة
  • ميمات الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي
  • ماكرون يتوعد بحظر وسائل التواصل عن القصّر دون 15 عاماً وبروكسل تترك الأمر للحكومات
  • مهرجان كوباني السينمائي الدولي يطلق دورته السادسة في ألمانيا بمشاركة عالمية واسعة
  • شرطة تعز تضبط متهم بإطلاق النار على شاب
  • حداد بالنمسا بعد مذبحة ثانوية غراتس