تحرّك أمريكي لإجهاض التهدئة .. وصنعاء تحذّر الرياض: الاتفاق ملزم
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
يمانيون – متابعات
بدأت واشنطن تحرّكاً لإجهاض الاتفاق الأخير الموقّع بين صنعاء والرياض بشأن خفض التصعيد الاقتصادي، والتوجّه نحو خطوات بناء ثقة بين الطرفين تمهيداً لتوقيع اتفاق حول الملف الإنساني والاقتصادي. ولم يكن هذا التحرّك غير متوقّع من قبل «أنصار الله»، التي قالت إن الاتفاق الأخير أفشل كل المساعي الأمريكية ضد الحركة، وأحرق آخر الأوراق التي حاولت الولايات المتحدة استخدامها بعد فشلها عسكرياً في كسر الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.
واهتمّت الأوساط السياسية في صنعاء، خلال الساعات الماضية، بالتحركات الأمريكية المضادة للاتفاق، بعد رفض «أنصار الله» عرضاً أمريكياً من مكوّناته أن تتولى الولايات المتحدة عملية إعادة إصلاح كل الأضرار التي طاولت ميناء الحديدة غربي اليمن، نتيجة الغارات الإسرائيلية التي استهدفته السبت الماضي، مقابل وقف التصعيد ضد الكيان.
وكان ربط الممثّل البديل للشؤون السياسية في البعثة الأمريكية لدى مجلس الأمن، روبرت وود، تنفيذ الاتفاق الأخير بين صنعاء والرياض، و«خارطة الطريق» الأممية، بإنهاء العمليات البحرية اليمنية، بما يشمل الامتناع عن الرد على العدوان الإسرائيلي الأخير على الحديدة.
ويُعد هذا الشرط الثالث من سلة شروط ظلّت تعرقل واشنطن من خلالها التقدّم في ملف السلام، ومن ضمنها، بحسب ما طرحه وود في كلمته في مجلس الأمن، إطلاق خلايا التجسّس الأمريكية.
وأقر الممثل الأمريكي بمنع بلاده التوقيع على اتفاق السلام في اليمن قبل نحو ثمانية أشهر، مرجعاً ذلك إلى ما وصفه بتصعيد أنصار الله في إشارة إلى العمليات اليمنية المساندة لقطاع غزة.
وفي موازاة ذلك، أكّدت مصادر دبلوماسية يمنية مطّلعة، لـ«الأخبار»، رصد تحرك إسرائيلي جرى خلال الأيام الماضية في واشنطن، نحو المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بهدف دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات إضافية ضد «أنصار الله» على صعيد تصنيفها كمنظمة إرهابية، لمنع أي مفاوضات أو تقارب من قبل دول أخرى، مع الحركة التي شنّت الولايات المتحدة حروباً اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية ضدها، ولم تنجح في عزلها على مدى السنوات الماضية.
ورداً على تلك التحرّكات، أكّد مصدر سياسي مطّلع في صنعاء، لـ«الأخبار»، أن «الاتفاق ملزم للجانب السعودي وبضمانات أممية ودولية، والتراجع عن أيّ من بنوده سيعيد التصعيد إلى ما كان عليه».
وأشار إلى أن «الخاسر الوحيد في هذا الاتفاق هو الولايات المتحدة. ولذلك من الطبيعي أن يثير الاتفاق غضبها، خاصة أن دولاً مناوئة لواشنطن وقفت وراء إبرامه، كالصين وروسيا».
وأكّد المصدر أن «الاتفاق دخل حيز التنفيذ فعلياً، وأن الرد على التحرّكات الأمريكية سيكون بالقوة وليس بالحوار أو القبول بأي مطالب أمريكية، بل بتصعيد الهجمات على الكيان الإسرائيلي وتكثيف الهجمات ضد السفن العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر».
وفي الوقت الذي رحّبت فيه وزارة الخارجية السعودية بالاتفاق، وحاولت كالعادة أن تُظهر المملكة كدولة وسيطة بين أطراف يمنية، أكدت مصادر مقرّبة من الحكومة الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي في عدن، لـ«الأخبار»، أن تلك الحكومة التي رحّبت بالاتفاق، كانت مغيّبة بشكل كلّي عن تفاصيل المفاوضات حتى اللحظات الأخيرة، عندما طلبت السعودية من محافظ بنك عدن المركزي المرتزق أحمد المعبقي، التراجع عن الإجراءات التي اتخذها البنك ضد البنوك التجارية والإسلامية في صنعاء، ومن بينها وقف وصول تلك البنوك إلى نظام «سويفت»، ومنع الرحلات من مطار صنعاء وإليه.
وكانت الرياض وضعت المعبقي قيد الإقامة الجبرية لرفضه التراجع عن القرارات التصعيدية التي اتخذها البنك، قبل أن ترفعها عنه مقابل التوقيع على اتفاق التهدئة الاقتصادي الأخير.
وأتى ذلك بعد أن أبرمت صفقة معه قضت بتنازلها عن تعيين بديل له، واستمراره هو في منصبه مع تسهيل المملكة صرف الدفعة الرابعة من المنحة السعودية المقدّرة بنحو 250 مليون دولار كدعم مالي للبنك المركزي في عدن، والذي يواجه أزمة سيولة ناتجة من عدم تمكّن حكومة المرتزق ابن مبارك من استعادة إيرادات الدولة من تحت سيطرة الميليشيات المسلّحة التابعة للتحالف السعودي – الإماراتي.
– الاخبار اللبنانية – رشيد الحداد
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة أنصار الله
إقرأ أيضاً:
إيران بين الانسحاب من الاتفاق النووي والدخول في حرب جديدة
د. هيثم مزاحم **
تواجه إيران اليوم مرحلة من أخطر المراحل منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979؛ فالقيادة الإيرانية عالقة في مأزق، بين استمرار المفاوضات النووية وتقديم تنازلات جوهرية تتخلى فيها عن شعاراتها وخطوطها الحمر السابقة وأبرزها تخصيب اليورانيوم داخل إيران واحتفاظها بالصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وبين الانسحاب من معاهدة الانتشار النووي ومنح إسرائيل والولايات المتحدة ذريعة لشن هجوم جديد على المنشآت النووية الإيرانية ومصانع ومخازن الصواريخ الباليستية وغيرها من المنشآت العسكرية والاقتصادية وربما النفطية الحساسة.
وقد وصلت المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عُمان خلال عام 2025 إلى طريق مسدود، بعد رفض إيران التخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها بحسب الاتفاق النووي لعام 2015، ورفضها مناقشة موضوع الصواريخ الباليستية، وقيام إسرائيل وأميركا بتدمير المنشآت النووية الإيرانية واغتيال عدد كبير من قياداتها العسكرية وعلمائها النوويين في عدوان استمر 12 يومًا في يونيو الماضي.
بعدها استؤنفت محادثات بين طهران و"الترويكا الأوروبية"، لكن إيران رفضت ما وصفته بـ"المطالب غير المعقولة" من واشنطن والدول الأوروبية التي أعادت تفعيل آلية الزناد "سناب باك" في مجلس الأمن الدولي والتي تعني إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران التي كانت قائمة قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وحتى اليوم لا توجد أي مؤشرات على قرب استئناف المحادثات، بينما تواصل إيران ترميم قدراتها النووية والصاروخية، وتوسيع تعاونها مع روسيا ودول آسيوية أخرى، وسط عودة العقوبات الأممية على اقتصادها.
وقد رفض المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مؤخرًا عرضًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبدء محادثات جديدة حول البرنامج النووي الإيراني. وقال خامنئي: "إذا كان الاتفاق مصحوبًا بالإكراه وكانت نتيجته محددة سلفًا، فإنه لا يُعتبر اتفاقًا؛ بل فرضًا ومضايقة". وفي الوقت نفسه رفض خامنئي ادعاء ترامب بأن الولايات المتحدة قد دمرت القدرات النووية لإيران.
تعتقد الجمهورية الإسلامية أنها يمكن أن تحقق مكاسب إذا أظهرت قوتها، لكن استراتيجية إظهار القوة قد فشلت هذه المرة، بعدما فقدت إيران العديد من عوامل نفوذها في المنطقة؛ بما في ذلك التراجع الكبير في قوة حركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان من جهة، وسقوط النظام السوري وتراجع نفوذ العديد من الجماعات المؤيدة لها في العراق من جهة أخرى.
بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران من خلال تفعيل آلية "سناب باك" من قبل دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) في 28 أغسطس 2025 اعتبرت إيران أن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعد ذا فائدة. وأعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في القاهرة بوساطة مصرية بين إيران والوكالة الدولية لن يتم تنفيذه من قبل طهران. إلّا أنه خفّف من حدة تصريحه لاحقاً قائلًا: "إذا قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلبًا بهذا الشأن (لإرسال مفتشين إلى إيران) فيجب عليها تقديمه إلى أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي للنظر فيه".
ويرى خبراء أن خطر اندلاع الصراع مرتفع للغاية، لكن تصريحات خامنئي ولاريجاني تُظهر أن الجمهورية الإسلامية لا تزال لا تريد إلغاء الاتفاق النووي بالكامل، فهُم يخشون أن يؤدي أي تصرف غير محسوب إلى إعطاء إسرائيل أو الولايات المتحدة مبررًا لتوجيه ضربة عسكرية. القيادة الإيرانية كانت قد هددت بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية قبل اندلاع حرب الأيام الاثني عشر لكنها لم تنفذ هذا التهديد. وبدلًا من ذلك حاولت التوصل إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنع تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات على طهران، لكن جهودها فشلت. وثمة وضع مشابه قائم اليوم أيضًا: قيادة الجمهورية الإسلامية عالقة في مأزق. فمن جهة لا تريد أن تبدو تهديداتها السابقة غير ذات تأثير، ومن جهة أخرى قد يؤدي أي تصرف متشدد أو متهور إلى منح إسرائيل والولايات المتحدة ذريعة لشن هجمات جديدة على المنشآت النووية والمصانع العسكرية الإيرانية، فضلًا عن استهداف القيادات السياسية والمنشآت الاقتصادية ومحاولة إسقاط النظام الإسلامي بمساعدة داخلية من حلفائهما- أي إسرائيل وأمريكا- في منظمة مجاهدي خلق وأنصار الشاه وتنظيمات تكفيرية وانفصالية.
وبحسب خبراء، يحاول لاريجاني إيجاد طريق وسط لإدارة الأزمة؛ إذ لا يوجد في الوقت الراهن مخرج واضح من الوضع القائم. أما نشهده حاليًا هو نوع من استراتيجية إدارة الأزمات التي تتبعها الجمهورية الإسلامية والتي تهدف فقط إلى كسب الوقت إلى أن يتم التوصل إلى حل.
وأعلن لاريجاني أن السبب الرئيس وراء فشل المفاوضات النووية بين طهران والدول الغربية هو إصرار الغرب على ربط الملف النووي بالبرنامج الصاروخي الإيراني. وأوضح أن القوى الغربية طالبت بخفض مدى الصواريخ الإيرانية إلى أقل من 500 كيلومتر، وهو ما وصفه بأنه "محاولة لنزع أهم سلاح دفاعي للشعب الإيراني". ومسافة الخمسمائة كيلومتر تعني عدم قدرة إيران على استهداف الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
وأكد لاريجاني أن إيران "لن تقبل بأي شروط تمسّ أمنها القومي أو تقلّص من قدراتها الدفاعية"، مشيرًا إلى أن "آلية الزناد" التي سعت إليها أوروبا والولايات المتحدة كانت تهدف إلى فرض تنازلات قسرية على طهران.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام غربية أن المفاوضين الأوروبيين اعتبروا البرنامج الصاروخي "جزءًا لا يتجزأ من التهديد النووي الإيراني"، ما جعل مطلب تقييده شرطًا لاستئناف أي اتفاق جديد. هذا الخلاف حول الصواريخ مثّل النقطة التي أوقفت المفاوضات تمامًا بعد خمس جولات من الاجتماعات غير المباشرة بين طهران وواشنطن خلال الأشهر الماضية.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صرّح بأن بلاده علّقت جميع المحادثات مع الولايات المتحدة؛ سواء تلك التي كانت تُجرى عبر وسطاء في نيويورك أو من خلال القنوات الأوروبية. وقال إن "واشنطن قدمت مطالب مبالغًا فيها وغير منطقية"، وإن "الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد لاتفاق عادل ومتوازن". وأضاف أن الاتصالات غير المباشرة مستمرة عبر وسطاء من سلطنة عُمان وقطر، لكن "من دون أي تقدم فعلي". وأكد أن إيران "ما زالت تلتزم بالدبلوماسية والحلول السلمية" لكنها "لن تتراجع عن خطوطها الحمراء".
إذن، رغم توقف المفاوضات الرسمية، تواصل إيران اتصالات غير مباشرة مع بعض العواصم الغربية عبر وسطاء، من بينهم سلطنة عُمان، قطر، والاتحاد الأوروبي. وقد أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية أن "طهران لم تغلق باب الدبلوماسية"، لكنها "لن تفاوض تحت ضغط العقوبات أو التهديدات".
وفي سياق موازٍ، أعلن نائب وزير النفط الإيراني سعيد توكلي أن مفاوضات الغاز مع روسيا وصلت إلى مراحلها النهائية، وأن البلدين اتفقا على آلية جديدة للتسعير والدفع. في حين أعلن الكرملين أن روسيا ستعزز تعاونها مع إيران في جميع المجالات، بما في ذلك بناء أربع محطات للطاقة النووية، في إطار مشروع استثماري تبلغ قيمته نحو 25 مليار دولار.
هذا التعاون يعكس سعي طهران لتقوية تحالفاتها خارج الإطار الغربي، بعد انهيار مسار التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا؛ إذ تراهن إيران على تعزيز تعاونها الاقتصادي والتجاري مع حليفيها روسيا والصين والهند وتركيا، واستمرار تصدير نفطها إلى الصين والهند وعدم التزامهما بالعقوبات الدولية، وتسعى إلى تطوير ترسانتها العسكرية بمساعدة روسيا والصين لتعويض ما خسرته في العدوان الإسرائيلي من مقاتلات وأنظمة دفاعية ورادارات.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية بلبنان
رابط مختصر