مدينة (جرف الصخر) خارج السيادة العراقية ومنطقة الأذرع الإيرانية
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
آخر تحديث: 12 غشت 2024 - 11:17 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- تزداد أوضاع بلدة جرف الصخر العراقية شماليّ محافظة بابل إلى الجنوب من بغداد بنحو 60 كيلومتراً، غموضاً، ولا سيما أنها معزولة تماماً عن السيادة العراقية، ولا يمكن الدخول إليها حتى من قبل المسؤولين في الحكومة والجيش بما فيهم رئيسي الجمهورية والوزراء، وما زالت على رأس المناطق العراقية منزوعة السكان منذ نحو 10 أعوام.
غير أن تساؤلات برزت خلال السنوات الأخيرة حول النشاطات التي تُجرى داخل بلدة جرف الصخر من قبل الميليشيات الحشدوية الولائية والحرس الثوري، لتأتي الضربة الأميركية الأخيرة على البلدة، يوم الثلاثاء 30 تموز الماضي، لتُظهر أنها تحوّلت إلى منطقة ارتكاز للفصائل المسلحة العراقية، ووجود معامل وورش لتصنيع وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة فيها.وقُصفت جرف الصخر يوم 30 تموز الماضي بصواريخ لم يُعرف عددها لغاية الآن، نفذها طيران مسيّر، وسقط عدد من القتلى جراء هذا القصف، بينهم قيادي في جماعة الحوثيين، نقلت وكالة تسنيم الإيرانية تفاصيل مقتله لاحقاً. وأعلنت هيئة الحشد الشعبي في العراق، في بيان، “تعرّض مقر تابع للواء 47 حشد كتائب حزب الله لثلاث ضربات جوية من قبل طيران أميركي مسيّر في منطقة السعيدات بناحية جرف النصر (التسمية التي يطلقها الحشد على جرف الصخر)، بمحافظة بابل، ما أدى إلى مقتل مجموعة من افراد اللواء”. ودان زعيم منظمة بدر الإيرانية المدعو هادي العامري، ما أسماه “العدوان الأميركي على قواتنا الأمنية من أبناء الحشد الشعبي في جرف النصر”، مشيراً إلى أن “تزامن هذا الاعتداء مع العدوان الصهيوني على بيروت يؤكد وحدة المنهج العدواني وحجم التنسيق الواسع بين أطرافه”. وطالب الحكومة العراقية باتخاذ خطوات سريعة لإنهاء الوجود الأميركي في البلاد. لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، كشفت بعد يومين تفاصيل الضربة التي وجهتها إلى مقر تابع لـ”الحشد الشعبي” في جرف الصخر. وقالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، خلال مؤتمر صحافي، إن “الضربة كانت دفاعية، ونُفِّذَت بعد رصد هجوم على وشك الوقوع”، مبينة أن “الولايات المتحدة لن تتردد في اتخاذ التدابير الدفاعية لضمان سلامة جنودها ومصالحها في العراق والمنطقة، وأن هناك إجراءات إضافية تشمل تغييرات في وضع القوة الدفاعية الحالية والمستقبلية التي ستتخذها الوزارة لدعم حلفائها في المنطقة”، لافتة إلى أن هذه الخطوة قد تشمل “نشر قوات إضافية في المنطقة”.عقب ذلك، أعلنت وكالة تسنيم الإيرانية مقتل القائد الميداني اليمني الحوثي حسين عبد الله مستور الشعبل، أحد قادة جماعة الحوثيين، خلال تنفيذه مهمة خارج اليمن، موضحة أن “الشعبل قتل في الغارة الجوية الأميركية الأخيرة على الأراضي العراقية”. وتزيد هذه المعلومة التي ذكرتها الوكالة الإيرانية، من ترجيحات تحوّل جرف الصخر إلى موقع لتصنيع الصواريخ وتطوير الطائرات المسيّرة بإشراف زمر من الحرس الثوري . وقال مصدرين من “الحشد الشعبي”، أقرّ أحدهما بما وصفه “خصوصية” بلدة جرف الصخر، وأن شؤونها خاضعة لقرار الفصائل التي تسيطر عليها. وأكد أن “آخر مفاوضات مع الفصائل بشأن البلدة كانت قبل أقل من عام واحد، وهناك رفض لدخول الجيش والشرطة والمشاركة في الانتشار بها، أما عودة الأهالي إليها، فهو بعيد في الوقت الحالي”. فيما أكد الآخر وجود قوات من الحرس الثوري والحوثيين وعناصر من حزب الله اللبناني داخل جرف الصخر .وبعد الضربة الأميركية الأخيرة، لم يُسمح لفرق الإسعاف والدفاع المدني العراقي الدخول إلى البلدة، ومُنع أفراد تلك الفرق الآتية من مدينة المسيب المجاورة من الدخول واقتصرت عمليات الإخلاء على عناصر تلك المليشيات، وفقاً للمصدر الآخر الذي أكد وجود أكثر من قتيل غير عراقي بالضربة الأميركية الأخيرة. وبالنسبة إلى تحوّل بلدة جرف الصخر إلى منطقة ورش ومصانع للصواريخ والمسيّرات، قال المصدر إن “الحشد الشعبي، باعتباره مؤسسة عسكرية رسمية، لديه وحدة للتصنيع العسكري، وهي علنية، لكن عن صواريخ ومسيّرات الفصائل، هناك ورش خاصة بكل فصيل له وجود داخل جرف الصخر”. وأضاف ، أن “الحديث عن جرف الصخر يُعتبر من أكثر المواضيع خطورة داخل هيئة الحشد الشعبي، لأنها تحت سيطرة عدد من الفصائل التي تعتبر الأقوى من غيرها من حيث التأثير في الهيئة”. وأُغلقت بلدة جرف الصخر (تزيد مساحتها على 50 كيلومتراً مربعاً)، منذ ما يقرب من 10 سنوات بقرار من المقبور قاسم سليماني ورئاسة أركان الحشد الشعبي ، وهي تُعتبر معقل عشيرة الجنابيين العربية في العراق إلى جانب عشائر أخرى، ما زال سكانها البالغ عددهم نحو 180 ألف نسمة مُهجّرين في مخيمات ومعسكرات نزوح. وعلى الرغم من وعود متكررة لحكومات حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، بإعادتهم، إلا أن أياً منها لم يتحقق.وتخضع المدينة منذ استعادة القوات العراقية السيطرة عليها في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2014، لسلطة الفصائل المسلحة الحليفة لإيران. وانسحبت وحدات الجيش والشرطة منها بطلب من تلك الفصائل بعد أيام من السيطرة عليها، ولم تعد إليها حتى الآن، ولم تتمكن من دخولها أيضاً. وكان رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمد الحلبوسي، قد أكد في مقابلة إعلامية أن “جرف الصخر الآن معسكر للفصائل المسلحة، ولا أحد قادر على دخولها”. كذلك، أشار رئيس الحكومة العراقية الأسبق إياد علاوي، في تصريحات متلفزة، إلى أن “جرف الصخر أصبحت مستقلة فيها معامل ومصانع ومعتقلات”. وكانت هذه التعليقات تثير جماعات الفصائل المسلحة، حتى إنها شنّت هجمات إعلامية على كل من يتحدث بخصوص جرف الصخر، معتبرة إياها منطقة تشكّل تهديداً أمنياً، ولا بد من حمايتها وعدم السماح للنازحين منها بالعودة إليها. ميليشيا الحشد الشعبي حولت ناحية جرف الصخر إلى مركز تدريب وتوجيه وقيادة وسيطرة وتصنيع أسلحة متوسطة وصواريخ وتجميع مسيّرات تُصنّع في إيران”، وتعتبر جرف الصخر حاليا قاعدة إيرانية للحرس الثوري وميليشيا الحشد الشعبي الولائي وحزب الله اللبناني والحوثيين ،ولا يمكن للجيش اقتحامها لأن الحكومة بيد الحشد الشعبي الذي يسيطر أيضا على اقتصاديات البلد لصالح المشروع الإيراني .
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الأمیرکیة الأخیرة الحشد الشعبی
إقرأ أيضاً:
النهضة العلمية الإيرانية… سلاح السيادة في وجه الهيمنة ومصدر هلع للعدوان الصهيوني-الأمريكي
يمانيون | تقرير
في خضم تصاعد التوترات الإقليمية وانكشاف حجم تبعية الدول العربية للغرب، تقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية كنموذج مغاير، يترجم خياراته الاستقلالية عبر مشروع علمي شامل، لا يتوقف عند حدود المختبرات، بل يتمدد ليصبح سلاحاً سيادياً يرعب العدو الصهيوني ويستفز الإدارة الأمريكية، ويُعيد تشكيل خريطة موازين القوى في المنطقة.
ليست النهضة العلمية في إيران مجرد نتاج طبيعي لمسار أكاديمي متطور، بل هي نتاج رؤية استراتيجية تبنّتها القيادة الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م، حين قررت طهران أن معركة الاستقلال تبدأ من استعادة القدرة على إنتاج المعرفة، بعد قرون من الارتهان لنماذج تعليمية وعلمية غربية صُمّمت خصيصًا لتكريس التبعية وإدامة السيطرة.
نهضة علمية في وجه الهيمنة.. العلم بوصفه معركة تحرير
فمنذ اللحظة الأولى، أدركت القيادة الثورية أن بناء الجامعات والمراكز البحثية ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية في معركة مصيرها الاستقلال أو التبعية.. لذلك، تحول التعليم العالي والبحث العلمي في إيران إلى أولوية وطنية، فارتفع عدد الجامعات من أقل من 20 مؤسسة عام 1979 إلى أكثر من 2600 جامعة ومركز بحثي اليوم.
النتائج كانت استثنائية: في عام 1990، لم يكن لإيران أي حضور يُذكر في الأوساط البحثية العالمية، بإجمالي لا يتجاوز 800 ورقة علمية سنويًا، بينما تخطّى عدد منشوراتها العلمية في عام 2022 حاجز 78 ألفاً، لتقف في المرتبة 15 عالمياً، متقدمة على كثير من الدول الأوروبية التي كانت تُعد مراكز للعلم والابتكار.
هذا الصعود لم يكن موضع ترحيب في الغرب، بل قوبل بقلق متصاعد، لأنهم أدركوا أن دولة شرق أوسطية، مستقلة القرار، تُنتج المعرفة وتُعيد تصنيع أدوات القوة، تعني ببساطة تهديداً لأسس الهيمنة الغربية التي قامت على احتكار العلم وتصديره على شكل خدمات وسلع خاضعة للوصاية.
النووي الإيراني… العلم الذي لا يُغفر
أحد أبرز محاور القلق الغربي تمثل في البرنامج النووي الإيراني، الذي التزمت طهران فيه بخط سلمي واضح، وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. غير أن مجرد امتلاك المعرفة النووية شكّل فوبيا مزمنة لدى العدو الصهيوني وحلفائه في الغرب، لما يمثله من كسر لاحتكار طويل الأمد في أهم تقنيات العصر.
لم يتوانَ الكيان الصهيوني، بدعم أمريكي مباشر، عن استخدام كافة وسائل التخريب لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، بدءاً من عمليات اغتيال العلماء – كالعالم محسن فخري زاده – مروراً بهجمات سيبرانية كـ”ستاكس نت”، وانتهاءً بقصف مباشر لمنشآت مثل نطنز وفوردو.
هذه الحرب الخفية لم تكن تستهدف قنبلة نووية مفترضة، بل كانت تستهدف استقلالًا علميًا يخشون تمدده.
من الأرض إلى السماء.. الفضاء ساحة جديدة للمواجهة
وفي الوقت الذي كانت فيه بعض دول المنطقة تحتفل بإطلاق أقمار صناعية بتمويل أجنبي وبأيدٍ غربية، كانت إيران تطلق “أميد” عام 2009، كأول قمر صناعي صُنع بالكامل بأيادٍ محلية، دون الاستعانة بأي طرف خارجي.
هذا الإنجاز، الذي أعقبه إطلاق العديد من الأقمار مثل “فجر”، “نور”، و”سورايا”، أثار غضب الغرب وقلق العدو الصهيوني، ليس فقط لما يحمله من تطور تقني، بل لأنه يؤكد أن إيران أصبحت تملك ناصية المعرفة، وباتت قادرة على إنتاج ما كانت تستورده لعقود.
في الحسابات الغربية، الفضاء ليس فقط مجالًا علميًا، بل ميدانًا استخباراتيًا وسياديًا. لذلك، لا يُقبل بسهولة أن تدخل دولة مثل إيران نادي الدول الفضائية دون إذن أو شراكة، بل بأسلوب سيادي خالص.
تقنيات النانو.. تفوق ناعم يُربك الصناعات الغربية
ومن الفضاء إلى عالم أدقّ، تقدّمت إيران في مجال تقنية النانو، حتى أصبحت تحتل المرتبة الرابعة عالميًا من حيث عدد الأبحاث، والأولى بين الدول الإسلامية، وتُصدر منتجات نانوية متقدمة إلى نحو 48 دولة حول العالم.
اللافت أن هذا التفوق تحقق رغم العقوبات الغربية، التي حظرت توريد المواد الأولية والأجهزة المتقدمة إلى إيران، إلا أن ذلك لم يُثنِ الباحثين الإيرانيين عن مواصلة العمل، بل حفّزهم على ابتكار أدواتهم الخاصة، وبناء منظومات إنتاج محلية، ما كشف هشاشة سياسة “الخنق العلمي” الغربية، وزيف مزاعمهم حول دعم البحث العلمي في العالم الثالث.
الطب والتقنية الحيوية.. مقاومة الحصار بالابتكار
وفي ميدان الطب والتقانة الحيوية، كان التقدم الإيراني أكثر من لافت.. ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الخاضعة للهيمنة الغربية تستجدي الأدوية والمستلزمات الطبية، كانت إيران تطور تقنيات الطباعة الحيوية للعظام، وتحقق الاكتفاء الذاتي في أكثر من 95% من الأدوية، وتُصنّع 67% من المستلزمات الطبية.
كما أصبحت من بين الدول الخمس الأولى عالميًا في مجال الطب الإشعاعي، وتمتلك أكثر من 200 مركز علاجي متخصص.. وكل ذلك في ظل حصار كان يستهدف مباشرة تعطيل هذا القطاع، ومنع إيران من الحصول حتى على عقاقير الأمراض المزمنة.
الخلايا الجذعية.. ريادة في علم المستقبل
أحد أبرز إنجازات إيران العلمية يتمثل في مجال الخلايا الجذعية، حيث باتت بين الدول العشر الأولى عالميًا، والأولى إقليميًا.
وقد أنشأت العشرات من المراكز البحثية والشركات المعنية، لتدخل في سباق عالمي نحو تطوير علاجات جذرية لأمراض مستعصية، في وقت ما تزال فيه أغلب دول المنطقة تعتمد كليًا على الخارج.
العلم والعسكرة.. معادلة جديدة في ميزان الردع
النهضة العلمية الإيرانية لم تظل حبيسة المختبرات، بل وجدت طريقها إلى الصناعات الدفاعية، فكان أن طوّرت إيران طائرات مسيّرة تتفوق على نظيراتها الغربية، وصواريخ دقيقة قادرة على تغيير قواعد الاشتباك، وأنظمة حرب إلكترونية باتت ترعب منظومات الدفاع الصهيونية.
وفي المواجهة الحالية، أثبتت الطائرات المسيّرة الإيرانية والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، أنها ثمرة مباشرة لتلك النهضة العلمية التي لا تعترف بالحدود التي يرسمها الغرب، ولا تقف عند خط أحمر يرسمه العدو الصهيوني.
العدوان الحالي.. علمٌ يُقصف لأنّه سيادة
اليوم، بينما يشنّ الكيان الصهيوني عدوانًا شاملاً على الجمهورية الإسلامية، بدعم أمريكي معلن، تبرز الحقيقة الواضحة: هذا العدوان يستهدف رأس المشروع السيادي الإيراني، ويطمح إلى كسر إرادة الاستقلال التي تجسدت في المعادلة العلمية الإيرانية.
القصف الصهيوني لمواقع العلماء والمنشآت النووية، واغتيال الكفاءات البحثية، ليس معزولًا عن مشهد المواجهة الأشمل، بل هو تأكيد على أن الغرب، ومعه كيان الاحتلال، لا يخشون السلاح بحد ذاته، بقدر ما يخشون العقل الذي يصنع السلاح، والجامعة التي تنتج التقنية، والمختبر الذي يُبدع في ظل الحصار.
نهضة تكتب ملامح معركة الوعي والسيادة
النهضة العلمية الإيرانية ليست مجرد قصة نجاح أكاديمية، بل هي مشروع تحرر فكري وسياسي كامل، يستهدف اقتلاع جذور التبعية من العمق، ويطرح نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه دولة ذات سيادة حقيقية في الشرق الأوسط.
ولهذا، لا تُغفر لطهران هذه القفزات، ولا يُسامح علماؤها، ولا يُسمح لمختبراتها أن تعمل بسلام، لأنها تكشف زيف الصورة التي روّجها الغرب لعقود: أن المعرفة لا تُولد إلا في واشنطن وباريس وتل أبيب.
لكن إيران، في قلب الحصار والعدوان، قالت كلمتها: السيادة تبدأ من العقل، والمواجهة الحقيقية تُخاض بالعلم، ومن يمتلك أدوات الابتكار لا يمكن أن يُهزم، حتى وإن تواطأ عليه العالم.