الأسرة والمراهقة.. تحديات وحلول
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
الجو الأسري هو أحد العوامل الأساسية التي تُسهم بشكل كبير في تنشئة الأبناء؛ حيث يلعب دورًا محوريًا في بناء شخصيتهم وتوجيههم نحو النجاح، لكنَّ هذا الدور يتأثر بمجموعة من الجوانب المتعلقة بالبيئة التي ينشأ فيها الطفل، ومنها البيت نفسه، العلاقة بين أفراد الأسرة، والظروف المُحيطة.
وبالرغم من التفاوت الكبير بين الأسر من حيث الإمكانيات المادية والثقافية، نجد أنَّ بعض الأسر، رغم قلة الموارد، تحقق نجاحًا ملحوظًا في تربية أبنائها، سواءً على المستوى الأدبي، الأخلاقي، أو التعليمي.
ومن هنا يبرز التساؤل: هل البيئة الأسرية هي العامل الأساسي في نجاح الأبناء؟ أم أنَّ البيئة المجتمعية المحيطة هي العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد مسارهم ومستقبلهم؟
من وجهة نظري، أن البيئة الأسرية تظل العامل الأساسي والأهم في تحديد الناتج النهائي للتربية. فالعلاقة الأسرية وطريقة التوجيه داخل المنزل هي التي تحدد بشكل كبير كيفية تكوين شخصية الأبناء وتوجهاتهم.
على سبيل المثال، عندما يتم توجيه الأبناء بأسلوب يعتمد على الشدة والحزم المفرطين، خاصة في فترة المراهقة، قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية؛ فالمراهقة مرحلة حساسة يمر فيها الأبناء بتغيُّرات جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة، تجعلهم أكثر عرضة للعناد والتَّمرد. ولهذا السبب، يجب أن تكون الأسرة على دراية كاملة بكيفية التعامل مع هذه المتغيرات بطريقة تضمن تحقيق التوازن بين التوجيه والانضباط، وبين تفهم احتياجات الأبناء في هذه المرحلة الصعبة.
لا شك أنَّ الظروف الأسرية مثل الترابط بين أفراد الأسرة أو وجود مشاكل متكررة بين الوالدين تسهم بدور كبير في تحديد أنماط الحياة لدى المراهقين، وبالتالي، تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على تحديد أهدافهم والعمل على تحقيقها؛ سواءً كان ذلك في الجانب المجتمعي أو الأخلاقي أو التعليمي. لكن، لا يُمكن تجاهل تأثير البيئة المجتمعية والعادات والتقاليد الاجتماعية التي تحيط بالمراهقين، والتي تمارس دورًا محوريًا في تشكيل سلوكياتهم.
من ناحية أخرى، نجد أنَّ دور الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح ذا تأثير كبير على الأبناء، وبالتالي، يتعين على الأسرة أن تتعامل بذكاء مع هذا التأثير الخارجي. لهذا، أرى أن الحل الأمثل للتغلب على تحديات مرحلة المُراهقة يتطلب عدة خطوات مهمة:
يجب إيجاد بيئة حوار مفتوحة بين أفراد الأسرة؛ فالحوار هو الأساس في حل المشكلات وتوجيه الأبناء بطريقة تجعلهم يشعرون بالانتماء والفهم. وينبغي تقليل استخدام أساليب الشدة والحزم إلا في المواقف التي تتطلب ذلك. من الضروري أن تكون للأسرة دراية كاملة بأصدقاء أبنائها؛ فمعرفة أخلاقيات هؤلاء الأصدقاء وتوجيه الأبناء بشكل مرن يمكن أن يساعد في تجنب التأثيرات السلبية دون اللجوء إلى منع التواصل بشكل قاطع، الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية. يجب على الوالدين محاولة تجنب المشاكل بينهما أمام الأبناء؛ فالاستقرار الأسري وخلق بيئة تفاهمية بين الوالدين يسهم بشكل كبير في تكوين شخصية الأبناء بشكل سليم. من المهم عدم توجيه النصح أو اللوم للأبناء أمام أصدقائهم أو حتى إخوتهم؛ لأنَّ مثل هذه التصرفات قد تؤدي إلى شعور الأبناء بالإحراج، مما قد يؤثر سلبًا على علاقتهم بوالديهم. ينبغي على الأب أن يتقرب من أبنائه، مستخدمًا لغة الحوار بدلًا من لغة العتاب واللوم؛ فالتقارب بين الأب وأبنائه يُعزز من قدرتهم على استيعاب التوجيهات الأبوية بشكل أفضل. يجب على الأسرة خلق روح تنافسية إيجابية بين أفرادها؛ فالتنافس داخل الأسرة يمكن أن يكون دافعًا قويًا لتحقيق النجاح والتفوق. من الضروري عدم منح أحد الأبناء الأكبر سنًا السلطة التامة داخل الأسرة؛ فالسلطة المطلقة قد تؤدي إلى خلق توترات بين الإخوة، مما يُضعف من ترابطهم ويؤثر سلبًا على الجو الأسري.ويمكن القول إنَّ الأساليب التربوية متنوعة وكثيرة، لكن نحن كأولياء أمور يجب علينا تحديد الأسلوب الأمثل لتربية أبنائنا بناءً على فهم عميق للظروف المحيطة بهم، وكذلك معرفة طبيعة كل ابن من حيث رغباته وهواياته. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد الأبناء يعاني من العناد والتمرد، خصوصًا في مرحلة المراهقة، يجب التعامل معه بحكمة، من خلال منحه مساحة من الحرية مع المراقبة غير المباشرة، والتوجيه المبني على الحوار.
وعليه.. فإني أوجه رسالتين مهمتين جدًا؛ الأولى للوالدين، وهي أن مرحلة المراهقة هي تحدٍ كبير يجب التعامل معه بصبر وحكمة؛ فالمناشط المتنوعة، سواء في المنزل أو في المجتمع، مثل الحلقات التعليمية والبرامج الترفيهية، يمكن أن تسهم في تحقيق النجاح في هذه المرحلة.
أما الرسالة الثانية، فهي للأبناء؛ إذ أدعوهم إلى مواجهة هذه المرحلة بعقلانية، بعيدًا عن العاطفة التي قد تجرهم إلى مستقبل مظلم، ويجب عليهم أن يدركوا أن توجيهات والديهم صادقة وتهدف إلى إيصالهم إلى مستقبل أفضل، وأن يتذكروا دائمًا أن أعظم محبيهم هم والديهم.
وأختم بالقول.. علينا جميعًا أن نعمل بقول الله تعالى "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". (الإسراء:23).. فتقدير الوالدين واحترام توجيهاتهم هو الطريق الأكيد للنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
ملتقى بمسقط يناقش تحديات دمج حقوق الإنسان في الممارسات التجارية
استعرض ملتقى الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، الذي نظمته اللجنة العمانية لحقوق الإنسان بفندق كراون بلازا العرفان اليوم، الجهود الوطنية الرامية إلى ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية في بيئة العمل، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، كما ناقش التحديات الناشئة في دمج حقوق الإنسان في الممارسات التجارية. رعى الملتقى معالي قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وبمشاركة واسعة من ممثلي الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني، إلى جانب عدد من المنظمات الأممية والمؤسسات الأكاديمية.
يسعى الملتقى إلى تعزيز الحوار المتعدد الأطراف بين المعنيين ببيئة الأعمال، وتوسيع نطاق الوعي بالمبادئ الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتبادل أفضل الممارسات الوطنية والإقليمية في هذا المجال، واستعراض التجارب المؤسسية الناجحة، واقتراح السبل الفاعلة لمعالجة التحديات ومواءمة التشريعات المحلية مع المعايير الدولية.
وقال الدكتور راشد بن حمد البلوشي، رئيس اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان في كلمة له: في عالم يشهد تسارعًا لافتًا في التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، لم تعد الممارسات التجارية بمعزل عن المسؤوليات الحقوقية، ولم يعد من الممكن فصل النشاط الاقتصادي عن القيم التي تحفظ كرامة الإنسان وتصون حقوقه الأساسية، فمن دون منظومة حقوقية واضحة، تتصدع العلاقة بين رأس المال والمجتمع، ويتحول النمو الاقتصادي إلى مسار منفصل عن مبادئ حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن سلطنة عُمان أدركت مبكرًا هذا الترابط العميق، فجاء النظام الأساسي للدولة ليؤكد على صون حقوق الإنسان، وضمان الحريات، وتحقيق العدالة، في إطار من التوازن بين حرية ممارسة النشاط الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية، كما رسّخت «رؤية عُمان 2040» هذا التوجّه من خلال تركيزها على بناء اقتصاد تنافسي، مرن، يقوم على مبادئ الحوكمة، والمسؤولية، والاستدامة، واحترام حقوق الإنسان، مؤكدا على أن اللجنة تؤمن بأن تعزيز حضور حقوق الإنسان في بيئة العمل ضرورة استراتيجية تسهم في استدامة التنمية، وتعزيز الثقة بين المستثمر والمستهلك، وبين العامل وصاحب العمل، وبين المؤسسة والمجتمع، مشيرا إلى أن هذا الملتقى يهدف إلى تعزيز وضع سلطنة عمان لدى الفريق المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة واقتراح استراتيجيات تعنى بمناقشة التحديات في مجال الأعمال التجارية وحقوق الإنسان واستعراض التقدم الذي أحرزته في هذا الاتجاه.
وأضاف: لمسنا نماذج مشرقة سواء على مستوى سياسات التوظيف، أو المبادرات المؤسسية لدعم الفئات الأولى بالرعاية، أو تبنّي ممارسات تضمن حقوق الإنسان في بيئة العمل، بالإضافة إلى دمج المعايير الحقوقية في استراتيجيات الحوكمة المؤسسية، واعتماد معايير الشفافية والمساءلة في سلاسل التوريد والإنتاج، إلى جانب الحرص على تطوير الكفاءات الوطنية في مجالات الامتثال الحقوقي والممارسات التجارية المسؤولة.
وشهد حفل الافتتاح إطلاق المبادرة الوطنية لتوظيف عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص؛ حيث تسعى المبادرة إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من النفاذ إلى فرص العمل في مؤسسات القطاع الخاص، وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز في التوظيف، بما يعزز إدماجهم في بيئات العمل بصورة عادلة ومنصفة، كما تسعى المبادرة إلى ربط مخرجات الملتقى بتوجهات عملية تسهم في دعم حقوق ذوي الإعاقة داخل سوق العمل، وتساعد في تحقيق النسبة الوطنية المستهدفة لإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في التوظيف.
وتتوزع أعمال الملتقى على خمس جلسات رئيسية تُعقد على مدى يومين، وتُعرض خلالها خمس عشرة ورقة عمل علمية تتناول محاور متنوعة تشمل التشريعات الوطنية، ودور القضاء، وسياسات المؤسسات التجارية، والتجارب الميدانية لعدد من الشركات والمؤسسات الأكاديمية، حيث جاءت الجلسة الأولى بعنوان «نظرة عامة على الأنظمة الدولية والوطنية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان»، وتضمنت مناقشة 4 أوراق عمل وشملت على عدة محاور منها تقديم نظرة عامة على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، ودور «رؤية عمان 2040» في تمكين الأعمال ودعم حقوق الإنسان في سلطنة عمان، إلى جانب عرض الإطار التشريعي لحماية حقوق العمال، ودور مؤسسات التعليم العالي في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في بيئة الأعمال: جامعة السلطان قابوس نموذجا.
واستعرضت الجلسة الثانية دور القضاء في حماية حقوق الإنسان في الأعمال التجارية، ودور غرفة تجارة وصناعة عمان في تعزيز حقوق الإنسان في بيئة الأعمال التجارية، إضافة إلى مناقشة جهود هيئة حماية المستهلك في تعزيز الممارسات التجارية العادلة، وسياسات وممارسات شركة أوريدو في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئة الأعمال.
وقالت الدكتورة كوثر الخايفية، خبيرة تخطيط استراتيجي باللجنة العمانية لحقوق الإنسان: من أهم الموضوعات المتعلقة بالأعمال التجارية التي تركز عليها اللجنة هي توفير ضمانات قضائية لسرعة حل النزاعات بين الشركات، وعمل آليات تمنع تجاوزات حقوق الإنسان لدى الشركات وتضمن التعويضات، إضافة إلى دعم وحماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيرة إلى ضرورة الوعي بأهمية الحماية من الفصل التعسفي والإساءة في بيئة العمل، والتوعية بالسلامة والصحة المهنية والتوازن بين العمل والحياة والإجازات مدفوعة الأجر.
من جانبه قال الدكتور سعود بن طالب الجابري، رئيس المحكمة الابتدائية بلوى: إن المجلس الأعلى للقضاء يضطلع بدور فعال في إنقاذ حقوق الأفراد وتطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان منها حقهم في الحياة بكرامة، ومبدأ المساواة وعدم التمييز في الحقوق والواجبات، ولعب دورا رقابيا حيويا ومفصلا في حماية الحقوق في الأعمال التجارية كالرقابة القضائية على القرارات الإدارية، والرقابة على تنفيذ الالتزامات القانونية للشركات.