توالي العقوبات الهشة على اليمن.. أكبر أدلة العجز الأمريكي عن مداراة الهزيمة
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
يمانيون – متابعات
مَن يحاولُ أن يغطِّيَ قُرْصَ الشمسِ بغرباله سيكونُ حالُه حالَ أمريكا، بعد مسلسلٍ طويلٍ من الإخفاق في مواجهة اليمن على أكثر من صعيد، من أبرزه الصعيد العسكري.
تشيرُ معطياتُ اليوم إلى التقاطع مع رغبات أمريكا وأهواء السياسة الأمريكية العجوز، في قرن لم يعد يسير في ركاب الهيمنة الأمريكية أَو يسايرُ النفوذَ الغربي المهترئ، بدءًا من القارة السمراء، ومُرورًا بالمنطقة والإقليم.
اليومَ تُطِلُّ الولاياتُ المتحدة الأمريكية بقصةِ عقوبات جديدة هَشَّةٍ، تحاول أن تصنعَ من خلالها موضوعاً لاستعادة القليل من هيبة واشنطن بعد أن أُريقَ ماءُ وجهِها على صفحاتِ مياه اليمن الإقليمية وما بعدَها.
قبلَ أَيَّـام قلائلَ، أطلقت الخزانة الأمريكية عقوباتٍ ترتبطُ باليمن ولبنان، وعلى علاقةٍ رئيسةٍ بحرب غزة والأراضي الفلسطينية المحتلّة.
وزارةُ الخزانة الأمريكية أعلنت أواخرَ الأسبوع الماضي عن عقوباتٍ على شركات وسفن نقل مشتقات نفطية تتعامل مع اليمن ولبنان، ذات ارتباط بالإمارات وماليزيا وهونج كونج.
تنظر الولايات المتحدة إلى هذه العقوبات التي يمكن تجاوُزُها على أنها محاولةٌ لإبقاء هالة الحضور الأمريكي في الساحة الدولية، حَيثُ الإعلامُ الدولي يتناولُ اليومَ حقيقةَ اقترابِ أفول شمس الولايات المتحدة كقوة عالمية منفردة ومهيمنة على العالم ما قبل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مستندًا في جزء من قراءته على واقعِ المواجهات الأمريكية الغربية مع اليمن في البحار والمحيطات ونجاح اليمن منقطع النظير في استمرار حصار موانئ الكيان الإسرائيلي، ومعه لجم جماح الغرور الأمريكي، وكسر هيمنة بحريتها التي تقتربُ من الثمانين عاماً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبالنظر إلى سلسلة العقوبات الأمريكية المتوالية، يظهرُ حجمُ الإخفاق في اعتماد واشنطن على هذه السياسة العقيمة؛ فمنذ 17 يوليو الماضي وحتى اليوم، تتحدث واشنطن عن ثاني عقوبة على عناصرَ وسفنٍ ترتبط بتوفير بعض احتياجات اليمن من السلع والمشتقات النفطية، غير أن الواقعَ يشيرُ إلى محاولةٍ لخلق موضوع مستجَدٍّ يصرِفُ النظرَ ويؤثِّرُ في تناول العالم لحالة الإخفاق الأمريكي أمام اليمن مؤخّراً.
والواقعُ أن الولايات المتحدة اليوم لا تجد ما تعبِّرُ به عن خيبة الأمل في ما وصلت إليه سوى أن تُطلِقَ لإعلامها الواسع النفوذِ اليدَ للحديث عن زخم حضور وتأثير كاذِبٍ يطالُ معارضي النفوذ الأمريكي حول العالم بما فيه اليمن.. إنها تستعيضُ عن عُنصر القوة الذي تفتقدُه اليوم بقوة الإعلام وإضفاء ما أمكن من تأثيرٍ خادعٍ على حقيقة المشهد.
وفي محاولةٍ يائسةٍ للتأثير على القرار اليمنى حولَ حربِ غزةَ والسعي الخجول لإضعاف إسناد اليمن وإسناد حزب الله للمقاومة الفلسطينية في غزة والأراضي المحتلّة، سَمَّت الخزانةُ الأمريكية في 15 تموز/ يوليو ”شبكاتٍ تجاريةً” تتعامل مع حكومة صنعاء وحزب الله في لبنان وضمت ناقلاتِ “البترول والنفط”، كناقلة غاز البترول LPG OM-بالاو، وناقلة المنتجات DIVINE POWER ملك شركة DP Shipping Limited-جزر مارشال. وسمَّت شركاتٍ مثل شركة “كاي هينغ لونغ غلوبال إنيرجي المحدودة” -هونغ كونغ، وشركة Transmarine Navigation””-ماليزيا، وشركة “KDS Shipping Limited”، وشركة “ONX Trading FZE”-الإمارات، وشركة موانئ دبي للشحن المحدودة – الإمارات، وشركة ترانسمارين “-الإمارات، وشركة كي إف دي للتجارة العامة -الإمارات، حَيثُ تظهر غالبيةُ هذه الشركات في الإمارات.
والواضح أن واشنطن لم تستوعبْ حتى اليوم مدى الإخفاق الذي وصلت إليه؛ فمع حربِ غزةَ أطلقت الولايات المتحدة يدَ برنامج الغذاء لوقف المساعدات عن الفقراء والمتضررين من العدوان والحصار المتعدد الأطراف: -أمريكي، بريطاني، سعوديّ، إماراتي- المفروضِ على اليمن منذ تسعة أعوام.. ومع إعادتها لتصنيف نظام صنعاء بالإرهاب، عبرت القيادة في صنعاء عن عدم اكتراثها بعقوبات أمريكا، حَيثُ مساومات الأمريكيين لصنعاء بوقف استهداف سفن الموانئ الإسرائيلية، مقابل صرف النظر عن تصنيف أنصار الله، عقيمةٌ وتنُمُّ عن جهلٍ بحقيقة الدور اليمني المسانِدِ لغزةَ والذي يتصف أَسَاساً، على أنه واجبٌ ديني قبل أن يكونَ موقِفًا أخلاقيًّا إنسانيًّا.
ويبدو الفشلُ ظاهرًا من توالي العقوبات الأمريكية ومحاولات واشنطن الزجَّ بالرياض وأبو ظبي لمساعدتها في تنفيذ العقوبات بما فيها قصةُ نقل البنوك التجارية وشركات الاتصالات والنقل، حَيثُ الواقعُ قدَّم قراءةً مغايرة ومهمة للجميع أن ليس من السهل بعد اليوم الاستمرارُ في معاقبة الشعب اليمني والاقتصاد الوطني لهذا البلد.
لقد كان قرارُ صنعاءَ منعَ تصدير النفط لصالح مرتزِقة السعوديّة والإمارات أولى خطوات تغييرِ معادلة اللعب بأوراق الاقتصاد ضمن سياسة الحرب الشاملة على اليمن ونظام المجلس السياسي الأعلى وقياداته الثورية.
ومع هذا التوجُّـهِ الأمريكي المنفرد “بعيدًا عن استخدام الرياض وأبو ظبي”، في فرض أية عقوبات، يظهرُ مدى تضاؤل الخيارات الأمريكية ومحدوديتها في محاولات كسر إرادَة اليمنيين لوقفِ حصار سفن الكيان المؤقَّت، حَيثُ تتخبط واشنطن في إطلاق العقوبات والتهديدات، بينما الواقعُ يشيرُ إلى حقائقَ مختلفةٍ، تعزِّزُ من موقف صنعاء وتوجُّـهها، دون أن ينال الإجراءُ الأمريكي من مكانة وقوة صنعاء التي باتت حديثَ خبراء العالم العسكريين على وجه الخصوص، وتسجيل قهر رمز القوة الأمريكية حاملة الطائرات “آيزنهاور”، باسم القوات المسلحة اليمنية، ثم مغادرة القطع البحرية البريطانية لمياه البحر الأحمر وخليج عدن، وتأكيد العجز الأمريكي الغربي في مواجهة اليمن بحريًّا، وفرض الأخيرة للسيادة على البحر الأحمر وباب المندب، بما لم يكن ممكنًا تخيُّلُه في أسوأ كوابيس الولايات المتحدة وأكثرها تشاؤمًا، وحيث يأتي الحديثُ عن العقوبات كمحاولةٍ لإظهار شيء من ضَعف صنعاء بأي حال من الأحوال، في نطاقٍ إعلامي واسع، رغم أن الأمر لن يكونُ أكثرَ من صورةٍ من صُوَرِ استخدامِ أمريكا الكذبَ لمحاولة خِداعِ العالم الجديد وقد بات يدركُ كثيرًا من حقائق العجز الأمريكي في نطاق جغرافية اليمن.
ومع توالي العقوبات السياسية بتجميد مفاوضات السلام وتصنيفِ صنعاء بالإرهاب منذ 18 يناير الماضي مع إعطاء مهلة الشهر، وتوالي العقوبات الاقتصادية، من برنامج الغذاء إلى البنوك،… كُـلُّ ذلك من تفعيل واشنطن لهذه الأوراق وغيرها دليلاً على فشلها العسكري في تحقيق أهدافها؛ فهي لم تكُنْ بحاجة لاستخدام كُـلّ هذه الأوراق لو نجحت عسكريًّا.
الحربُ الاقتصادية لن تُضعِفَ اليمنيين:
تأكيدًا لذلك يقولُ الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة المالية بحكومة التغيير والبناء، الدكتور أحمد حجر، في تحليلٍ للعقوبات الأمريكية الأخيرة، ومدى تأثيرها على اليمن: “إن الإدارة الأمريكية استنفذت أدواتِ الحرب الاقتصادية خلال عشر سنوات رغم آثارها السلبية على مختلف مجالات الاقتصاد القومي ومناحي الحياة الاجتماعية”.
ويرى أن “واشنطن لجأت إلى آخرِ أوراق الحصار الاقتصادي بعد أن فشلت عسكريًّا ودبلوماسيًّا في ثني صنعاء عن مناصَرة سكان غزه ضد العدوان الوحشي لمحور الصهيونية العالمية؛ وذلك كون المشتقاتِ النفطية تمثل مدخلاً أَسَاسيًّا لمعظم الأنشطة الاقتصادية والخدمات الضرورية للمجتمع، وبالتالي زيادة معاناة أبناء المجتمع اليمني وهروب رأس المال؛ مما يدفع المجتمعَ ليكونَ أدَاة ضاغطة على متخذ القرار، وبالأخص في ظل وجود مفاوضات لإنهاء الصراع في المنطقة”.
ويرى الدكتور حجر “أن صبرَ وتحمُّلَ المجتمع اليمني تداعياتِ العدوان والحصار وتلاحُمَ كافة أبناء المجتمع في التصدي له إلى جانب إمْكَانية إيجادِ العديد من البدائل، المتاح الاعتماد عليها، حَــدَّ من تداعيات الحرب الاقتصادية، وفي مقدمة تلك البدائل الاتّجاهُ نحوَ الدخول في إنعاش العديد من الأنشطة الاقتصادية، وبالأخص في قطاع الزراعة والمشاريع الصغيرة، وكذا الحد من استهلاك العديد من السلع المستوردة، ومعها اتِّخاذ الحكومة قراراتٍ للتخفيف من آثار الحرب العدوانية”.
ورغمَ أن قرارَ العقوبات الأخير يرتبطُ بسفن إماراتية في غالبها، يقولُ الدكتور حجر: إنه “في كُـلّ الأحوال تظل الإماراتُ عبدًا مملوكًا لأسياده الأمريكان والإسرائيليين”. ومع هذا لن يكون بمقدورهم فعلُ الكثير، فالواقع يجعلنا نتفاءلُ بفشل هذه العقوبات مثل سابقاتها، خَاصَّة إذَا ما علمنا بوجود بدائلَ عديدة تساعدُ في الحد من الآثار السلبية المتوقَّعة لهذه العقوبات، مثل الاستيراد من دول أُخرى، وبالأخص من الدول المتعاطفة مع المجتمع اليمني بدلاً عن الاستمرار في الاستيراد من دول العدوان، إلى جانب حَثِّ المجتمع كما أشرنا على الحد من استهلاك العديد من السلع المستوردة، إلى جانب الاستيراد من الدول المتاح الاستيراد منها بدون الدولار كروسيا والصين وربما مقابل تصدير بعض السلع اليمنية ذاتِ القدرة التنافسية المرتفِعة كالعسل والبُن وبعض الخُضار والفواكه”.
– المسيرة – إبراهيم العنسي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الاستیراد من العدید من على الیمن مع الیمن
إقرأ أيضاً:
سوريا ورفع العقوبات.. هذه خفايا القرار وخطوة واشنطن المقبلة
في خطوة مفاجئة مثّلت تحولا كبيرا في السياسة الأميركية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته هذا الأسبوع إلى الشرق الأوسط، رفع العقوبات عن سوريا، ما أدى إلى حالة استنفار داخل أروقة الحكومة الأميركية لتنفيذ القرار، وفقا لثلاثة مصادر مطلعة، تحدثت لشبكة "سي إن إن".
وكانت إدارة ترامب قد أجرت اتصالات سرية خلال الأشهر الماضية تمهيدا لتخفيف العقوبات، بما في ذلك استعدادات للقاء محتمل على مستوى عالٍ مع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، إلا أن الإعلان عن الرفع الكامل والسريع للعقوبات فاجأ بعض المسؤولين.
وقال مصدر مطلع على المناقشات: "هذا القرار لم يكن مرتجلا، فقد نوقش لعدة أشهر، لكن ترامب تجاوز بكثير ما كان قيد الدراسة على المستوى الفني".
وفي محاولة لتوضيح آليات تنفيذ القرار، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو بعد نحو 24 ساعة من تصريحات ترامب أن الإدارة ستصدر إعفاءات من العقوبات المفروضة بموجب القانون الأميركي.
وصرّح روبيو: "نأمل أن نصل إلى مرحلة يمكن فيها إلغاء القانون كليا، لكننا لم نصل إلى ذلك بعد".
ومن المتوقع أن تستغرق المراجعة الفنية للعقوبات عدة أسابيع، رغم أن القانون لا يقيّد صلاحيات الإدارة في إصدار إعفاءات عامة، حسب ما أفاد مسؤولون.
وأوضح مسؤول في وزارة الخزانة أن الوزارة ستصدر قريبا تراخيص عامة تشمل قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري، في إطار جهود إعادة الإعمار.
ترامب يتجاهل اعتراضات إسرائيل
خلال الإعلان عن رفع العقوبات في العاصمة السعودية الرياض، أبرز إعلان ترامب الدور الكبير الذي لعبته السعودية وراء الكواليس، حيث دفعت باتجاه رفع العقوبات باعتبار أن ذلك سيساهم في إنعاش الاقتصاد السوري واستقرار المنطقة.
كما دعمت تركيا هذه الجهود، حيث كانت على علم بالاتصالات الجارية بين واشنطن ودمشق.
وأكدت مصادر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناقش الأمر مع ترامب، وشارك في الاجتماع مع الشرع بشكل افتراضي.
لكن ليس جميع حلفاء واشنطن في المنطقة كانوا مؤيدين للقرار، فقد عبّرت إسرائيل عن معارضتها له.
ونقل مسؤول إسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من ترامب خلال لقائهما في أبريل عدم رفع العقوبات، محذرا من تكرار سيناريو هجوم 7 أكتوبر 2023.
وردّ ترامب لاحقا بالقول: "لم أطلب رأي إسرائيل... شعرت أن هذا هو القرار الصائب".
اتصالات أميركية سورية سبقت القرار
سبق لقاء ترامب بالشرع سلسلة من الاجتماعات بين مسؤولين أميركيين ونظرائهم السوريين منذ مارس الماضي، في باريس وواشنطن ونيويورك.
وشارك في هذه اللقاءات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير المالية، حيث ناقشوا مع الجانب الأميركي خارطة طريق تتضمن التعاون في مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية.
كما سعت شخصيات من الحكومة السورية الجديدة للتواصل مع أطراف خارج الحكومة الأميركية، ضمن ما وُصف بـ"الهجوم الدبلوماسي الناعم" لتغيير صورة النظام.
في المقابل، أبدى بعض مسؤولي الإدارة الأميركية تحفظا، وعلى رأسهم مستشار البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا، والمبعوث السابق إلى سوريا جويل رايبورن.
وعبّر غوركا عن شكوكه قائلا: "نادرا ما يتغير الجهاديون بعد انتصارهم".
وفي مقابلة مع موقع "بوليتيكو"، وصف غوركا لقاء ترامب مع الشرع بأنه "عبقري"، لكنه شدد على أهمية إشراك الأقليات في الحكم ومكافحة تنظيم داعش.
فرص وتحديات في طريق العلاقة الجديدة
ويقرّ المسؤولون الأميركيون بأن الطريق نحو علاقة طبيعية مع حكومة الشرع سيكون طويلا ومعقدا.
وأشار روبيو إلى أن حكومة الشرع أعربت عن التزامها بمبادئ المجتمع الدولي، بما في ذلك حكومة شاملة، وسلام مع إسرائيل، والقضاء على الإرهاب.
ووفق روبيو: "نحن في بداية الطريق. لم يمض على معرفتنا بهم سوى 24 ساعة، لكن إذا نجحت هذه الخطوة، فستُحدث تحولا تاريخيا في المنطقة".