Euroviews. هل يُشكّل الجوع السلاح الأكثر فتكًا في الصراعات الحديثة؟
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
يجد الطاهي أندريس توريس أن حجم المجاعة على الصعيد الدولي هو دليل على فشلنا الجماعي حتى الآن في الوفاء بالتزاماتنا الإنسانية.
وفي القرن الخامس الميلادي، كتب صن تزو عن كيفية استخدام التجويع كتكتيك حرب، لتجويع العدو حتى ييأس من الاستسلام. وبينما تغيرت الجوانب الأخرى للحرب، وانتقلت من الخيل إلى الدبابات والسيوف ثمّ إلى المدافع الرشاشة، يبدو أن طرق استهداف الاحتياجات الأساسية التي تساعد في البقاء على قيد الحياة لا تزال مستخدمة.
فحوالي 783 مليون شخص حول العالم لا يحصلون على ما يكفي من الطعام، ويعيش أكثر من 85% من هؤلاء الأشخاص في البلدان المتأثرة بالنزاعات. ويبدو أن هذه ليست مصادفة، فالمعتدون يستخدمون التجويع عمدًا في مناطق النزاع من غزة وأوكرانيا إلى اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
في العام 2018، أصدرت الأمم المتحدة القرار 2417، الذي يعترف بالصلة بين النزاع والمجاعة. واليوم، لا يزال النزاع هو المحرك الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن.
الجوع "سلاح فتّاك"لا بدّ من الجهات الرئيسية الفاعلة مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الاعتراف بأن الجوع يتحوّل إلى سلاح. ورغم أننا شهدنا ارتفاع كبيرة في الأموال المخصصة للمساعدات الغذائية الإنسانية، لا سيما في أوكرانيا، إلا أن عدم الاعتراف بهذه الصلة لا يزال يعيق الدعم الفعال.
لا تزال المفاوضات بشأن المساعدات الإنسانية تثير الشكوك حول قيمة المساعدات الغذائية على المدى الطويل مقارنةً بأنواع المساعدات الأخرى، ومع ذلك فإن معالجة انعدام الأمن الغذائي هو جوهر الحل.
في آب/أغسطس، أشار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى أن التجويع المتعمد لسكان غزة يمكن أن يكون ”مبررًا وأخلاقيًا“ لتحقيق أهداف البلاد، وذلك في أعقاب اتهام المحكمة الجنائية الدولية للقيادة الإسرائيلية باستخدام الجوع عمدًا كتكتيك حرب.
وقد أدت الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية وتدمير البنية التحتية الحيوية إلى إعلان خبراء الأمم المتحدة عن مجاعة في جميع أنحاء غزة.
وقد وُصفت وفيات الأطفال في جميع أنحاء القطاع بسبب سوء التغذية والجفاف بأنها جزء من ”حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل".
وقد واجهت روسيا اتهامات مماثلة في نزاعها مع أوكرانيا، حيث تعمدت تدمير نقاط توزيع المساعدات وتقييد إيصال المساعدات الإنسانية، على سبيل المثال، إلى ماريوبول أثناء هجومها على المدينة في أوائل عام 2022، مما ترك المواطنين دون الحصول على الغذاء أو مياه الشرب الآمنة.
Relatedفيديو: 5 أشهر كاملة من الحرب على غزة.. إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح ومشاهد كارثية للنازحين والجوعىشاهد: تحول إلى هيكل عظمي.. مقتل 15 طفلا فلسطينيا بسبب الجوع والجفاف من بينهم يزن الكفارنة حرب غزة في يومها ال165: شمال القطاع بين مخالب الجوع ونتنياهو ماض في تهديداته بشأن الهجوم على رفحاستغلال أزمة الجوعفي السودان، يغرق أكثر من 2.5 مليون سوداني في ”أسوأ أزمة جوع في العالم"، حيث تواصل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تجويع المدنيين العالقين بينهما خلال النزاع الدائر منذ أكثر من عام ويتهم الطرفان بعضهما بعرقلة إيصال المساعدات.
وتقدر منظمة ”أنقذوا الأطفال“ أن ثلاثة من كل أربعة أطفال سودانيين يعانون الآن من الجوع يومياً. ويتم استغلال هذا الجوع في حد ذاته، إذ يتم إغراء الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية للانضمام إلى الجماعات المسلحة مقابل الطعام، ثم يُطلب منهم المشاركة في أعمال عنف مروعة.
وعلى الرغم من هذه الكارثة الإنسانية، إلا أن الاستجابة الدولية لم تواكب الحاجة. فبينما تم التعهد بتقديم ملياري دولار أمريكي في مؤتمر مخصص في نيسان/ أبريل 2024، تم تخصيص أقل من نصف هذا المبلغ للمساعدات الإنسانية.
وتشير التقديرات إلى أن 60% من الوفيات في الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمن في اليمن ناتجة عن المجاعة. ومع ذلك، فقد انخفضت جهود جمع التبرعات الإنسانية في عام 2023 عن الهدف الذي حددته الأمم المتحدة بمبلغ 3.1 مليار دولار.
وخلال عام 2023، أدى النقص في التمويل إلى سحب المساعدات الغذائية من 10 ملايين أفغاني بين أيار /مايو وتشرين الثاني/ نوفمبر.
وفي نهاية المطاف، إن السبيل الوحيد لإنهاء مجاعة النازحين بسبب العنف هو تأمين السلام والاستقرار الدائمين، ويجب أن تُعطى أي خطة طويلة الأجل الأولوية لجهود بناء السلام. وكذلك بالنسبة للوقاية من الوفيات الناجمة عن المجاعة، فهي تتطلب اتخاذ إجراءات فورية وعملية وفعالة.
مع وصول الصراع إلى مستويات عالية بعد الحرب العالمية الثانية، يتزايد انعدام الأمن الغذائي عاماً بعد عام. وإن الحماية من الجوع وسوء التغذية حق أساسي من حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك حول موثوقية الحلفاء الرئيسيين، من الضروري أن يثبت الاتحاد الأوروبي على موقفه ويواصل السعي نحو القضاء على الجوع. وإن حجم المجاعة على الصعيد الدولي هو شهادة على فشلنا الجماعي حتى الآن في الوفاء بالتزاماتنا الإنسانية.
وبطبيعة الحال، فإن توفير المساعدات الإنسانية الضرورية أمر في غاية الصعوبة، ولكنه ليس مستحيلاً. كما أنه ليس أمراً اختيارياً، حيث أن حياة الملايين من الناس الذين يعيشون في أشد الحالات بؤساً تعتمد على ذلك.
كتب هذا المقال الطاهي أندريس توريس، وهو مؤسس المنظمة غير الحكومية ”غلوبال هيومانيتاريا“ ومالك ورئيس الطهاة في مطعم ”كاسا نوفا“ الحائز على نجمة ميشلان الخضراء في سانت مارتي ساروكا في برشلونة. وقد حصل على جائزة الباسك العالمية للطهي لعام 2024 تقديراً لتأثير طبخه وجهوده في مجال الاستدامة والعمل الإنساني.
المصدر: euronews
كلمات دلالية: فرنسا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قتل قطاع غزة غزة فولوديمير زيلينسكي فرنسا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قتل قطاع غزة غزة فولوديمير زيلينسكي حروب أفغانستان الغزو الروسي لأوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فرنسا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قتل قطاع غزة غزة فولوديمير زيلينسكي حكومة دونالد ترامب اغتصاب روسيا الجزائر إسرائيل السياسة الأوروبية المساعدات الإنسانیة یعرض الآن Next
إقرأ أيضاً:
تنديد أممي بفشل مؤسسة غزة الإنسانية واتهام للاحتلال بعسكرة المساعدات
نددت الأمم المتحدة، الجمعة، بأداء "مؤسسة غزة الإنسانية"، المدعومة من الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، ووصفتها بأنها فشلت في أداء دورها الإنساني في قطاع غزة، الذي يشهد أوضاعاً كارثية نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عشرين شهراً.
وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، ينس لاركه، في مؤتمر صحفي عقده في جنيف: "أعتقد أنه يمكننا القول إن مؤسسة غزة الإنسانية فشلت من حيث المبادئ الإنسانية. فهي لا تقوم بما يجب أن تقوم به أي عملية إنسانية، أي تقديم المساعدات للناس حيثما كانوا، بشكل آمن ومحايد".
وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد الانتقادات لطبيعة عمل المؤسسة، التي أنشئت مؤخراً وتعمل خارج منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، وتتسم أساليبها بالغموض وعدم الشفافية.
كما تُتهم المؤسسة بـعسكرة المساعدات، وتوزيعها على أسس غير عادلة، ما يفاقم حالة الفوضى ويقوض الثقة في العملية الإنسانية برمتها.
وترفض وكالات الأمم المتحدة ومعظم المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في قطاع غزة التعاون مع هذه المؤسسة، في ظل تزايد التقارير عن سقوط عشرات الضحايا الفلسطينيين قرب نقاط توزيع المساعدات، نتيجة إطلاق نار من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
مجازر متكررة خلال توزيع المساعدات
ومنذ انطلاق عمليات "مؤسسة غزة الإنسانية" فعلياً في 26 أيار/مايو الماضي، أدت آلية توزيع المساعدات في بعض الحالات إلى مجازر بحق المدنيين.
ففي أوائل حزيران/يونيو الجاري، قُتل نحو ثلاثين فلسطينياً برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء تجمعهم للحصول على مساعدات، بحسب ما أفاد به الدفاع المدني الفلسطيني في غزة. وقد برر الاحتلال الأمر بأنها أطلق طلقات تحذيرية، وهو ما نفته شهادات ميدانية.
وأكد لاركه أن الأمم المتحدة مستعدة لاستئناف عمليات الإغاثة الإنسانية الواسعة في القطاع، بشرط أن يسمح الاحتلال الإسرائيلي بمرور عدد كاف من شاحنات المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم.
وفي سياق متصل، ارتكب الجيش الإسرائيلي سلسلة مجازر جديدة، الجمعة، أسفرت عن استشهاد 20 فلسطينياً على الأقل في قصف وغارات استهدفت مناطق مختلفة في قطاع غزة، لا سيما خلال تجمعات لتلقي المساعدات الغذائية.
وفي شمال القطاع، استشهد خمسة فلسطينيين في قصف استهدف نقاط انتظار للمساعدات، أبرزها عند دوار النابلسي جنوب مدينة غزة، وقرب المدرسة الأمريكية شمال غرب المدينة. كما استُشهد فلسطيني آخر في قصف استهدف منطقة الجامع العمري في جباليا البلد.
أما في وسط القطاع، فقد أفاد مصدر طبي استشهاد تسعة فلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات قرب منطقة المطاحن بدير البلح، إثر قصف إسرائيلي مباشر.
كما استشهد فلسطيني آخر وأصيب 12 آخرون في قصف قرب ما يعرف بـحاجز نتساريم، واستشهد أربعة آخرون في دوار مكيبمخيم المغازي.
وفي جنوب القطاع، أصيب عدد من النازحين جراء قصف طال خيمة كانوا يقطنونها في مواصي خانيونس، بينما واصلت قوات الاحتلال عمليات القصف والنسف شرقي مدينة حمد بخان يونس، وطالت الغارات المنطقتين الغربية والشرقية من رفح وخان يونس على التوالي، مع تحليق مكثف للطائرات الحربية وقصف مدفعي متواصل.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، ارتكاب إبادة جماعية ممنهجة بحق سكان قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، متجاهلة قرارات محكمة العدل الدولية ونداءات الأمم المتحدة بوقف العدوان.
وأسفرت هذه الحملة عن سقوط أكثر من 183 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، في ظل دمار هائل طال البنية التحتية، ومجاعة أودت بحياة العديد من المدنيين، بينهم أطفال رُضع.
ويُعد الوضع الإنساني في غزة من الأسوأ في العالم حالياً، حيث يعيش مئات الآلاف من السكان في ظروف نزوح قسري، وسط نقص حاد في الغذاء والمياه والدواء، وتدهور كامل في النظام الصحي.