صحيفة الاتحاد:
2025-08-03@06:39:41 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: المرايا

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

نتصور أنفسنا بوصفنا أفراداً، وكل فرد له صورة واحدة يظل يرسمها لنفسه ويحرص على أن يجعل غيره يرى الصورة المرسومة منه، ولكن الذي يحدث دوماً أننا نتفاجأ كل مرة نحتك بها مع الآخرين أن لنا في أذهانهم صوراً غير التي رسمنا، وسنجد أننا أمام صور تتعدد بتعدد المرايا التي تنعكس فيها صورنا لدى الآخرين، وهذه حالة تقع للأمم بمثل ما تقع للأفراد، وكل أمة تتعدد صورها في مرايا الأمم الأخرى، وغالباً ما تكون المرايا غير أمينة في عكس الصورة، لأن مرايا الناس التي تعيد صياغة الآخر أو الآخرين تتغذى من المخازن الذهنية التي تصنع سير الغير ومن ثم تحيلها لصور ذهنية هي المرايا التي تعكس وجوه الناس وتصبغ معانيهم بخير أو بشر، مما يجعلنا كائنات شبه وهمية؛ بمعنى أننا لا نكاد نتعرف عليها، ونظل نلوم غيرنا بمثل ما يلومنا غيرنا، أو يسخط منا كلما رأى صورته عندنا تختلف عن صورته لدى نفسه، وقد عبر البحتري عن معاناته من تحول صورته إلى صورة سلبية، في حين يراها صورة فاضلة، ويرى المزية تتحول لعيب أو حتى ذنب، بينما هي حسنات عنده، وفي ذلك يقول:
إذا مَحاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بِها
كانَت ذُنوبي فَقُل لي كَيفَ أَعتَذِرُ
وهذه حالة قاتمة جعلت الشاعر يصرخ مستنكراً تحول محاسنه التي يتباهى بها إلى ذنوب تحسب ضده، فتتشوه صورته الحسنة في أصلها عنده إلى صورة يتحمل وزرها، مما يتعصى عليه فهم سببها أو الاعتذار عنها، وكيف يعتذر المرء عن محاسنه، وكأنها آثامٌ يقترفها وتحسب عليه، ويقابل ذلك قول علي بن الجهم:
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها
كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
وقد روي هذا البيت لشعراء آخرين غير ابن الجهم، مما يعني أن البيت شعارٌ ثقافي يكشف حياة البشر مع عيوبهم التي هي عيوب فطرية ونواقص إنسانية يحسن بنا أن نتفهمها ومن ثم نتقبلها أو نتغاضى عنها، ويقيس المرء ذلك على نفسه المعيبة أيضاً، وهذا هو الشخص العادل التقي والواقعي، ولكن الغالب هو التمتع النفسي بعيوب الآخرين مع نسيان عيوب الذات، وهنا يتولى البيت المنسوب لعدد من الشعراء ليثبت الحقيقة البشرية في أن تعداد العيوب هو وصفة في النبل والتميز لأن التعداد يعني الحصر، بينما العيب الحق هو في الذي يتجاوز القدرة على التعداد، وهذه مناورة دفاعية تصد هجوم الآخرين الذين ينتمون لطبع ثقافي يميل للحش في أي اسم معروف وكأن ذلك نوع من قتل الأب بالمفهوم الفرويدي، وفكرة قتل الرموز هي معنى نسقي ينبع من الرغبة لجعل الرمز مجرد رقم عادي بحجة أن له عيوباً، ولكن أيّ الناس تصفو مشاربه، لولا أن المثل يقول (غلطة الشاطر بعشرة) وعثرة الفارس قاتلة، ولهذا فإننا كبشر لسنا سوى مرايا متجاورةٍ تتعاكس وتصنع أطيافاً غير الصورة الأصل حتى ليتلاشى الأصل وسط النسخ المركبة من الظنون ومن التهيؤات ومن المخازن الذهنية.


كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: شجرة النسق د. عبدالله الغذامي يكتب: الحكمة (لقاء الشعر والفلسفة)

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

عادل الباز يكتب: تحالف الهاربين.. من خيباتهم!!

فيما أرى

عادل الباز

تحالف الهاربين.. من خيباتهم!!

 

(1)

لا أعرف لماذا بدأت تنتابني حالة من الاكتئاب كلما تذكرت المأزق الذي وقع فيه إخواننا في “صمود” الآن، لعلّ فيهم بعض الأصدقاء وبعض التلاميذ، رغم أنّ بعضهم خان، وبعضهم خاب.

 

أنا لا أقصد المأزق السياسي الذي تتورط فيه “صمود” الآن بعد إعلان “حكومة تأسيس” الإسفيرية، فذلك معلوم، كما لا أقصد مأزقها أمام الشعب السوداني، والفاتورة التي تنتظر سدادها جراء اصطفافهم مع الميليشيا المجرمة. كما أنّ شفقتي عليهم ليست بسبب الحيرة التي يرزحون تحتها، ولا بؤس موقفهم السياسي والأخلاقي. بالتأكيد ليس بسبب كل ذلك.. إنهم في مأزق حقيقي، غير محظوظين، أصابتهم لعنة الخيانة باكرًا.

 

ما يحزنني هو جهجهة أسمائهم وشعاراتهم، سابقًا ومستقبلاً. “كانت شعاراتهم مثل المفرقعات الورقية، تلمع لحظة في الهواء، ثم لا تترك سوى رماد خيبة عالق في الذاكرة الجمعية”. رفعوا هتافات بحجم الوطن، ثمّ قزّموها حين جلسوا على مقاعد السلطة، فجاء فعلهم هزيلاً لا يقاس بالوعد.

 

 

 

(2)

في البدء أطلقوا على أنفسهم “قحت”، ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى استفاق المخدوعون بشعارات الثورة، فحوّروها إلى “قحط” بسبب بؤس أدائهم السياسي وخذلانهم لرفاقهم في الثورة.

عاد الوعي إلى الشباب سريعًا؛ الشباب الذين تمت خيانة أحلامهم في التغيير، وحتى جثثهم تُركت تتعفن في المشارح. !!

 

تحطمت آمالهم على صخرة المطامع الحزبية، وأبصروا بأعينهم كيف استباح السفراء البلاد، واشتعلت أسواقها، وتدهور أمنها، وخفّ وزنها، وهانت على أهلها، حتى وصلت إلى درك سحيق، أصبح الآمر الناهي فيها صلاح مناع، ومفكرها الاقتصادي حميدتي!!.

 

هكذا سُرعان ما طُويت صفحة حياة “قحط” القصيرة البائسة، بعد أن اختُتمت بصك إعلان الحرب فيما سُمي زورًا بـ”الإطاري”!!

 

 

(3)

سعيًا وراء تغيير جلدها بعد انكشاف أمرها، وإشعالها الحرب، ومغادرتها البلاد على صهوة تاتشرات الجنجويد متنكرة بالكدمول؛ لم يكن أمامها سوى تغيير اسمها… فجاء الاسم على غير مسمى: “تقدّم” هذه المرة.!!.

تستغرب للوقاحة.. إذ كيف يمكن أن تُسمى ثُلّة هاربين من جرائم حربهم بـ”تقدّم”؟

 

ما هو “التقدم” الذي أحدثوه في بلادهم بعد التغيير؟ بل ما هو التقدم الذي حدث داخل تحالفهم نفسه، الذي تحول إلى شظايا منكسرة ومشتّتة في الآفاق!!

بل ما هو التقدم المأمول المتوقع لتحالف شراذم ليس بينها أي رابط، وليس بحوزتها أي برنامج، لا يربطهم إلا هتاف أجوف: “لا للحرب”، وكلما علا صوت هتافهم “لا للحرب” زادت الحرب، وتمددت، وازدادت اشتعالًا، وطال أمدها.

فما الذي أغرى هؤلاء بتلك التسمية؟!

 

 

(4)

مرة ثالثة، أعلنوا تخليهم عن “تقدّم”، وفضّوا تحالفهم المُعلن مع حزب الجنجويد الجديد “تأسيس” الذى تأسس على غير هدى وميثاق مبين؛ على أن تظل الغرفة التي تدير الأمور سرًّا مع الميليشيا كما هي عليه بأمر “الكفيل”!!

 

هذه المرة، الاسم كان مهزلة تُثير الضحك والغثيان: “صمود”..! أي والله صمود..!

تأملت هذا الاسم مرارًا.. وكلما “أعاين فيه وأضحك، وأمشي واجيهو راجع” أحتار زيادة..!

كيف “صمود” يعني؟ تحالف هاربين من الحرب التي أشعلوها.. متى، وكيف، وأين صمدوا؟

 

منذ أن اندلعت الحرب، صعدوا على ظهور التأشيرات وغادروا إلى خارج البلاد.

فمتى صمدوا؟ وأين؟ في الفنادق أم في الشقق المفروشة التي جهزها لهم آل دقلو بالخارج؟

أم في الفيلل على ساحل أبو ظبي حيث الإقامات الذهبية التي وهبها الكفيل لهم؟!!

صمدوا أم “صيّجوا؟!”

 

ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلّةٍ

كما ردّها يومًا بسوءِ التجمُّلِ..

تُرى، في أي خندق صمدوا؟ بل في أية مدينة من مدن الحرب التي أشعلوها؟ أفي أم درمان؟ أم مدن الإبادة .. نيالا وأردمتا وود النورة وغيرها..؟ أم في تلك التي يحاصرها الجنجويد ويقتلها الجوع الآن؛ الفاشر والدلنج وغيرهما؟!

كنت سأحترمهم كثيرًا لو أنهم سمّوا تحالف الهاربين ذلك بـ”صموت”، سيكونون أقرب للحقيقة والواقع.

فهم الصامتون على كل جرائم الميليشيا التي دمرت بلادهم وأهلهم ومنازلهم، واغتصبت أخواتهم… وهم صامتون!!

انظر بالله، كيف تجرأوا على اللغة، فقلبوا التاء دالًا؟!

عجيب..! أسماءُ مملكةٍ في غيرِ موضعِها.. سمّوها “قحت” أولًا، وهم القحاطون، ثم “تقدّم”، وهم المتخلفون، ثم “صمود”، وهم الهاربون الصامتون.!! هكذا تقحّطوا… فتقهقروا… ثم صمتوا عن الكلام المباح، إلا بأمر “الكفيل”..!!

ولكن، وكما لا يُجدي التاج فوق رأس المهرّج، كذلك لا تُزيِّن الأسماء ما تجرَّد من المعنى، فكل تسمية جديدة لم تكن إلا قناعًا آخر على وجه الخيبة.

 

 

(5)

المأزق الآخر الذي أظن أنهم مقبلون عليه هو خلوهم من أي شعار جديد.

هَبْ أن الحرب انتهت اليوم وعادت “صمود” إلى الخرطوم.. فأي شعار سترفع؟

“تسقط بس”؟

“الحل في البل”؟

“أي كوز ندوسه دوس”؟

“حرية، سلام، وعدالة”؟

“سنعبر وسننتصر”؟

“يا كفنك يا وطنك”؟!!

كلها شعارات استُهلكت وأصبحت غير صالحة للاستخدام الإنساني، أياً كانت فصيلته أو قبيلته السياسية..!!

فمثلًا: “تسقط بس”.. وفعلاً سقطت بس.. فماذا فعلوا؟

اعتلوا سدة الدولة، وأسقطوا البلاد في جحيم الحرب، وشردوا أهلها في الملاجئ والمنافي متأبطين خيبتهم.

إذًا، هذا شعار وهتاف سقط، ولن يقول به أحد من بعد!!

 

 

(6)

“الحل في البل”… ها هي البلاد قد جرى “بلّها” كلها من أقصاها إلى أقصاها، ولم تجد حلًا إلى الآن!!

إذًا، لحق هذا الشعار والهتاف بسابقه، ولا مكان له من الإعراب.. “البل” الوحيد الذي ينتظره الشعب الآن، هو بلّ الجنجويد نهائيًا وحلفائهم بس..!!

 

 

(7)

“حرية، سلام، وعدالة” هؤلاء خانوها بالكامل..

حرية التعبير صُودرت بالتأشيرات (السوداني)…

سلام دارفور حاربوه… فعصف بهم أهله عصفًا.

أمّا العدالة، فشهدت بها أقبية سجونهم التي فاضت بالمعتقلين بلا ذنب، ولا حتى تهمة، ومنهم من قضى نحبه بداخلها، دون أن تتاح له كلمة أمام المحكمة، كما لم تُتح لمتهمي برنامج (أراضي وأراضي) فرصة المداخلة أو التعليق، ناهيك عن محاكمة عادلة..!!

سبحانه؛ في أقل من عامين، طفقوا أنفسهم يبحثون عن العدالة.. ويستجدونها حين عصف بهم حلفاؤهم العسكر.

هكذا دائمًا؛ القيم تنتقم ممن خانها، وتلك عبرة التاريخ..!! “لم يكن سقوطهم سياسيًا فحسب، بل أخلاقيًا، حين وقفوا على رماد القرى المدمّرة، ولم ينبسوا بكلمة عن الذين قُتلوا أو اغتُصبوا أو جاعوا بسبب حلفائهم”.

 

(8)

“سنعبر وسننتصر”.. هذه أصابوا فيها نجاحًا جزئيًا، إذ إنهم بعد أقل من أربع سنوات من اعتلائهم سدة الحكم عبروا الحدود إلى خارج البلاد، مجلّلين بخيبتهم، بعد أن قذفوا البلاد في ليل الفتن..!

والنصر الذي أحرزوه وقتها، وإلى يوم الناس هذا هو فرارهم من البلاد بنجاح، وتأليب المجتمع الدولي والإقليمي ضد بلادهم بالأكاذيب والسخافات.

 

 

(9)

“كل كوز ندوسه دوس”… “وين تاني؟”.. ولا في أحلامهم !

وهل قدروا عليهم وقتذاك؟ أم كان الهتاف مجرد هراء؟

الكيزان الآن أبطال في نظر الشعب، معهم في الميدان، ينشدون “في حماك ربنا”، ويستشهدون..

والذين كانوا يهتفون ويحلمون بدوسهم، الان تحت رحمة الجنجويد والكفلاء والأمريكان..

الكيزان يقاتلون في أم درمان، وساحات الفداء في الخرطوم وكردفان، وحتى تخوم دارفور وهم يتسكعون في شوارع أديس وكمبالا وأبو ظبي.

بينما هم يحتشدون في قاعات نيروبي وأديس، يصدرون بيانات الإدانة للجيش.

الكيزان الآن يحملون أسلحتهم كتفًا بكتف مع الجيش، يقدمون الآلاف من الشهداء، ولا يزالون، حتى معارك أم صميمة أول أمس.

الغريب: من كانوا يسعون لدوس الكيزان لم يجدوا غير أبطال الجيش والمشتركة والمستنفرين، والكيزان أنفسهم، من يحمي إخوانهم وأعراضهم التي تركوها وراءهم، وفروا كالجرذان.

 

لا يستطيعون مرة أخرى أن يهتفوا في شوارع الخرطوم، إذ هي من سترد عليهم لو تجرأوا في أحلامهم ورددوها..

ولا بد أنها ستسألهم: أين كنتم حين كان الدواس حاميًا، والأرواح تصعد عجلى إلى بارئها؟!

لم نسمع لكم حسًّا ولا ركزًا..

 

هذه الأرض اليوم غير الأرض التي عرفتموها في 2019 و2018.. وهذه الشوارع والأزقة غيرها اليوم.. هذه الشوارع التي خنتموها لن تخون أبدًا دماء الشهداء..

هذه الأرض التي روتها الدماء القانية في معركة الكرامة ستنكركم؛ أياً كانت هتافاتكم، كما أنكرتموها لحظة نادت على أبنائها، وهي تئن تحت وطء تاتشرات الجنجويد – حلفائكم – وهربتم إلى المدن التي تنام على مخدات الطرب..!!

 

 

(10)

“يا كفنك… يا وطنك.. !!”

حين جاء زمان الأكفان وفداء الأوطان “صيّجتم”..

لم نركم، ولا أكفانكم تتصدر مواكب شهداء الوطن.

ولو أنكم تسجّلون زيارة واحدة إلى جبل سركاب، حيث يرقد الشهداء الأبطال، سترون شبابًا نضرًا، امتدت قبورهم كيلومترات.. أحياء عند ربهم يُرزقون.

فدوا وطنهم، ولم يجدوا كفنًا من طرف السوق، ولا شبرًا في المقابر..!!

بأي وجه، وبأي هتاف، سيعودون إلى شوارع الخرطوم..؟!

 

وأنت أيها القارئ، حين تسمع غدًا هتافاتهم من جديد… فهل سترد عليهم، أم تصمت كما صمتوا حين احترق وطنك..؟

نفسي أعرف وأشاهد ما سيؤول إليه حالهم، لو مدّ الله في الآجال، وعادوا سالمين، غانمين من غنائم “الكفيل” والجنجويد..!!

التحالف المدنى الديمقراطى لقوى الثورة صمودصمودعادل الباز

مقالات مشابهة

  • عادل الباز يكتب: تحالف الهاربين.. من خيباتهم!!
  • المجالي يكتب : من هو معالي ابو الحسن يوسف العيسوي
  • موقف طريف لكاظم الساهر وهو يطلب إزالة صورته عن المسرح.. فيديو
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: مثل شجرة سقطت في غابة
  • وزير الخارجية: ننسق مع قطر والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بغزة
  • السجن مدى الحياة لامرأة طعنت حبيبها السابق لنشره صورته على تطبيق تيندر ..فيديو
  • خبير استراتيجي: مصر أكبر من كل المحاولات الساعية لتشويه صورته
  • حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح.. الإفتاء تجيب
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الفاشر تحتضر ..!
  • الرئيس اللبناني: تعبنا من حروب الآخرين على أراضينا وعلينا وقف الانتحار وسحب سلاح حزب الله