ضيافة خانقة.. كيف تُعامل ليبيا رجال الأعمال الروس؟
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
نشر موقع "نيوز ري" تقريرًا عن إعادة روسيا فتح سفارتها في العاصمة الليبية طرابلس في شباط/ فبراير المقبل، والتخطيط لفتح قنصلية في بنغازي؛ حيث توجد في ليبيا حاليًا عدة مراكز للسلطة، بما في ذلك الحكومة في طرابلس، والبرلمان في طبرق، وقوات شرق ليبيا، بقيادة خليفة حفتر في بنغازي.
وتناول الموقع أهمية الدور الذي سيلعبه التعافي الواسع الذي ينتظر ليبيا في تحديد تأثير اللاعبين الدوليين في البلاد لسنوات قادمة.
وشارك رجل الأعمال الروسي، قسطنطين لازارينكو، المقيم والعامل في بنغازي، تجربته مع موقع "نيوز ري" حول التحديات التي تواجه الروس الذين يرغبون في المشاركة في إعادة إعمار ليبيا.
وعند سؤال لازارينكو عن كيف وجدت نفسه في بنغازي؟ وما هو الانطباع الذي تركته عليه ليبيا؟؛ فأجاب: "وصلتُ إلى ليبيا قبل عام، وأعمل على تعزيز العلاقات الروسية-الليبية في مجالات التعاون الإنساني والتجاري والسياحي.
أما عن الانطباعات عن ليبيا، قال لازارينكو: "إنها إيجابية للغاية. الناس هنا منفتحون، وطيبون، وصادقون في استعدادهم للتواصل. وهذا الانطباع الأول يساعد بشكل كبير ويخفف من صدمة الثقافة. وقد كنت أعمل منذ عام 2018 في دول جنوب ووسط أفريقيا، مثل موزمبيق، زامبيا، والسودان، لذلك كنت أعتقد أنني مستعد لما يمكن أن أواجهه هنا. ولكن الناس هنا لديهم طابع خاص جدًا. إنهم يعيشون وفق طريقتهم الخاصة: فلديهم فهم خاص للوقت، والعمل، والفضاء، والدوافع، الاتفاقات، والقانون. لذلك، عليك أن تطور مهاراتك من جديد".
وأضاف لازارينكو أنه حاليًا يعمل على تنظيم وفود من ليبيا إلى روسيا والعكس. على سبيل المثال؛ الأسبوع الماضي جلب سيرك نيكولينا إلى بنغازي.
وذكر الموقع أن هناك اعتقاد شائع بين الروس أن ليبيا الحديثة عبارة عن أنقاض، وأن كل زاوية تحتوي على إرهابي من تنظيم الدولة (المصنف كمنظمة إرهابية والمحظورة في روسيا). ويعتقدون أن زيارة ليبيا أو العمل فيها، ناهيك عن إدارة الأعمال، يعتبر بمثابة مغامرة خطيرة. وكأنك بمجرد وصولك إلى هنا، سيتم إما خطفك أو وضعك في السجن حتى يتم توضيح الموقف.
وفي المقابل، لدى الليبيين صورة نمطية مماثلة عن روسيا، حيث يعتقدون أن هناك دمارًا في البلاد بسبب العقوبات، ونقص في البضائع، والتوزيع بنظام القسائم، وأعمال قتالية، وتعبئة عسكرية، وأن الجميع يختبئون في الملاجئ.
وعندما سُئل لازارينكو عن مدى تغير نظرة الليبيين إلى روسيا بعد وصوله، أجاب موضحاً: "ما يفاجئهم هو أن روسيا ليست مثل الغرب من حيث أنها لا تضيق على المسلمين. على سبيل المثال، في الغرب توجد دور عبادة، لكن من الصعب العثور على مساجد. أما في روسيا، فلا يوجد فقط مساجد، بل هناك مناطق كاملة تعيش وفق تقاليدها الإسلامية ومع ذلك هي جزء لا يتجزأ من المجتمع، وهذا الحال مستمر منذ قرون".
وتابع قائلا: "بالرغم من كل الحديث عن التعددية الثقافية في الغرب، إلا أن الغرب ليس منفتحًا بالكامل تجاه شعوب من ثقافات أخرى. صحيح أنهم يمنحونك وقتًا للتأقلم، لكن الجيل التالي يكبر وكأنه غريب عن آبائه. المجتمع هناك موجه نحو التوسع، وخاصة التوسع الفكري. لذلك، قبل وصولنا، كان الليبيون يتصوروننا بناءً على ما تنقله الصحافة الغربية، ويروننا مثل الأوروبيين، لكن أسوأ؛ حيث يروننا كأناس غير ودودين، متعجرفين وعدوانيين".
وعند سؤاله عن أسباب الحذر الذي يبديه الليبيون تجاه الروس، خاصة أن العديد من الليبيين درسوا في الاتحاد السوفيتي، فكيف أصبحوا الآن يعتمدون في تصورهم لروسيا على الكليشيهات الهوليوودية؟؛ قال لازارينكو: "الجيل الأكبر سناً هو الذي درس في الاتحاد السوفيتي، لكن أبناءهم كبروا وهم ينظرون إلى الغرب، وقرأوا الصحافة الغربية، وشاهدوا الأفلام الغربية، وتلقوا تعليمهم في الغرب. لقد فقدنا هذا الجيل".
وبين لازارينكو أن الروس في تواصلهم مع دول الجنوب العالمي، يعتمدون الآن على الرصيد القديم، وهذا لا يقتصر على ليبيا فقط، فهناك جيل نشط حالياً تعلم في الاتحاد السوفيتي. لكن عندما يختفي هذا الجيل، "لن يكون لدينا من نعمل معه، لأننا لم نؤسس لشيء للمستقبل خلال العقود الأخيرة".
وأوضح لازارينكو أن قيمة التعليم لا تكمن فقط في المعرفة التقنية، رغم أهميتها. فعلى سبيل المثال، عدد من أنظمة "بانتسير" (نظام صاروخي روسي مضاد للطائرات) احترقت ببساطة لأن أحداً لم يكن يستطيع قراءة دليل التشغيل. وليس الأمر مرتبطاً بالأيديولوجيا فقط، فالقيمة الأساسية تكمن في القدرة على التحدث بلغة مشتركة حول أمور أساسية وبسيطة".
وأردف لازارينكو متحدثًا عن التحديات الأساسية التي تعيق تعزيز صورة روسيا في الوقت الراهن: الآن ليبيا منقسمة، لذلك لا يمكن لوزارة الخارجية الروسية أن تبني قنواتها الرسمية في الشرق، حيث سيُعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية الليبية. وهناك جهات أخرى تعمل على المبادرات الثقافية، لكن الدولة الروسية مفرطة في البيروقراطية بحيث يصعب عليها الموافقة على هذه المبادرات.
و"حتى لو تمت الموافقة، الروس سيأخذون الوفد في جولة لمدة 12 ساعة في المتاحف والمعارض. وفي المقابل، الليبيون يحاولون إبقاء الضيوف محصورين في فندق بنظام شامل خوفًا من أي مشاكل قد تحدث".
وأكد لازارينكو أن هذه "الضيافة الخانقة" ناتجة عن خوف كلا الجانبين من حدوث أي خطأ، فهم يفضلون تجنب المشاكل المحتملة بدلاً من السماح للضيوف بالانغماس الكامل في البيئة.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى الحل الوحيد هو الروابط غير الرسمية بين المتحمسين على المستوى الشعبي.
وبيّن لازارينكو الفروق بين الأوضاع في غرب ليبيا وشرقها، موضحًا أن هذا يمكن توضيحه من خلال حالة المدينة التي نحن فيها، فبنغازي تشبه مدرجًا ينحدر باتجاه الميناء. وبشكل مشابه لطرابلس، تتوقع أن تكون المدينة مقسمة إلى مناطق: هنا يمكنك التجول، وهناك ظهور الغرباء يعتبر خطرًا.
ولكن في بنغازي، هذا ليس موجودًا. بالطبع، لا يُسمح لك بالدخول إلى الكثير من الأماكن، لكن الليبيين يبالغون في الحذر، لأن المدينة في الواقع شفافة بالكامل. هذا يشير إلى أن الدولة استعادت احتكار العنف هنا. أما في الغرب، فالأوضاع أشبه بفسيفساء غير مستقرة، وقد تكون هناك بعض الهياكل غير الواضحة، ولكن ليس هناك أي احتكار فعلي للعنف.
وأشار لازارينكو إلى أن كل هذا ينعكس على العمليات السياسية. ففي الشرق، توجد هرمية سياسية واضحة للناس تعتمد على ثلاثة أبناء للمشير حفتر، فخالد حفتر يتوجه نحو روسيا، على الأقل في خطواته العلنية، وصدام يتوجه نحو الغرب، أما بلقاسم، فهو مهندس ويهتم بالمشاريع البنية التحتية.
والصراع داخل النظام هنا يشبه لعبة "جينغا" (بناء برج من الكتل الخشبية). أما في طرابلس، فالأمر أشبه بحساء بدائي، مثل تربية نوع من الذئاب الجرذية (حرب الكل ضد الكل).
نتيجة لذلك، فإن السلطة في الشرق تستطيع العمل على المدى الطويل، وبإمكانها تحويل الصراع السياسي إلى مستوى أساسي: تقديم الخدمات للمجتمع، تلبية الاحتياجات، وإعادة بناء البيئة. بينما في الغرب، ليس لديهم القدرة على المنافسة في هذا المجال في المستقبل المنظور.
وأعطى لازارينكو مثالا على ذلك بالكارثة في درنة (الفيضانات الناتجة عن إعصار "دانيال" في سبتمبر 2023)، فوفقًا للاستطلاعات في طرابلس، 71 بالمئة من السكان يقيمون إيجابيًا جهود الجيش في التعامل مع تداعيات الكارثة، بينما حصلت الإجراءات التي اتخذتها حكومة الدبيبة على تقييم إيجابي بنسبة 52 بالمئة، كما ارتفعت شعبية المشير حفتر.
وذكر لازارينكو التحديات التي تواجه السلطة في شرق ليبيا بقوله: في الوقت الحالي، تعتمد شرعية السلطة على النجاح في إعادة بناء الفضاء العام. عندما تتجول في المدينة، تنسى ما حدث هنا منذ وقت ليس ببعيد. لكن بمجرد أن تقترب من حدود الحي الإيطالي، تجد مدينة أشباح. هذا التباين بين المناطق المزدهرة والخراب على بعد أمتار قليلة يترك انطباعًا كئيبًا. ويجب أيضًا أخذ عقلية السكان المحليين في الاعتبار، فهؤلاء الناس لم يغادروا، بل عاشوا كل من تنظيم الدولة والقصف. ولا يمكنك نقلهم من بين الأنقاض، فهم ما زالوا يعيشون هناك بطريقة ما. وما زال غير واضح كيف سيتم التعامل مع هذه المناطق المتضررة من الحرب.
وبحسب لازارينكو؛ فالليبيون يدركون أيضًا الأهمية الرمزية لإعادة الإعمار، لكنهم يواجهون صعوبة في التخطيط طويل الأجل. ويبدو أنهم أخذوا دبي كنموذج ويحاولون تكرارها بسرعة. لكن دبي، بكل صراحة، ليست نموذجًا مثاليًا لتصميم المدن الحديثة، وعواقب هذا النهج بدأت تظهر بالفعل.
واعتبر لازارينكو أن نقص الرؤية النظامية هذا يعود إلى عهد القذافي، فقد وعد بالتصنيع وبنى المصانع، لكن لم يكن هناك أحد للعمل فيها، فلم يرغب أحد في الوقوف خلف الآلات. فبالنسبة للمواطن الليبي العادي، الوظيفة المثالية هي أن يكون إداريًا، أما وظائف العمال والمهندسين فقد تم تفويضها للأجانب مثل المصريين والأتراك. ونتيجة لذلك، تعاني البلاد حاليًا من نقص في الكوادر الفنية المحلية.
وبالطبع، الليبيون يرغبون في التطور وتجاوز هذه القيود. على سبيل المثال، أعادوا فتح جامعة بنغازي، لكن مجتمعهم يظل متمركزًا حول ذاته بشكل كبير.
ولفت لازارينكو إلى أن التحدي الثاني أكثر تجريدًا. ففي السابق؛ كان لدى ليبيا صورة قوية للعالم الخارجي، القذافي، "الكتاب الأخضر"، والنظرية العالمية الثالثة (نظام فكري أيديولوجي طرحه القذافي كموقف معارض للشيوعية والرأسمالية). في الوقت الحالي، يمتلك المجتمع الليبي نظامًا قيمياً واضحًا، لكن لا توجد لديه أيديولوجية أو صورة تصديرية للعالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية بنغازي ليبيا حفتر ليبيا استثمارات بنغازي حفتر رجال الاعمال الروس سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على سبیل المثال فی بنغازی فی الغرب
إقرأ أيضاً:
???? مغالطة جون قرنق الكبري وتجلياتها في الحاضر السياسي
مغالطة جون قرنق الكبري وتجلياتها في الحاضر السياسي:
معتصم أقرع
????في الذكري العشرين لإغتياله نتذكر أن الشهيد قرنق أسس حركته الشعبية ببرنامج إشتركي وكانت الدول ذات التوجه الشيوعي هي نواة تحالفاته الخارجية – إثيوبيا منقستو بالذات ورعاتها من الكتلة السوفيتية.
????ولكن بعد سقوط الكتلة السوفيتية وإنهيار نظام منغستو أعاد قرنق تموقعه السياسي والأيديلوجى واسقط الاشتراكية السودانية من خطاب الحركة واستبدله بخطاب هوية مسموم، مدمر، مفرق ومصاب بعمي الطبقة و ذاهل عن العدالة الأقتصادية من يومه الأول.
????وبرزت في أوساط الحركة شخصيات صديقة للغرب مثل منصور خالد وغيره. ودغدغ خطاب الهوية الذي يشابه خطاب الإسلام هو الحل – في نسخته التبسيطية – هوي ألاف الشباب الذين وجدوا في الخطاب مفتاحا سحريا يجعلهم بين يوم وليلة من أصحاب الثقافة الرفيعة التي تتيح لهم تشخيص كل مشاكل السودان وصرف الوصفات العلاجية عن طريق قلوظة خطاب الهوية بما يناسب كل سؤال – فعلي سبيل المثال مشكلة التعليم في السودان هي فشل الدولة في الأعتراف بكل الهويات وعدم رغبتها في توفير تعليم ومنهج وكتب لكل طالب بلغته الأصلية – علما بانه قبل إنفصال الجنوب كان في السودان أكثر من مئة وخمسين قبيلة تتعدد اللهجات داخلها ومعظم هذه اللغات غير مكتوب. ولا دخل لفشل التنمية الأقتصادية بمشاكل التعليم.
????الدكتور قرنق كان إنسانا واسع الثقافة والمعارف وملك من إمكانات القيادة ما لم يملكه سوداني قبله ربما منذ أيام المهدي. لذا لا أعتقد أن جوهره كان قد تغير بعذ سقوط الكتلة السوفيتية ولكنه قرر أن يختار البراغماتية وان يستعمل المعسكر الغربي – بعد سقوط المعسكر الشرقي – لتحقيق أحلامه السياسية التي كان جلها نبيل أو علي الأقل معقول لا يصعب الأتفاق معه.
????وهكذا متنت الحركة الشعبية علاقاتها بدول الغرب المهتمة بافريقيا بما في ذلك المهتمة بالإنسانيات ولعبت الكنائس الغربية دورا كبيرا في دعم الحركة الشعبية والترويج لها، بما في ذلك تشويه سمعة السودان بفبركة أخبار عن ممارسة السودانيين الشماليين الرق في الخرطوم بل وفي داخل بيوت الدبلوماسيين السودانيين في أعتى العواصم الغربية.
????ولا أعتقد أن جون قرنق لم يكن يعي عيوب تحالفه الخارجي ولكنه قرر إستخدام خارج مشكوك في نواياه لخدمة أهداف قرنيقية نبيلة كما أعتقد. وبالغت الحركة الشعبية من التبرج للخارج حين عرضت علي المملكة السعودية وأمريكا مدهما بخمسئة جندي للمشاركة في تحرير الكويت من غزوة صدام والتي تحولت بعذ ذلك إلي الغزو الأول للعراق في عام ١٩٩١ تحت قيادة جورج بوش الأب.
????ورغم ولوجه في تحالف مشبوه مع قوي إمبريالية وهو الاشتراكي التقدمي حاد الذكاء إلا أنه يستحيل وصف القرنق بالعمالة لانه أدار تحالفاته الخارجية حسب إرادته وتقديره للأمور ومصلحة القضية ولم يكن منفذا مطيعا لاي أوامر تاتي من أي جهة مهما بلغت درجة بياضها وقداستها. وهكذ أستمر التحالف بين الحركة الشعبية والخارج بقياداته الدولية والإقليمية المعروفة.
????كما قلنا، فإن قرنق كان الأبعد عن العمالة لان هناك فرق بين خلق علاقات في الخارج والعمالة. ولكن يمكن اتهامه بالغرور وممارسة الوهم الرغبوي الطوعي لانه في كل تحالف مرحلي، نفعي، قلق، بين طرفين تختلف أهدافهما بعيدة المدى تكون الكلمة الأخيرة فيه إلي الطرف الذي يملك مقدارا أعلي من عناصر القوة.
????وهكذا تجاهل قرنق أن مغالطته القائلة بإستخدام الغرب لصالح قضية تحررية، توحد أفريقيا من كيب تاون إلي الأسكندرية. وهي مغالطة تفترض غباء الغرب – حاشاه فهو غرب نبيه يعرف دبيب النملة وما تخفي الصدور. ولو استدرك قرنق من أمره ما استدبر لأدرك أن الغرب كان يلعب معه نفس لعبته وهي إستخدامه مرحليا لتقريب الغرب وحلفائه الإقليميين والكنائس من هدفهم النهائي وهو فصل الجنوب. ولكن جون قرنق فضل العمي الطوعي خلف قناع من الغرور واختار الطريق السهل لان مواجهة مثل هذه الحقائق كان كفيل بإجباره علي مراجعات كبري تدخله في جفاء مع من دعمه بالمال والسلاح والسطوة السياسية في العالم.
????وهكذا واصل جون قرنق في مسار أضان الحامل طرشا النفعي البراغماتي.
????وحين تمكن نظام البشير من إستخراج البترول في بداية الألفية أدرك الغرب أن ميزان القوي سيتغير لمصلحته بصورة حاسمة بسبب البترول والحماس العقائدي والقتالي للحركة الإسلامية. ولقطع الطريق علي إنتصار حاسم لنظام البشير، فرض الغرب طريق نيفاشا التي قبل بها نظام البشير مجبرا بعد أن تم إرعابه بان السودان سيكون المسرح الثاني للغزو الأمريكي بعد العراق الذي تم تدميره في غزوة عام ٢٠٠٣ وان مصيره لن يكون أحسن من مصير صدام حسين.
????وقد أيد الغزو الأمريكي للعراق كبار دعاء الاستنارة في السودان – الذين تقام بإسمهم مراكز التنوير الممولة من الخارج – كآخر دليل علي توبتهم إلي بيت الطاعة الغربي. وهو الغزو الثاني للعراق بعد أكثر من عقد من الزمان من تحرير الكويت. كما شارك في الغزو الذي أهلك ملايين الأنفس في العراق مستنيرون أخرون ساعدوا بترجمة لغة العراق وثقافته ودينه للغزاة وأحسنوا الترجمة وزيتوا ولوج سنابك الغزاة. وما أشبه الليلة بالبارحة ولا جديد – فهي استنارة متعودة، دايمن كما قال عادل إمام. فهي استنارة بالميلاد تقتات من موائد الغزاة وتناصر غزواتهم السياسية والإعلامية واحيانا العسكرية ولا تري دم الأبرياء في يدها وطعامها وشربها.
????ولم يكن كافيا لحلفاء الحركة الشعبية في الخارج أن إتفاقية نيفاشا أعطت الجنوب فوق كل سقوف مطالبه السابقة لان الهدف النهائي هو فصل الجنوب وليس إنصافه. فرق تسد. دائما.
????عودة إلي الطبيعة القلقة لتحالف قرنق مع الغرب وممثليه في الإقليم، لم يكن ليغيب علي هذا الغرب أن فصل الجنوب لن يكون نزهة في حديقة في وجود قرنق قوي الشكيمة الذي لا يأتمر بامر أحد. وإنه حتي لو تم فصل الجنوب في وجوده فان دولة جنوب السودان لن تكون ضعيفة، تابعة مخبولة بل سوف تولد تحت قيادة زعيم عظيم لا تقل قامته عن أعلي قامات حركات التحرر الوطني التي عمت الجنوب الكوني في منتصف القرن السابق من ماو، وناصر وكاسترو وسوكارنو ولومببا ونيكروما إلي كريس هاني. وهكذا قرر الغرب أن آن أوان رحيل قرنق فاغتالوه وتم بعد ذلك إتمام مخطط فصل الجنوب.
????تكمن تراجيديا الشهيد جون قرنق أن مقولاته كانت من الأكثر تقدما في تاريخ السودان السياسي، ولكنه قتل مستقبل مشروعه في افتراضه الضمني بأن عبقريته تسمح له بتحالفات تتيح له استغلال شيطان الاستعمار والكنائس لخدمة مشروع تقدمي نبيل. كما أعتقد بنفس العقلية بانه بإمكانه خلق فضاء سياسي معافي وكادر تقدمي، إشتراكي مستنير عبر خطاب هوية مغرق في الضحالة والرجعية وفات عليه ان الاستعمار يلعب معه نفس اللعبة بهدف استغلال تقدميته لتفكيك دولة افريقية بما يتيح اضعافها ونهب موارد أجزائها المتفككة.
????وبلغت مأساة قرنق نهايتها حين اغتاله حلفاؤه الدوليون بعد ان قام بدوره في تشكيل الخطاب ولكنه صار عقبة امام فصل الجنوب. ثم سكت اتباعه السودانيين عمن قتله وواصلوا تحالفهم مع من قتل زعيمهم وولي نعمتهم وما زالوا ياكلون من قصعة قاتل زعيمهم.
????وحين قرر قرنق بكل ذكائه الوقاد تجاهل “المنهج” فات عليه أن نسيانه الطوعي للمنهج لا يعني أن المنهج سيتجاهله ويتركه يصول ويجول كحليف مساو القوة لان هذا وهم شديد الكلفة.
????ومن يعرف التاريخ يعرف قصص شبيهة يتم فيها إستغلال إنسان نبيل ثم إغتياله عندما ينتهي دوره. ولم يكن قرنق أخر الزعماء السودانيين الكبار الذين إغتالهم الخارج في منعطف سياسي حاد فإن للأستعمار جنود لا تري بالعين المجردة.
????هذه قصة زعيم قوي الشكيمة أبعد ما يكون عن العمالة. أما في عالم اليوم المليء بالأقزام المنبطحين للخارج بدعوي إستعمال قوته لمصلحة السودان فان لهم في سيرة قرنق عبر. فبعد أن يقضي الخارج وطره ويحقق أهدافه فانه سيلفظهم كلبانة قديمة تم مضغها ليقضي بعضهم ما تبقي من العمر يطارده عار العمالة بعد أن تتوقف أعطياتها، وربما تم أغتيال بضعة أفراد منهم لمحو ذاكرة التاريخ السري للحرب السودانية.
???? في مديح الخواجة العالي يغني النوبي محمد منير:
“أصل الخواجه ابن ماريكا لما بيدخل حواريكا
يا اما ياخدك في بطاطه يا اما يا بني حيأزيكا
حاكم الخواجه ابن ماريكا هوه اللي بدع الشيكا بيكا
تدخل قفاه عايز تلعب حيرقصك سامبا و سيكا”.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب