في غزّة.. أنثى منكوبة!
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
سعيدة بنت أحمد البرعمية
الجمال لا يعني دائمًا جمال الشكل، كذلك القبح لا يكمن في الشكل دون الجوهر، ومن الطبيعي جدًا أن تميل الأنثى وتُقدِم على شراء مستخضرات التجميل وفق ذوقها الخاص وبحكم طبيعتها التي تحبّ الجمال، لكن الجميل أن تتذكر الأنثى العربية عند إقدامها على شراء مستحضرات التجميل وتتهافت دون بصيرة على العلامات العالمية، أن لها أختًا منكوبة في غزّة سُلبت أنوثتها وأصبحت مستحضرات التجميل لا تعني لها شيئًا، استبدلت جمال الشكل بجمال الجوهر، واستبدلت الرقة بقوة الصمود لتكسب استحقاق البقاء؛ فهل يُعقل ألاّ تقاطع العلامات الغربية إزاء ما يحدثُ في عزة وفي فلسطين عامة!
يعتقد الكثير من الناس خاصة النساء أن العلامات التجارية جميعها تعني الجودة العالية والابتكار والتميز والهوية الفريدة للمنتج، وهذا غير صحيح، فقد قرأت سابقًا عن فكرة العلامات العالمية وتفاجأت أنها لعبة اختُرعت من أجل الحصول من خلالها على أموال الأثرياء، هذا يعني أنها وُجدت للأثرياء وليس للشخص العادي، ولكن ما يحدث أنّ الجميع يتهافت عليها وكأنها الهرمون التجاري للسعادة.
وصلنا إلى أحرج الأوقات التي مرّت بها الحرب ووصلنا ليوم نرى فيه اقبال النساء على متجر جديد افتتح فرعه الأول في سلطنة عُمان، وهو أحد أشهر علامات التجميل في العالم، وتُثار حوله اتهامات تتعلق بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
فهل انتهى الاحتلال حتى نتصالح مع العلامات العالمية ونلوِّن بها وجوهنا ونقع تحت تأثير روائحها ونجرّب منها أحدث صيحات الموضة؟
هل ما زلتِ عزيزتي الأنثى العربية مهووسة بالعلامات الفرنسية بالرغم من موقف فرنسا المتأرجح مع غزّة والجاد والمتحيز في الوقت ذاته مع إسرائيل، هل توقفنا في عُمان عن المقاطعة حتى يُفتتح في مسقط متجر كهذا؟!
لكِ أخت في غزّة باتت لا تعرف معنى التجميل، ولا تعنيها روائح العطور، تدفن زوجها وأبنائها، وتصطف في صفوف المقاتلين وأنتِ من متجر لآخر تدعمين حربًا نكراء بكلّ سذاجة ضدها وعليها خصومها تناصرين! بأيّ منطق تفكرين؟!
ندرك من خلال ثقافتنا الدينية أن الجهاد إمّا بالنفس أو المال؛ فاتخذنا في ظلّ الوضع الراهن جهادنا بالمال من نهج المقاطعة، ومن خلال متابعتنا للأثر الذي ألحقته المقاطعة للشركات الموالية لإسرائيل، اتضح أنّ لها أثرًا كبيرًا لا يُستهان به، ممّا يدلل على أن المستهلك بإمكانه أن يختار لنفسه أن يكون الحلقة الأقوى أو الأضعف بحسب فكره وجديته وإرادته ونظرته للأمور. لم تعد هناك قيمة للأشياء في حال وجود البدائل؛ ففي البدائل متسع ومخرج للكثير من الأمور في الحياة خاصة الكماليات، فلماذا نتهافت ونتسابق مع الخواء إلى الخواء ونعود منه لا شيء معنا سوى الخواء؟
عزيزتي الأنثى العربية والعُمانية "قد يقتل الخطأ الطبي عدّة أشخاص، أمّا الخطأ الثقافي فيُبيد أجيالًا كاملة"، فكّري معي في هذه العبارة التي قالها الروائي الجزائري مولود معمري لندرك معًا أن ثقافتنا في التعامل مع الأمور بشكل أو بآخر له تأثيره، ماذا لو اتخذنا جميعا كنساء عربيات موقفًا حازمًا للوقوف مع أختنا المنكوبة في غزة واتجهنا للبدائل في شراء الكماليات وحتى الضروريات وزرعنا ثقافة المقاطعة في نفوس بناتنا، تأكدي أنكِ مؤثرة وفاعلة وتأثيرك سيصل كيفما كان نوعه، فلنحرص على ألاّ نتخلى عن إنسانيتنا كي لا نفقد أنوثتنا التي لن تعوضها أشهر علامات التجميل والأناقة، فلنكسب انسانيتنا وفكرنا وثقافتنا أولا، ونعمل على هذا المبدأ ونكون عونا لأختنا في الحرب لا عليها.
مخطئة عزيزتي حين تتوهمين أنك لا يستطيعين مناصرة أختك في غزّة وترين أن الحدود السياسية والجغرافية استطاعت فصلك عنها؛ لأن السمات المشتركة والهوية الدينية والثقافية ووحدة المبادئ والقيم ما زالت قائمة، فمن هذا المبدأ تستطيعين أن تؤثري بالإيجاب أو السلب، أن تكوني أختًا لها لا عدوة، داعمة لها لا عليها، فاختاري عزيزتي ما يليق بك كامرأة عربية لها ثقافتها وقناعاتها ومبادئ ثابتة لا تأبى للمتغيرات.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حرب غزة التي لم تنته
لا شيء في غزة يشير إلى أن الحرب انتهت عدا اللغة الدبلوماسية الباردة التي اختارت أن تطلق على ما يجري اسم «اتفاق سلام» أو«وقف إطلاق نار». الواقع على الأرض يقول شيئا آخر تماما، قصف مستمر رغم أن البعض يطلق عليه اختراق للاتفاق، وحصار خانق لا ينتبه له الكثيرون، ومعاناة إنسانية تتفاقم كل يوم مع دخول الشتاء، فيما يتراجع الاهتمام الدولي خطوة بعد أخرى، كأن العالم قرر أن يُغلِق الملف لمجرد أن نصا «للسلام» وقع في شرم الشيخ.
لا يوجد أي نوع من أنواع «السلام» في المخيمات العشوائية التي انتشرت على طول القطاع وعرضه، مجرد خيام متهالكة تغرق في مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي. ينام الأطفال بملابس مبللة، والمرضى بلا دواء. وجميع الأسر بلا مأوى إلا بطانيات متهالكة ورطبة وبعض خبز جاف.
ورغم أن المنظمات الدولية تتحدث بصوت واضح عن استمرار المجاعة، وتفشّي الأمراض والأوبئة، وعن نظام صحي منهار لا يستطيع التعامل مع أبسط الطوارئ إلا أن أحدا لا يكاد يصغي لكل هذا، ولا حديث إلا عن اتفاق السلام «الهش» وما يعتريه بين حين وآخر من اختراقات إسرائيلية! لكن الحقيقة لا أحد يراها أو يريد أن يراها أن الوضع ما زال مستمرا إلى حد كبير.. الهجمات مستمرة، والشهداء يسقطون كل يوم، والجوع مستمر، وغزة كلها من شمالها إلى جنوبها مكشوفة أمام الشتاء القارص. لا يوحي هذا المشهد أن غزة دخلت «مرحلة ما بعد الحرب».. ما زالت الحرب مستمرة بطريقة أو بأخرى. الذي تغير فقط أن الضمير العالمي يعتقد أنه أدى ما عليه وتم توقيع اتفاق «للسلام» حتى لو كان ذلك على الورق فقط أو في بعض وسائل الإعلام.
أما الاحتلال الإسرائيلي فما زال يتحكم في إيقاع الحياة والموت في غزة؛ يتحكم في المعابر، ويحدد عدد الشاحنات التي تدخل، ونوعية المساعدات المسموح بها، ولم يتحول الاتفاق إلى آلية لتدفق المساعدات وتحول في كثير من الأحيان إلى غطاء سياسي يتيح استمرار الضغط العسكري والاقتصادي على القطاع مع قدر أقل من الضجيج الإعلامي.
تقع المسؤولية إضافة إلى إسرائيل على الدول التي رعت الاتفاق وقدّمت نفسها ضامنة لوقف إطلاق النار الذي لم يتحقق وفق ما تم الاتفاق عليه. وعلى هذه الدول أن تعود مرة أخرى إلى الضغط على إسرائيل وتغير من مستوى اللغة المستخدمة التي تبدو أقرب إلى إدارة أزمة طويلة الأمد منها إلى مواجهة انتهاك سافر للقانون الدولي الإنساني.
والعالم الذي ملأ الشوارع باللافتات المطالبة بوقف الحرب لا يمكن أن يكتفي الآن بالقول إن «اتفاق سلام» وُقِّع وإن الملف في طريقه إلى الإغلاق. إذا كان لوقف إطلاق النار معنى حقيقي، فهو أن يتوقف القتل بالكامل، وأن تُرفَع القيود عن الغذاء والدواء والوقود، وأن تُحمى المستشفيات والمدارس ومخيمات النزوح.
ما ينبغي أن يُقال بصراحة هو أن ترك غزة في هذا الوضع، بعد كل ما شهدته من تدمير وتهجير هو استمرار للتواطؤ الذي بدأ مع بداية الحرب. وأن محاولة تكريس فكرة أن غزة في مرحلة ما بعد الحرب هو وصف تجميلي لحرب ما زالت متواصلة بأدوات أقل صخبا، لكن بالوحشية نفسها.